أوضاع الأمة – الأسباب والعلاج – الشيخ على عبد الرحمن الحذيفى 2024.

أوضاع الأمة – الأسباب والعلاج – الشيخ على عبد الرحمن الحذيفى

دار


فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، فتقوى الله صلاحُ دنياكم وأخراكم.

واعملوا ـ عباد الله ـ أن لله سننًا في الكون لا تتغير ولا تتبدل، تجري على البشر كلهم، وتمضي على المخلوقات جميعًا، قال الله تعالى: (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) [فاطر: 43].
وإن من سنة الله وحكمه أن من زرع خيرًا حصد خيرًا، ومن زرع شرًا حصد شرًا، قال الله تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) [الزلزلة: 7، 8].


ومن سنن الله وحكمه أن من أخذ بأسباب النجاح لنيل الدنيا ومتاعها نال ما قسمه الله له، وما قدره الله له من الدنيا، ومن عمل بأسباب النجاح للجنة، وسلك طريقها بلَّغَه الله الجنة وجعله من أهلها، فمن عمل بأسباب النجاح لنيل الدنيا والآخرة، فعمل بطاعة الله، وابتعد عن معصية الله فاز بخيري الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَـاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَـاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَىا لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّكَ مَحْظُورًا انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىا بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) [الإسراء: 17 ـ 21]، (مَنْ عَمِلَ صَـالِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَواةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].


ومن سنن الله تعالى أن يبتلي البشر ويختبرهم بالخير والشر، والحسنات والسيئات، قال الله تعالى:(وَنَبْلُوكُم بِالشَّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35]، وقال تعالى: (وَبَلَوْنَـاهُمْ بِالْحَسَنَـاتِ وَالسَّيّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأعراف: 168].


فأما المؤمن المسلم فإذا أصابه خير ونعمة فيعلم أنها فضل ومنة من الله عليه، فيشكره ويحمده عليه؛ لأنه لا يستحق أحد على الله شيئًا، إن أعطى الرب فبفضله، وإن منع فبعدله، وإن أصاب المسلم شرٌ ومكروه صبر واحتسب وعلم أن ذلك بسبب ذنب فعله، أو أن الله يريد أن يرفع درجته في الآخرة، ويثيبه على هذه المصيبة التي قدرها الله تعالى عليه، قال الله عز وجل: (مَّا أَصَـابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَـابَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ) [النساء: 79]، وقال تعالى: (وَمَا أَصَـابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30]. فيحاسب المسلم نفسه، ويراجع أعماله، ويحدث لكل ذنب توبة لربه.


وأما الكافر فإذا جاءته نعمة أشر وبطر، وطغى وتجبر، وإذا جاءته مصيبة وشر جزع وتغير، وبقي في كفره يتردد ولم يصبر، جنته دنياه، ومعبوده هواه، فهو كالبعير يعقله أهله، ثم يطلقونه، فلا يدري: لم عقلوه؟ ولم أطلقوه؟


أيها المسلمون:


لقد تكاثرت المصائب على المسلمين، وتوالت النكبات والكوارث على العالم الإسلامي في هذا العصر، وتعددت التفسيرات لذلك، فمن الناس من يفسر ذلك بتخطيط أعداء الإسلام، ومنهم من يفسره بالضعف الاقتصادي، ومنهم من يفسره بالتأخر الصناعي والتقني، إلى آخر تلك التفاسير، وكل هذه عَرَض للمرض، وليست هي المرض، السببُ فيما وصل إليه المسلمون من المآسي والأحوال المؤلمة والكوارث النازلة هو التفريط في جانب دينهم من الأفراد والمجتمعات إلا من رحم الله، كما قال تعالى: (أَوَ لَمَّا أَصَـابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىا هَـاذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَىا كُلّ شَىء قَدِيرٌ) [آل عمران: 165]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىا يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ)[ الرعد: 11].


ولقد مر بأمة الإسلام فترات أشدّ بلاء من بلاء هذا العصر، وتجهّم لها عدو الإسلام، فصهرتها الشدائد والكربات، فرجعت إلى دينها رجعة صدق وإخلاص وعلم وإيمان، في تلك الفترات العصيبة من تاريخ الإسلام، فوجدت الأمن والكرامة، واجتماع الكلمة والخير من خلال دينها وشريعتها السمحة، في كل فترة عصيبة، فضمَّدت جراحها، وأصلحت أحوالها.


وفي هذا العصر اشتد الخطب والكرب على الإسلام وأهله، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ولا يعفي المسلمين من المسؤولية أن يُلقوا باللوم على غير المسلمين، فإذا لم يحل المسلمون مشاكلهم بما يتفق مع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما يتفق مع مصالحهم وبما يتفق مع مصالح أجيالهم، فلا يُمكن أن يحل هذه المشاكل غير المسلمين.


فالحل بيد الله، ثم بيد ولاة أمور المسلمين وعلمائهم، بتعاضدهم وائتلافهم وتعاونهم على كل خير فيه سعادة للبشرية، بتبصير الأمة بكل نافع مفيد، وحثها عليه، وتحذيرها من كل شر في دينها ودنياها، فالواجب عليهم عظيم، والأمل فيهم بعد الله كبير.


فإذا نزلت الشدائد والكربات، وحلت الفتن فأول مخرج من ذلك التوبة النصوح، قال الله تعالى: (وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].


التوبة الصادقة من كل ذنب من كل فرد، والذي يقول: وما تغني توبتي من الذنوب؟!

وما فائدة توبتي في إصلاح أمة الإسلام؟!
يقال له: سبب كل خير في الدنيا والآخرة طاعة الله عز وجل، وسبب كل شر وعقوبة في الدنيا والآخرة معصية الله، وتوبة كل فرد من جميع الذنوب تُكثر الخير وتقلل الشر، وما أهلك الله الأمم الخالية إلا بكثرة عصاتها، وقلة الطائعين فيها، وقد تكون معصية فرد واحد سببًا في هلاك أمة، فقد أهلك الله ثمود بقتل واحد منهم الناقة، وفتك الطاعون ببني إسرائيل بين ظهراني موسى وهارون عليهما السلام لما وقع بعض بني إسرائيل في الزنا، قال الله تعالى عن الأمم الهالكة: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـاكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) العنكبوت: 40].

وفي حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)) وحلق بين الإبهام والسبابة، قالت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: ((نعم، إذا كثر الخبث)) يعني الفواحش وشرب الخمر.

الراوي: زينب بنت جحش أم المؤمنين المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 7059
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

فلا يُقلَّل من شأن التوبة، فهي المخرج في الشدائد، فما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة واعتصموا ـ معشر المسلمين ـ بكتاب ربكم وسنة نبيكم، فهما نور لكم في الظلمات، وهداية من الضلالات.

أيها المسلمون:


إن الواجب على أمة الإسلام ـ والفتن تمد أعناقها ـ أن يكونوا صفًا وحدًا، مجتمعَ الكلمة، أمام رياح التغيير التي تهب على العالم، والتي تتمنى تغيير عقيدة أهل الإسلام، والنيل من شريعته، وقيمهم الدينية وأخلاقهم، وثوابتهم ومناهجهم، فدينكم الإسلامي يوجب الاجتماع والائتلاف، ويحرم عليكم الفرقة والاختلاف، قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران: 103]، وقال تعالى: (وَلاَ تَنَـازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّـابِرِينَ) [الأنفال: 46].


وإذا أمر الإسلام باجتماع كلمة المسلمين فلا يريد بذلك أن يظلم غير المسلمين أو يعتدي عليهم أو ينتقص حقوق غير المسلمين، التي خولتهم إياها شريعة الإسلام، ولو فهم غير المسلمين سماحة الإسلام ورحمته وكماله وعدله وجماله فهمًا صحيحًا لسارع الكثير منهم إلى اعتناقه، ولما حمَّلوه السلبيات التي تخالف الإسلام مما يفعله بعض المسلمين، قال الله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـادَكُمْ مّنْ إمْلَـاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ ذالِكُمْ وَصَّـاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 151].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:


الحمد لله الرحيم الرحمن، ذي الفضل والإحسان، أحمد ربي وأشكره على نعمه التي لا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله المجتبى، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الأتقياء.


أما بعد: فاتقوا الله تعالى وراقبوه مراقبة من يعلم أن الله يطلع على السر والنجوى، وتقربوا إلى ربكم بالأعمال الصالحات، وهجر السيئات، وقدموا صالح أعمالكم عند ربكم قبل لقائه، واغتنموا العمر قبل فنائه، قال الله تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] وقال تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].


فأعدوا للسؤال جوابًا ينجي من كربات يوم القيامة، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟)).



الراوي: معاذ بن جبل المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترغيب – الصفحة أو الرقم: 3593
خلاصة حكم المحدث: صحيح لغيره

عباد الله، إن الله أمركم بأمر جليل في محكم التنزيل فقال عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) الأحزاب: 56، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا)).

فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد…


دار


اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
جزاك الله خير
واصلح الله حالنا وحال المسلمين في كل مكان
ولا حرمك الله الاجر

دار
جزاك المولى خير الجزاء
يعطيك العافية وبارك الله فيك
ع اختيارك للموضوع الرائع والمهم ..جعله الله في ميزان حسناتك
دآئمآً مميزه بآختياراتك .. تسلم دياتك يالغاليه
دمتي بحفظهـ

دار

دار

جزاك الله الجنه حبيبتى

دار

وصايا تربية الذرية الصالحة – الشيخ على بن عبد الرحمن الحذيفى 2024.

وصايا تربية الذرية الصالحة – الشيخ على بن عبد الرحمن الحذيفى
وصايا تربية الذرية الصالحة – الشيخ على بن عبد الرحمن الحذيفى



دار


وصايا تربية الذرية الصالحة – الشيخ على بن عبد الرحمن الحذيفى


الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهد الله فلا مضل له، ومَنْ يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبْدُه ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه صلاةً وسلامًا كبيرًا، أما بعد،
فاتقوا الله الذي أمدكم بالنعم، اتقوا الله الذي أمدكم بالنعم، ودفع عنكم الشرور والنقم، فالفوز والعقبى للمتقين، والخسران والوبال للعاصين المعرضين.


أيها المسلمون:
إن من أعظم النعم على العباد: الذرية الصالحة التي تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتؤدي الحقوق التي أوجبها الله تعالى على الخلق للخلق، وقد امتن الله على عباده بالذرية؛ فقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72]، وقال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49 – 50]
وأذن الله على مَنْ رغب إليه بالدعاء في طلب صالح الذرية من الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – والمؤمنين؛ قال تعالى مخبرًا عن الخليل إبراهيم – صلى الله عليه وآله وسلم -: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 99 – 101]، وقال تعالى عن زكريا – عليه الصلاة والسلام -: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِياًّ مِّنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 38 – 39]
وقال تعالى عن المؤمنين: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].


والذُّرِّيَّة نعمةٌ من الله تعالى من وجوه كثيرة:
من حيث إنَّ هذه الذرية تعبد الله لا تشرك به شيئًا؛ فإن الله تعالى لم يخلق الجن والإنس إلا لعبادته، كما قال – عز وجل -: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وصلاح الكون بعبادة الله وحده لا شريك له، وفساد الكون بالإعراض عن عبادة الله أو الشرك به.
والذرية نعمة من حيث إنها امتدادٌ لعمر الوالدين، وحاملة لصفاتهما وصفات أصولهما، وتجديد لذكرهما.


والذرية نعمة من حيث تعاقبهم على هذه الأرض، يعمرونها ويصلحونها على مقتضى الشرع الحنيف، ويهيئونها لاستخدامها لطاعة الله تعالى، ورعايتها من الفساد والدمار والشرك، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 165]
وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 14]
وقال تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].

والذرية نعمة من حيث إنهم قوة للأمة، ينصرون الدين، ويحمون حوزة الإسلام من عدوان المعتدين، وعبث العابثين والمفسدين، فإذا تبين لنا عظيم نعمة الله على العباد بعطائه الذرية، وتفضله – عز وجل – بالأولاد على الآباء والأمهات – وجب شكر الله على نعمه الظاهرة والباطنة، ووجب القيام بحقوق الأولاد ورعاية مصالحهم، والعناية بتربيتهم تربية متكاملة؛ ليكونوا لبنات قوية صالحة في بناء مجتمعهم.


والواجبات والحقوق التي تخص الأولاد موزعة على الدولة، وعلى المجتمع، وعلى المدرسة، وعلى البيت؛ فكلٌّ عليه واجبات مسؤولٌ عنها أمام الله تعالى، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته))؛ رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما.
ويجمع الواجبات والحقوق التي طوقت أعناق الكل تجاه الشباب – يجمعها أن يُربوا التربية الكاملة الصالحة، وأن يحيط الجميع الناشئة بالرعاية والعناية، وأن يهيئ الجميع للأولاد سبل الخير والاستقامة والنجاح والفلاح في دينهم ودنياهم، ويمهدوا الطرق التي توصلهم إلى الغايات النافعة لهم ولمجتمعهم، وأن يكون الجميع سدًّا منيعًا بين الشباب وبين الانحراف الفكري، والتهتك الخلقي، والرذيلة البغيضة، والاهتمامات السافرة، وجلساء السوء، والتأثير الإعلامي الضار بكل أنواعه، وأن يوجهوا إلى ما يتلاءم ويتوافق مع استعدادهم وقدراتهم، فكلٌ ميسرٌ لما خُلق له.
وإذا كانت الواجبات موزعة على كل فرد من أفراد المجتمع حسب مسؤوليته وموقعه نحو الأجيال الحاضرة والمستقبلة؛ فإن البيت عليه مسؤولية عظمى، والأسرة نواة المجتمع، وحاضنة أفراده، ولها تأثير كبير على أعضائها.


وأول ما تجب العناية به: تربية الأولاد على عبادة الله وحده لا شريك له، وإقامة الصلاة؛ قال الله تعالى عن العبد الصالح لقمان الحكيم: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]
وقال تعالى عن هذا العبد الصالح أيضًا: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 17 – 18]
وقد قص الله علينا هذا لنقتدي بذلك، والله تعالى يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].


وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظِ الله يحفظك، احفظِ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.. رفعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ رواه الترمذي.


وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع)).

الراوي: – المحدث:الألباني – المصدر: حجاب المرأة – الصفحة أو الرقم: 22
خلاصة حكم المحدث: صحيح


فإذا أُمر الشباب بعبادة الله تعالى وألفوها؛ فازوا في أمورهم كلها، وفي الحديث: ((سبعة يظلهم الله بظله، يوم لا ظل إلا ظله… ))، ومنهم: ((شابٌ نشأ في عبادة الله… ))؛ رواه البخاري ومسلم.
ومما تجب العناية به: تشويق الأولاد إلى الاقتداء بالرسول – صلى الله عليه وسلم – وحثهم على الاهتداء بهديه، وغرس محبته في قلوبهم؛ فهو القدوة المُثْلَى في كل شيء؛ قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وعن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))؛ رواه البخاري ومسلم.


ومحبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرضٌ واجبٌ، والناس يتدارسون في هذه المحبة، وقد كان السلف الصالح يعلِّمون أولادهم سيرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما يعلمونهم القرآن الكريم، فتأثيرها لا يخفى على الناشئة إذا تعلموها واقتدوا بها.
ومما تجب العناية والاهتمام به: أن يتعلم الشباب مسائل الدين من العلماء والأساتذة بالأدلة من الكتاب والسنة؛ ليكونوا على بصيرة في دينهم، وليأخذ الإسلام قناعةً وحبًّا ورغبةً، لا تبغيضًا وعادةً وسطحيةً؛ قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].


وما ضر شباب المسلمين إلا الجهل بالدين بالغلوِّ فيه أو التقصير فيه، والاعتصام بالكتاب والسنة يجمع الخير كله، وأفضل ما أُفني فيه الأعمار تعلم الكتاب والسنة والعمل بذلك.
ومما يجب العناية به: تربية الناشئة على بر الوالدين، وتوقير الكبير، ورحمة الصغير، والإحسان، وحفظ الأمانات، ورعاية حقوق المسلمين، والتحذير من الظلم والبغي والعدوان؛ قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين))

الراوي: عبدالله بن عمر المحدث:الألباني – المصدر: صحيح الترغيب – الصفحة أو الرقم: 2503
خلاصة حكم المحدث: حسن لغيره

ومما يؤثر في التربية الصالحة: قراءة سير الصالحين من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسماع وصايا الحكماء.
فمن الوصايا النافعة؛ وصية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين – رضي الله عنه – وفيها: "أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي بتقوى الله ربكم، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وانظروا أرحامكم فصِلُوها؛ يهوِّن الله عليكم الحساب، الله الله في الأيتام؛ فلا تعنوا أفواههم، ولا يضيعن بحضرتكم، والله الله في جيرانكم؛ فإنهم وصية نبيكم – صلى الله عليه وسلم – والله الله بالقرآن؛ فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله بالصلاة؛ فإنها عمود دينكم، والله الله في بيت ربكم؛ فلا تخلوُّه ما بقيتم، والله الله في الزكاة؛ فإنها تطفئ غضب الرب، والله الله بأصحاب نبيكم؛ فإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أوصى بهم، الصلاة الصلاة، لا تخافن بالله لومة لائم؛ يكفكم مَنْ أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للناس حسنًا كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فيولَّى الأمر شراركم، ثم تدعون فلا يُستجاب لكم، وعليكم بالتواصل والتبادل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق… "؛ إلى آخر وصيته – رضي الله عنه – القيمة.


