سبب اتخاذ الطيور شكل V في فترة الهجرة 2024.

دار

في فصل الخريف عندما تبدأ هجرة الطيور الى الجنوب
تكثر هذه الصورة
دار

فمن منا خطر على باله ان يسأل لماذا تطير الطيور المهاجرة على شكل V

اليكن الاجابة على هذا السؤال

لقد توصل العلم إلى أن كل طير عندما يضرب بجناحيه يعطي رفعة إلى أعلى للطائر الذي يليه ‏مباشرة , وعلى ذلك فإن الطيران على شكل

الرقم V يمكن سرب الطيور من أن يقطع مسافة ‏إضافية تقدر على الأقل ب71% زيادة على المسافة التي يمكن أن يقطعها فيما لو طار كل طائر بمفرده……..

‏إذاً تعلم من الطير أن مجموعة الأفراد الذين يعملون في فريق واحد يتخذون الوجهة نفسها ‏يصلون إلى أهدافهم بصورة أسرع وأسهل فيتعاونون ويدعم بعضهم بعضاً ……. ‏وعندما يخرج أحد الطيور عن مسار الرقمV فإنه يواجه فجأة بسحب الجاذبية وشدة مقاومة ‏الهواء, لذلك فإنه سرعان ما يرجع إلى السرب ليستفيد من القوة والحماية التي تمنحها إياه ‏المجموعة …

‏وهكذا فإن الإنسان ضعيف بنفسه قوي بإخوانه وإذا ابتعد عن الجماعة فقد لا يستطيع مقاومة ‏التيار ……
‏وعندما يحس قائد السرب بالتعب لأنه يتحمل العبء الأكبر من المقاومة فإنه ينسحب إلى الخلف ‏ويترك القيادة لطائر آخر , وهكذا تتم القيادة بالتناوب …

‏إذاً يعلمنا الطير أنه مما يجدر الاهتمام به التعاون في عملية القيادة والتناوب عليها من قبل ‏الأكفاء خاصة عندما يكون العمل صعباً …. ‏أما أفراد الطيور الذين في المؤخرة فإنهم يواصلون الصياح أثناء الطيران لتشجيع الأفراد الذين ‏في المقدمة على المحافظة على سرعة الطيران

‏إذاً تعلم أن العبارات التشجيعية تساعد دائماً في تنشيط الذين يعملون في الخطوط الأمامية ‏وتحثهم على التقدم دائماً بالرغم من الضغوط المستمرة …….. ‏وأخيراً فعندما يمرض أحد أفراد البط أو تصيبه رصاصة صياد فيتخلف عن السرب , يقوم ‏اثنان من الطيور بالانسحاب من السرب واللحاق به لحمايته ويبقيان معه حتى يتمكن من اللحاق ب ‏المجموعة أو يموت فيلتحقان بسرب آخر …

سبحاان الله
معلومة حلووهـ ومفيدهـ
يعطيك العاافيه كلمه
تقبلي مروري وتقيمي
انا اسفة حبيبتي لكن الموضوع مكرر هنا
لماذا تهاجر الطيور على شكل رقم [7]..؟

سر الهاء في الهجرة 2024.

دار

سر الهاء في الهجرة
د. عبلة الكحلاوي

مرت بنا هذه الأيام ذكري عطرة‏..‏ وبطلها المهاجر العظيم صلي الله عليه وسلم‏.

ولم تكن الهجرة مجرد خروج من مكة بظلم أهلها إلي يثرب
بطيب أهلها, لم تكن مجرد هجرة وإنما تغيير مسار العالم ونشر الهدي والنور,

وفي ذكري الهجرة نتذكر سويا سر الهاء التي نؤرخ بها والتي تذكرنا برسولنا الكريم وهجرته
فمنذ1435 عاما كانت ارض الحرمين علي موعد مع حدث عظيم
فقد اراد الحق أن يكون هذا التاريخ فارقا بين الحق والباطل
وان ينصر هذا الدين الخاتم..

وعندما نقف ونتأمل في حرف الهاء نجدها..
الهاء: تذكرك بالمهاجر العظيم الذي حمل في قلبه يقينا ثابتا وعزيمة لا تلين
فهو المختار من رب العالمين ليكون نبيا لهذه الأمة التي كانت تعيش في جهالة جهلاء.

وتوافق الأمر بالرسالة نفسا عاشقة لبارئها استدلت عليه بفطرتها قبلا
من خلال سنوات الخلوة به في الغار فكان التواصل والاتصال برب السماء
والارض وكان مبتدأ انطلاق الدعوة في أذن قريش وكان مالاقاه من
عذابات ومطاردة وإيذاء وتعذيب ختم بسنوات مقاطعة مرضت
علي اثارها ثم توفيت خديجة رضي الله عنها

الصاحب بالجنب والسند والأمن الداخلي التي آزرته بثقتها وبصحبتها
وبحنانها وبمالها ثم توفي عمه ابو طالب الذي كان ظهيرا ومدافعا
وحاميا يحسب له الف حساب فكان الأمر بالهجرة لموطن اعده
امر رب السماء فكانت المدينة التي اوته وكان أهلها الذين نصروه
ووجد الرسول في انسان الانصار جند الله فقد منحوه ارواحهم واموالهم.

