كيف تقضي إجازة الربيع الشيخ عبد الرحمن السديس 2024.

كيف تقضي إجازة الربيع .. الشيخ عبد الرحمن السديس
كيف تقضي إجازة الربيع .. الشيخ عبد الرحمن السديس
كيف تقضي إجازة الربيع .. الشيخ عبد الرحمن السديس

دار

كيف تقضي إجازة الربيع .. الشيخ عبد الرحمن السديس

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمداً عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ورضي الله عن صحابته الكرام، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الإخوة في الله: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأحمد الله تبارك وتعالى، الذي هيأ لي هذا اللقاء الطيب المبارك بكم في بيتٍ من بيوت الله، التي يجب أن تعمر بذكر الله – سبحانه وتعالى -، في هذه الليلة نلتقي مع إخوتنا في مدينة جدة، سواء أكانوا من الإخوة المقيمين فيها، أم من الزائرين لها في هذه الإجازة التي تسمى: بإجازة الربيع، ولا شك أن هذه الإجازة وغيرها، ينبغي أن تكون موسماً للخير والفضيلة، وعمارة القلوب بما يقرب إلى الله تبارك وتعالى؛ لأن الله – سبحانه – إنما خلقنا لتحقيق العبودية له – جل وعلا -، وينبغي أن نشغل بهذه الرسالة أوقاتنا كلها؛ أوقات فراغنا وأوقات شغلنا، أوقات صحتنا ومرضنا، أوقات كبرنا وصغرنا يقول – تعالى -: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162-163].
ونحن اليوم أيها الإخوة الأحبة!

في عصرٍ طغت فيه الماديات، وكثرت فيه المغريات، وشغل فيه كثيرٌ من المسلمين عن تحقيق ما يجب عليهم في هذه الحياة، والوقائع والصور والأحوال والحوادث تترجم ذلك، فكثيرٌ من الناس هدانا الله وإياهم في غفلةٍ عما خلق له: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) [الأنبياء: 1-3].
فيجب على العبد إذا أراد نجاته في هذه الحياة، ويوم عرضه على مولاه، أن يعمر أوقاته بما يقرب إلى الله تبارك وتعالى، وليس معنى ذلك: ألا يجعل الإنسان لنفسه فرصةً للترويح والتسلية وعمل ما يباح من الأمور، لكن أن تكون حياته كلها يطغى فيها الهزل واللهو والعبث، فليس هذا بصحيح، وليست هذه حياة المسلمين الصادقين في إيمانهم ويقينهم.
ولما كان الناس في مثل هذه العطلة والإجازة، تغلب عليهم الغفلة، انظروا إلى أحوال كثيرٍ من الناس الذين أتوا لزيارة هذه المدينة، تجد أن الكثير منهم يفهمون أن مجيئهم لهذه المدينة وغيرها، إنما هو للترويح عن أنفسهم، ولو عملوا ما يغضب الله – عز وجل -، وهذه مصيبةٌ كبرى، ولهذا تجد فئاماً من الشباب، الذين أهملوا واجبهم، وغفلوا عن تحقيق رسالتهم، وضيعوا شبابهم، وأعمارهم، في أمورٍ محرمة، تجدهم يعيشون في مثل هذه الأوقات حياة اللهو، والعبث والمجون، وتضييع الأوقات، وتضييع فرائض الله – عز وجل -، والوقوع في ما حرم – سبحانه وتعالى -، وهذه مصيبةٌ كبرى، أن يغفل الناس عن واجبهم، وعن تحقيق رسالتهم في هذه الدنيا.
أما المؤمنون الصادقون، المؤمنون الحريصون على ما يقربهم إلى الله، فحياتهم وقلوبهم كلها ربيع؛ ربيعٌ بذكر الله، ربيعٌ بإيمانهم بالله، ربيعٌ بذكر الله -عز وجل- وتلاوة كتابه، ومجالسة الصالحين من عباده، يستوي في ذلك عندهم أوقات فراغهم وشغلهم، فكلها في خير، وإن لم يعملوا طاعة فلا يقعوا في معصية، وهذا أمرٌ ينبغي أن يتفطن له الناس، لا سيما في مثل هذه الأيام.


أيها الإخوة في الله: إن الموضوع الذي أراده إخوتنا في الحديث وللحديث حوله موضوعٌ في غاية الأهمية؛ لأنه يتعلق بعضوٍ هو أهم الأعضاء على الإطلاق، فمعلومٌ أن الله – سبحانه وتعالى – خلق الإنسان في هذه الحياة وصوره فأحسن صورته، ووهبه الجوارح والأعضاء من الأيدي والأرجل، ووهبه السمع والبصر، لكنه وهبه – جل وعلا – عضواً هو أهم هذه الأعضاء على الإطلاق؛ ذلكم هو القلب!.


فالقلب هو ملك الأعضاء، إذا صلح صلحَ الجسد كله، وإذا فسد فسدَ الجسد كله، كما صح في ذلكم الحديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))

الراوي: النعمان بن بشير المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 1599
خلاصة حكم المحدث: صحيح

بل إني أكاد أقول: إن الأزمة التي تمر بها الأمة بل يمر بها العالم اليوم، هي أزمة القلوب!!
فقلوب الناس إلا من رحم الله قاسيةٌ بعيدةٌ عن الله – عز وجل -، قلوب كثيرٍ من الناس في غفلة عن تحقيق ما خلقت لأجله، أمراض القلوب المستعصية والمنتشرة في هذا الزمان ما أكثرها، ويهون طب الأبدان إذا بلي الإنسان بمرض الأديان، فطب الأبدان أمرٌ سهل يعالج عند أقرب طبيب وأقرب مستشفى، والناس يهتمون به في الغالب، فما أن يصاب الإنسان بمرضٍ في جسده، حتى يهرع لأفخم طبيب، ويسأل عن أحسن مستشفى، بل لربما يسافر الأميال والمسافات الطويلة؛ لأجل علاج مرضٍ جسدي، لكن كثيراً منهم يغفلون عن أمراض قلوبهم، وهي في الحقيقة الأمراض الخطيرة، كثيرٌ من الناس تجده في صحة في بدنه، وفي سعةٍ في ماله، ولكن قلبه مريضٌ بالمعصية، والعياذ بالله، فيجب على المسلمين ويجب على الشباب، ويجب حتى على طلبة العلم، أن يُعنوا بشأن قلوبهم، وليست الأزمة التي يمر بها العالم اليوم
أزمة فكر؟!
ولا أزمة مادة؟!
ولا أزمة ثقافة؟!
بقدر ما هي أزمة صلاح القلوب والأرواح: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا) [الشورى: 52].
ويقول الله – عز وجل – عن الكفار: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف: 5]، (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) [التوبة: 127]، ويقول عن المنافقين: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً) [البقرة: 10]، ولكنه أخبر عن أهل الإيمان: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن: 11].
فيا أيها الإخوة: إن علينا أن نعنى بشأن القلوب، وبصلاحها، فكثيرٌ من الناس يعتني بجسده، والاعتناء بالجسد إذا لم يكن على حساب الروح والقلب لا بأس به، ولكن أن يُشغل الناس بأجسادهم ويغفلوا عن قلوبهم وأرواحهم، فهذا شأن الغافلين:
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته *** أتعبت نفسك فيما فيه خسرانُ
أقبل على الروح فاستكمل فضائلها *** فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ
أيها الإخوة: إن كثيراً من المسلمين هدانا الله وإياهم في غفلةٍ عن قلوبهم، ولهذا حرص الإسلام على تربية قلوب المسلمين، وبُعث محمدٌ – صلى الله عليه وسلم – لعمارة القلوب بالإيمان وما يقرب إلى الله – عز وجل -، والنبي – عليه الصلاة والسلام – حينما أنقذ هذه الأمة، لم ينقذها بالسلاح المادي، ولا بالتعبئة الجسدية، وإنما هي في الحقيقة بتربية القلوب على الإيمان، فكان سلف هذه الأمة وصحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أقلية في أعدادهم وعتادهم، ولكنهم أرهبوا الأمم، ودمروا جميع الحضارات والعروش الكافرة؛ لأنهم تربوا على الإيمان بالله، وعمرت قلوبهم بما يقربهم إلى الله، وهكذا حال المسلمين في كل زمان ومكان، إذا اعتنوا بقلوبهم وأرواحهم، وحرصوا على عمارتها بما يقرب إلى الله – عز وجل -، وعالجوا أمراضها وأدواءها وما أكثرها، حين ذاك تصلح أحوالهم.
إذا كان المسلمون اليوم أكثر من مليار مسلم، وأحوال الأمة الإسلامية في بقاع شتى، أحوالٌ مبكية، وأوضاع مزرية، فما السر فيما أصاب المسلمين؟!
وما السر في أحوال المسلمين المتردية؟!
إن القضية قضية قلوب، لم تعمر قلوب الناس بالإيمان، وإنما دمرت بالمعاصي والذنوب التي غشت القلوب حتى أعمتها والعياذ بالله، فالقلوب تعمى: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46].
الذين لا يعرفون المساجد، ولا يعرفون بيوت الله، ولا يعرفون القرآن، ولا يعرفون الإيمان، ما هي أحوال قلوبهم؟!
قلوبٌ منتكسة!