ومن الوصايا الجامعة النافعة؛ وصية الأمير طاهر بن الحسين لابنه عبدالله، وفيها: "فليكن أول ما تُلزم به نفسك، وتُنسب إليه فعالك – المواظبةُ على ما افترض الله عليك من الصلوات الخمس، والجماعة عليها بالناس قِبَلَك في مواقيتها على سننها، ثم أتبع ذلك الأخذَ بسنن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والمثابرة على خلائقه، واقتفاء آثار السلف الصالح من بعده، وإذا ورد عليك أمر؛ فاستعن عليه باستخارة الله وتقواه، ولزوم ما أنزل الله في كتابه من أمره ونهيه، وحلاله وحرامه، وائتمام ما جاءت به الآثار عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم قُمْ فيه بما يحق الله عليك، ولا تمِلْ عن العدل فيما أحببت أو كرهت لقريب من الناس أو بعيد، وآثر الفقه وأهله والدين وحملته، وكتاب الله والعاملين به؛ فإن أفضل ما تزين به المرء الفقه في دين الله، والطلب له، والحث عليه، والمعرفة مِمَّا يقرب فيه منه إلى الله؛ فإنه الدليل على الخير كله، والقائد له… "، وهي وصية طويلة جدًّا، نافعة، سارت بها الركبان، وأثنى عليها الخلفاء والملوك والعلماء، ذكرها ابن جرير في حوالي سنة مائتين وست.


ومما يُهتم به ويُعتنى به: أن يوصَى الناشئة، وأن يربوا بما يُوصَى به الكبار، وبما يؤمر به الكبار، فإنه مَنْ كانوا صغارًا في هذا الوقت؛ فإنهم سيكونون كبارًا فيما يُستقبل، وتكون عليهم المسؤوليات، وهم الذين يكونون أعضاء المجتمع.
ومن الوصيَّة النافعة للشباب: وصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يلزم المرء إمام المسلمين وجماعتهم، كما قال ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث أيضًا: ((مَنْ فارق الجماعة؛ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)).

الراوي: الحارث بن الحارث الأشعري المحدث:الألباني – المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 1724
خلاصة حكم المحدث: صحيح



وقد كان صِغار الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – يحضرون مجالس الكبار، ويعظهم النبي – صلى الله عليه وسلم – ويعلمهم ويرشدهم ويبين لهم شرائع الإسلام، وقد كان الصغار ينتفعون بذلك كما ينتفع بذلك الكبار، ومن ذلك حديث العرباض بن سارية – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبدٌ؛ فإنه مَنْ يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كبيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة)).

الراوي:العرباض بن سارية المحدث:ابن باز – المصدر: مجموع فتاوى ابن باز – الصفحة أو الرقم: 369/12
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن

ومما يُعتنى به ويجب الاهتمام به: الزواج – زواج الشباب ذكورًا وإناثًا – في الوقت الذي يقدره الله، وفي الوقت الذي ينبغي أن يتزوج فيه الشباب، فلا يؤخر ذلك عن وقته، وليسعَ الوالدان وليسعَ المسلمون إلى ذلك؛ فإن أبغض شيءٍ إلى الشيطان أن يتزوج الشباب؛ لأنهم بذلك قد حصنوا أنفسهم، والنبي – عليه الصلاة والسلام – يقول: ((يا معشر الشباب، مَنِ استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج"

الراوي:عبدالله بن مسعود المحدث:مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 1400
خلاصة حكم المحدث: صحيح

والإسلام دين الطهارة، ودين الزكاة، ودين الخير، وينهى عن الفحشاء والمنكر.


ومما يُعتنى به، ويجب أن يُنبَّه ويُرشد إليه الشباب: أن يحرصوا على مجالسة الحكماء، وأن يصحبوا الكبار، وأن يستفيدوا من العلماء، وأن يستفيدوا ممَّن يرشدهم ويعلمهم؛ فإن العزلة داءٌ قاتلٌ، وإنَّ العُزْلَة هي قبرٌ للأحياء، ومَنِ اعتزل؛ فإنَّه لا شكَّ أنَّه لا يستطيع أن يقوم بأمور دينه، ولا يستطيع أن يقوم بأمور دُنْياه، والنبي – صلَّى الله عليه وسلم – يقول: ((إنَّما يأكُلُ الذِّئب من الغنم القاصية))

الراوي: أبو الدرداء المحدث:الألباني – المصدر: صحيح الترغيب – الصفحة أو الرقم: 427
خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح

فحافِظُوا أيُّها الشباب على الاستفادة من الحكماء والعلماء والأساتذة الموجهين، وكونوا مع جماعة المسلمين.
ومِمَّا يُعتنى به: زيادة الاهتمام دائمًا وملاحظة الشباب في مدخلهم ومخرجهم، والعناية بالذكور والإناث؛ بل إنَّ العِنايةَ بِالإناث أعظمُ؛ لأنَّها إذا صَلَحَتِ المرأة صلح المجتمع، وإذا فَسَدَتِ المرأة فَسَدَ المُجتمع، وديننا الإسلامي حفظ للمرأة حقوقها وأمرها بها، فهي تباشرها عن قناعة وعن إيمان، وتباشرها كذلك عن احتساب لله تبارك وتعالى.


إنَّ النَّاس إذا قاموا بتربية الناشئة؛ فإن الله – تبارك وتعالى – لا يُضيع أجرَ مَنْ أحسن عملاً، وكان ذلك خيرًا لهم في دينهم ودنياهم، وكان خيرًا للوالدين، وخيرًا لأبنائهم، وخيرًا لبناتهم، وخيرًا للمجتمع، والله – تبارك وتعالى – وعد المؤمنين ووعد ذريتهم بأنه – تبارك وتعالى – يقرُّ أعينهم بالآخرة؛ بأنْ يَجعَلَهُم في درجةٍ واحدةٍ، حتَّى وإن قصَّرت الذرية في العمل، فإنَّ اللَّه يتفضَّلُ عليْهِم؛ لتقرَّ أعْيُنهم بِجزاء الله – تبارك وتعالى – قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]
وقال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23 – 24].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وقوله القويم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم سائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد؛
فاتَّقوا الله – أيُّها المسلمون – حقَّ التقوى، وتَمَسَّكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.


عباد الله:
إنَّ الله تبارك وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]
وإن في تربية الأولاد خيرًا لآبائهم وأمهاتهم في الدنيا والآخرة؛ فأخبر النبي – عليه الصلاة والسلام – أن مما يصل المرء إذا مات دعوةَ الولد الصالح، قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: من علم نافع يُنتفع به، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له)).

الراوي:أبو هريرة المحدث:الألباني – المصدر: صحيح أبي داود – الصفحة أو الرقم: 2880
خلاصة حكم المحدث: صحيح



ومما يجب الاهتمام به: الدعاء للأولاد؛ الدعاء لهم بكل خير في الدنيا والآخرة، وليحذر الآباء وليحذر الأمهات من الدعاء على أولادهم؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن ذلك؛ فإنه قال: ((لا تدعوا على أنفسكم، ولا على أولادكم، ولا على أموالكم؛ فتوافق ساعة استجابة)).

الراوي:جابر بن عبدالله المحدث:الألباني – المصدر: صحيح أبي داود – الصفحة أو الرقم: 1532
خلاصة حكم المحدث: صحيح



فإن كثيرًا ممن تأذَّى، وكثيرًا ممن تضرر؛ بسبب الدعاء عليه من والده أو من والدته، وإنَّ الدُّعاء يكون في الخير ولا يكون في الشر؛ فاحذروا – عباد الله – أن تدعوا على أولادكم، أو تدعوا على أموالكم، وتمسكوا بهدي نبيكم – عليه الصلاة والسلام.
اللهم إنا نسألك يا ذا الجلال والإكرام أن توفقنا لما تحبه وترضاه، اللهم وفقنا لهداك، واجعل أعمالنا يا رب العالمين فيما يرضيك.


عباد الله:
إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وقال جل من قائل: {إِنَّ اللَّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى علي صلاة واحدة؛ صلى الله عليه بها عشرًا"

من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى اللهُ عليهِ عشرًا ، ومن صلَّى عليَّ عشرًا صلَّى اللهُ عليه مئةً ، ومن صلَّى عليَّ مئةً كتبَ اللهُ بينَ عينَيهِ براءةً من النفاقِ وبراءةً من النارِ وأسكنهُ اللهُ يومَ القيامةِ معَ الشهداءِ الراوي: أنس بن مالك المحدث:الألباني – المصدر: السلسلة الضعيفة – الصفحة أو الرقم: 6852
خلاصة حكم المحدث: منكر دون الجملة الأولى


فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وسلِّم تسليمًا كبيرًا.


اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام اغفر لنا وللمسلمين، يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدَّم وأنت المؤخَّر، لا إله إلا أنت.


اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعذنا وذرياتنا يا ذا الجلال والإكرام من إبليس وذريته وشياطينه، وأَعِذِ المسلمين وذرياتهم من إبليس وشياطينه وذريته.
اللهم وفِّق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله برضاك، اللهم أعنه على أمور الدنيا والدين، اللهم هيئ له البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم هيئ له البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه يا رب العالمين، اللهم وفق ولي عهده لما تحبه وترضاه، ولما فيه الخير للإسلام يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا، اللهم اجعل بلادنا آمنة مطمئنةً، رخاءً سخاءً، وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم أغثنا يا أرحم الراحمين، اللهم أغثنا يا أرحم الراحمين، اللهم أغثنا يا أرحم الراحمين.