حرف الهاء: اسجل به سفرتي في هذه الدنيا عبر الشهور والاعوام يذكرنا
برسول الانسانية الذي ايقظ الفطرة المؤمنة وحرر الروح من العلائق
وطواغيت العصر وما جاء به من تعاليم ميسرة بعد ارشاد إلي وحدانية
الواحد يحقق بصورة مقبولة هادئة حق الانسان في الحياة الحرة الكريمة
فضلا عن دعوته للقيم الانسانية الرفيعة من عز وشوري ومساواة وحرية.

حرف الهاء: نستفتح به يومنا ونضبط به اوقاتنا ويذكرنا ان نضبط مؤشر
النفس يوميا نحو الاصالة حيث الحنفية الاولي فنؤكد وحدانية الواحد ونؤكد
ولاءنا لاركان إيماننا والتي منها الايمان بكتبه ورسله فنستدعي في كل صباح
ما تختزنه الفطرة المؤمنة والذي نعايشه في لحظات صلاة وخلوة بالله فنردد
اللهم صلي علي محمد وعلي آل محمد كما صليت علي ابراهيم وعلي آل ابراهيم..

هنا ينساب التوافق والانسجام فلا مجال لفرقة بسبب اختلاف في عقيدة
ولا مجال أن نفرق بين محمد وآل محمد بدعوي اختلاف المذاهب.

حرف الهاء: يذكرنا باننا لابد ان نجدد مع كل صباح العهد مع الله لإثراء
الكون بالعطاء والخيرية وتفهم معني كونا مطالبين بعمارة الارض لا خرابها.

حرف الهاء: يذكرنا بأننا أمة حية علي صلة بالكون الذي نعيش فيه حتي
آخر التوقيت الذي نحياه..

صلة عمارة وعمران وتفاعل وتبادل منافع وخبرات لا صلة خصومة
واستعداء وكراهية صلة محبة وتقدير مع الانسان المصاحب لزماني
في شتي بقاع الارض قد لانعرفهم بذواتهم ولكن نعرفهم باعمالهم
التي تحقق لنا جميعا نفعا فنقدر صنيعهم ونستكمل مسيرتهم من أجل
عمارة الارض انهم يقدمون لنا طواعية وبالمجان خلاصة نجاحاتهم وخبراتهم

ومثال بسيط مكتشف الكهرباء والذرة والبنسلين من جعل بين ايدينا تقنيات
حديثة لننتفع بالثورة المعلوماتية يا احباب انهم ليسوا أكثر انسانية منا
وحبا للخير فنحن اتباع من ارسله الله رحمة للعالمين لكننا تقاعسنا عن
معايشة عصرنا وحصرنا عقولنا في حقبة تاريخية نوقظ فيها الفتن ونتقاتل
قتال طواحين الهواء ويقتل بعضنا البعض كأننا عدنا الي زمن الفتن في العصور
الوسطي لهذا تدعونا الهاء للمشاركة في إعلان صروح الحضارة بمقتضي
أدوات عصرنا دون إغفال للمظلة القيمية التي تجعلنا نعلن المشاركة تعبدا وتقربنا لله.

تدعو الهاء: الي نبذ الفكر المقزم لذاتي الحية.. الفكر المضلل الاستحلالي
والتكفيري والتدميري وتدعو ان يراك الحق حيث أرادك بانيا لا مخربا
ولا يراك قاتلا او معوقا او معجزا لبنيان الله.

تدعو الهاء: ان نتذكر حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم المهاجر من
هجر مانهي الله عنه فالهجرة المقصودة هجرة معنوية فقد قال النبي لا هجرة بعد الفتح..

ولكن هجرة من داخلك الي داخلك هجرة من ذاتك لذاتك هجرة من تهافت
نفسك امام الشهوات الي قوة في فعل الخيرات هجرة من محبة غير الله الي
محبة الله هجرة من التعلق بغير الله الي التعلق به وحده والتوكل عليه والانابة اليه.

تذكر الهاء: بانك علي موعد في كل شهر قمري بمواسم فرحة تتذكرها وتعتبرها..

ومازال للهاء الكثير والكثير من الاسرار إلا إننا في الخواتيم تعظم المدركات الروحية
فمن ختم له بخير بعد توبة واستغفار واصلاح تأتيه الملائكة في كوكبة
من نور تطمئنه وتهدي من روحه..

وتقول ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك راضية مرضية
فادخلي في عبادي وادخلي جنتي
تقول الملائكة اخرجي الي روح وريحان وربك عنك راض..

اللهم في بداية عامنا الجديد تقبل منا واحم بلادنا من كل سوء
وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن.

خاطرة جميلة عن العام الهجري
بوركتي يالغلا ..