قلوبٌ ميتة!
قلوبٌ خاوية!!
والعياذ بالله، ولكن هذا هو العطب، فإنه لا ينجو من عذاب الله، إلا صاحب القلب السليم: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88-89]، والقلب السليم: هو القلب المؤمن الموحد الذي لم تخالطه الأمور الشركية، ولا الأمور المبتدعة.
ولهذا فإن ربيع القلوب أيها الإخوة!
ليس في أن يذهب الناس على الشواطئ، والمنتزهات، والبراري، ويضيعوا الأوقات ويعمروها باللهو والأكل والشرب، ويتركوا الفرائض، ولكنها تعمر بالإيمان بالله.
الأمة اليوم لا ينقصها أعداد، ولا ينقصها عتاد، ولكن ينقصها رجالٌ مؤمنون موحدون، والخير في هذه الأمة باقٍ، وأهل الإيمان ولله الحمد والمنة في ازديادٍ وكثرة، لكن لا تزال الكثرة الكاثرة غثاءً كغثاء السيل، ينبغي أن نعود إلى قلوبنا، فننظر مدى عمارتها بتوحيد الله، نحن أمة توحيدٍ وعقيدة، أمة إيمانٍ بالله -عز وجل-، وهذا هو الذي يعمر القلوب في الحقيقة، فينبغي على المسلم أن يحرص على الإيمان والتوحيد علماً وعملاً واعتقاداً، وأن يجالس أهله، وأن يبتعد عما يخالف العقيدة الصحيحة؛ فإنها تخدش إيمانه، وتسود قلبه، وتجعله معرضاً عن الله -عز وجل-.
كذلك من الأمور التي ينبغي أن تعمر فيها القلوب وتحيا: الإقبال على كتاب الله، الإقبال على القرآن يقول – تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57] نعم.
شفاء لما في الصدور، شفاءٌ من أمراض الشهوات، وأمراض الشبهات التي تصد القلوب عما يقرب الله – عز وجل -.
ونحن اليوم أيها الإخوة! في عصرٍ أصيبت به كثيرٌ من القلوب بالوهن، والمرض، والفيروسات التي تضر القلوب كثيرةٌ جداً، فيحتاج الإنسان إلى مراجعةٍ جادة، ومحاسبة دقيقة لقلبه وإيمانه.
إذا نظرت فيك ضعفاً في الاعتقاد، وضعفاً في الإيمان، فارجع إلى قلبك.
إذا رأيت في نفسك تساهلاً في الصلوات فارجع إلى قلبك.
إذا نظرت إلى قلبك ونفسك تبغض أهل الخير، وتضيق في مجالستهم، ومجالسة الذكر وحلق العلم، فداو قلبك فإنك مريض.
إذا رأيت نفسك ميالةً إلى الغناء والمزامير، فداو قلبك فإنه مريض.
إذا رأيت قلبك منساقاً إلى الشهوات، والتوسع في المباحات، تحب أصناف المأكولات، وتجعلها شغلك الشاغل، وتحب المغريات والماديات، ولا تتحدث إلا عن الدنيا، فارجع إلى قلبك فإنه مريض.
يعاني المسلمون وتعاني المجتمعات، بل يعاني العالم اليوم من أمراضٍ نفسية؛ قلق، اكتئاب، انفصام الشخصية، أمراض نفسية، كثرة الوساوس والهموم، كثرة المس والسحر والشعوذة، وما إلى ذلك، والسبب: أن القلوب غُفِل عنها.
فينبغي أن يعلم الناس: أن ما أصيب به العالم اليوم، إنما هو بسبب خواء القلوب من الإيمان، أو ضعف الإيمان فيها، ولا يمكن أن يعالج أصحاب الأمراض النفسية عند الأطباء النفسيين الماديين، مهما علت مراتبهم ومؤهلاتهم وشهاداتهم، لا علاج إلا القرآن وشفاءٌ لما في الصدور: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ) [فصلت: 44]، (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً) [الإسراء: 82].
فهذا هو العلاج؛ الإقبال على القرآن!! لكن مع الأسف أن كثيراً من المسلمين هدانا الله وإياهم انصرفوا وغفلوا عن القرآن وتلاوته وحفظه، ومراجعة معانيه وتدبر آياته..
بل إننا لا نبالغ إذا قلنا: إن بعض المنتسبين إلى الخير، وأهل الالتزام والإقبال على الله، هم في تقصير مع القرآن، ونحن لا نريد شباباً التزامه هشَّ، والتزامه ظاهري، وإنما نريد قلوباً يعمرها الإيمان والقرآن.
فيا أيها الشباب: ويا طلبة العلم! إن أهم ما عنيتم به، وينبغي أن تعتنوا به: الإقبال على القرآن، حينما يأتي إليك شابٌ ملتزم ظاهره الصلاح، ولكنه لا يحفظ القرآن، أو لا يقرأ القرآن قراءةً صحيحة، فإن في التزامه دخناً، وينبغي أن يعالج نفسه، وأن يعرف أن التزام القلوب وصلاحها أهم من التزامه ظاهراً، وإن كان الأمران جميعاً مطلوبين لكنَّ العناية بأمور الباطن، وأمور القلوب، هي الأمور التي ينبغي أن تستحوذ على همم أهل الخير والصلاح.
نعم، ينبغي أن يتربى الشباب على القرآن، وينبغي أن يعنى الدعاة إلى الله بالقرآن، نرى كثيراً من الناس، ينصرفون إلى قضايا فكرية على سبيل المثال، وهذا لا محظور فيه، ينبغي على الإنسان أن يكون فكره فكراً نيراً صحيحاً سليماً، وليس مخلطاً، ولا ملوثاً باللوثات المنحرفة، لكن لا نربي نحن فكراً مع خواء الروح والقلوب، ينبغي أولاً: أن نعنى بشأن الإيمان والعقيدة والعلم الشرعي الذي نواته الإقبال على كتاب الله – عز وجل – وتلاوته وحفظه، وخذ من أمور الفكر بطرف، وكن على معرفة، وخذ من أمور الواقع ومعرفة أحوال المسلمين بطرف، لكن لا يكون هذا هو الاهتمام الكلي، ينبغي أن تعمر القلوب بالذكر: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].
في عصر القلق والاكتئاب، والمصائب والأمور النفسية، لا طمأنينة للقلوب إلا بالإقبال على الله، فحياة القلوب بذكر الله -عز وجل- والإيمان به: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) [الأنعام: 122].
فينبغي على المسلم: أن يعنى بكتاب الله، لا سيما الشباب وطلبة العلم والأخيار والملتزمون، ينبغي أن يعنوا وأن يربوا أنفسهم على القرآن، لأننا نرى أن قلوب بعضهم قاسية، وتحتاج إلى من يلينها، ولا ملين إلا كتاب الله -عز وجل-.
وفي المقابل أناسٌ يعتنون بالأمور القلبية، ويهتمون بها، وقد يحدثون في دين الله من الأذكار ما ليس منه، وهذا أمرٌ ليس بصحيح.
ينبغي على المسلم أن يعلم: أنه لا حياة للقلوب إلا بالسير على منهج السلف الصالح، والتزام سنة النبي – صلى الله عليه وسلم -، والبعد عن المحدثات، ولهذا شطح كثيرٌ من أرباب التصوف لما اعتنوا بالأمور القلبية، ولكنهم لم يهتموا بالبناء على العلم الشرعي، والعقيدة الصحيحة، واتباع سنة النبي – صلى الله عليه وسلم -.
فنظروا إلى الإسلام، إلى الجوانب القلبية، وهز الرءوس والتقشف والزهد، دون أن يبنى ذلك على عقيدة صحيحة سلفية، وإيمانٍ وقرآن، واتباع لسنة الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم -.
كذلك أيها الإخوة: مما ينبغي أن يعتني به المسلم لصلاح قلبه ولدواء قلبه: أن يكون القلب سليماً؛ سليماً من الدخل والدخن، وسليماً أيضاً من اللوثات التي تلوث القلب، ومما يكون في النفوس والقلوب والصدور: من الغل، أو الحقد، أو الحسد، أو البغضاء، أو الشحناء على أحدٍ من المسلمين، طهارة القلوب من هذه الأدواء والأمراض طريقٌ لربيعها وصلاحها.
أما أن تكون القلوب مليئة بالأحقاد، والحسد، وتتبع العثرات، وتلمس النقائص والسوءات، فهذا مرض ينبغي أن يعالج أصحابه قبل أن يستفحل أمرهم.
وإذا نظرت إلى أحوال الناس اليوم، تجد أن هذه الأدواء تضرب بأطنابها في قلوبهم، فأصيب الناس بالفرقة والخلاف، ووجد في الصدور والقلوب ضد المسلمين، بل ضد طلبة العلم، والدعاة إلى الله، والعلماء، وهذه مصيبة أن يوجد هذا في قلوب الإسلام، وأهل الإيمان، فالحسد، والكيد والبغضاء، والشحناء خطرها عظيم، وضررها جسيم، ينبغي للمسلم أن ينور قلبه، ويعالج أن تقع فيه هذه الأدواء، فتحب لإخوانك المسلمين ما تحب لنفسك، وتدعو لهم، وتعرف فضلهم، وخيرهم، وسبقهم، وتعرف حسناتهم، أما أن تلغي الإنسان لمجرد خطأ وقع فيه، أو سوء ظنٍ منك، أو حرصٍ من الشيطان على أن يوقع بينك وبين إخوانك، فلا تجد هماً لك، إلا أن تبث الفرقة والخلاف في الأمة، فهذا داءٌ خطير، وينبغي أن يُفهم من هذا أنه ليس معنى ذلك، أننا لا نبين الأخطاء، لا، ينبغي أن يبين الخطأ، كائناً من كان من أتى به، لكن لا داعي إلى التشهير، والتعيير والتجريح والثلم، بشكلٍ ظاهر، ويجعل الهوى متمكناً ودليلاً على أصحاب هؤلاء على هذا الفعل، وهؤلاء الذين يقومون به.
أرجو أن يفهم ما أردت تماماً، فنحن لا نجامل في عقيدتنا، ولا في إيماننا، وينبغي أن يقال للمخطئ: أخطأت حتى لا يغتر الناس بالخطأ، لكن نلتمس المعاذير، المؤمن يلتمس المعاذير والمنافق يتتبع الزلات، من الذي لا يخطئ؟!

ومن الذي ما ساء قط؟!
الناس كلها تخطئ فلو أن واحداً من الحاضرين أتى اليوم لتتبع خطأ المتحدث، لكان هذا أمراً خطيراً أن يأتي الإنسان لأجل أن يتتبع الأخطاء، اسمع الكلام واعرف المراد منه، وكن حسن الظن بإخوانك المسلمين، سليم النية، طيب الطوية، لا تحمل في قلبك غلاً ولا حقداً ولا حسداً على أحدٍ من إخوانك المسلمين، ولو كان عامياً، فضلاً عن أن يكون طالب علم، أو أن يكون معروفاً بالخير والحرص على ما يفيد الأمة، ولا ينافي هذا كما قلت أننا نبين الخطأ ونذكره حتى لا يغتر به الناس، ولا نغلو في أحدٍ من الناس كائناً من كان، الحق أحب إلينا من الرجال، لكننا نعرف للمحسن إحسانه، وندعو للمخطئ ونسأل الله أن يغفر زلَلَـه، هذا هو منهج المسلم الحق.
أما الذين يعمرون قلوبهم بالغل والحقد والشحناء، ويربون الناس على هذا، ويربون الشباب على هذه الأمور، وعسى ألا يكون أحداً منهم موجوداً، وهم قلة ولله الحمد والمنة، فهذا أمرٌ ينبغي أن نتنبه له.
إذا أردنا أن نركز في الحديث لنضع أسباب حياة القلوب وسلامتها، فنقول:
الإيمان القوي، والاعتقاد السليم: قال – تعالى -: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال: 2-4].
القرآن مادة حياة القلوب، وكم نسمع من كتاب الله في مقابل ما نسمع من غيره؟
وكم نقضي من الأوقات مع كتاب الله في مقابل ما نقضي من الأوقات مع غيره؟

حتى لو كان الإنسان في طلب علم، فينبغي أن يركز على القرآن، ويجعل لكل فنٍ قدراً.
قال – تعالى -: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].


أين الذاكرون الله كثيراً، والذاكرات؟!


هم ولله الحمد موجودون، لكنك إذا نظرت إلى الحياة الصاخبة من حولك تجد أن هؤلاء قليل في عموم كثير من الناس.
ينبغي أن نعمر القلوب بذكر الله، حتى بعض أهل الخير، وبعض المحسوبين على الصلاح، وهم من أهل الصلاح، تجد قلوباً قاسية، ذكرهم لله قليل؛ وهذه صفة من صفات المنافقين، عافانا الله وإياكم قال – تعالى -: (وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء: 142].
فينبغي على المسلم أن يعود لسانه دائماً ذكر الله، يذكر الله – عز وجل – في جميع أحيانه وأحواله، كما كان – عليه الصلاة والسلام -.
وإذا نظرت إلى التربية من حولك تجد العجب في موضوع التربية، فبعض الناس يتربى على أمورٍ بدنية وجسدية، وبعضهم يتربى على أمورٍ عقلية وفكرية، وآخرون على جوانب وعظية في قلة من العلم، وأناسٌ قبعوا في مكتباتهم، يدَّعون أنهم على علم، والمسلم يأخذ من جميع هذه الجوانب التي يستطيع أن يكمل بها شخصيته.
فأولاً: الاعتقاد السليم، ثم العلم الشرعي، الذي ينبغي أن نحرص عليه، وأن يحرص شبابنا عليه.
أيضاً: ذكر الله – عز وجل -، وفيه الأجر العظيم، والخير الكثير يقول – تعالى -: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]، ((مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكره مثل الحي والميت))، فذكر الله – عز وجل – أمره عظيم، لكن تقصيرنا فيه عجيب، التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، وقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى – عليه الصلاة والسلام -، كل ذلك مما يعمر القلوب، لكن الناس في غفلة، أما المنحرفون، فصدتهم الأغاني الخليعة، والمزامير، والكلمات الخادعة والمبتذلة، وهؤلاء ينبغي أن يُدْعَوا، وأن يفيئوا إلى رشدهم، وأن يتوبوا إلى ربهم، قبل أن تحلَّ بهم ساعة الاحتضار، فيندم حيث لا ينفع الندم، وكثيرٌ من الناس حتى من أهل الخير والصلاح مقصر في هذه الجوانب، فعلى المسلم أن يكمل نفسه في هذا الأمر.


أيضاً من أسباب علاجها وحياتها: صفاء القلوب من الغل والحقد والحسد والبغضاء: وليس المسلم مطالباً بالنقد، كما يحاول بعض الناس أن يحرص على هذه الأمور بقدر ما هو بحاجة أن يكمل نفسه، قبل أن تنتقد الآخرين كمِّل نفسك أنت، وابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها، وقوِّمها على طاعة الله – عز وجل -، أما أن يتربى الشباب وهم صغار في مراحل المتوسطة والثانوية على النقد، فلا يتركون أحداً إلا نقدوه؛ نقدوا العلماء، ونقدوا الولاة، ونقدوا العالم جميعاً، ومعنى أن الذي يصدر نفسه للنقد أنه يرى أنه هو السالم من الأخطاء وأن الناس كلهم على خطأ، نعم، نحن مطالبون بالنصيحة الشرعية، ونعرف أسلوبها، فللولاة أسلوبهم في النصيحة، وللعلماء إن قصروا أسلوب، وللدعاة والعلماء وطلبة العلم بعضهم مع بعض أسلوب، لكن أن تظل الأمة في فرقة وخلافات، وكلٌ يدعو لنفسه وينتصر لنفسه، ويرى أنه هو الذي على الحق، ويظل الناس في حيرة واضطراب، فهذا هو البلاء الذي وقع فيه كثيرٌ من الناس، حتى انفصمت عرى المحبة والأخوة، وأصبح الإنسان لا يهتم إلا بنقد الآخرين، وهذه مصيبة.


أيضاً من الأمور المهمة: أن نعلم أننا إخوة في الله، ومتحابون في الله، وأن محبتنا وأخوتنا تسمو على الخلافات، ووجهات النظر، ولهذا ينبغي أن يعرف المسلمون ولا سيما طلبة العلم، آداب الخلاف، تعرف ما هي الوسائل والأسباب والمسائل والفروع التي لا غضاضة فيها أن يوجد بين طلبة العلم خلافٌ فيها، وبين الأمور التي لا عذر للإنسان في الخلاف فيها.


إي نعم، فهذه مسائل مهمة جداً، ولا يمكن أن يعملها الناس إلا باصطحاب العلماء، وملازمتهم، وثني الركب في حلق العلم والعلماء، والاستفادة منهم، مع سلامة الصدور لأهل الإيمان.