عباد الله:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 90 – 91].
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


أختي الغالية
موضوعكِ متميز
بارك الله بكِ
اللهم يا عظيم السلطان ،
يا قديم الإحسان يا دائم النعماء ،
يا باسط الرزق ، يا كثير الخيرات ،
يا واسع العطاء ، يا دافع البلاء ،
يا سامع الدعاء ،
الطف بها في تيسير كل أمر عسير
فإن تيسير العسير عليك يسير
فنسألك التيسير والمعافاة في الدنيا والآخرة
وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه

دار

دار

بارك الله فيكِ موضوع مفيد ومهم
سلمت يمناكِ
دار
دار

كيف نشكر الله تعالى على نعمه – الشيخ على بن عيد الرحمن الحذيفى 2024.

كيف نشكر الله تعالى على نعمه – الشيخ على بن عيد الرحمن الحذيفى

دار

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، له الحمدُ في الدنيا والأخرى، لا نُحصِي ثناءً على ربنا هو كما أثنى على نفسه بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العِزَّة والجَبروت، لا يُعجِزُه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله المُصطفى المبعوثُ بالرحمة والهُدى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك وخليلك محمدٍ، وعلى آله وصحبه البَرَرة الأتقياء.
أما بعد:
فاتقوا الله – أيها المسلمون – بفعل ما أمرَكم به، وترك ما نهاكُم عنه؛ فمن اتقى الله وقاه، وصرفَ عنه من المهالكِ والشُّرور ما يخشاه، وأحسنَ عاقبتَه في دُنياه وأُخراه فجعل الجنةَ مأواه.
أيها الناس:
إن نعمَ الله علينا لا تُعدُّ ولا تُحصى، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18].
ونعمُ الله على الخلق منها ما يعلمُه العباد، ومنها ما لا يعلمونه، وشُكرُ نعم الربِّ – جل وعلا – بمحبَّة المُنعِم – تبارك وتعالى – من القلب الصادق، وبدوام طاعة الله وترك معاصِيه، وبالثناء على الربِّ – تبارك وتعالى – بما أنعمَ، وتعظيم النعم والتحدُّث بها تواضُعًا لله واعترافًا بفضل الله – عز وجل -، واستعمالها فيما يُرضِي الله – تبارك وتعالى – وعدم الاستعانة بها على معاصِي الله – عز وجل -.
فمن آمنَ بالله – سبحانه – وابتعدَ عن معاصِيه فقد شكرَ ربَّه العزيزَ الوهابَ.
وهذا الشكرُ على لرسالة السماوية بالإيمان أعظمُ أنواع الشُّكر، وأعظمُ أنواع الحمد لله رب العالمين.
ثم يكون بعد ذلك شكرُ كل نعمةٍ بخُصوصها إلى أصغر وأقل نعمةٍ، وليس في نعمِ الله وآلائه صغيرٌ ولا قليلٌ؛ بل كل نعم الله جليلةٌ وعظيمةٌ، يُوجِبُ الله بها على العبد الحمدَ والشكرَ، فلربنا العزيز الوهاب الثناءُ الحسن، والحمدُ والشكرُ على نعمه كلها التي نعلمُها والتي لا نعلمُها، حمدًا ينبغي لجلال وجه ربِّي وعظيم سُلطانه، حمدًا يُوافي نعمه ويُكافِئُ مزيدَ فضله.
ومن يكفر بالإيمان ويركَب المعاصي فقد كفرَ بنعمة الرسالة التي منَّ الله بها على المُكلَّفين، وكفرُ نعمة الرسالة السماوية أعظمُ أنواع الكفر.
ثم يأتي بعد ذلك: الكفرُ بكل نعمةٍ بخصوصها، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان: 2، 3].
ومن شكرَ نعم الله تعالى زادَه، ومن كفَر بنعم الله تعالى عاقبَه، قال الله تعالى:﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
وفي الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من قال في أول يومه: اللهم ما أصبحَ بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقك من نعمةٍ فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمدُ ولك الشكرُ؛ فقد أدَّى شُكرَ ليلته، ومن قال ذلك حين يُمسِي فقد أدَّى شُكر يومه»؛ وهو حديثٌ حسنٌ.
وهل أعظمُ من نعمة الإيمان والإسلام والقرآن؟!
فيا أيها المسلمون:
اشكُروا الله تعالى واحمَدوه على هذه النعمة المُهداة، والمنَّة المُعطاة، واشكُروه على نعمه العظيمة وآلائه الجَسيمة.
ومما منَّ الله به علينا في هذه البلاد: نعمةُ الإيمان والأمان وعُموم الأمن والاستقرار، ومما خصَّ الله به هذه المملكةَ الحرمان الشريفان منبعُ الإسلام، وموطنُ نزول القرآن الكريم، وبُزوغ شمس الإسلام على البشر بالتوحيد والرحمة والعدل والسلام وكرامة الإنسان، قال الله تعالى في نبيه – صلى الله عليه وسلم – وأنزلَ عليه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
ومن النعم التي أُعلِنَت : توسِعةُ المسجد النبوي الشريف التوسِعةَ النافعةَ المُباركة، الضافِية الكافِية، وهي نعمةٌ من الله على جميع المُسلمين في كل مكانٍ عمومًا، وعلى أهل المدينة خُصوصًا، والتي وضعَ حجر أساسِ هذه التوسِعة خادمُ الحرمين الشريفين: الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله ووفقه -.
ومن قبلها قريبًا: توسِعة المسجد الحرام زيادة على التوسِعات السابقة من آل سعودٍ المُوفَّقين الكُرماء على الحرمين، القائمين على مصالح المُسلمين – وفقهم الله تعالى لما فيه عِزُّ الإسلام -، ونفع الله بهذه التوسِعة المُسلمين وباركَ فيها.
وجزى الله تعالى خادمَ الحرمين الشريفين الجزاءَ الأوفى على ما قدَّم ويُقدِّم لشعبه ووطنه وللإسلام والمُسلمين.
والحرمان الشريفان بركتُهما ونورُهما ونفعُهما للمُسلمين وغير المسلمين، فالله تعالى يدفعُ بالعبادة فيهما الكوارِثَ والنوازِلَ عن أهل الأرض كلها، أو يُقلِّل العقوبات النازِلة على الأرض ببركة العبادة في الحرمين الشريفين، وببركة العبادة في الأرض لله رب العالمين، قال الله تعالى:﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251].
ومجيءُ خادم الحرمين الشريفين من إجازته التي كان فيها خارجَ المملكة إلى المدينة النبوية أولاً وقصدًا لزيارة المسجد النبوي الشريف والسلام على سيد البشر – صلى الله عليه وسلم -، والسلام على صاحبَيْه أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – له دلالاتٌ عظيمةٌ؛ منها:
أن البدءَ بزيارة المسجد النبوي الشريف والتشرُّف بالسلام على خير البشر نبيِّنا محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، والسلام على صاحبَيْه أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما -، ثم إقامة حفل وضع حجر الأساس لتوسِعة خادم الحرمين الشريفين للمسجد النبوي في ساحة المسجد النبوي والمنقولة للعالَم. البدءُ بهذا في المجيءِ من السفر من الردود الصائِبة المُوفَّقة التي تردُّ على المُتطاولين والأراذِل من البشر الذين ينتقِصُون سيدَ ولد آدم نبيِّنا وحبيبِنا محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، والذين يُريدون أن يحجُبوا شمسَ نبيِّنا محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – بجناح الذُّباب، أو يُريدون أن يقتلِعوا الجبلَ الطودَ الشامِخَ بنفخةٍ من أفواههم.
قال الله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32].
ومن أعظم الردود على المُتطاولين على سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: التمسُّك بسُنَّته من كل مسلم، وتطبيقُ شريعته، وعدم الانسياقِ وراء أعمالٍ لا يُقِرُّها الإنسان.
والتمسُّك بالتوحيد بعبادة الله وحده لا شريك له في العبادة، والدعوة إلى مشر محاسن الإسلام، ودعوة الناس إليه.
ومن نُصرة الله – تبارك وتعالى – ونُصرة رسوله – صلى الله عليه وسلم -؛ فإن نُصرة الله: أن يستقيمَ على شرع الله – تبارك وتعالى -، وأن يدعُو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن ينصُر الله في كل حالٍ.
ومن دلائل هذه الزيارة: اهتمامُه – حفظه الله – بأهل المدينة جيران رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذين أوصَى رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – برعاية حقوقهم، وعظَّم حقوقَهم على الأمة في أحاديث كثيرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
وليعلَم العالَمُ أن دينَنا أعزُّ علينا من كل شيءٍ، ونحن بغير الإسلام لا دُنيا لنا ولا آخرة، ولا عِزَّة ولا كرامة، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 5].
فتذكَّروا – عباد الله – نعمَ الله عليكم، واشكُروه على آلائه وفضله، واستقيموا على دينه، وانصُروا اللهَ في أنفُسكم، وادعُوا إلى الله – تبارك وتعالى – بهديِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، واتباع سُنَّته، والتمسُّك بشريعته، قال الله تعالى: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة: 151، 152].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المُرسَلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله الحليمُ العظيمُ، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
عباد الله:
اعملوا الأسبابَ التي يرضى بها عنكم ربُّكم – تبارك وتعالى -، واجتنِبوا الأسبابَ التي تُغضِبُ الله عليكم؛ فليس بينكم وبين الله سبب إلا بالعمل الصالح، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ [سبأ: 37].
وفي الحديث: عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: «الحلالُ بيِّن والحرامُ بيِّن وبينهما أمورٌ مُشتبَهات، فمن اتَّقى الشُّبهات فقد استبرَأ لدينه وعِرضه، ومن وقع في الشُّبُهات وقع في الحرام». ولا يهلِك على الله إلا هالِك.
واعلموا أن الله هو الذي يُدبِّر الكونَ كلَّه علويَّه وسُفليَّه على ما يُريد، قال الله تعالى: ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [هود: 107].
فعلى المُؤمن أن يعمل بأسباب النجاة، ويجتنِب أسبابَ الهلكَة، وعليه أن يثِقَ بالله ويتوكَّل عليه ويشكُر الله على السرَّاء والضرَّاء، ويصبِر على النعم، فلا يبطُرها ولا يكفُرها، ويصبِر على الضرَّاء بالاحتِساب لله – عز وجل -.
وليعلَم المسلمُ أن كل قضاءٍ يقضِيه الله عليه خيرٌ له في العاجل والآجل، إذا عمِل بالطاعة، وترك المعاصي، ولله تعالى أن يبتلِيَ عبادَه، وليس للعباد أن يمتحِنوا ربَّهم، وفي حديث سلمان – رضي الله عنه -: «عجَبًا لأمر المؤمن إن أمرَه كلَّه خيرٌ، إن أصابَته سرَّاء شكَر فكان خيرًا له، وإن أصابَته ضرَّاء صبَر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن».
عباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
فصلُّوا وسلِّموا على سيدنا وحبيبِنا سيدِ الأولين والآخرين، نبيِّا محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الصحابة سادات الأمة أجمعين اللهم وارض عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحْب أجمعين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وارضَ عن الحسن والحُسين، وارضَ عن أمهما البتُول فاطمة بنت الرسول سيدة نساء العالمين، اللهم وارضَ عن ذريتها المُبارَكين إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عن آل بيت رسولك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – المُبارَكين، اللهم وارضَ عن زوجات رسولك – صلى الله عليه وسلم -، وعن آل بيته الذين قال الله فيهم وفي زوجات رسوله – صلى الله عليه وسلم -: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 33].
اللهم اغفر لنا ذنوبَنا، وإسرافَنا في أمورنا، وثبِّت أقدامَنا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعِنَّا على ذِكرك وشُكرك وحُسن عبادتك، اللهم ألهِمنا رُشدَنا وأعِذنا من شُرور أنفُسنا، اللهم أعِذنا من شُرور أنفُسنا ومن سيئات أعمالنا، وأعِذنا من شر كل ذي شرٍّ يا رب العالمين.
اللهم أعِذنا من الشيطان الرجيم ومن نزَغاته ومن وساوسه، اللهم واحفَظنا وذرياتنا والمُسلمين من إبليس وجنوده وشياطينه يا رب العالمين.
اللهم اجعل بلادَنا آمنةً مُطمئنة، رخاءً سخاءً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّ في أوطاننا، اللهم أصلِح وُلاةَ أمورنا، اللهم أصلِح وُلاةَ أمورنا، اللهم وفِّقهم لما تُحبُّ وترضى، ولما فيه الخيرُ والعزُّ للإسلام والمُسلمين يا رب العالمين.
اللهم وفِّق عبدكَ خادمَ الحرمين الشريفين، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضى، ولما فيه عِزُّ الإسلام والمُسلمين، اللهم أعِنه على ما فيه الخيرُ وما فيه الصلاحُ ولفلاحُ لشعبه وللمسلمين يا رب العالمين ولعِزِّ الإسلام، إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم إنا نسألك أن تُغيثَنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا يا أرحم الراحمين، اللهم أغِثنا يا أرحم الراحمين، اللهم أغِثنا يا أرحم الراحمين، برحمتك إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم اغفِر لأمواتنا وأمواتِ المسلمين، اللهم اغفِر لأمواتنا وأمواتِ المسلمين.
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].
عباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 90، 91].
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