دار

دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس 2024.

دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس
دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس
دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس

دار

دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس

فأوصيكم – عباد الله – ونفسي بتقوى الله، فهي أربح المكاسب، وأجزل المواهب، وأسمى المناقِب، وبها تُنال أعلى المراتب، وتتحقَّق أعظم المطالب.

عباد الله:
تعيش الأمَّة الإسلاميَّة هذه الأيام إشراقةَ سنةٍ هجريَّة جديدة، وإطلالةَ عامٍ مباركٍ بإذن الله، بعد أن أَفَلَت شمسُ عامٍ كامل، مضى بأفراحه وأتراحه، فقوِّضت خيامه، وتصرَّمت أيامه، فالله المستعان عباد الله، ما أسرع مرور الليالي والأيام، وتصرُّم الشهور والأعوام! لكن الموفَّق الملهَم مَنْ أخذ من ذلك دروسًا وعِبرًا، واستفاد منه مُدَّكَراًً ومُزدَجَراً، وتزوَّد من المَمَرِّ للمَقَرِّ، فإلى الله – سبحانه – المرجِع والمستقرّ، والكيِّس المُسَدَّد مَنْ حاذَر الغفلة عن الدَّار الآخِرة حتى لا يعيش في غمرة، ويؤخذ على غرَّة، فيكون بعد ذلك عظةً وعبرة، واللهَ نسألُ أن يجعل من هذا العام نُصْرَةً للإسلام والمسلمين، وصلاحًا لأحوالهم في كلِّ مكان، وأن يعيده على الأمَّة الإسلاميَّة بالخير والنَّصر والتَّمكين، إنه جوادٌ كريم.

إخوة الإسلام:
حديث المناسبة في مطلع كلِّ عامٍ هجريٍّ: ما سطَّره تاريخنا الإسلاميّ المجيد من أحداثَ عظيمة، ووقائعَ جسيمة، لها مكانتها الإسلاميَّة، ولها آثارها البليغة في عزِّ هذه الأمَّة وقوَّتها وصلاح شريعتها لكلِّ زمانٍ ومكان، وسعيها في تحقيق مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد.

معاشر المسلمين:
ما أجمل أن نشير إشارات عابرة لعدد من القضايا المهمَّة الجديرة بالإشادة والتَّذكير ونحن في بداية هذا العام الجديد، علَّها تكون سببًا في شَحْذ الهِمَم، واستنهاض العزمات للتمسُّك الجادِّ بكتاب الله وسنَّة رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وحاملةً على الاتِّعاظ والاعتبار، ووقفاتِ المحاسبة الدقيقة، ونظراتِ المراجعة المستديمةِ في الأمَّة، تجديدًا في المواقف، وإصلاحًا في المناهج، وتقويمًا للمسيرة في كافَّة جوانبها.

إخوة العقيدة:
وأوَّل هذه الإشارات – مع حَدَث السَّاعة وحديثها -: الحدث الذي غيَّر مجرى التاريخ، الحدث الذي يحمل في طياته معاني الشجاعة والتَّضحية والإباء، والصَّبر والنَّصر والفداء، والتوكُّل والقوَّة والإخاء، والاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء، إنَّه حَدَثُ الهجرة النبويَّة، الذي جعله الله – سبحانه – طريقًا للنَّصر والعزَّة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته، وإقامة صرح حضارته، فما كان لنور الإسلام أن يُشِعَّ في جميع أرجاء المعمورة لو بقيَ حبيسًا في مَهْدِه، ولله الحكمة البالغة في شَرْعِه وكَوْنِه وخَلْقِه.

إنَّ في هذا الحدث العظيم من الآيات البيِّنات والآثار النيِّرات والدروس والعِبَر البالغات ما لو استلهمته أمَّة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه وهي تعيش على مفترق الطُّرُق؛ لتحقَّق لها عزُّها وقوَّتها ومكانتها وهيبتها، ولعلمت علم اليقين أنَّه لا حلَّ لمشكلاتها ولا صلاح لأحوالها إلاَّ بالتمسُّك بإسلامها، والتزامها بعقيدتها وإيمانها، فوَالذي بعث محمَّدًا بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا ما قامت الدُّنيا إلا بقيام الدِّين، ولا نال المسلمون العزَّة والكرامة والنَّصر والتَّمكين إلاَّ لما خضعوا لربِّ العالمين، وهيهات أن يحلَّ أمنٌ ورخاءٌ وسلامٌ إلاَّ باتِّباع نهج الأنبياء والمرسلين.

إذا تحقَّق ذلك – أيُّها المسلمون – وتذكَّرتِ الأمَّة هذه الحقائق النَّاصعة، وعملت على تحقيقها في واقع حياتها؛ كانت هي السلاح الفاعل الذي تقاتل به، والدِّرع الحصين الذي تتَّقي به في وجه الهجمات الكاسحة والصراع العالمي العنيف، فالقوة لله جميعًا، والعزَّة لله ولرسوله وللمؤمنين.