لا تصاب بالأسى والأسف، إلا حينما يأتيك أحد، ويقول: ما رأيك بالعالم الفلاني؟
من أنا ومن أنت حتى نتكلم في هؤلاء؟

لكن إن أخطأ أحد فنصحه واجب وخطؤه مردود عليه، وينبغي أن يبين، لكن ينبغي ألا يكون الهوى وهو المرض الخطير الذي تصاب به القلوب: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ) [الجاثية: 23]، فالهوى مرضٌ خطير إذا أصاب القلوب أعماها، وأقفلها، ولا علاج للهوى إلا بتقديم النصوص والبعد عن الهوى.
فيا أيها الإخوة: هذه جملة من أسباب حياة القلوب: الصفاء، والأخوة، والمحبة في الله – عز وجل -، هي التي ينبغي أن تعمر قلوب الناس، مع ما سبق بيانه.
ومن الأخطار الخطيرة التي ينبغي أن يتنبه لها الناس؛ أسباب مرض القلوب، وأسباب قسوتها من الوقوع في الأمور المحرمة، لا سيما الأمور الشركية والبدع والمحدثات.
المعاصي والذنوب: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين: 14]، ولهذا ورد في الحديث: ((إن العبد إذا أذنب نكتت في قلبه نكتةٌ سوداء فإن تاب وأقلع صقل منها، وإن عاد عادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله

الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 1670
خلاصة حكم المحدث: حسن



يقول الله: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين: 14])).
فالناس اليوم عمتهم الذنوب والمعاصي إلا من رحم الله، في جميع الجوانب؛ في البيوت وفي الأسواق، وفي المنتزهات، وعلى الشواطئ، وفي الشوارع، ذنوب تتعلق بالاعتقاد والعبادات -يعني في جانبها- وفي الأخلاق والقيم في تقصير الناس في هذه الأمور، لا سيما في مثل هذا العصر، الذي هو عصرٌ غزي فيه المسلمون بوسائل جديدة تبث الفساد والانحراف، وتقضي على صحة القلوب، فينبغي على المسلمين أن يحذروا هذه الأمور.
من أسباب أمراض القلوب: الإعراض عن ذكر الله – عز وجل -، وعدم تدبر القرآن يقول الله: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24]، الإعراض عن القرآن سببٌ لموت القلوب.
إن الوقوع في الحسد والغل والحقد والبغضاء، والوقوع في أعراض المسلمين، وأمراض الغيبة والنميمة، وكلام الناس بعضهم ببعض، كل ذلك من أمراض القلوب، فلو كان القلب سليماً للزم اللسان الصمت، ولم يذكر إلا الخير، وإذا كان هناك من خطأ فينصح صاحبه سراً، لا سيما إذا كان من العلماء، أو إذا كان من المسئولين والولاة، فليس من العلاج أن يتكلم الناس في المجالس وفي المنابر على أخطاء الناس ولاةً أو غير ولاة، أو علماء، فللولاة نصحهم المشروع، ينصحون فيما بينك وبينهم، ويبين لهم وهذا دليل صدقك معهم، وسمعتك وطاعتك لهم بالمعروف.
أما الذين يشهرون فهؤلاء لا يحلون مشكلاً، ولا يغيرون منكراً، ويوغرون صدور الناس على من ولاهم الله أمرهم، وعلى علمائهم، وعلى أهل الخير فيهم.
فينبغي أن يتواصى المسلمون، وأرباب الإصلاح في معرفة الطريق الصحيح، ولقد ثبت بالتجربة أن أسلوب التشهير ليس طريقاً للعلاج، وإنما قد يضر الدعوة وأهلها، إنه لا طريق للعلاج إلا الالتحام بعلمائنا الكبار ذوي العلم والخبرة والتجربة وممن لا يشك أحد أنهم ممن أنصح الناس لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، لكنهم لعلمهم وفقههم وتجربتهم الطويلة عرفوا طريق العلاج.


أما أن يأتي الإنسان بغيرته وحماسه وهذه تحمد فيه، لكن ينبغي أن يكون ذلك مهذباً ومنضبطاً بالضوابط الشرعية، ومأخوذاً من أهل العلم ومرجوعاً فيه إلى القيادات العلمية التي تعرف وتوصل إلى الطريق الأسلم في هذه الأمور حتى لا تقع الأمة في فتن لا يعلم مداها إلا الله.
أيها الإخوة: الربيع وربيع القلوب موضوعٌ جد مهم، وينبغي أن نُعنى به غاية العناية وأن نهتم به، والحقيقة هي كلمات ذكرتها وخواطر في النفس والقلب أبثها لكم راجياً أن تكون موقظةً للقلوب، لأننا بحاجة أن نسمع الخير والذكر فتنفتح له قلوبنا.
أما أن نسمع ولا نتأثر وتظل القلوب على ما هي عليه فهذا مرض، ولهذا فكل مسلم، وكل من سمع هذا الحديث فإنني أطالبه أن يعرض اليوم قلبه على العيادة الصحية التي هي -الحقيقة- ما ذكرناه من الأمور؛ الإيمان، القرآن، الذكر، العلم، صفاء القلوب، الأخوة في الله – عز وجل -، ذكر الله – سبحانه وتعالى -، وما إلى ذلك، وعليه أن يعالج القلب أكثر من أن يحرص على علاج بدنه، وهذه قضية تربوية ينبغي أن نربي الأبناء والبنات والأسر، على العناية بقلوبهم:
وإذا حلت الهداية قلباً *** نشطت بالعبادة الأعضاءُ
ولو أن الدعاة إلى الله والمصلحين ركزوا على موضوع القلوب عقيدةً وإيماناً وذكراً؛ لأصبح الحال أحسن مما هو عليه، ولتوارت كثير من الأخطاء الموجودة في الساحة ولسلمت القلوب، أما أن يُعتنى بقضايا أخرى على حساب هذه الأمور فذلك تقصير في حق هذا الموضوع المهم، وإن شاء الله – عز وجل – أن يكون عرض هذا الموضوع في هذه الإجازة التي يظن كثيرٌ من الناس أنها ربيعٌ للأبدان، ربيعٌ للأجساد، يتمتعون بها، لكنهم قد يقضون على قلوبهم والعياذ بالله.
أيضاً من أسباب علاج القلوب أيها الأخوة: أكل الحلال، والبعد عن الحرام، أكل الحرام يضر في القلب، وحدِّث ولا حرج اليوم عن المعاملات التي يتعامل بها كثيرٌ من الناس وهي محرمة، وما ذلك إلا لأن الدنيا طغت على القلوب والعياذ بالله.
أيضاً: غض البصر، والبعد عن الوسائل المغرية، ولهذا الذين يقعون في الفساد والانحراف تجد أن الشهوة هي التي كانت سبباً وراء وقوعهم في هذه الأمور، ولهذا على الإنسان أن يعالج الشهوة التي في نفسه بالعلاج الشرعي وهو الزواج أو الصيام والبعد عن الوسائل المغريات.
فيا شباب الإسلام: احرصوا على عمارة قلوبكم بما يقربكم إلى الله، ربوا القلوب على القرآن، وعلى الإيمان، وعلى ذكر الله – عز وجل -، والبعد عما حرم الله – سبحانه وتعالى -.
هذا الأمر الذي ينبغي أن أنبه عليه، ولعل في هذه الكلمات ما يكفي ويشفي في هذا الموضوع، والحقيقة أنه موضوعٌ هام، جاء ذكر القلوب في كتاب الله – عز وجل – قرابة مائة واثنين وأربعين مرة، وما يتصرف عن كلمة قلب، وقلوب ونحوها.
وأما في السنة، ففي أحاديث كثيرة قرابة أربعمائة أو تزيد، فهذا دليل على العناية بهذا الجانب المهم، والرسول – عليه الصلاة والسلام – إنما ربى قلوب الأمة، ولهذا الآن يتساءل كثيرٌ من الناس في منهج الدعوة الصحيح وطريق الدعوة الصحيح، ونحن لا نخطِّئ، أو لا نقع في عرض أحد من الناس أفراداً أو جماعات، ولكن يهمنا أن يسلك شبابنا المنهج الصحيح في الدعوة إلى الله، وهي أن يعلموا أنه لا طريق للدعوة إلا عن طريق دعوة محمد بن عبد الله – عليه الصلاة والسلام -.
فهذه الفُرقة التي مُني بها الناس، لا سيما في شأن الدعوة ينبغي أن تُحل بأن يسلك الجميع طريق النبي – عليه الصلاة والسلام – في الدعوة من التركيز على العقيدة والإيمان والقرآن والعناية بالقلوب، وأن يكُمِّل الإنسان نفسه من الأمور التي يحتاجها عصره وواقعه، ولا غضاضة في ذلك، المهم أن نبني الناس على منهجٍ شرعي سليم، على العلم بكتاب الله وسنة رسوله – عليه الصلاة والسلام -، مع أنه ينبغي أن نحرص -كما قلت- وأكررها لأننا في مصيبةٍ عظمى، منها: في قضية الفرقة والخلاف، فلنحذر ولنعرف أدب الخلاف، ولنعرف مساغات الخلاف، وما يسوغ فيه الخلاف، وما لا يسوغ فيه، ولتسلم صدورنا لإخواننا الدعاة، ولإخواننا العلماء، ويعلم الله أننا نحب الحاضرين جميعاً، وإخواننا طلبة العلم والدعاة إلى الله نحبهم في الله، ولا نعرفهم، أو قد لا نعرفهم ما دام أنهم على الخير وعلى المنهج وعلى الطريق الصحيح، هذا الذي ينبغي أن نسلكه، أما أن نقع في مشكلات ومصائب وفرقة وخلافات لا أول لها ولا آخر، فهذا يستفيد منه العدو المتربص.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وأرانا الحق حقاً ورزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ورزقنا اجتنابه، وأصلح قلوبنا وأعمالنا بمنه وكرمه، كما نسأله -تعالى- أن يجمع قلوب المسلمين على الحق والهدى، وأن يوفق ولاة أمورهم لما فيه خير الإسلام وصلاح المسلمين، وأن يوفق علماءهم ودعاتهم لبذل المزيد من التوجيه للأمة الإسلامية جميعاً، وأن يرزق الشباب وطلبة العلم الوحدة والاتفاق، وأن يبعدهم ويجنبهم نزغات الشيطان والهوى بمنه وكرمه، كما نسأله – تعالى -أن يصلح ضال المسلمين، وأن يهيئ لأمة الإسلام من أمرها رشداً، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

كيف تقضي إجازة الربيع .. الشيخ عبد الرحمن السديس
كيف تقضي إجازة الربيع .. الشيخ عبد الرحمن السديس
كيف تقضي إجازة الربيع .. الشيخ عبد الرحمن السديس

سلمت يمينك عبير
ويارب تطهر قلوبنا
وترزقنا حسن عبادته دائما وابدا
بارك الله فيك اختي
ولا حرمك الله الاجر
بارك الله فيكِ بعملك وعلمك
نفع الله بكِ الاسلام والمسلمين
سلمت يمنياك لمنقولك المهم
جزاك الله الجنة

دار

اللـَّــ̯͡ﮭ يعطيك. العافيه ع الطرح

دار

جزاك الله خير الجزاء
مواضيعك جميلة وهادفهـ ولها من الفائدهـ الشي الكبير ….
موضوع رائع وطرح اروع
سلمت يداكِ

دار

هذا هو الله – الرحمن الرحيم 2024.

هذا هو الله – الرحمن الرحيم

دار

هل تعرف الله؟
هذا هو الله سبحانه

هذا هو الله الواحد الأحد: قال تعالى: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) " [الإخلاص].

هذا هو الله … الرحمن الرحيم
فتجده يحب أن يُعرِّف عباده برحمته، قال تعالى: " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " [الحجر: 49].
ورحمته قد وسعت كل شيء: قال تعالى : " وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ " [الأعراف: 156].

وتجده أرحم من الأم بولدها:
عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)أن امرأة من السبي كانت تسعى إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟» قلنا: لا والله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الله أرحم بعباده من هذه بولدها»([1]).
وقال حماد بن سلمة: «ما يسرني أن أمري يوم القيامة صار إلى والديَّ، إن ربي أرحم بي من والديَّ».

لو علم الكافر رحمة الله لطمع في جنته:
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد»([2]).

من رحمته تتراحم الوحوش والهوام والدواب:
قال النبي صلى الله عليه و سلم : «إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها».

الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 2172
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وفي رواية: «حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه وأخَّر الله تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة»([3]).

وينزل في كل ليلة ينادي عباده ليرحمهم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له؟»([4]).

——————————————-
([1]) أخرجه البخاري (5999)، ومسلم (2754).
([2]) رواه مسلم عن أبي هريرة (4/2755).
([3])البخاري (9469)، ومسلم (2752، 2753).
([4]) البخاري (6321).

دار

اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد
بارك الله فيكِ اختى وجعله فى موازين حسناتك ونفع بكِ
دار
أختي في الله
اللهم اجعل كل عملها يقربها الي رضاك
ويجنبها سخطك واكنفها يا رب برحمتك
و أرزقها من حيث لا تحتسب ويسر لها آمر طاعتك
و أعصمها من معصيتك اللهم أمحو عنها الزلها
و أقل العثرة وبدل السيئة حسنه
و أجعل كل ذنب لها مغفور و أسكنها عامرات القصور
و أكرمها برؤية وجهك يا عزيز يا غفور
و جميع المسلمين ..
اللهم امين

أختي الحبيبه عبير الزهور
كنتِ ولا زلت نبراساً للمنتدى الإسلامي
بحضوركِ ومواضيعكِ المميزه
دار

أختي في الله

اللهم اجعل كل عملها يقربها الي رضاك

ويجنبها سخطك واكنفها يا رب برحمتك

و أرزقها من حيث لا تحتسب ويسر لها آمر طاعتك
و أعصمها من معصيتك اللهم أمحو عنها الزلها

و أقل العثرة وبدل السيئة حسنه
و أجعل كل ذنب لها مغفور و أسكنها عامرات القصور
و أكرمها برؤية وجهك يا عزيز يا غفور
و جميع المسلمين ..
اللهم امين

لم اجد افضل من هذا الله الذي هو منك يا قلبي
على روووعه الموضوع
احلى تقييم لعيونك

نسأل الله من فضله
اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين

طــرح رائـع أختاه
بارك الله فيك واثابك الجنه
جزاك الله خيرا
وجعله في ميزان حسناتك
دمت برضى الله

أوضاع الأمة – الأسباب والعلاج – الشيخ على عبد الرحمن الحذيفى 2024.

أوضاع الأمة – الأسباب والعلاج – الشيخ على عبد الرحمن الحذيفى

دار


فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، فتقوى الله صلاحُ دنياكم وأخراكم.

واعملوا ـ عباد الله ـ أن لله سننًا في الكون لا تتغير ولا تتبدل، تجري على البشر كلهم، وتمضي على المخلوقات جميعًا، قال الله تعالى: (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) [فاطر: 43].
وإن من سنة الله وحكمه أن من زرع خيرًا حصد خيرًا، ومن زرع شرًا حصد شرًا، قال الله تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) [الزلزلة: 7، 8].


ومن سنن الله وحكمه أن من أخذ بأسباب النجاح لنيل الدنيا ومتاعها نال ما قسمه الله له، وما قدره الله له من الدنيا، ومن عمل بأسباب النجاح للجنة، وسلك طريقها بلَّغَه الله الجنة وجعله من أهلها، فمن عمل بأسباب النجاح لنيل الدنيا والآخرة، فعمل بطاعة الله، وابتعد عن معصية الله فاز بخيري الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَـاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَـاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَىا لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّكَ مَحْظُورًا انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىا بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) [الإسراء: 17 ـ 21]، (مَنْ عَمِلَ صَـالِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَواةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].