دار

دار
جزاك المولى خير الجزاء
يعطيك العافية وبارك الله فيك
ع اختيارك للموضوع الرائع والمهم ..جعله الله في ميزان حسناتك
دآئمآً مميزه بآختياراتك .. تسلم دياتك يالغاليه
دمتي بحفظهـ

دار

فضلُ صلَة الرَّحِم – الشيخ على بن عبد الرحمن الحذيفى 2024.

فضلُ صلَة الرَّحِم – الشيخ على بن عبد الرحمن الحذيفى

دار

الحمد لله الذي خلقَ من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصِهرًا وكان ربُّك قديرًا، والذي جعل بين العباد وشائِجَ ووصائِلَ ووصَّى بها خيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا ضدَّ لربِّنا ولا نِدَّ وكان الله سميعًا بصيرًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه بعثَه الله بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسِراجًا مُنيرًا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ وعلى آله وصحبِه صلاةً وسلامًا كثيرًا.

أما بعد:

فاتقوا الله – أيها المسلمون -، وأدُّوا الحقوق لأربابها، وأوصِلُوها لأصحابِها، يكتُب اللهُ لكم عظيمَ الثواب، ويُجِركم من أليم العقاب.

واعلموا – عباد الله – أن ربَّكم – بمنِّه وكرمِه – فصَّل في كتابِه كلَّ شيءٍ، وأرشدَكم رسولُ الهُدى – عليه الصلاة والسلام – إلى ما يُقرِّبُكم من الجنة، ويُباعِدُكم من النار، ويُسعِدكم في هذه الدار.

فبيَّن الحقوق التي لربِّ العالمين على عباده؛ لأن حقَّ الله علينا أعظم مما افترضَه علينا وأكبر مما أوجبَه، ولكنَّ الله برحمته فرضَ علينا بعضَ ما في وُسعِنا، وإلا فحقُّ الله أن يُذكَر فلا يُنسَى، ويُطاعَ فلا يُعصَى، ويُشكَر فلا يُكفَر.

وبيَّن الله حقوقَ العباد بعضِهم على بعضٍ لتكون الحياةُ آمنةً مُطمئنَّة، راضِيةً مُبارَكة، تُظِلُّها الرحمة، وتندفِعُ عنها النِّقمة، ويتمُّ فيها التعاوُن، ويتحقَّقُ فيها التناصُر والمودَّة.

فبيَّن حقوقَ الوالدَيْن على الولد، وحقوق الولد على الوالدَيْن، وحقوق ذوي القُربى والأرحام بعضِهم على بعضٍ. وكلٌّ يُسألُ عن نفسِه في الدنيا والآخرة عن هذه الحقوق والواجِبات؛ فإن أدَّاها وقامَ بها على أحسن صفةٍ كان بأعلى المنازِل عند ربِّه، وقام بأداء هذه الأمانة التي أشفقَت منها السماواتُ والأرضُ والجبالُ.

ومن ضيَّع هذه الحقوقَ كان بأخبث المنازِل عند ربِّه الذي هو قائمٌ على كل نفسٍ بما كسَبَت، لا يعزُبُ عنه مِثقالُ ذرَّةٍ في الكون.

عباد الله:

إن صِلةَ الرَّحِم حقٌّ طوَّقَه الله الأعناق، وواجبٌ أثقلَ الله به الكواهِل، وأشغلَ به الهِمَم. والأرحامُ هم القراباتُ من النَّسَب، والقراباتُ من المُصاهَرة.

وقد أكَّد الله على صِلَة الأرحام وأمرَ بها في مواضِع كثيرة من كتابه، فقال تعالى: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴾ [الإسراء: 26].

وجعل الرَّحِمَ بعد التقوى من الله تعالى، فقال – عز وجل -: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

ولعِظَم صِلَة الرَّحِم، ولكونِها من أُسُس الأخلاقِ وركائِز الفضائِل وأبواب الخيرات فرضَها الله في كل دينٍ أنزلَه، فقال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 83].

وفي حديثِ عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال أوَّلَ مقامٍ بالمدينة: «أيها الناس! أفشُوا السلامَ، وأطعِموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناسُ نِيام؛ تدخُلُوا الجنةَ بسلامٍ»؛ رواه البخاري.

وثوابُ صِلَة الرَّحِم مُعجَّلةٌ في الدنيا مع ما يدَّخِرُ الله لصاحبِها في الآخرة؛ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «من سرَّه أن يُبسَطَ له في رِزقِه، وأن يُنسَأَ له في أثَره فليصِلْ رَحِمَه»؛ رواه البخاري والترمذي، ولفظُه قال: «تعلَّموا من أنسابِكم ما تصِلُون به أرحامَكم؛ فإن صِلَة الرَّحِم محبَّةٌ في الأهل، مثْرَاةٌ في المال، منسَأةٌ في الأثَر».

وعن عليٍّ – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من سرَّه أن يُمدَّ له في عُمرِه، ويُوسَّع له في رِزقِه، ويُدفَع عنه ميتةُ السوء، فليتَّقِ اللهَ وليصِلْ رَحِمَه»؛ رواه الحاكم والبزار.

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن اللهَ ليُعمِّر بالقوم الديارَ، ويُثمِّرُ لهم الأموال، وما نظرَ إليهم منذ خلقَهم بُغضًا لهم».
قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: «بصِلَتهم أرحامهم»؛ رواه الحاكم والطبراني. قال المُنذريُّ: "بإسنادٍ حسنٍ".