أمَّة التَّوحيد والوَحْدة:

لقد أكَّدت دروس الهجرة النبويَّة أنَّ عزَّة الأمَّة تكمن في تحقيق كلمة التَّوحيد، وتوحيد الكلمة عليها، وأنَّ أيَّ تفريطٍ في أمر العقيدة أو تقصيرٍ في أخوَّة الدِّين مآله ضعف الأفراد وتفكُّك المجتمع وهزيمة الأمَّة، وإنَّ المتأمِّل في هزائم الأمم وانتكاسات الشُّعوب عبر التاريخ – يجد أنَّ مَرَدَّ ذلك إلى التفريط في أمر العقيدة والتَّساهل في جانب الثَّوابت المعنويَّة مهما تقدَّمت الوسائل الماديَّة، وقوَّة الإيمان تفعل الأعاجيب، وتجعل المؤمن صادقًا في الثِّقة بالله والاطمئنان إليه والاتكال عليه، لا سيَّما في الشَّدائد.

ينظر أبو بكر الصدِّيق – رضيَ الله عنه – إلى مواضع أقدام المشركين حول الغار فيقول: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصَرَنَا! فيجيبه جواب الواثق بنصر الله: ((يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟!))[1].

الله أكبر! ما أعظم لطف الله بعباده ونصره لأوليائه، وفي هذا درسٌ بليغٌ لدعاة الحقِّ وأهل الإصلاح في الأمَّة: أنه مهما احْلَوْلَكَتِ الظُّلمات فوعد الله آتٍ لا محالة: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا}
[يوسف: 110].

أمَّة الإسلام:
ودرسٌ آخَر من دروس الهجرة النبويَّة، يتجلَّى في أنَّ عقيدة التَّوحيد هي الرَّابطة التي تتضاءل أمامها الانتماءات القوميَّة والتمايزات القَبَلِيَّة والعلاقات الحزبيَّة، واستحقاق الأمَّة للتبجيل والتَّكريم مدينٌ بولائها لعقيدتها وارتباطها بمبادئها، يُقال ذلك – أيُّها المسلمون – وفي الأمَّة في أعقاب الزَّمن منهزمون كُثُر، أمام تيَّارات إلحاديَّة وافدة ومبادئ عصريَّة زائفة، ترفع شعارات مصطنَعة وتطلق نداءات خادعة، لم يجنِ أهلها من ورائها إلا الذلَّ والصَّغار، والمهانة والتَّبار، والشَّقاء والبَوَار، فأهواءٌ في الاعتقاد، ومذاهبٌ في السياسة، ومشاربٌ في الاجتماع والاقتصاد، كانت نتيجتها التخلُّف المهين والتمزُّق المشين.

وفي خضمِّ هذا الواقع المُزْرِي يحقُّ لنا أن نتساءل بحرقةٍ وأسى: أين دروس الهجرة في التَّوحيد والوَحْدة؟!

أين أخوَّة المهاجرين والأنصار مِن شعارات حقوق الإنسان المعاصِرة ومدنيَّته الزَّائفة؟!

فقولوا لي بربِّكم: أيُّ نظامٍ راعَى حقوق الإنسان وكرَّمه أحسن تكريمٍ وكفل حقوقه كهذا الدِّين القويم؟!

فلتَصُخَّ منظَّمات حقوق الإنسان العالمية إلى هذه الحقائق، وتطَّرِح الشَّائعات المغرِضة عن الإسلام وأهل الإسلام وبلاد الإسلام، إن أرادت توخِّي الصِّدق والموضوعيَّة.

إنَّ هذه الإلماحة إلى درس الهجرة في التَّضحية والبَذْل والفداء، ومراعاة كرامة الإنسان والحفاظ على حريَّته وحقوقه، يجرُّ – يا رعاكم الله إلى تذكُّر أحوال إخواننا في العقيدة في بقاعٍ شتَّى من العالم؛ حيث حلَّت بهم مصائب وبلايا، ونكبات ورزايا.

سائلوا أرضَ النبوَّات ومهد الحضارات ومنطلَق الرسالات وبلاد المعجزات؛ فلسطين المجاهِدة: ماذا تعاني من صلفٍ يهوديٍّ سافر، ومن حقدٍ صهيونيٍّ أرْعَن؟!

سائلوا الشِّيشانَ وكشميرَ وغيرها عن الأوضاع المأساوية؛ علَّ دروس الهجرة النبويَّة تحرِّك نخوةً وتَشْحَذُ همَّةً وتستَنْهِض عزمًا، وما ذلك على الله بعزيز.