ومن سنن الله تعالى أن يبتلي البشر ويختبرهم بالخير والشر، والحسنات والسيئات، قال الله تعالى:(وَنَبْلُوكُم بِالشَّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35]، وقال تعالى: (وَبَلَوْنَـاهُمْ بِالْحَسَنَـاتِ وَالسَّيّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأعراف: 168].


فأما المؤمن المسلم فإذا أصابه خير ونعمة فيعلم أنها فضل ومنة من الله عليه، فيشكره ويحمده عليه؛ لأنه لا يستحق أحد على الله شيئًا، إن أعطى الرب فبفضله، وإن منع فبعدله، وإن أصاب المسلم شرٌ ومكروه صبر واحتسب وعلم أن ذلك بسبب ذنب فعله، أو أن الله يريد أن يرفع درجته في الآخرة، ويثيبه على هذه المصيبة التي قدرها الله تعالى عليه، قال الله عز وجل: (مَّا أَصَـابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَـابَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ) [النساء: 79]، وقال تعالى: (وَمَا أَصَـابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30]. فيحاسب المسلم نفسه، ويراجع أعماله، ويحدث لكل ذنب توبة لربه.


وأما الكافر فإذا جاءته نعمة أشر وبطر، وطغى وتجبر، وإذا جاءته مصيبة وشر جزع وتغير، وبقي في كفره يتردد ولم يصبر، جنته دنياه، ومعبوده هواه، فهو كالبعير يعقله أهله، ثم يطلقونه، فلا يدري: لم عقلوه؟ ولم أطلقوه؟


أيها المسلمون:


لقد تكاثرت المصائب على المسلمين، وتوالت النكبات والكوارث على العالم الإسلامي في هذا العصر، وتعددت التفسيرات لذلك، فمن الناس من يفسر ذلك بتخطيط أعداء الإسلام، ومنهم من يفسره بالضعف الاقتصادي، ومنهم من يفسره بالتأخر الصناعي والتقني، إلى آخر تلك التفاسير، وكل هذه عَرَض للمرض، وليست هي المرض، السببُ فيما وصل إليه المسلمون من المآسي والأحوال المؤلمة والكوارث النازلة هو التفريط في جانب دينهم من الأفراد والمجتمعات إلا من رحم الله، كما قال تعالى: (أَوَ لَمَّا أَصَـابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىا هَـاذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَىا كُلّ شَىء قَدِيرٌ) [آل عمران: 165]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىا يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ)[ الرعد: 11].


ولقد مر بأمة الإسلام فترات أشدّ بلاء من بلاء هذا العصر، وتجهّم لها عدو الإسلام، فصهرتها الشدائد والكربات، فرجعت إلى دينها رجعة صدق وإخلاص وعلم وإيمان، في تلك الفترات العصيبة من تاريخ الإسلام، فوجدت الأمن والكرامة، واجتماع الكلمة والخير من خلال دينها وشريعتها السمحة، في كل فترة عصيبة، فضمَّدت جراحها، وأصلحت أحوالها.


وفي هذا العصر اشتد الخطب والكرب على الإسلام وأهله، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ولا يعفي المسلمين من المسؤولية أن يُلقوا باللوم على غير المسلمين، فإذا لم يحل المسلمون مشاكلهم بما يتفق مع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما يتفق مع مصالحهم وبما يتفق مع مصالح أجيالهم، فلا يُمكن أن يحل هذه المشاكل غير المسلمين.


فالحل بيد الله، ثم بيد ولاة أمور المسلمين وعلمائهم، بتعاضدهم وائتلافهم وتعاونهم على كل خير فيه سعادة للبشرية، بتبصير الأمة بكل نافع مفيد، وحثها عليه، وتحذيرها من كل شر في دينها ودنياها، فالواجب عليهم عظيم، والأمل فيهم بعد الله كبير.


فإذا نزلت الشدائد والكربات، وحلت الفتن فأول مخرج من ذلك التوبة النصوح، قال الله تعالى: (وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].


التوبة الصادقة من كل ذنب من كل فرد، والذي يقول: وما تغني توبتي من الذنوب؟!

وما فائدة توبتي في إصلاح أمة الإسلام؟!
يقال له: سبب كل خير في الدنيا والآخرة طاعة الله عز وجل، وسبب كل شر وعقوبة في الدنيا والآخرة معصية الله، وتوبة كل فرد من جميع الذنوب تُكثر الخير وتقلل الشر، وما أهلك الله الأمم الخالية إلا بكثرة عصاتها، وقلة الطائعين فيها، وقد تكون معصية فرد واحد سببًا في هلاك أمة، فقد أهلك الله ثمود بقتل واحد منهم الناقة، وفتك الطاعون ببني إسرائيل بين ظهراني موسى وهارون عليهما السلام لما وقع بعض بني إسرائيل في الزنا، قال الله تعالى عن الأمم الهالكة: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـاكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) العنكبوت: 40].

وفي حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)) وحلق بين الإبهام والسبابة، قالت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: ((نعم، إذا كثر الخبث)) يعني الفواحش وشرب الخمر.

الراوي: زينب بنت جحش أم المؤمنين المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 7059
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

فلا يُقلَّل من شأن التوبة، فهي المخرج في الشدائد، فما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة واعتصموا ـ معشر المسلمين ـ بكتاب ربكم وسنة نبيكم، فهما نور لكم في الظلمات، وهداية من الضلالات.

أيها المسلمون:


إن الواجب على أمة الإسلام ـ والفتن تمد أعناقها ـ أن يكونوا صفًا وحدًا، مجتمعَ الكلمة، أمام رياح التغيير التي تهب على العالم، والتي تتمنى تغيير عقيدة أهل الإسلام، والنيل من شريعته، وقيمهم الدينية وأخلاقهم، وثوابتهم ومناهجهم، فدينكم الإسلامي يوجب الاجتماع والائتلاف، ويحرم عليكم الفرقة والاختلاف، قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران: 103]، وقال تعالى: (وَلاَ تَنَـازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّـابِرِينَ) [الأنفال: 46].


وإذا أمر الإسلام باجتماع كلمة المسلمين فلا يريد بذلك أن يظلم غير المسلمين أو يعتدي عليهم أو ينتقص حقوق غير المسلمين، التي خولتهم إياها شريعة الإسلام، ولو فهم غير المسلمين سماحة الإسلام ورحمته وكماله وعدله وجماله فهمًا صحيحًا لسارع الكثير منهم إلى اعتناقه، ولما حمَّلوه السلبيات التي تخالف الإسلام مما يفعله بعض المسلمين، قال الله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـادَكُمْ مّنْ إمْلَـاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ ذالِكُمْ وَصَّـاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 151].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:


الحمد لله الرحيم الرحمن، ذي الفضل والإحسان، أحمد ربي وأشكره على نعمه التي لا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله المجتبى، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الأتقياء.


أما بعد: فاتقوا الله تعالى وراقبوه مراقبة من يعلم أن الله يطلع على السر والنجوى، وتقربوا إلى ربكم بالأعمال الصالحات، وهجر السيئات، وقدموا صالح أعمالكم عند ربكم قبل لقائه، واغتنموا العمر قبل فنائه، قال الله تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] وقال تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].


فأعدوا للسؤال جوابًا ينجي من كربات يوم القيامة، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟)).



الراوي: معاذ بن جبل المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترغيب – الصفحة أو الرقم: 3593
خلاصة حكم المحدث: صحيح لغيره

عباد الله، إن الله أمركم بأمر جليل في محكم التنزيل فقال عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) الأحزاب: 56، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا)).

فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد…


دار


اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
جزاك الله خير
واصلح الله حالنا وحال المسلمين في كل مكان
ولا حرمك الله الاجر

دار
جزاك المولى خير الجزاء
يعطيك العافية وبارك الله فيك
ع اختيارك للموضوع الرائع والمهم ..جعله الله في ميزان حسناتك
دآئمآً مميزه بآختياراتك .. تسلم دياتك يالغاليه
دمتي بحفظهـ

دار

دار

جزاك الله الجنه حبيبتى

دار

روائع الدكتور محمد بن عبدالرحمن العريفي 2024.

[IMG]http://****************/img3/04hzumr16.gif[/IMG]
دار
دار
[IMG]http://****************/img3/04netzl16.gif[/IMG]
[IMG]http://****************/img3/04kuihw16.gif[/IMG]
دار
[IMG]http://****************/img3/04iafwe16.gif[/IMG]
[IMG]http://****************/img3/04sdopu16.gif[/IMG]
[IMG]http://****************/img3/04ejvsg16.gif[/IMG]

[IMG]http://****************/img3/04ybpct16.gif[/IMG]

[IMG]http://****************/img3/04tkbfe16.gif[/IMG]

[IMG]http://****************/img3/04pusom16.gif[/IMG]
دار
[IMG]http://****************/img3/04dlfpn16.gif[/IMG]
دار
دار

دار

[IMG]http://****************/img3/04sblcm16.gif[/IMG]
[IMG]http://****************/img3/04zpivf16.gif[/IMG]
[IMG]http://****************/img3/04jyqtu16.gif[/IMG]
[IMG]http://****************/img3/04akgjl16.gif[/IMG]
[IMG]http://****************/img3/04ebxtd16.gif[/IMG]
أمْ لـَمْ يعْرِفُوْا رَسُوْلهَم؟ طرح جديد في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. نظرات في معجزاته .. وحقوقه
دار

خلق الله الانس والجن لعبادته..ومن اعظم العبادات الاركان الخمسه ..كتاب يتحث عن اركان الاسلام الخمسه

[IMG]http://****************/img3/04kfxhs16.gif[/IMG]
كتاب يتحدث عن أشراط الساعة الصغرى والكبرى مع صور وخرائط وتوضيحات..

جزاك الله خيرا اختي الغاليه روووح فووفه

وجعله الله في ميزان حسناتك

🙂

دار

موضوع رائع
بارك الله فيكِ
سلمت يداك
لاحرمك الله الاجر والثواب

دار

دار

قدوتي هو عبد الرحمن بن عوف 2024.

دار


عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية السابقين الى الإسلام
عرض عليه أبو بكر الإسلام
فما غُـمَّ عليه الأمر ولا أبطأ ، بل سارع الى الرسول -صلى الله عليه وسلم-
يبايعه
وفور إسلامه حمل حظـه من اضطهاد المشركين
هاجر الى الحبشة الهجـرة الأولى
والثانيـة ، كما هاجر الى المدينـة مع المسلميـن
وشهـد المشاهد كلها ، فأصيب يوم
أُحُد بعشريـن جراحا إحداها تركت عرجا دائما
في ساقه ، كما سقطت بعـض ثناياه
فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه.

دار

عمله .. وتجارته

كان -رضي الله عنه- محظوظا بالتجارة إلى
حد أثار عَجَبه فقال :
( لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا ).
وكانت التجارة عند عبد الرحمن بن
عوف عملاً وسعياً لا لجمع المال
ولكن للعيش الشريف ، وهذا
ما نراه حين آخى
الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار ، فآخى بين
عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع ،فقال سعد
لعبدالرحمن 🙁 أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا ، فانظر
شطر مالي فخذه ، وتحتي امرأتان ، فانظر أيتهما أعجب
لك حتى أطلّقها وتتزوجها ).
فقال عبد الرحمن 🙁 بارك الله لك في أهلك ومالك ، دُلوني على السوق ).
وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح.

دار

يتـــــبع

دار

معكِ إن شاء الله

جزاكِ الله خيرا وبارك الله لك
سلمت يمنياكِ على اختيار المميز
رضي الله عنه وارضاه
في انتظار بقية موضوعك
بالتوفيق والسداد

جزاكـِ ربي جنة الفردوس أخيتي

كلماتكـِ كالشهد المذاب تنساب

حتى تنسكب فـ تصل القلوب فتحليّها ,.,

و تحكي لها سيرة بطل حظي برفقة الحبيب المصطفى

صلوات ربي وسلامهـ عليهـ

إنه سيِّد مالهـ ,,’’

و من خيار قومهـ

رضي الله عنه و أرضاه ’,.,’.,

هنا غاليتي سكبتي من أريج العطر حبرا

,,’’

سـ أكون هنا ,,’’

لـ ع ــلي أنهل مما ينثره مداد قلمكِ

ع هذه الصفحات البيضــــــــــــاء

دار

جزاكى الله خيرا على إنتقائك
متابعين لصحابى جليل
نتعلم منه الكثير
مودتى لكى ولصحابى جليل
اللهم إجمعنا بهم فى جنان الفردوس الآعلى

بارك الله فيك على هالطرح الرائع

جعله في ميزان حسناتك

دمتي بحفظ الكريم ورعايته

حديث: إن قلوب بني ءادم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن 2024.

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

جاء في حديث أبي هريرة: "إنَّ قلوبَ بني ءادم كُلَّها بين إصبعين من أصابع الرحمن كَقَلبٍ واحد"
رواه مسلم
أي عنده هذه القلوب كلّها كقلبٍ واحدٍ معناه لا يَصعُبُ عليهِ أن تكونَ

وفي لفظٍ: "إنّ قلبَ ابن ءادَمَ بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامَهُ وإن شاءَ أزاغَهُ" ثم يقول "اللهم مُصَرِّفَ القلوب صَرِّفْ قلوبنا على طاعتك"
وفي لفظٍ عند البيهقيّ: "صرِّفْ قلوبَنا إلى طاعتك".

هذا من كمال التسليم لله تبارك وتعالى. "اللهم مُصَرِّفَ القلوب"
أي مُقَلِّبَها كيف يشاء "صرّف قلوبنا على طاعتك"
ومعناه هو المتصرّف فيها هو يقلّبها كيف يشاء.

كم راينا من ملتزم ضل بعد هدايته ..
كم رأينا من ملتزم ترك الدين و أنغمس في الذنوب و المعاصي ..
كم رأينا من فتاة ملتزمة ، تركت حجابها و دينها و شرفها في لحظة !!!