وعن أبي بَكْرة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «ما من ذنبٍ أجدرَ أن يُعجِّل الله لصاحبِه العقوبةَ في الدنيا مع ما يدَّخِرُ له في الآخرة من البَغي وقطيعة الرَّحِم»؛ رواه ابن ماجه والترمذي والحاكم.

وعن أبي بَكْرة أيضًا قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن أعجلَ البرِّ ثوابًا لصِلَة الرَّحِم، حتى إن أهلَ البيت ليكونون فَجَرة فتنمُو أموالُهم، ويكثُر عددُهم»؛ رواه الطبراني وابن حبَّان.

وصِلَةُ الرَّحِم لها خاصِّيَّةٌ في انشراحِ الصدر، وتيسُّر الأمر، وسَماحة الخُلُق، والمحبَّة في قلوب الخلق، والمودَّة في القُربَى، وطِيبِ الحياة وبركتها وسعادتها.

والمسلمُ فرضٌ عليه صِلَةُ الرَّحِم وإن أدبرَت، والقيام بحقِّها وإن قطعَت ليعظُمَ أجرُه، وليُقدِّم لنفسِه، وليتحقَّقَ التعاوُنُ على الخير؛ فإن صِلَة الرَّحِم وإن أدبَرَت أدعَى إلى الرجوع عن القطيعة، وأقربُ إلى صفاء القلوب.

فعن أبي ذرٍّ – رضي الله عنه – قال: "أوصَانِي خليلي – صلى الله عليه وسلم – بخِصالٍ من الخير: أوصَانِي ألا أنظُر إلى من هو فَوقِي وأن أنظُر إلى من هو دُوني، وأوصَانِي بحبِّ المساكين والدنُوِّ منهم، وأوصَانِي أن أصِلَ رَحِمِي وإن أدبَرَت، وأوصَانِي ألا أخافَ في الله لومةَ لائِمٍ"؛ رواه الإمام أحمد وابن حبَّان.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن لي قرابةً أصِلُهم ويقطَعوني، وأُحسِنُ إليهم ويُسيئُون إليَّ، وأحلُمُ عليهم ويجهَلون عليَّ. فقال: «إن كنتَ كما قلتَ فكأنَّما تُسِفُّهم المَلَّ – أي: الرماد الحارّ -، ولا يزالُ معك من الله عليهم ظَهيرٌ ما دُمتَ على ذلِك»؛ رواه مسلم.

وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ليس الواصِلُ بالمُكافِئ، ولكنَّ الواصِل الذي إذا قُطِعَت رَحِمُه وصَلَها»؛ رواه البخاري.

وقطيعةُ الرَّحِم شُؤمٌ في الدنيا ونكَدٌ، وشرٌّ وحرجٌ، وضيقٌ في الصدر، وبُغضٌ في قلوب الخلق، وكراهةٌ في القُربَى، وتعاسةٌ في أمور الحياة، وتعرُّضٌ لغضب الله وطردِه.

وتكون الرَّحِمُ والأمانةُ على جانِبَيْ الصِّراط تختطِفُ من ضيَّعَها فتُردِيه في جهنَّم، كما في الحديث الذي رواه مُسلم.

فعقوبتُها أليمةٌ في الآخرة، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله خلقَ الخلقَ حتى إذا فرغَ منهم قامَت الرَّحِم فقالت: هذا مقامُ العائِذِ بك من القَطيعة.
قال الله: نعم، أما ترضَين أن أصِلَ من وصَلَكِ، وأقطعَ من قطعَكِ؟
قالت: بلى.
قال: فذاك لكِ»، ثم قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «اقرءوا إن شِئتُم:
﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد: 22، 23]»؛ رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أيضًا قال: سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «إن أعمالَ بني آدمَ تُعرضُ كلَّ خميسٍ ليلة الجُمعة، فلا يُقبَلُ عملُ قاطِعِ رَحِمٍ»؛ رواه أحمد.

وعن الأعمَش قال: كان ابن مسعود – رضي الله عنه – جالِسًا بعد الصبح في حلقَةٍ، فقال: "أًنشُدُ الله قاطِعَ رَحِمٍ لمَّا قامَ عنَّا، فإنا نريدُ أن ندعُوَ ربَّنا، وإن أبوابَ السماء مُرتَجَة دون قاطعِ رَحِمٍ"؛ رواه الطبراني.

وعن أبي موسى – رضي الله عنه – أن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: «ثلاثةٌ لا يدخُلون الجنة: مُدمِنُ الخمر، وقاطِعُ الرَّحِم، ومُصدِّقٌ بالسِّحر»؛ رواه أحمد والطبراني والحاكم.

أيها المسلمون:

إن صِلَة الرَّحِم هي بذلُ الخير لهم، وكفُّ الشرِّ عنهم. هي عيادةُ مريضِهم، ومُواساةُ فقيرهم، وإرشادُ ضالِّهم، وتعليمُ جاهِلِهم، وإتحافُ غنيِّهم والهديةُ له، ودوامُ زيارتِهم، والفرحُ بنعمتهم، والتهنِئةُ بسُرورهم، والحُزنُ لمُصيبَتهم، ومُواساتُهم في السرَّاء والضرَّاء، وتفقُّدُ أحوالهم، وحِفظُهم في غيبَتهم، وتوقيرُ كبيرهم، ورحمةُ صغيرِهم، والصبرُ على أذاهم، وحُسنُ صُحبَتهم والنُّصحُ لهم.

وفي مراسِيل الحسن: "إذا تحابَّ الناسُ بالألسُنِ، وتباغَضُوا بالقلوب، وتقاطَعُوا بالأرحام لعنَهم الله عند ذلك فأصمَّهم وأعمَى أبصارَهم".

وإن القطيعةَ بين الأرحام في هذا الزمانِ قد كثُرَت، وساءَت القلوب، وضعُفَت الأسبابُ، وعامةُ هذه القطيعَة على الدنيا الحقيرة، وعلى الحُظوظ الفانِية.

فطُوبَى لمن أبصرَ العواقِب، ونظرَ إلى نهاية الأمور، وأعطَى الحقَّ من نفسِه، وأدَّى الذي عليه، ورغِبَ إلى الله في الذي له على غيرِه، وأتَى إلى الناسِ ما يُحبُّ أن يأتُوه إليه.

وإن القطيعةَ المشؤومةَ قد تستحكِمُ وينفخُ الشيطانُ في نارِها، فيتوارَثُها الأولادُ عن الآباء، وتقعُ الهلَكةُ، وتتسِعُ دائرةُ الشرِّ، ويكونُ البغي والعُدوان، وتدومُ هذه القطيعةُ بين ذوِي الرَّحِم حتى يُفرِّق بينهم الموتُ على تلك الحالِ القبيحة.

وعند ذلك يحضُرُ الندَم، وتثُورُ الأحزان، وتتواصَلُ الحسَرات، وتتصاعَدُ الزَّفَرَات، وعند ذلك لا ينفعُ النَّدَم، ولا يُداوِي الأسفُ جِراحاتُ القلوب، ويترُكون جيفَةَ الدنيا بعدَهم، فلا لقاءَ إلا بعد البعثِ والنُّشورِ. فيجثُو كلٌّ أمام الله الحكَم العدل فيقضِي بينَهم بحُكمِه وهو العزيزُ العليمُ.

والصبرُ والاحتِمالُ والمعروفُ والعفوُ خيرُ الأمور، وأفضلُ دواءٍ لما في الصدور؛ عن عُقبة بن عامرٍ – رضي الله عنه – قال: لقيتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – فأخذتُ بيدِه، فقلتُ: يا رسول الله! أخبِرني بفواضِل الأعمال. فقال: «يا عُقبةَ! صِلْ من قطَعَك، وأعطِ من حرَمَك، وأعرِض عمَّن ظلَمَك».
وفي روايةٍ: «واعفُ عمَّن ظلَمَك»؛ رواه أحمد والحاكِمُ.

أيها المسلمون:

إن المرأةَ قد تكونُ من أسبابِ القطيعة بنقلِها الكلام، وبثِّها المساوِئ، ودفنِها المحاسِن، وتحريشِها للرِّجال، وقد ترى لحماقتِها أن لها في ذلك مصلَحة، وقد تدفعُ أولادَها في الإساءَة لذوِي القُربَى، فعليها يكونُ الوِزرُ، والله لها بالمِرصَاد.

وقد تكونُ المرأةُ من أسبابِ التواصُل بين الأرحام، وتوطِيد المودَّة بينَهم بصبرِها ونصيحَتها لزوجِها، وحثِّها على الخير، وتربية أولادها، والله سيُثيبُها، ويُصلِح حالَها، ويُحسِنُ عاقِبَتها.

فيا أيتها المُسلِمات! اتَّقينَ اللهَ تعالى، وأصلِحن بين ذوِي القُربَى، ولا تكُن القطيعةُ من قِبَلكنَّ؛ فإن الله لا يخفَى عليه خافيةٌ.

قال الله تعالى: ﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الروم: 38].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعَنا بهدي سيِّد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، أحمدُ ربِّي وأشكُرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشكرُه على فضلِه العَميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليمُ الحكيم، وأشهد أن نبيِّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه الهادِي إلى صِراطٍ مُستقيم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه ذوِي النَّهج القويم، اللهم صلِّ وسلِّم عليه كثيرًا.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله؛ فتوى الله أربَح بِضاعة، والعُدَّةُ لكل شِدَّةٍ في الدنيا ويوم تقومُ الساعة.