إخوة الإيمان:
وفي مجال تربية الشَّباب والمرأة، وميدان البيت والأسرة – يبرز الأثر العظيم في حدث الهجرة المصطفَوِيَّة، على صاحبها أفضل الصَّلاة وأتمُّ التَّسليم؛ ففي موقف عبدالله بن أبي بكر – رضيَ الله عنهما – في خدمة ونُصْرَة صاحب الهجرة عليه الصَّلاة والسَّلام – بأبي هو وأمي – ما يجلِّي أثرَ الشَّباب في الدَّعوة، ودورهم في الأمَّة ونُصْرة الدِّين والملَّة. أين هذا ممَّا ينادي به بعض المحسوبين على فكر الأمَّة وثقافتها من تخدير الشَّباب بالشَّهوات، وجَعْلِهم فريسةً لمهازل القنوات وشبكات المعلومات، في الوقت الذي يعدُّون فيه للاضطلاع بأغلى المهمَّات؛ في الحفاظ على الدِّين والقِيَم، والثَّبات على الأخلاق والمبادئ، أمام المتغيِّرات المتسارِعة، ودعاوَى العَوْلَمَة المفضوحة؟!

أيُّها الإخوة والأخوات:
وفي موقف أسماء بنت أبي بكر – رضيَ الله عنها، ورضيَ الله عن آل أبي بكر وأرضاهم – ما يجلِّي دورَ المرأة المسلمة في خدمتها لدينها ودعوتها؛ فأين هذا من دعاة المدنيَّة المأفونة، الذين أجلبوا على المرأة بخيلهم ورَجْلِهم، زاعمين – زورًا وبهتانًا – أنَّ تمسُّك المرأة بثوابتها وقِيَمها، واعتزازها بحجابها وعفافِها – تقييدٌ لحريَّتها وفقدٌ لشخصيَّتها، وبئس ما زعموا؟!

فخرجت من البيت تبحث عن سعادةٍ موهومة وتقدميَّة مزعومة، لتظنّها في الأسواق والشوارع والملاهي والمصانع، فرجعت مسلوبةَ الشَّرف، مدنَّسةَ العِرْض، مُغتصَبةَ الحقوق، عديمة الحياء، مؤودة الغَيْرَة، وتلك صورةٌ من صور إنسانيَّات العصر المزعومة وحريَّته المأفونة ومدنيَّته المدَّعاة. ألا فليعلم ذلك اللاهثون واللاهثات وراء السَّراب الخادع، والسائرون خلف الأوهام الكاذبة.

أيُّها الأحبَّة في الله:
وإشارةٌ أخرى إلى أمرٍ يتعلَّق بحَدَث الهجرة النبويَّة، في قضيةٍ تعبِّر بجلاءٍ عن اعتزاز هذه الأمَّة بشخصيتها الإسلاميَّة، وتُثبِت للعالم بأسره استقلال هذه الأمَّة بمنهجها المتميِّز المستَقى من عقيدتها وتاريخها وحضارتها، إنها قضيَّةٌ إسلاميَّةٌ، وسنَّةٌ عُمَرِيَّة أجمع عليها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب – رضيَ الله عنه – إنَّها التَّوْقيت والتَّأريخ بالهجرة النبويَّة المبارَكة، وكم لهذه القضيَّة من مغزًى عظيم يَجْدُر بأمَّة الإسلام اليوم تذكُّره والتقيُّد به، كيف وقد فُتِنَ بعض أبنائها بتقليد غير المسلمين والتشبُّه بهم في تاريخهم وأعيادهم، أين عزَّة الإسلام؟!
وأين هي شخصية المسلمين؟! هل ذابت في خضمِّ مُغرِيات الحياة؟!

فإلى الذين تنكَّروا لثوابتهم وخدشوا بهاء هُوِيَّتهم، وعملوا على إلغاء ذاكرة أمَّتهم، وتهافتوا تهافتًا مذمومًا، وانساقوا انسياقًا محمومًا خلف خصومهم، وذابوا وتميَّعوا أمام أعدائهم، ننادي نداءَ المحبَّة والإشفاق: رويدكم؛ فنحن أمَّة ذات أمجاد وأصالة، وتاريخ وحضارة، ومنهج متميِّز مُنْبَثِق من كتاب ربِّنا وسنَّة نبيِّنا – صلَّى الله عليه وسلَّم – فلا مساومةَ على شيءٍ من عقيدتنا وثوابتنا وتاريخنا، ولسنا بحاجةٍ إلى تقليد غيرنا؛ بل إن غيرُنا – في الحقيقة – بحاجة إلى أن يستفيد من أصالتنا وحضارتنا، لكنَّه التَّقليد والتَّبعيَّة، والمجاراة والانهزاميَّة، والتَّشبُّه الأعمى من بعض المسلمين – هداهم الله – وقد حذَّر رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أمَّته من ذلك بقوله فيما أخرجه الإمام أحمد وأهل "السُّنن": ((مَنْ تشبَّه بقومٍ فهو منهم))[2]، والله المستعان.