وفي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم-

عن عائشة قالت: دار كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك. فتقول له عائشة: يا رسول الله، إنك تكثر أن تدعو بهذا الدعاء، فهل تخاف؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: وما يؤمنني يا عائشة، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، إذا أراد أن يقلب قلب عبد قلبه دار

دار وكان كثيرا ما يحلف -صلى الله عليه وسلم- بقوله: لا، ومقلب القلوب دار

فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أشرف الخلق، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف بحالنا؟

فينبغي على الإنسان أن يكثر من هذا الدعاء: دار يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك دار .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا و هب لدنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب …
منقول

دار

دار

دار

وصايا تربية الذرية الصالحة – الشيخ على بن عبد الرحمن الحذيفى 2024.

وصايا تربية الذرية الصالحة – الشيخ على بن عبد الرحمن الحذيفى
وصايا تربية الذرية الصالحة – الشيخ على بن عبد الرحمن الحذيفى



دار


وصايا تربية الذرية الصالحة – الشيخ على بن عبد الرحمن الحذيفى


الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهد الله فلا مضل له، ومَنْ يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبْدُه ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه صلاةً وسلامًا كبيرًا، أما بعد،
فاتقوا الله الذي أمدكم بالنعم، اتقوا الله الذي أمدكم بالنعم، ودفع عنكم الشرور والنقم، فالفوز والعقبى للمتقين، والخسران والوبال للعاصين المعرضين.


أيها المسلمون:
إن من أعظم النعم على العباد: الذرية الصالحة التي تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتؤدي الحقوق التي أوجبها الله تعالى على الخلق للخلق، وقد امتن الله على عباده بالذرية؛ فقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72]، وقال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49 – 50]
وأذن الله على مَنْ رغب إليه بالدعاء في طلب صالح الذرية من الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – والمؤمنين؛ قال تعالى مخبرًا عن الخليل إبراهيم – صلى الله عليه وآله وسلم -: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 99 – 101]، وقال تعالى عن زكريا – عليه الصلاة والسلام -: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِياًّ مِّنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 38 – 39]
وقال تعالى عن المؤمنين: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].


والذُّرِّيَّة نعمةٌ من الله تعالى من وجوه كثيرة:
من حيث إنَّ هذه الذرية تعبد الله لا تشرك به شيئًا؛ فإن الله تعالى لم يخلق الجن والإنس إلا لعبادته، كما قال – عز وجل -: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وصلاح الكون بعبادة الله وحده لا شريك له، وفساد الكون بالإعراض عن عبادة الله أو الشرك به.
والذرية نعمة من حيث إنها امتدادٌ لعمر الوالدين، وحاملة لصفاتهما وصفات أصولهما، وتجديد لذكرهما.


والذرية نعمة من حيث تعاقبهم على هذه الأرض، يعمرونها ويصلحونها على مقتضى الشرع الحنيف، ويهيئونها لاستخدامها لطاعة الله تعالى، ورعايتها من الفساد والدمار والشرك، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 165]
وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 14]
وقال تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].

والذرية نعمة من حيث إنهم قوة للأمة، ينصرون الدين، ويحمون حوزة الإسلام من عدوان المعتدين، وعبث العابثين والمفسدين، فإذا تبين لنا عظيم نعمة الله على العباد بعطائه الذرية، وتفضله – عز وجل – بالأولاد على الآباء والأمهات – وجب شكر الله على نعمه الظاهرة والباطنة، ووجب القيام بحقوق الأولاد ورعاية مصالحهم، والعناية بتربيتهم تربية متكاملة؛ ليكونوا لبنات قوية صالحة في بناء مجتمعهم.


والواجبات والحقوق التي تخص الأولاد موزعة على الدولة، وعلى المجتمع، وعلى المدرسة، وعلى البيت؛ فكلٌّ عليه واجبات مسؤولٌ عنها أمام الله تعالى، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته))؛ رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما.
ويجمع الواجبات والحقوق التي طوقت أعناق الكل تجاه الشباب – يجمعها أن يُربوا التربية الكاملة الصالحة، وأن يحيط الجميع الناشئة بالرعاية والعناية، وأن يهيئ الجميع للأولاد سبل الخير والاستقامة والنجاح والفلاح في دينهم ودنياهم، ويمهدوا الطرق التي توصلهم إلى الغايات النافعة لهم ولمجتمعهم، وأن يكون الجميع سدًّا منيعًا بين الشباب وبين الانحراف الفكري، والتهتك الخلقي، والرذيلة البغيضة، والاهتمامات السافرة، وجلساء السوء، والتأثير الإعلامي الضار بكل أنواعه، وأن يوجهوا إلى ما يتلاءم ويتوافق مع استعدادهم وقدراتهم، فكلٌ ميسرٌ لما خُلق له.
وإذا كانت الواجبات موزعة على كل فرد من أفراد المجتمع حسب مسؤوليته وموقعه نحو الأجيال الحاضرة والمستقبلة؛ فإن البيت عليه مسؤولية عظمى، والأسرة نواة المجتمع، وحاضنة أفراده، ولها تأثير كبير على أعضائها.


وأول ما تجب العناية به: تربية الأولاد على عبادة الله وحده لا شريك له، وإقامة الصلاة؛ قال الله تعالى عن العبد الصالح لقمان الحكيم: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]
وقال تعالى عن هذا العبد الصالح أيضًا: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 17 – 18]
وقد قص الله علينا هذا لنقتدي بذلك، والله تعالى يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].


وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظِ الله يحفظك، احفظِ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.. رفعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ رواه الترمذي.


وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع)).

الراوي: – المحدث:الألباني – المصدر: حجاب المرأة – الصفحة أو الرقم: 22
خلاصة حكم المحدث: صحيح


فإذا أُمر الشباب بعبادة الله تعالى وألفوها؛ فازوا في أمورهم كلها، وفي الحديث: ((سبعة يظلهم الله بظله، يوم لا ظل إلا ظله… ))، ومنهم: ((شابٌ نشأ في عبادة الله… ))؛ رواه البخاري ومسلم.
ومما تجب العناية به: تشويق الأولاد إلى الاقتداء بالرسول – صلى الله عليه وسلم – وحثهم على الاهتداء بهديه، وغرس محبته في قلوبهم؛ فهو القدوة المُثْلَى في كل شيء؛ قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وعن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))؛ رواه البخاري ومسلم.


ومحبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرضٌ واجبٌ، والناس يتدارسون في هذه المحبة، وقد كان السلف الصالح يعلِّمون أولادهم سيرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما يعلمونهم القرآن الكريم، فتأثيرها لا يخفى على الناشئة إذا تعلموها واقتدوا بها.
ومما تجب العناية والاهتمام به: أن يتعلم الشباب مسائل الدين من العلماء والأساتذة بالأدلة من الكتاب والسنة؛ ليكونوا على بصيرة في دينهم، وليأخذ الإسلام قناعةً وحبًّا ورغبةً، لا تبغيضًا وعادةً وسطحيةً؛ قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].


وما ضر شباب المسلمين إلا الجهل بالدين بالغلوِّ فيه أو التقصير فيه، والاعتصام بالكتاب والسنة يجمع الخير كله، وأفضل ما أُفني فيه الأعمار تعلم الكتاب والسنة والعمل بذلك.
ومما يجب العناية به: تربية الناشئة على بر الوالدين، وتوقير الكبير، ورحمة الصغير، والإحسان، وحفظ الأمانات، ورعاية حقوق المسلمين، والتحذير من الظلم والبغي والعدوان؛ قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين))

الراوي: عبدالله بن عمر المحدث:الألباني – المصدر: صحيح الترغيب – الصفحة أو الرقم: 2503
خلاصة حكم المحدث: حسن لغيره

ومما يؤثر في التربية الصالحة: قراءة سير الصالحين من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسماع وصايا الحكماء.
فمن الوصايا النافعة؛ وصية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين – رضي الله عنه – وفيها: "أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي بتقوى الله ربكم، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وانظروا أرحامكم فصِلُوها؛ يهوِّن الله عليكم الحساب، الله الله في الأيتام؛ فلا تعنوا أفواههم، ولا يضيعن بحضرتكم، والله الله في جيرانكم؛ فإنهم وصية نبيكم – صلى الله عليه وسلم – والله الله بالقرآن؛ فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله بالصلاة؛ فإنها عمود دينكم، والله الله في بيت ربكم؛ فلا تخلوُّه ما بقيتم، والله الله في الزكاة؛ فإنها تطفئ غضب الرب، والله الله بأصحاب نبيكم؛ فإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أوصى بهم، الصلاة الصلاة، لا تخافن بالله لومة لائم؛ يكفكم مَنْ أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للناس حسنًا كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فيولَّى الأمر شراركم، ثم تدعون فلا يُستجاب لكم، وعليكم بالتواصل والتبادل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق… "؛ إلى آخر وصيته – رضي الله عنه – القيمة.


ومن الوصايا الجامعة النافعة؛ وصية الأمير طاهر بن الحسين لابنه عبدالله، وفيها: "فليكن أول ما تُلزم به نفسك، وتُنسب إليه فعالك – المواظبةُ على ما افترض الله عليك من الصلوات الخمس، والجماعة عليها بالناس قِبَلَك في مواقيتها على سننها، ثم أتبع ذلك الأخذَ بسنن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والمثابرة على خلائقه، واقتفاء آثار السلف الصالح من بعده، وإذا ورد عليك أمر؛ فاستعن عليه باستخارة الله وتقواه، ولزوم ما أنزل الله في كتابه من أمره ونهيه، وحلاله وحرامه، وائتمام ما جاءت به الآثار عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم قُمْ فيه بما يحق الله عليك، ولا تمِلْ عن العدل فيما أحببت أو كرهت لقريب من الناس أو بعيد، وآثر الفقه وأهله والدين وحملته، وكتاب الله والعاملين به؛ فإن أفضل ما تزين به المرء الفقه في دين الله، والطلب له، والحث عليه، والمعرفة مِمَّا يقرب فيه منه إلى الله؛ فإنه الدليل على الخير كله، والقائد له… "، وهي وصية طويلة جدًّا، نافعة، سارت بها الركبان، وأثنى عليها الخلفاء والملوك والعلماء، ذكرها ابن جرير في حوالي سنة مائتين وست.


ومما يُهتم به ويُعتنى به: أن يوصَى الناشئة، وأن يربوا بما يُوصَى به الكبار، وبما يؤمر به الكبار، فإنه مَنْ كانوا صغارًا في هذا الوقت؛ فإنهم سيكونون كبارًا فيما يُستقبل، وتكون عليهم المسؤوليات، وهم الذين يكونون أعضاء المجتمع.
ومن الوصيَّة النافعة للشباب: وصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يلزم المرء إمام المسلمين وجماعتهم، كما قال ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث أيضًا: ((مَنْ فارق الجماعة؛ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)).

الراوي: الحارث بن الحارث الأشعري المحدث:الألباني – المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 1724
خلاصة حكم المحدث: صحيح



وقد كان صِغار الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – يحضرون مجالس الكبار، ويعظهم النبي – صلى الله عليه وسلم – ويعلمهم ويرشدهم ويبين لهم شرائع الإسلام، وقد كان الصغار ينتفعون بذلك كما ينتفع بذلك الكبار، ومن ذلك حديث العرباض بن سارية – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبدٌ؛ فإنه مَنْ يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كبيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة)).

الراوي:العرباض بن سارية المحدث:ابن باز – المصدر: مجموع فتاوى ابن باز – الصفحة أو الرقم: 369/12
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن

ومما يُعتنى به ويجب الاهتمام به: الزواج – زواج الشباب ذكورًا وإناثًا – في الوقت الذي يقدره الله، وفي الوقت الذي ينبغي أن يتزوج فيه الشباب، فلا يؤخر ذلك عن وقته، وليسعَ الوالدان وليسعَ المسلمون إلى ذلك؛ فإن أبغض شيءٍ إلى الشيطان أن يتزوج الشباب؛ لأنهم بذلك قد حصنوا أنفسهم، والنبي – عليه الصلاة والسلام – يقول: ((يا معشر الشباب، مَنِ استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج"

الراوي:عبدالله بن مسعود المحدث:مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 1400
خلاصة حكم المحدث: صحيح

والإسلام دين الطهارة، ودين الزكاة، ودين الخير، وينهى عن الفحشاء والمنكر.


ومما يُعتنى به، ويجب أن يُنبَّه ويُرشد إليه الشباب: أن يحرصوا على مجالسة الحكماء، وأن يصحبوا الكبار، وأن يستفيدوا من العلماء، وأن يستفيدوا ممَّن يرشدهم ويعلمهم؛ فإن العزلة داءٌ قاتلٌ، وإنَّ العُزْلَة هي قبرٌ للأحياء، ومَنِ اعتزل؛ فإنَّه لا شكَّ أنَّه لا يستطيع أن يقوم بأمور دينه، ولا يستطيع أن يقوم بأمور دُنْياه، والنبي – صلَّى الله عليه وسلم – يقول: ((إنَّما يأكُلُ الذِّئب من الغنم القاصية))

الراوي: أبو الدرداء المحدث:الألباني – المصدر: صحيح الترغيب – الصفحة أو الرقم: 427
خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح

فحافِظُوا أيُّها الشباب على الاستفادة من الحكماء والعلماء والأساتذة الموجهين، وكونوا مع جماعة المسلمين.
ومِمَّا يُعتنى به: زيادة الاهتمام دائمًا وملاحظة الشباب في مدخلهم ومخرجهم، والعناية بالذكور والإناث؛ بل إنَّ العِنايةَ بِالإناث أعظمُ؛ لأنَّها إذا صَلَحَتِ المرأة صلح المجتمع، وإذا فَسَدَتِ المرأة فَسَدَ المُجتمع، وديننا الإسلامي حفظ للمرأة حقوقها وأمرها بها، فهي تباشرها عن قناعة وعن إيمان، وتباشرها كذلك عن احتساب لله تبارك وتعالى.