أيها المسلمون:

عظِّموا أوامرَ الله بالعمل بها، وعظِّموا ما نهى الله عنه باجتِنابه، ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]، وأدُّوا حقوقَ ربِّكم، وحقوقَ عباده؛ فذلك هو الفوزُ العظيم.

واعلموا – عباد الله – أن الله – تبارك وتعالى – لا تخفَى عليه خافِية، يُحصِي عليكم، فاعمَلوا للدار الآخرة صالِحَ الأعمال؛ فإنها دارُ القرار لا ينفَدُ نعيمُها، ولا يبلَى شبابُها، ولا تخرمُ دارُها، ولا يموتُ أهلُها.

واتَّقوا نارًا وقودُها الناسُ والحِجارة، عذابُها شديدٌ، وقعرُها بعيدٌ، وطعامُ أهلها الزقُّوم، وشرابُها المُهلُ والصَّديد، ولِباسُهم القَطِرانُ والحديد.

واعلَموا أن لله عملاً بالليل لا يقبَلُه بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبَلُه بالليل، وأعمالُ العباد هي ثوابُهم أو عقابُهم، قال الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [الجاثية: 15].

وفي الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ربِّه أنه قال: «يا عبادِي! إنما هي أعمالُكم أُحصِيها لكم، ثم أُوفِّيكم إياها، فمن وجدَ خيرًا فليحمَد الله، ومن وجدَ غيرَ ذلك فلا يلُومنَّ إلا نفسَه»؛ رواه مسلم من حديث أبي ذرٍّ – رضي الله عنه -.

وتذكَّروا تطايُرَ صُحُف الأعمال، فآخِذٌ كتابه بيمينه، وآخِذٌ كتابه بشِماله، وما ربُّك بظلاَّمٍ للعبيد.

عباد الله:

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».

فصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.

اللهم صلِّ على سيِّدنا ونبيِّنا محمدٍ وعلى آله وأزواجه وذريَّته، اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أذِلَّ الكفر والكافرين يا رب العالمين ، ودمِّر أعداءَك أعداء الدين يا رب العالمين، إنك على كل شيءٍ قدير.

اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم وُلاة أمورنا.

اللهم إنا نسألُك أن تُفقِّهنا والمسلمين في الدين، اللهم تُب علينا وعلى المسلمين يا رب العالمين.

اللهم أعِذنا من شُرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وأعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ يا رب العالمين.

اللهم أعِذْنا وذريَّاتنا من إبليس وذريَّته وجنوده وشياطينه، اللهم أعِذ المسلمين من إبليس وذريَّته وشياطينه إنك على كل شيءٍ قدير، يا رب العالمين.

اللهم انصُر الأطفال الرُّضَّع، اللهم انصُر الأطفال الرُّضَّع، اللهم انتقِم للأطفال الرُّضَّع، والشيوخ الضُّعفاء، والأرامِل والنساء، اللهم انتقِم لهم، اللهم إنهم ظُلِموا في الشام، اللهم انتقِم لهم يا رب العالمين.

اللهم أنزِل بأسَك بالذين ظلَموهم يا رب العالمين في الشام، إنك على كل شيء قدير.

اللهم احفَظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفَظ دينَ المسلمين ودماءَهم وأموالهم وأعراضَهم في كل مكانٍ يا رب العالمين، واكفِهم شرَّ أعدائِهم إنك على كل شيءٍ قدير.

اللهم واكفِ المسلمين شُرورَ أنفسهم، وسيِّئات أعمالِهم، اللهم واكفِهم شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، اللهم واجمعهم دائمًا على كلمة الحق إنك على كل شيءٍ قدير، وألِّف بين قلوبِهم يا رب العالمين، ويا أكرمَ الأكرمين.

اللهم وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عملَه في رِضاك يا رب العالمين، اللهم وفِّقه لكل خير وأعِنه على كل خيرٍ، اللهم وفِّق وليَّ عهده لما تحبُّ وترضى، وفِّقه للخير يا رب العالمين، ولما فيه كل خيرٍ للإسلام والمسلمين إنك على كل شيء قدير.

اللهم سلِّم الحُجَّاج والمُسافرين والمُعتمِرين، اللهم سلِّم الحُجَّاج والمُسافرين والمُعتمِرين، اللهم رُدَّ الحُجَّاج والمُعتمرين يا رب العالمين إلى ديارِهم سالِمين غانِمين، اللهم يسِّر يا رب العالمين أمورَهم.

اللهم إنا نسألُك يا ذا الجلال والإكرام أن تحفَظَ المسلمين في كل مكان، وفي البرِّ وفي البحر وفي الجوِّ يا رب العالمين، إنك على كل شيءٍ قدير.

اللهم إنا نسألُك أن تُعيذَنا من شُرور أنفُسنا وسيئات أعمالنا.

اللهم اشفِ مرضانا، واشفِ مُبتلانا، وانصُرنا على من عادانا يا رب العالمين، إنك على كل شيءٍ قدير.

عباد الله:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 90، 91].

واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدْكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


دار

دار

دارأختي الغالية
لله درك وبشرك الله فى الجنة
جزاك الله كل خير فائدة عظيمة جعلها الله في موازين حسناتك
لكِ ودى وتقديرى وتقييمي لك ياقلبي,,,دار

دار

دار

خلق الرحمة – الشيخ على بن عبدالرحمن الحذيفى 2024.


خلق الرحمة – الشيخ على بن عبدالرحمن الحذيفى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الحمد لله التواب الرحيم، الحليم العظيم، أحمد ربِّي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذُو العرش الكريم، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوث بكلِّ خُلقٍ كريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ وعلى آله وصحبِه الناصِرين لشرع الله القَويم.

أما بعد:
فاتقوا الله حقَّ التقوى؛ تكونوا من أهلها، فقد وعدَ اللهُ على أهلها أعظمَ الثواب، ورحِم أهلَها من العقاب.

أيها المسلمون:
ما أعظمَ نعمة الله على عبده إذا وفَّقه للإحسان لنفسِه بفعلِ كلِّ عملٍ صالحٍ، ووفَّقه للإحسان إلى خلق الله بما ينفعُهم في دينِهم ودُنياهم، فذاك الذي فازَ بالخيرات، ونجا من المُهلِكات، قال الله تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 133، 134].

ألا وإن الأخلاقَ الفاضلَة، والصفات الحسنة الحميدة لها عند الله تعالى أعظمُ المنازِل، يثقُلُ بها الميزانُ يوم الحساب، ويزكُو بها الكتاب.

عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «ما من شيءٍ أثقلَ في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلُقٍ حسنٍ، وإن الله تعالى يُبغِضُ الفاحشَ البَذِيء»؛ رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".

وعن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن المؤمنَ ليُدرِك بحُسن خُلُقه درجةَ الصائم القائم»؛ رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيحٌ على شرطِهما".

وعن النوَّاس بن سمعان – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «البرُّ حُسن الخُلُق، والإثمُ ما حاكَ في صدرِك وكرِهتَ أن يطَّلِع عليه الناس»؛ رواه مسلم.

عباد الله:
إن الرحمة من الخُلُق العظيم أودعَها الربُّ في من شاءَ من خلقِه، وحُرِمَها الشقيُّ من الخلق، وقد رغَّب الإسلامُ في التخلُّق بالرحمة، ووعدَ الله على الرحمة الأجرَ الكريمَ، والسعادةَ الدنيويةَ والأُخرويةَ.

فقال تعالى في خاتَم الأنبياء والرُّسُل – عليهم الصلاة والسلام – نبيِّنا محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – وفي أمَّته: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الفتح: 29]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].

وقال تعالى في رحمة الوالِدَين: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].

وأخبر الله تعالى أنه أرسلَ سيِّدَ البشرَ محمدًا – صلى الله عليه وسلم – رحمةً، فقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

ومن ثوابِ الله للرُّحماء: أن الله يرحمُهم، ومن رحِمَه الله لا يشقَى أبدًا. عن عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «الرَّاحِمون يرحمُهم الرحمن، ارحَموا من في الأرض يرحمُكم من في السماء»؛ رواه أبو داود، والترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".

ومن لا رحمةَ في قلبِه فهو جبَّارٌ شقيٌّ. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تُنزَعُ الرحمةُ إلا من شقيٍّ»؛ رواه أبو داود والترمذي – واللفظُ له -، وقال: "حديثٌ حسنٌ".

وتطيبُ الحياةُ وتصلحُ وتزدهرُ بالتراحُم والتعاطُف بين المُجتمع، وتشقَى المُجتمعات بالتظالًُم والعُدوان وفُقدان التراحُم. عن النُّعمان بن بشير – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثَلُ الجسَد الواحد إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالسَّهَر والحُمَّى»؛ رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي موسى – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «المؤمنُ للمُؤمن كالبُنيان يشدُّ بعضُه بعضًا – وشبَّك بين أصابعِه -»؛ رواه البخاري ومسلم.