أيُّها الإخوة المسلمون:
وثالث هذه الإشارات إلى حدث عظيم في شهر الله المحرَّم، فيه درسٌ بليغٌ على نصرة الله لأوليائه وانتقامه من أعدائه مهما تطاولوا، إنَّه حدث قديم، لكنَّه بمغزاه متجدِّدٌ عبر الأمصار والأعصار، إنه يوم انتصار نبيِّ الله وكليمه موسى عليه السَّلام وهلاك فرعون الطاغية، وكم في هذه القصة من الدروس والعِبَر والعظات والفِكَر للدعاة إلى الله في كلِّ زمانٍ ومكان، فمهما بلغ الكَيْد والأذى والظُّلْم والتسلُّط؛ فإن نصر الله قريبٌ، ويا لها من عبرةٍ لكلِّ عدوٍ لله ولرسوله ممَّن مشى على درب فرعون، أنَّ الله منتقمٌ من الطُّغاة الظَّالمين، طال الزمن أو قَصُرَ؛ فيوم الهجرة ويوم عاشوراء يومان من أيام النَّصر الخالدة.

ألا فلتقرَّ بذلك أعين أهل الحقِّ ودُعاته؛ فالعاقبة للمتَّقين، وليتنبَّه لذلك قبل فوات الأوان أهلُ الباطل ودُعاته، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَن يَخْشَى}
[النازعات: 26]
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}
[الفجر: 14].

إنَّ في الحوادث لعِبَرا، وإنَّ في التاريخ لخَبرا، وإنَّ في الآيات لنُذُرا، وإنَّ في القَصَص والأخبار لمُدَّكَرًا ومُزْدَجَرا، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لْقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
[يوسف: 111].

اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخِرها، وخير أيَّامنا يوم نلقاكَ.
اللهم اجعل حاضرنا خيرًا من ماضينا، ومستقبلنا خيرًا من حاضرنا، إنَّك خير مسؤولٍ وأكرم مأمول.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات، من كلِّ الذنوب والخطايا والسيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه كان توابًا.

الخطبة الثَّانية

الحمد لله الملك القدُّوس السلام، مُجري الليالي والأيام، ومُجدِّد الشهور والأعوام، أحمده تعالى وأشكره على ما هدانا للإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل شهر المحرَّم فاتحة شهور العام، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبد الله ورسوله سيد الأنام، وبدر التَّمام، ومِسْك الختام، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله البَرَرَة الكِرام، وصَحْبِه الأئمَّة الأعلام، والتَّابعين ومَنْ تَبِعَهُم بإحسانٍ ما تعاقب النُّور والظَّلام.

أمَّا بعد:
فاتَّقوا الله – عباد الله – وتمسَّكوا بدينكم، فهو عصمةُ أمركم، وتاج عزِّكم، ورمزُ قوتَّكم، وسبب نصركم، واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهَدْي هَدْيُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.

أيُّها الإخوة في الله:
إشارةٌ رابعةٌ إلى فاتحة شهور العام؛ شهر الله المحرَّم، إنه من أعظم شهور الله – جلَّ وعلا – عظيم المكانة، قديم الحُرْمَة، رأس العام، من أشهر الله الحرام، فيه نصَرَ الله موسى وقومه على فرعون وملئه، ومن فضائله: أنَّ الأعمال الصَّالحة فيه لها فضلٌ عظيمٌ، لا سيَّما الصِّيام؛ فقد روى الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هُرَيْرَةَ – رضيَ الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفضل الصِّيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم، وأفضل الصَّلاة بعد الفريضة صلاة اللَّيل))[3].

وأفضل أيام هذا الشَّهر – يا عباد الله – يوم عاشوراء، وفي "الصحيحَيْن" عن ابن عبَّاسٍ – رضيَ الله عنهما – قال: "قدم النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – المدينة، فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء؛ فقال لهم: ((ما هذا اليوم الذي تصومونه؟)). قالوا: هذا يومٌ عظيمٌ، أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا؛ فنحن نصومه. فقال: ((نحنُ أحقُّ بموسى منكم))؛ فصامه وأمر بصيامه[4].

وفي "صحيح مسلم" عن أبي قَتادة – رضيَ الله عنه – أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – سُئل عن صيام يوم عاشوراء؛ فقال: ((أحتسبُ على الله أن يكفِّر السَّنة التي قبله))[5].

الله أكبر! يا له من فضلٍ عظيم لا يفوِّته إلا محروم.

وقد عزم على أن يصوم يومًا قبله مخالفةً لأهل الكتاب؛ فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التَّاسع))؛ أخرجه مسلمٌ في "صحيحه"، من حديث ابن عبَّاس – رضيَ الله عنهما[6].

لذا فيستحبُّ للمسلمين أن يصوموا ذلك اليوم اقتداءً بأنبياء الله، وطلبًا لثواب الله، وأن يصوموا يومًا قبله أو يومًا بعده؛ مخالفةً لليهود، وعملاً بما استقرَّت عليه سنَّة المصطفى – صلَّى الله عليه وسلَّم – فيا له من عملٍ قليلٍ وأجرٍ كبيرٍ وكثيرٍ من المُنعِم المتفضِّل سبحانه!