إنَّ النَّاس إذا قاموا بتربية الناشئة؛ فإن الله – تبارك وتعالى – لا يُضيع أجرَ مَنْ أحسن عملاً، وكان ذلك خيرًا لهم في دينهم ودنياهم، وكان خيرًا للوالدين، وخيرًا لأبنائهم، وخيرًا لبناتهم، وخيرًا للمجتمع، والله – تبارك وتعالى – وعد المؤمنين ووعد ذريتهم بأنه – تبارك وتعالى – يقرُّ أعينهم بالآخرة؛ بأنْ يَجعَلَهُم في درجةٍ واحدةٍ، حتَّى وإن قصَّرت الذرية في العمل، فإنَّ اللَّه يتفضَّلُ عليْهِم؛ لتقرَّ أعْيُنهم بِجزاء الله – تبارك وتعالى – قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]
وقال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23 – 24].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وقوله القويم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم سائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد؛
فاتَّقوا الله – أيُّها المسلمون – حقَّ التقوى، وتَمَسَّكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.


عباد الله:
إنَّ الله تبارك وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]
وإن في تربية الأولاد خيرًا لآبائهم وأمهاتهم في الدنيا والآخرة؛ فأخبر النبي – عليه الصلاة والسلام – أن مما يصل المرء إذا مات دعوةَ الولد الصالح، قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: من علم نافع يُنتفع به، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له)).

الراوي:أبو هريرة المحدث:الألباني – المصدر: صحيح أبي داود – الصفحة أو الرقم: 2880
خلاصة حكم المحدث: صحيح



ومما يجب الاهتمام به: الدعاء للأولاد؛ الدعاء لهم بكل خير في الدنيا والآخرة، وليحذر الآباء وليحذر الأمهات من الدعاء على أولادهم؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن ذلك؛ فإنه قال: ((لا تدعوا على أنفسكم، ولا على أولادكم، ولا على أموالكم؛ فتوافق ساعة استجابة)).

الراوي:جابر بن عبدالله المحدث:الألباني – المصدر: صحيح أبي داود – الصفحة أو الرقم: 1532
خلاصة حكم المحدث: صحيح



فإن كثيرًا ممن تأذَّى، وكثيرًا ممن تضرر؛ بسبب الدعاء عليه من والده أو من والدته، وإنَّ الدُّعاء يكون في الخير ولا يكون في الشر؛ فاحذروا – عباد الله – أن تدعوا على أولادكم، أو تدعوا على أموالكم، وتمسكوا بهدي نبيكم – عليه الصلاة والسلام.
اللهم إنا نسألك يا ذا الجلال والإكرام أن توفقنا لما تحبه وترضاه، اللهم وفقنا لهداك، واجعل أعمالنا يا رب العالمين فيما يرضيك.


عباد الله:
إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وقال جل من قائل: {إِنَّ اللَّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى علي صلاة واحدة؛ صلى الله عليه بها عشرًا"

من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى اللهُ عليهِ عشرًا ، ومن صلَّى عليَّ عشرًا صلَّى اللهُ عليه مئةً ، ومن صلَّى عليَّ مئةً كتبَ اللهُ بينَ عينَيهِ براءةً من النفاقِ وبراءةً من النارِ وأسكنهُ اللهُ يومَ القيامةِ معَ الشهداءِ الراوي: أنس بن مالك المحدث:الألباني – المصدر: السلسلة الضعيفة – الصفحة أو الرقم: 6852
خلاصة حكم المحدث: منكر دون الجملة الأولى


فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وسلِّم تسليمًا كبيرًا.


اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام اغفر لنا وللمسلمين، يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدَّم وأنت المؤخَّر، لا إله إلا أنت.


اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعذنا وذرياتنا يا ذا الجلال والإكرام من إبليس وذريته وشياطينه، وأَعِذِ المسلمين وذرياتهم من إبليس وشياطينه وذريته.
اللهم وفِّق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله برضاك، اللهم أعنه على أمور الدنيا والدين، اللهم هيئ له البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم هيئ له البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه يا رب العالمين، اللهم وفق ولي عهده لما تحبه وترضاه، ولما فيه الخير للإسلام يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا، اللهم اجعل بلادنا آمنة مطمئنةً، رخاءً سخاءً، وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم أغثنا يا أرحم الراحمين، اللهم أغثنا يا أرحم الراحمين، اللهم أغثنا يا أرحم الراحمين.


عباد الله:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 90 – 91].
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


أختي الغالية
موضوعكِ متميز
بارك الله بكِ
اللهم يا عظيم السلطان ،
يا قديم الإحسان يا دائم النعماء ،
يا باسط الرزق ، يا كثير الخيرات ،
يا واسع العطاء ، يا دافع البلاء ،
يا سامع الدعاء ،
الطف بها في تيسير كل أمر عسير
فإن تيسير العسير عليك يسير
فنسألك التيسير والمعافاة في الدنيا والآخرة
وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه

دار

دار

بارك الله فيكِ موضوع مفيد ومهم
سلمت يمناكِ
دار
دار

هلموا إلى طاعة الرحمن 2024.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

ياللا يا أخواتى هلموا إلى طاعة الرحمن…
إن شاء الله هاحط جدول طاعات وياريت كلنا نمشى عليه..
وكل أخت تدخل يوميا وتكتب الجدول دة وتكتب ايه اللى عملته وايه اللى ماعملتوش من الجدول…

ودة طبعا موضوع خالص النية لله وحده وإن شاء الله ربنا يحمينا من إننا نكون مرآءين…ولكن فى ذلك فليتنافس المتنافسون…

مين هاتشترك معانا إن شاء الله؟؟؟

دينا ما شاء الله اقتراحك حلو اوى

كويس ان المنتدى الاسلامى ميكنش للقراءه فقط احنا عايزين نعين بعض على طاعه الله موضوعك حلو اوى وانا اول مشتركه معاكى

وياريت كل العضوات يشتركوا علشان نشعل فى بعض روح التنافس فى الطاعات قال تعالى ( وفى ذلك فليتنافس المتنافسون )

جزاكم الله من الخير افضلة واكثرة

بس انتوا كدة حتفضحونا قدام نفسنا هههههههههه

يالا عشان نتعلم الادب ونمشى عدل ونتكسف دار

من نفسنا -ربنا يكرمك ويجعلنا دائما نجتمع على الخير

اقتباس : المشاركة التي أضيفت بواسطة rana22ahmed

دار

دينا ما شاء الله اقتراحك حلو اوى

كويس ان المنتدى الاسلامى ميكنش للقراءه فقط احنا عايزين نعين بعض على طاعه الله موضوعك حلو اوى وانا اول مشتركه معاكى

وياريت كل العضوات يشتركوا علشان نشعل فى بعض روح التنافس فى الطاعات قال تعالى ( وفى ذلك فليتنافس المتنافسون )

حبيبتى رنا جزاكى الله خيرا..
وانا يشرفنى انك تكونى اول المشتركات 🙂
وربنا يعينا يارب جميعا على طاعته

قد يهمك أيضاً:

اقتباس : المشاركة التي أضيفت بواسطة بنت اسكندرية

دار

جزاكم الله من الخير افضلة واكثرة

بس انتوا كدة حتفضحونا قدام نفسنا هههههههههه

يالا عشان نتعلم الادب ونمشى عدل ونتكسف دار

من نفسنا -ربنا يكرمك ويجعلنا دائما نجتمع على الخير

هو من ناحية هانتفضح قدام نفسنا فإحنا فعلا هانتفضح 😀
بس يمكن يكون دة سبب إننا نشجع بعض اكتر…
ياللا بقى ربنا يعينا يااااارب

قد يهمك أيضاً:

استنوا جدول الطاعات قريبا ان شاء الله

دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس 2024.

دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس
دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس
دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس

دار

دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس

فأوصيكم – عباد الله – ونفسي بتقوى الله، فهي أربح المكاسب، وأجزل المواهب، وأسمى المناقِب، وبها تُنال أعلى المراتب، وتتحقَّق أعظم المطالب.

عباد الله:
تعيش الأمَّة الإسلاميَّة هذه الأيام إشراقةَ سنةٍ هجريَّة جديدة، وإطلالةَ عامٍ مباركٍ بإذن الله، بعد أن أَفَلَت شمسُ عامٍ كامل، مضى بأفراحه وأتراحه، فقوِّضت خيامه، وتصرَّمت أيامه، فالله المستعان عباد الله، ما أسرع مرور الليالي والأيام، وتصرُّم الشهور والأعوام! لكن الموفَّق الملهَم مَنْ أخذ من ذلك دروسًا وعِبرًا، واستفاد منه مُدَّكَراًً ومُزدَجَراً، وتزوَّد من المَمَرِّ للمَقَرِّ، فإلى الله – سبحانه – المرجِع والمستقرّ، والكيِّس المُسَدَّد مَنْ حاذَر الغفلة عن الدَّار الآخِرة حتى لا يعيش في غمرة، ويؤخذ على غرَّة، فيكون بعد ذلك عظةً وعبرة، واللهَ نسألُ أن يجعل من هذا العام نُصْرَةً للإسلام والمسلمين، وصلاحًا لأحوالهم في كلِّ مكان، وأن يعيده على الأمَّة الإسلاميَّة بالخير والنَّصر والتَّمكين، إنه جوادٌ كريم.

إخوة الإسلام:
حديث المناسبة في مطلع كلِّ عامٍ هجريٍّ: ما سطَّره تاريخنا الإسلاميّ المجيد من أحداثَ عظيمة، ووقائعَ جسيمة، لها مكانتها الإسلاميَّة، ولها آثارها البليغة في عزِّ هذه الأمَّة وقوَّتها وصلاح شريعتها لكلِّ زمانٍ ومكان، وسعيها في تحقيق مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد.

معاشر المسلمين:
ما أجمل أن نشير إشارات عابرة لعدد من القضايا المهمَّة الجديرة بالإشادة والتَّذكير ونحن في بداية هذا العام الجديد، علَّها تكون سببًا في شَحْذ الهِمَم، واستنهاض العزمات للتمسُّك الجادِّ بكتاب الله وسنَّة رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وحاملةً على الاتِّعاظ والاعتبار، ووقفاتِ المحاسبة الدقيقة، ونظراتِ المراجعة المستديمةِ في الأمَّة، تجديدًا في المواقف، وإصلاحًا في المناهج، وتقويمًا للمسيرة في كافَّة جوانبها.

إخوة العقيدة:
وأوَّل هذه الإشارات – مع حَدَث السَّاعة وحديثها -: الحدث الذي غيَّر مجرى التاريخ، الحدث الذي يحمل في طياته معاني الشجاعة والتَّضحية والإباء، والصَّبر والنَّصر والفداء، والتوكُّل والقوَّة والإخاء، والاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء، إنَّه حَدَثُ الهجرة النبويَّة، الذي جعله الله – سبحانه – طريقًا للنَّصر والعزَّة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته، وإقامة صرح حضارته، فما كان لنور الإسلام أن يُشِعَّ في جميع أرجاء المعمورة لو بقيَ حبيسًا في مَهْدِه، ولله الحكمة البالغة في شَرْعِه وكَوْنِه وخَلْقِه.

إنَّ في هذا الحدث العظيم من الآيات البيِّنات والآثار النيِّرات والدروس والعِبَر البالغات ما لو استلهمته أمَّة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه وهي تعيش على مفترق الطُّرُق؛ لتحقَّق لها عزُّها وقوَّتها ومكانتها وهيبتها، ولعلمت علم اليقين أنَّه لا حلَّ لمشكلاتها ولا صلاح لأحوالها إلاَّ بالتمسُّك بإسلامها، والتزامها بعقيدتها وإيمانها، فوَالذي بعث محمَّدًا بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا ما قامت الدُّنيا إلا بقيام الدِّين، ولا نال المسلمون العزَّة والكرامة والنَّصر والتَّمكين إلاَّ لما خضعوا لربِّ العالمين، وهيهات أن يحلَّ أمنٌ ورخاءٌ وسلامٌ إلاَّ باتِّباع نهج الأنبياء والمرسلين.

إذا تحقَّق ذلك – أيُّها المسلمون – وتذكَّرتِ الأمَّة هذه الحقائق النَّاصعة، وعملت على تحقيقها في واقع حياتها؛ كانت هي السلاح الفاعل الذي تقاتل به، والدِّرع الحصين الذي تتَّقي به في وجه الهجمات الكاسحة والصراع العالمي العنيف، فالقوة لله جميعًا، والعزَّة لله ولرسوله وللمؤمنين.


أمَّة التَّوحيد والوَحْدة:

لقد أكَّدت دروس الهجرة النبويَّة أنَّ عزَّة الأمَّة تكمن في تحقيق كلمة التَّوحيد، وتوحيد الكلمة عليها، وأنَّ أيَّ تفريطٍ في أمر العقيدة أو تقصيرٍ في أخوَّة الدِّين مآله ضعف الأفراد وتفكُّك المجتمع وهزيمة الأمَّة، وإنَّ المتأمِّل في هزائم الأمم وانتكاسات الشُّعوب عبر التاريخ – يجد أنَّ مَرَدَّ ذلك إلى التفريط في أمر العقيدة والتَّساهل في جانب الثَّوابت المعنويَّة مهما تقدَّمت الوسائل الماديَّة، وقوَّة الإيمان تفعل الأعاجيب، وتجعل المؤمن صادقًا في الثِّقة بالله والاطمئنان إليه والاتكال عليه، لا سيَّما في الشَّدائد.

ينظر أبو بكر الصدِّيق – رضيَ الله عنه – إلى مواضع أقدام المشركين حول الغار فيقول: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصَرَنَا! فيجيبه جواب الواثق بنصر الله: ((يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟!))[1].