والرحمةُ من أعظم خِصال الإيمان، وأجلِّ أنواع الإحسان. والرحمة هي: رِقَّةُ القلب في المُكلَّف، تُوجِبُ بذلَ الخير ونفعَ المرحوم، وكفَّ الأذى عنه.

وهي صفةُ كمالٍ في المُكلَّف اتَّصَف بكمالها نبيُّنا محمدٌ – صلى الله عليه وسلم -، وغيرُه من البشر دونَه في هذه الصفة العظيمة. قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

وفقدُ صفة الرحمة في المُكلَّف نقصٌ وعيبٌ يدخلُ عليه بسبب فقدِها من الشُّرور والآفات ما لا يُحيطُ به إلا الله.

وأما صفةُ الرحمة لربِّ العالمين فنُثبِتُ معناها وحقيقتَها على ما يليقُ بالله – عز وجل -، ونُفوِّضُ في كيفيَّتها، كما هو ثابتٌ عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين – رضي الله عنهم -.

والنِّعمُ كلُّها في الدنيا والآخرة من آثار رحمة الله، تدلُّ هذه النِّعم على رحمة الله الموصوف بها أزلاً وأبدًا، كما يجبُ له – سبحانه – ويليقُ به. قال الله تعالى: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ [الروم: 50].

ومن فسَّر رحمةَ الله بالثواب أو النِّعم فهو مُخالِفٌ لما عليه السلفُ الصالح؛ فرحمةُ الله لا تُشبِه رحمةَ المخلوق، كما أن ذاتَ الله تعالى لا تُشبِه أحدًا من المخلوقات.

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لما خلقَ الله الخلقَ كتبَ كتابًا فهو عنده فوق العرش: إن رحمتِي تغلِبُ غضبي»؛ رواه البخاري ومسلم.

والرحمةُ في الإسلام يتقرَّبُ بها المُسلمُ إلى الله تعالى ببَذلِها لكل ما هو أهلٌ لها حتى البهائِم. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «بينما رجلٌ يمشِي بطريقٍ اشتدَّ عليه العطشُ، فوجدَ بئرًا فنزلَ فيها فشرِبَ، ثم خرجَ. فإذا كلبٌ يلهثُ يأكلُ الثَّرَى من العطش. فقال الرجلُ: لقد بلغَ هذا الكلبَ من العطش مثلُ الذي كان بلغَ بي، فنزلَ البئرَ فملأَ خُفَّه ماءً ثم أمسكَه بفِيه حتى رَقِيَ فسقَى الكلبَ، فشكرَ الله له، فغفَرَ له». فقالوا: يا رسول الله! إن لنا في البهائِم أجرًا؟ فقال: «في كل كبدٍ رطبةٍ أجرٌ»؛ رواه البخاري ومسلم.

وعن عبدالرحمن بن عبدالله عن أبيه قال: كُنَّا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في سفَرٍ، فانطلقَ لحاجته. فرأينا حُمُرة معها فرخَان، فأخذنا فرخَيْها، فجاءت الحُمُرة – وهي نوعٌ من الطير -، فجعلَت تعرِشُ وتُرفرِفُ، فلما جاء النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من فجِعَ هذه بولدَيْها؟ ردُّوا ولدَها إليها».

ورأى قريةَ نملٍ قد أحرقناها، فقال: «من أحرقَ هذه؟» قلنا: نحن. قال: «إنه لا يُعذِّبُ بالنار إلا ربُّ النار»؛ رواه أبو داود.

وقد جاءت الشرعيةُ بوجوب رحمة الضُّعفاء والمساكين والأيتام والمُحتاجين، وبوجوب بذلِ الرحمة لكلِّ أحدٍ هو لها أهلٌ.

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «كافِلُ اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتَين في الجنَّة – وقرنَ بين السبَّابة والوُسطى -»؛ رواه مسلم.

وعن أنسٍ – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من عالَ جاريتَيْن – أي: بنتَيْن – حتى تبلُغَا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتَين – وضمَّ أصابِعَه -»؛ رواه مسلم.

وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «هل تُنصَرون وتُرزَقون إلا بضُعفائِكم؟!». حديثٌ صحيحٌ؛ رواه البخاري مرسلاً، ووصلَه غيرُه بإسنادٍ صحيحٍ.

وفي الحديث: «ليس منَّا من لم يرحَم صغيرَنا ويعرِف شرفَ كبيرِنا»؛ رواه أبو داود.

قال الله تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعَنا بهدي سيِّد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله مُعزِّ من أطاعه واتَّقاه، ومُذِلِّ من خالفَ أمرَه وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا إله سِواه، وأشهد أن نبيِّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه ومن اتَّبَع هُداه.

أما بعد:
فاتقوا الله واخشَوا يومًا تُرجعون فيه إلى الله، ثم تُوفَّى كلُّ نفسٍ ما كسبَت وهم لا يُظلَمون.

أيها المسلمون:
اعمَلوا بأخلاق الدين القَويم الذي رضِيَه الله لكم، ولا تغُرَّنَّكم الحياة الدنيا.

واحذَروا – عباد الله – من أسباب قسوة القلوب؛ فإن من أسباب قسوة القلوب: الانكِبابُ على الدنيا وإيثارُها على الآخرة، قال الله تعالى: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى: 16، 17].

وإن من أسباب قسوة القلوب: هو رُكوبُ المعاصِي التي تغرُّ والتي تُقسِّي القلوب؛ فأبعدُ القلوب من الله القلبُ القاسِي. قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 88، 89].

وكان من دُعاء النبي – صلى الله عليه وسلم -: «اللهم آتِ نفسِي تقواها، زكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم اهدِني لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدِي لأحسنِها إلا أنت، واصرِف عنِّي سيِّئَها لا يصرِفُ عنِّي سيِّئَها إلا أنت».

وكان يُكثِرُ – عليه الصلاة والسلام – بالدُّعاء: «اللهم يا مُقلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلبِي على دينِك».

عباد الله:
اشتدَّت الكُروب، وقسَت القلوب، فأصلِحوها بالقرآن وذِكر الله وطاعته، قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

عباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».

فصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.

اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابتِه أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم وأذِلَّ الكفر والكافرين، ودمِّر أعداءَك أعداء الدين يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألُك أن تُيسِّر أمورَنا، وتشرحَ صدورَنا، اللهم أغنِِنا بحلالِك عن حرامِك، وبطاعتك عن معصيتك، وفضلِك عمَّن سِواك يا رب العالمين.

اللهم أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خِزيِ الدنيا وعذاب الآخرة.

اللهم إنا نسألُك العفوَ والعافية في الدين والدنيا والآخرة، اللهم أصلِح أحوالنا يا رب العالمين، وأحوال المسلمين يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم انصر المسلمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم انصر المسلمين في الشام، اللهم انصر الأطفال في الشام، اللهم انصر الشيوخ والنساء والأرامل والمسلمين الذين ظُلِموا يا رب العالمين من أولئك الظالمين.

اللهم عجِّل يا رب العالمين نقمتَك وعذابَك وأنزِل بأسَك بالظالمين في الشام الذين ظلَموا المسلمين يا رب العالمين، اللهم إنهم طغَوا وبغَوا وإنك أنت الله لا إله إلا أنت، أنت العليُّ على كل شيء، وأنت القادر على كل شيء، اللهم اكفِ المسلمين يا رب العالمين شِرارَهم، اللهم اكفِ المسلمين شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار.

اللهم أعِذنا من شُرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وأعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ يا رب العالمين.

اللهم اجعل هذه البلاد آمنةً مُطمئنَّةً، رخاءً سخاءً، وسائرَ بلاد المُسلمين يا رب العالمين.

اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم وُلاة أمورنا.

اللهم خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عملَه في رِضاك، وأعِنه على كل خيرٍ يا رب العالمين، اللهم وارزُقه الصحةَ إنك على كل شيء قدير.

اللهم وفِّق وليَّ عهده لما تحبُّ وترضى، ولما فيه الخيرُ للإسلام والمسلمين يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألُك يا ذا الجلال والإكرام أن تنصُر دينكَ وكتابَك وسُنَّة نبيِّك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تكِلنا إلى أنفُسنا طرفةَ عينٍ ولا أقلَّ من ذلك يا رب العالمين.

اللهم أعِذْنا وذريَّاتنا من إبليس وذريَّته وشياطينه وجنوده، اللهم أعِذ المسلمين يا رب العالمين من إبليس وذريَّته.

اللهم عليك بالسَّحرة، اللهم عليك بالسَّحرة والمُشعوِذين، اللهم عليك بهم، اللهم أنزِل بهم أعظم العقوبات يا رب العالمين، وأبطِل كيدَهم، ولا تُسلِّطهم على أحدٍ من المُسلمين يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.

عباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 90، 91].

واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدْكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

دار

دار

دار
أختي الغالية
جزاكِ ربي كل الخير وكتب أجركِ
وسلمتي ياقلبي موضوع مهم
وانار الله قلوب الجميع بذكر الرحمن
جزاك الله كل خير فائدة عظيمة جعلها الله في موازين حسناتك
لكِ ودى وتقديرى وتقييمي لك ياقلبي,,,
دارداردار
دار

جزاك الله الجنه حبيبتى
سلمت يداكِ

دار