إنَّ ذلك – أيها الأحبَّة في الله – لمَنْ شكر الله – عزَّ وجلَّ – على نعمه، واستفتاحُ هذا العام بعملٍ من أفضل الأعمال الصَّالحة التي يُرجَى فيها ثواب الله – سبحانه وتعالى – والكَيِّس الواعي والحصيف اللبيب يدركُ أنَّه كَسْبٌ عظيمٌ ينبغي أن يُتَوِّج به صحائف أعماله، فيا لفوز المشمِّرين.

نسأل الله أن يجعلنا وإيَّاكم منهم بمنِّه وكرمه.

هذا، واعلموا – رحمكم الله – أنَّ من أفضل الطَّاعات وأشرف القُربات كثرة صلاتكم وسلامكم على خير البريَّات، صاحب المعجزات الباهرات، والآيات البيِّنات؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم – جلَّ وعلا – فقال تعالى قولاً كريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}
[الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبنا وقدوتنا محمَّد بن عبدالله، وارضَ اللَّهم عن خلفائه الرَّاشدين ذوي المقام العليّ، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصَّحابة والتَّابعين…

ـــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه البخاري في المناقب (3653)، ومسلم في الفضائل (2381) من حديث أبي بكر رضي الله عنه.
[2] أخرجه أحمد (2/50)، وأبو داود في اللباس، باب: في لبس الشهرة (4031)، وعبد بن حميد (1/267)، والبيهقي في الشعب (2/75) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال ابن تيمية كما في المجموع (25/331): "هذا حديث جيد"، وقال العراقي في تخريج الإحياء (1/342): "سنده صحيح"، وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/271)، وصححه الألباني في حجاب المرأة المسلمة (ص104).
[3] أخرجه مسلم في الصيام (1163).
[4] أخرجه البخاري في الصوم (2004)، ومسلم في الصيام (1130).
[5] أخرجه مسلم في الصيام (1162).
[6] أخرجه مسلم في الصيام (1134).

دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس
دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس
دروس من الهجرة النبويَّة للشيخ عبدالرحمن السديس

أختي الغالية
بارك الله بكِ
اللهم اجعل نُطقها ذكرًا..
وصمتها فكرًا.. ونظرها عبرًا..
ولا تجعلها ممن أطال الأمل..
وأساء العمل.. وأكثر الجدل..
واجعلها ممن سمع الحكمة فوعى..
وسمع القرآن فدنا
واتبع الصراط فنجا..
يا سميع الدعاء.. يا مجيب الدعاء
وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه

طرح أكثر من رائع
روعه وجدتها بين الكلمات
استمتعت بما قرأت
و نطمع بالمزيد من طروحاتك الجمييله
شكري لك ,

دار

وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم

دار

الهجرة النبوية – العقيدة فوق الوطن 2024.

الهجرة النبوية – العقيدة فوق الوطن
الهجرة النبوية – العقيدة فوق الوطن
الهجرة النبوية – العقيدة فوق الوطن

الهجرة النبوية – العقيدة فوق الوطن

د – خالد النجار


الهجرةُ وما أدراك ما الهجرة؟! الخروج مِن الحِمَى المبارَك، ومفارَقة خيرِ أرضٍ لله تعالى، والرحيل عن أحبِّ أرضِ الله لله، في صَفقة مبادَلة العقيدةِ بالوطن، ونبل الغاية، وسموِّ الهدَف بالمكان وإنْ شرُف، عن عبدالله بن عديِّ ابن حمراء الزُّهريِّ قال: رأيتُ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – واقفًا على الحَزْوَرَةِ، فقال: ((واللهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ الله، وأحبُّ أرضِ اللهِ إلى اللهِ، ولولا أنِّي أُخرجتُ منك ما خرجتُ))[1]

وعن ابن عبَّاس – رضي الله عنهما – أنَّه قال: قالَ رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – لمكَّةَ: ((ما أطيبَكِ مِن بلد، وأحبَّك إليَّ! ولولا أنَّ قومي أخرجوني منكِ، ما سكنتُ غيرَكِ))[2]

لذلك لم تكُنِ الهجرةُ هَجرًا لمكَّةَ؛ وإنَّما هجرة منها ليعودَ إليها – صلَّى الله عليه وسلَّم – بعدَ ذلك منتصرًا لدِينه وعقيدتِه، حيث كانتِ الهجرةُ بحقٍّ فتحًا مبينًا، ونصرًا عزيزًا، ورِفعةً وتمكينًا، وظهورًا لهذَا الدِّين.

إنَّ الهجرةَ النبويَّة إعلانٌ تاريخيٌّ بأنَّ العقيدةَ هي أغْلَى ما تملِك هذه الأمَّةُ المحمديَّة، وهي مصدرُ عزِّها ورُشدِها، ومُنطلقُها في الأمرِ كلِّه، والتفريطُ فيها هو الذي أوقعها في فخِّ المِحن والإحن، والتاريخُ خيرُ شاهد، وفيه عِبرةٌ لمَن يعتبر.