الله أكبر! ما أعظم لطف الله بعباده ونصره لأوليائه، وفي هذا درسٌ بليغٌ لدعاة الحقِّ وأهل الإصلاح في الأمَّة: أنه مهما احْلَوْلَكَتِ الظُّلمات فوعد الله آتٍ لا محالة: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا}
[يوسف: 110].

أمَّة الإسلام:
ودرسٌ آخَر من دروس الهجرة النبويَّة، يتجلَّى في أنَّ عقيدة التَّوحيد هي الرَّابطة التي تتضاءل أمامها الانتماءات القوميَّة والتمايزات القَبَلِيَّة والعلاقات الحزبيَّة، واستحقاق الأمَّة للتبجيل والتَّكريم مدينٌ بولائها لعقيدتها وارتباطها بمبادئها، يُقال ذلك – أيُّها المسلمون – وفي الأمَّة في أعقاب الزَّمن منهزمون كُثُر، أمام تيَّارات إلحاديَّة وافدة ومبادئ عصريَّة زائفة، ترفع شعارات مصطنَعة وتطلق نداءات خادعة، لم يجنِ أهلها من ورائها إلا الذلَّ والصَّغار، والمهانة والتَّبار، والشَّقاء والبَوَار، فأهواءٌ في الاعتقاد، ومذاهبٌ في السياسة، ومشاربٌ في الاجتماع والاقتصاد، كانت نتيجتها التخلُّف المهين والتمزُّق المشين.

وفي خضمِّ هذا الواقع المُزْرِي يحقُّ لنا أن نتساءل بحرقةٍ وأسى: أين دروس الهجرة في التَّوحيد والوَحْدة؟!

أين أخوَّة المهاجرين والأنصار مِن شعارات حقوق الإنسان المعاصِرة ومدنيَّته الزَّائفة؟!

فقولوا لي بربِّكم: أيُّ نظامٍ راعَى حقوق الإنسان وكرَّمه أحسن تكريمٍ وكفل حقوقه كهذا الدِّين القويم؟!

فلتَصُخَّ منظَّمات حقوق الإنسان العالمية إلى هذه الحقائق، وتطَّرِح الشَّائعات المغرِضة عن الإسلام وأهل الإسلام وبلاد الإسلام، إن أرادت توخِّي الصِّدق والموضوعيَّة.

إنَّ هذه الإلماحة إلى درس الهجرة في التَّضحية والبَذْل والفداء، ومراعاة كرامة الإنسان والحفاظ على حريَّته وحقوقه، يجرُّ – يا رعاكم الله إلى تذكُّر أحوال إخواننا في العقيدة في بقاعٍ شتَّى من العالم؛ حيث حلَّت بهم مصائب وبلايا، ونكبات ورزايا.

سائلوا أرضَ النبوَّات ومهد الحضارات ومنطلَق الرسالات وبلاد المعجزات؛ فلسطين المجاهِدة: ماذا تعاني من صلفٍ يهوديٍّ سافر، ومن حقدٍ صهيونيٍّ أرْعَن؟!

سائلوا الشِّيشانَ وكشميرَ وغيرها عن الأوضاع المأساوية؛ علَّ دروس الهجرة النبويَّة تحرِّك نخوةً وتَشْحَذُ همَّةً وتستَنْهِض عزمًا، وما ذلك على الله بعزيز.

إخوة الإيمان:
وفي مجال تربية الشَّباب والمرأة، وميدان البيت والأسرة – يبرز الأثر العظيم في حدث الهجرة المصطفَوِيَّة، على صاحبها أفضل الصَّلاة وأتمُّ التَّسليم؛ ففي موقف عبدالله بن أبي بكر – رضيَ الله عنهما – في خدمة ونُصْرَة صاحب الهجرة عليه الصَّلاة والسَّلام – بأبي هو وأمي – ما يجلِّي أثرَ الشَّباب في الدَّعوة، ودورهم في الأمَّة ونُصْرة الدِّين والملَّة. أين هذا ممَّا ينادي به بعض المحسوبين على فكر الأمَّة وثقافتها من تخدير الشَّباب بالشَّهوات، وجَعْلِهم فريسةً لمهازل القنوات وشبكات المعلومات، في الوقت الذي يعدُّون فيه للاضطلاع بأغلى المهمَّات؛ في الحفاظ على الدِّين والقِيَم، والثَّبات على الأخلاق والمبادئ، أمام المتغيِّرات المتسارِعة، ودعاوَى العَوْلَمَة المفضوحة؟!

أيُّها الإخوة والأخوات:
وفي موقف أسماء بنت أبي بكر – رضيَ الله عنها، ورضيَ الله عن آل أبي بكر وأرضاهم – ما يجلِّي دورَ المرأة المسلمة في خدمتها لدينها ودعوتها؛ فأين هذا من دعاة المدنيَّة المأفونة، الذين أجلبوا على المرأة بخيلهم ورَجْلِهم، زاعمين – زورًا وبهتانًا – أنَّ تمسُّك المرأة بثوابتها وقِيَمها، واعتزازها بحجابها وعفافِها – تقييدٌ لحريَّتها وفقدٌ لشخصيَّتها، وبئس ما زعموا؟!

فخرجت من البيت تبحث عن سعادةٍ موهومة وتقدميَّة مزعومة، لتظنّها في الأسواق والشوارع والملاهي والمصانع، فرجعت مسلوبةَ الشَّرف، مدنَّسةَ العِرْض، مُغتصَبةَ الحقوق، عديمة الحياء، مؤودة الغَيْرَة، وتلك صورةٌ من صور إنسانيَّات العصر المزعومة وحريَّته المأفونة ومدنيَّته المدَّعاة. ألا فليعلم ذلك اللاهثون واللاهثات وراء السَّراب الخادع، والسائرون خلف الأوهام الكاذبة.

أيُّها الأحبَّة في الله:
وإشارةٌ أخرى إلى أمرٍ يتعلَّق بحَدَث الهجرة النبويَّة، في قضيةٍ تعبِّر بجلاءٍ عن اعتزاز هذه الأمَّة بشخصيتها الإسلاميَّة، وتُثبِت للعالم بأسره استقلال هذه الأمَّة بمنهجها المتميِّز المستَقى من عقيدتها وتاريخها وحضارتها، إنها قضيَّةٌ إسلاميَّةٌ، وسنَّةٌ عُمَرِيَّة أجمع عليها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب – رضيَ الله عنه – إنَّها التَّوْقيت والتَّأريخ بالهجرة النبويَّة المبارَكة، وكم لهذه القضيَّة من مغزًى عظيم يَجْدُر بأمَّة الإسلام اليوم تذكُّره والتقيُّد به، كيف وقد فُتِنَ بعض أبنائها بتقليد غير المسلمين والتشبُّه بهم في تاريخهم وأعيادهم، أين عزَّة الإسلام؟!
وأين هي شخصية المسلمين؟! هل ذابت في خضمِّ مُغرِيات الحياة؟!

فإلى الذين تنكَّروا لثوابتهم وخدشوا بهاء هُوِيَّتهم، وعملوا على إلغاء ذاكرة أمَّتهم، وتهافتوا تهافتًا مذمومًا، وانساقوا انسياقًا محمومًا خلف خصومهم، وذابوا وتميَّعوا أمام أعدائهم، ننادي نداءَ المحبَّة والإشفاق: رويدكم؛ فنحن أمَّة ذات أمجاد وأصالة، وتاريخ وحضارة، ومنهج متميِّز مُنْبَثِق من كتاب ربِّنا وسنَّة نبيِّنا – صلَّى الله عليه وسلَّم – فلا مساومةَ على شيءٍ من عقيدتنا وثوابتنا وتاريخنا، ولسنا بحاجةٍ إلى تقليد غيرنا؛ بل إن غيرُنا – في الحقيقة – بحاجة إلى أن يستفيد من أصالتنا وحضارتنا، لكنَّه التَّقليد والتَّبعيَّة، والمجاراة والانهزاميَّة، والتَّشبُّه الأعمى من بعض المسلمين – هداهم الله – وقد حذَّر رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أمَّته من ذلك بقوله فيما أخرجه الإمام أحمد وأهل "السُّنن": ((مَنْ تشبَّه بقومٍ فهو منهم))[2]، والله المستعان.

أيُّها الإخوة المسلمون:
وثالث هذه الإشارات إلى حدث عظيم في شهر الله المحرَّم، فيه درسٌ بليغٌ على نصرة الله لأوليائه وانتقامه من أعدائه مهما تطاولوا، إنَّه حدث قديم، لكنَّه بمغزاه متجدِّدٌ عبر الأمصار والأعصار، إنه يوم انتصار نبيِّ الله وكليمه موسى عليه السَّلام وهلاك فرعون الطاغية، وكم في هذه القصة من الدروس والعِبَر والعظات والفِكَر للدعاة إلى الله في كلِّ زمانٍ ومكان، فمهما بلغ الكَيْد والأذى والظُّلْم والتسلُّط؛ فإن نصر الله قريبٌ، ويا لها من عبرةٍ لكلِّ عدوٍ لله ولرسوله ممَّن مشى على درب فرعون، أنَّ الله منتقمٌ من الطُّغاة الظَّالمين، طال الزمن أو قَصُرَ؛ فيوم الهجرة ويوم عاشوراء يومان من أيام النَّصر الخالدة.

ألا فلتقرَّ بذلك أعين أهل الحقِّ ودُعاته؛ فالعاقبة للمتَّقين، وليتنبَّه لذلك قبل فوات الأوان أهلُ الباطل ودُعاته، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَن يَخْشَى}
[النازعات: 26]
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}
[الفجر: 14].

إنَّ في الحوادث لعِبَرا، وإنَّ في التاريخ لخَبرا، وإنَّ في الآيات لنُذُرا، وإنَّ في القَصَص والأخبار لمُدَّكَرًا ومُزْدَجَرا، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لْقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
[يوسف: 111].

اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخِرها، وخير أيَّامنا يوم نلقاكَ.
اللهم اجعل حاضرنا خيرًا من ماضينا، ومستقبلنا خيرًا من حاضرنا، إنَّك خير مسؤولٍ وأكرم مأمول.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات، من كلِّ الذنوب والخطايا والسيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه كان توابًا.

الخطبة الثَّانية

الحمد لله الملك القدُّوس السلام، مُجري الليالي والأيام، ومُجدِّد الشهور والأعوام، أحمده تعالى وأشكره على ما هدانا للإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل شهر المحرَّم فاتحة شهور العام، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبد الله ورسوله سيد الأنام، وبدر التَّمام، ومِسْك الختام، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله البَرَرَة الكِرام، وصَحْبِه الأئمَّة الأعلام، والتَّابعين ومَنْ تَبِعَهُم بإحسانٍ ما تعاقب النُّور والظَّلام.

أمَّا بعد:
فاتَّقوا الله – عباد الله – وتمسَّكوا بدينكم، فهو عصمةُ أمركم، وتاج عزِّكم، ورمزُ قوتَّكم، وسبب نصركم، واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهَدْي هَدْيُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.

أيُّها الإخوة في الله:
إشارةٌ رابعةٌ إلى فاتحة شهور العام؛ شهر الله المحرَّم، إنه من أعظم شهور الله – جلَّ وعلا – عظيم المكانة، قديم الحُرْمَة، رأس العام، من أشهر الله الحرام، فيه نصَرَ الله موسى وقومه على فرعون وملئه، ومن فضائله: أنَّ الأعمال الصَّالحة فيه لها فضلٌ عظيمٌ، لا سيَّما الصِّيام؛ فقد روى الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هُرَيْرَةَ – رضيَ الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفضل الصِّيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم، وأفضل الصَّلاة بعد الفريضة صلاة اللَّيل))[3].

وأفضل أيام هذا الشَّهر – يا عباد الله – يوم عاشوراء، وفي "الصحيحَيْن" عن ابن عبَّاسٍ – رضيَ الله عنهما – قال: "قدم النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – المدينة، فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء؛ فقال لهم: ((ما هذا اليوم الذي تصومونه؟)). قالوا: هذا يومٌ عظيمٌ، أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا؛ فنحن نصومه. فقال: ((نحنُ أحقُّ بموسى منكم))؛ فصامه وأمر بصيامه[4].

وفي "صحيح مسلم" عن أبي قَتادة – رضيَ الله عنه – أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – سُئل عن صيام يوم عاشوراء؛ فقال: ((أحتسبُ على الله أن يكفِّر السَّنة التي قبله))[5].

الله أكبر! يا له من فضلٍ عظيم لا يفوِّته إلا محروم.

وقد عزم على أن يصوم يومًا قبله مخالفةً لأهل الكتاب؛ فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التَّاسع))؛ أخرجه مسلمٌ في "صحيحه"، من حديث ابن عبَّاس – رضيَ الله عنهما[6].

لذا فيستحبُّ للمسلمين أن يصوموا ذلك اليوم اقتداءً بأنبياء الله، وطلبًا لثواب الله، وأن يصوموا يومًا قبله أو يومًا بعده؛ مخالفةً لليهود، وعملاً بما استقرَّت عليه سنَّة المصطفى – صلَّى الله عليه وسلَّم – فيا له من عملٍ قليلٍ وأجرٍ كبيرٍ وكثيرٍ من المُنعِم المتفضِّل سبحانه!

إنَّ ذلك – أيها الأحبَّة في الله – لمَنْ شكر الله – عزَّ وجلَّ – على نعمه، واستفتاحُ هذا العام بعملٍ من أفضل الأعمال الصَّالحة التي يُرجَى فيها ثواب الله – سبحانه وتعالى – والكَيِّس الواعي والحصيف اللبيب يدركُ أنَّه كَسْبٌ عظيمٌ ينبغي أن يُتَوِّج به صحائف أعماله، فيا لفوز المشمِّرين.

نسأل الله أن يجعلنا وإيَّاكم منهم بمنِّه وكرمه.

هذا، واعلموا – رحمكم الله – أنَّ من أفضل الطَّاعات وأشرف القُربات كثرة صلاتكم وسلامكم على خير البريَّات، صاحب المعجزات الباهرات، والآيات البيِّنات؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم – جلَّ وعلا – فقال تعالى قولاً كريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}
[الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبنا وقدوتنا محمَّد بن عبدالله، وارضَ اللَّهم عن خلفائه الرَّاشدين ذوي المقام العليّ، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصَّحابة والتَّابعين…

ـــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه البخاري في المناقب (3653)، ومسلم في الفضائل (2381) من حديث أبي بكر رضي الله عنه.
[2] أخرجه أحمد (2/50)، وأبو داود في اللباس، باب: في لبس الشهرة (4031)، وعبد بن حميد (1/267)، والبيهقي في الشعب (2/75) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال ابن تيمية كما في المجموع (25/331): "هذا حديث جيد"، وقال العراقي في تخريج الإحياء (1/342): "سنده صحيح"، وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/271)، وصححه الألباني في حجاب المرأة المسلمة (ص104).
[3] أخرجه مسلم في الصيام (1163).
[4] أخرجه البخاري في الصوم (2004)، ومسلم في الصيام (1130).
[5] أخرجه مسلم في الصيام (1162).
[6] أخرجه مسلم في الصيام (1134).

دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس
دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس
دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس

أختي الغالية
بارك الله بكِ
اللهم اجعل نُطقها ذكرًا..
وصمتها فكرًا.. ونظرها عبرًا..
ولا تجعلها ممن أطال الأمل..
وأساء العمل.. وأكثر الجدل..
واجعلها ممن سمع الحكمة فوعى..
وسمع القرآن فدنا
واتبع الصراط فنجا..
يا سميع الدعاء.. يا مجيب الدعاء
وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه

طرح أكثر من رائع
روعه وجدتها بين الكلمات
استمتعت بما قرأت
و نطمع بالمزيد من طروحاتك الجمييله
شكري لك ,

دار

وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم

دار

حقيقة استواء الرحمن على العرش وإلى السماء 2024.

حقيقة استواء الرحمن على العرش وإلى السماء

بسم الله الرحمن الرحيم

حقيقة استواء الرحمن على العرش وإلى السماء

ورد استواء الرحمن على العرش في سبع آيات منها:

قوله تعالى: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) طه.

وأخرج ابن مردويه واللالكائي في السنة عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها في قوله: (ثم استوى على العرش)، قالت الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر.

وأخرج اللالكائي عن ابن عيينة قال سئل ربيعة عن قوله: ( استوى على العرش )، كيف استوى؟، قال الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق.

وأخرج اللالكائي عن جعفر بن عبد الله قال جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال له يا أبا عبد الله ( استوى على العرش ) كيف استوى؟ قال فما رأيت مالكا وجد من شيء كموجدته من مقالته، وعلاه الرحضاء – يعني العرق – وأطرق القوم، قال فسرى عن مالك، فقال: الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإني أخاف أن تكون ضالا، وأمر به فأخرج. الدر المنثور ج3/ص473

لذلك كان تفسير استواء الرحمن على العرش بعد هذا القول، محظور الاقتراب منه، والخوض فيه ممنوع. وكان تشدد مالك رحمه الله تعالى في قوله، توفيقًا من الله تعالى لسد هذا الباب، وكان فيه خيرًا للمسلمين.

والوقوف على الإيمان باستواء الرحمن على العرش، دون الوقوف على فهمه لمعرفة حقيقته؛ هو منهج ارتضاه علماء الأمة، ولم يكن هذا المنهج حلاً عند الآخرين، ويريدون جوابًا تطمئن به أنفسهم، وأن كل ما بلغنا به الله تعالى في القرآن داخل في مجال الإدراك البشري، ولا يبقى سرًا غامضًا لا يمكن فهمه، وسبب الخوف من أن يؤدي البحث فيه إلى البحث في كيفية الاستواء، والبحث في الكيفية ممنوع، وسيبقى ممنوعًا الحديث فيه إن أدى إلى التجسيد، أو وصف الله تعالى بالانتقال والزوال.

ودون " فقه استعمال الجذور " الذي لم يعمل به علماء اللغة لدراسة لغتهم لا يمكن فهم الاستواء على حقيقته.

وفقه استعمال الجذور: هو العلم الذي يعرف به سبب تسمية المسميات بأسمائها، ويحدد معاني الأفعال بما يميزها عن المترادفات لها، وعوض عن فقدان هذا العلم، والعمل به في كثير من المتشابهات؛ التفسير بالمترادفات.

وأعرض في هذا الموضوع كمثال " الاستواء " لفهمه بعيدًا عن الكيف والزوال وكل ما لا يجوز وصف الله تعالى به.

فالمدخل لفهم ما في القرآن من "الاستواء"، وغيره لا يكون إلا في المدخل اللغوي؛ لأن الإعجاز كان باللغة، وما ورد في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو مما يوافق الجانب اللغوي، ويقويه، ولا يخرج عنه ولا يعارضه.

وزاد من صعوبة فهم الاستواء؛ كثرة ما ورد من المرادفات لفهم الاستواء، مما نال بعضه الرضا من العلماء، أو مما استنكروه، وشنعوا على أصحابه، ولم ينل الاستواء نفسه حظًا من الدراسة بعيدًا عن المرادفات التي وضعت له لشرحه أو لتقريب فهمه.

ومادة " سوي " جرى استعمالها في القرآن في (83) موضعًا، وفي جميع المواضع تفيد: التمام والكمال الذي يسبق التوجه للقيام بما بعده، ونذكر من الأمثلة ما يوضح هذا المفهوم؛

من ذلك قوله تعالى: ) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29) الحجر ، (72) ص.

سويته أي أكملت خلقه وأتممتها … فهو مهيأ وجاهز لنفخ الروح فيه.

وفي قوله تعالى: ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) القصص.

بلغ أشده واستوى أي كمل نضجه، واكتملت رجولته، وأصبح أهلا لتلقي العلم والحكمة.

وفي قوله تعالى: ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) النجم.

فاستوى أي ظهر جبريل عليه السلام بخلقته التامة والكاملة كما خلقه الله تعالى … وكان بعدها الدنو والتدلي والوحي إلى رسول الله ونبيه عليه الصلاة والسلام.

وفي قوله تعالى: ( ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ (29) الفتح.

" فاستوى على سوقه " أي تم، وكمل، وأصبح موضع الإعجاب … وبعد ذلك يكون اكتمال الثمر ونضجه وحصاده.

وفي قوله تعالى: ( فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) المؤمنون.

" فإذا استويت أنت وممن معك " أي اكتمل صعودكم ووجودكم على السفينة، سواء أكنتم على ظهر السفينة أم كنتم في بطنها، فالاستواء كان بتمام الوجود فيها، وأن لا يبقى أحد من أصحابها خارجها على الأرض، وبعد ذلك يكون جري السفينة وانتقالها بقدرة الله فينجو بذلك أصحابها من الطوفان.

وفي قوله تعالى: ( لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) الزخرف.

لتستووا على ظهوره أي اكتمل لكم ملك الدابة، وذلت لكم، لتركبوا على ظهرها، فدون ملك الدابة، ولو استعارة، ودون ذل الدابة، وقبولها وجود راكب على ظهرها، لا يكون هناك استواء على ظهرها فالاستواء على ظهرها هو تمام كل ذلك، لا على أنه المراد وجود الراكب على ظهر الدابة فقط … ثم بعد ذلك التوجه بها إلى حيث يريد، ولو ظلت الدابة واقفة وهو على ظهرها لما صح تسمية ذلك بالاستواء الذي يوجب على صاحبه شكر الله على هذا التسخير.

وقوله تعالى: ( وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) فاطر، أي لم يبلغ الأعمى في معرفة الأشياء وصفاتها، وقدرة الانتقال، ما بلغه البصير في تمام هذه النعمة عليه،

وفي قوله تعالى: ( وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) فاطر، أي لم يبلغ البحر المالح في صفاته ما بلغه البحر العذب. والمنفعة حاصلة من البحرين.

وفي قوله تعالى: ( فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135 ) طه؛ أي الطريق المستقيم الكامل التام.

وفي قوله تعالى: ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ (22 ) القصص؛ أحسن الطرق الموصلة لمدين وأفضلها.

وفي قوله تعالى: ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14 ) القصص. أي اكتمل سن النضج الذي يصلح فيه أن يكون نبيًا مرسلاً، وبلغ أربعين سنة؛ كم قال تعالى: ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً (15) لقمان .

وفي قوله تعالى: ( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا (42) النساء؛

أي يودون لو يدفنون فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى، فلا يكون لهم ظهور على وجهها، لا أحياء ولا أمواتًا.

والوجه الثاني: يودون أنهم لم يبعثوا وأنهم كانوا والأرض سواء، ليس لهم فضل وزيادة على الأرض.

وكل ما ورد في اللغة غير ما ورد في القرآن لا يخرج عن معنى الجذر … والسواء : العدل والمثيل. أي أن لكل واحد منهم ما له من صفات.

وخطُّ الاستواءِ عند الجغرافيين دائرةٌ مرسومةٌ حول الأرض على بُعدٍ واحدٍ من القطبتين تُقسَم بها الأرض إلى نصفين شماليٍّ وجنوبيٍّ سُمّي بهِ لتساوي الليل والنهار عندهُ طول السنة (لسان العرب – مادة سوي). وليلة السواء: ليلة أربع عشر لاكتمال القمر فيها.

والعجب من تفسير الاستواء بالرسو في قوله تعالى : ( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) هود… ولم تستعمل العرب الاستواء بمعنى الرسو، ولا يوافق هذا التفسير استعمال هذا الجذر.

والضمير في "استوت على الجودي" إما أن يعود على السفينة، وإما على الأرض، فإن عاد الضمير على السفينة بمعنى ذلك أنها رست على الجودي فليس من معاني الاستواء الرسو، وثانيًا كيف ترسو سفينة على جبل دون أن تتحطم ويهلك من عليها، وأمر ثالث؛ أين هذا الجبل المسمى بالجودي؟ وإن أشير إلى أنه في مكان ما … فأين الدليل اليقيني الذي يثبت أن هذا هو المقصود بالآية؟ ولماذا الجودي اسم مخصوص بجبل معين والآية لم تنطق بذلك.

وإن عاد الضمير على الأرض فمعنى ذلك أن الأرض تمت واكتملت بعد الطوفان فأصبحت أكثر خصبًا وعطاء، وياء النسبة في الجودي تعود على الجود نفسه، وهذا يوافق ما بينه نوح عليه السلام من فوائد الاستغفار: ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12) نوح.

وتحقق ذلك لمن آمن منهم بعد الطوفان، فانظر إلى قول هود عليه السلام لعاد أول قوم بعد نوح عليه السلام ،: ( وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134 ) الشعراء… وتسرب الأرض من ماء الطوفان بكميات كبيرة سيفجر العيون، ويجري الأنهار، وتتكون عليه الجنات التي حرم منها قوم نوح عليه السلام قبل الطوفان.

ولندخل فيما تعلق بالرحمن من هذه المادة اللغوية:

قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) البقرة …. وفي قوله تعالى: ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فصلت .

يفهم من قوله تعالى: "ثم استوى إلى السماء" ما فهم من الآيات السابقة في استعمال مادة سوي؛ بأنه تعالى أراد إتمام خلقها على أكمل وجوهها، وإتمام عددها سبعًا، لذلك قال تعالى فسواهن سبع سموات، لتقوم بما أمرت به، فقال تعالى بعدها: ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فصلت.

ولم يذكر تعالى أنه سوى السموات والأرض بلفظ يجمعهما معًا، وذكر تسوية السماء سبع سموات، ولم يذكر التسوية للأرض؛ لأنه تعالى أتم خلق الأرض في الأيام الأربعة الأوَل من أيام خلق السموات والأرض الستة.

أما ورود استواء الله على العرش الوارد في سبع آيات منها قوله تعالى: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) طه.

وفي قوله تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) الفرقان.

كان هذا الاستواء بعد الحديث عن إتمام خلق السموات والأرض.

وربط الانتهاء من خلق السموات والأرض بالاستواء على العرش؛ لبيان أن خلق السموات والأرض لم يكن لذات الله، بل كان خلقهما ليكونا مكانًا لمن يعبد الله بعد ذلك من الإنس والجن،

ولبيان أن عرش الرحمن هو أسبق منهما، ولا موازنة بينهما وبين عرش الرحمن.

وان خلقهما كان بيد الله، ولم يكن هذا الخلق من تسلسل الأفعال التي جرت على سنن الله في الكون عامة.

لذلك جاء الاستواء لفعل الرحمن بعد ذكر خلق السموات والأرض والاستواء إلى السماء، لإتمامها سبع سموات … والله سبحانه وتعالى هو أعلم بما أنزل في كتابه.

واستواء الرحمن على العرش يفهم من استعمال القرآن

حبيبتى جكليته بارك الله فيك مقال رائع ومفيد
ولقد هلكت كثير من الفرق بسب تفسير الاستواء وايضا محاولتهم لتمثيل صفات الله عز وجل بمخلوقاته , تعالى ربى عما يصفون
وقد اوضحتى حبيبتى فى مقالك معنى الاستواء

وقد اردت ان اضيف اضافه قصيره
الاستواء كسائر الصفات ونحن لا يمكن ان نعرف كيفيه الصفه الا عن طريق 3 اشياء:-
1- اما رؤيه الشيىء, وهذا ممتنع فى حق الله عز وجل
2- رؤيه مثيل لهذا الشيىء , والله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيىء
3- الخبر الصادق عن هذيه الكيفيه , وهذا ايضا لم ياتى به الرسول او القران

هناك كتاب جميل للشيخ بن العثيمين اسمه لمعه الاعتقاد ارجوا منكم اخواتى ان تقرءوه فهو مبسط جدا وهام فى باب الاسماء والصفات

بارك الله فيكم يا حلوين

جزاكي الله خير على هذا المقال

دار

تسلمين اختي رنا على الرد وهذه الاضافة القيمه والمفيده