فالهجرة تغييرٌ وتعديلٌ لأوضاعٍ خاطئةٍ، وحياةٍ راكدة، إنَّها هجرةُ المسلم بقلبِه من محبَّة غيرِ الله إلى محبَّتِه، ومِن عبودية غيرِه إلى عبوديتِه، ومِن خوفِ غيرِه ورجائِه والتوكُّلِ عليه إلى خوفِ الله ورجائِه والتوكلِ عليه، ومِن الدعاءِ لغيرِه وسؤاله والخضوع والإخبات له، والذلِّ والاستكانة له، إلى دُعائِه وسؤالِه والخضوعِ والإخبات له، والذل له، والاستكانة له – عزَّ وجلَّ – وهذا معنى قولِه تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ
[الذاريات: 50].

وكان – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول في دُعائِه: ((اللهمَّ رَحمتَك أرجو، فلا تَكِلْني إلى نفْسي طرفةَ عينٍ، وأصْلِح لي شأني كلَّه، لا إله إلاَّ أنتَ))[3]

ويقول أيضًا: ((اللهم أسلمتُ وجهي إليك، وفوَّضتُ أمْري إليك، وألجأتُ ظهْري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأَ ولا منجَى منك إلاَّ إليكَ))[4].

العقيدة فوقَ الوطن:

العقيدةُ أشرفُ مبتغًى، وأسْمى ما رسَّخه المصطفى – صلوات ربي وسلامه عليه – فدونها تهون الأوطان، والأحبابُ والخِلاَّن، والأموال وسائر ما تَحرِص عليه نفس الإنسان، فحاجة العباد إليها فوق كل حاجة، وضرورتهم إليها فوق كل ضرورةً؛ لأنَّه لا حياةَ للقلوب ولا نعيمَ ولا طُمأنينةَ إلا بأن تَعرِف ربَّها ومعبودَها وفاطرَها بأسمائِه وصِفاته وأفعالِه، ويكون مع ذلك كلِّه أحبَّ إليها ممَّا سواه، ويكون سعيُها فيما يُقرِّبها إليه دون غيرِه مِن سائرِ خلقه.

العقيدةُ تُحرِّر المؤمنَ مِن العبودية لغيرِ الله تعالى، فيشعر بالعزَّةِ والكرامة، فلا يَستكين إلا لله وحْدَه، ومنه وَحْدَه يلتمِس النصرَ والتأييد، والمعونةَ والتوفيقَ، والرَّشاد والسَّداد، فإلى الله مَفزَعُه، ومنه يستجلب العبدُ المدَدَ، وهذا يلخِّصه ربعيُّ بنُ عامرٍ في كلمتِه الشهيرة لرستم: ((إنَّ الله ابتعثَنا لنُخرِج العبادَ مِن عبادةِ العِباد إلى عبادةِ ربِّ العِباد، ومِن جَورِ الأديان إلى عدلِ الإسلام)).

والعقيدةُ هي السياجُ المتين القادِر على توحيدِ القلوب، وتجميعِ الصفوفِ، واتحاد الهَدَف، على مرِّ العصورِ والأزمان؛ قال تعالى: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 63].

ولهذا؛ فمَع خلَل العقيدةِ، يَنفرِط عِقدُ هذه الأمَّة، وتَصلَى نارَ التشتُّت والتشرذم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
[يوسف: 106]

والشرك ضياعٌ، وصُوَرُه كثر: السحر والشعوذة، وادِّعاء عِلم الغيب (قِراءة الطالع والكفِّ)، والتطير والتشاؤم، والرُّقَّى الشِّركيَّة والتمائم، والحلِف بغير الله… في صُورٍ لا تكاد تُحصَر ولا تُعدُّ، فضلاً عن الغلوِّ في الصالحين، والتبرُّك بآثارهم، وطلَب الغوثِ مِن المقبورين، والطواف حولَ الأضرِحة، والدُّعاء عندها، وتعليق القناديل والسُّرُج والسُّتور، والذَّبْح عندها ولها، والتمسُّح بها، ويتطوَّر الحال حتى تُتَّخذ أعيادًا ومنسكًا، وإلى الله المشتكَى!

ومِن صُور الخلَل في التوحيد التي ابتُليت بها فئاتٌ مِن المنتسبين إلى الإسلامِ في زماننا تَزْعُمُ الثقافة والاستنارة والمعاصَرة: أنَّها لا ترضَى بحُكم الله تعالى ولا تُسلِّم له، بل إنَّ في قلوبها لحرجًا، وفي صُدورِها لغيظًا وضيقًا، إذا أُقيم حدٌّ مِن حدود الله ارتعدتْ فرائصُهم، واشمأزَّتْ قلوبهم، قاموا وقَعَدوا، وأرْغَوا وأزْبَدوا، ولهم إخوانٌ يُمدُّونهم في الغَي، يَزعُمون الحفاظَ على حقوقِ الإنسان!!

وما ضاعتْ حقوقُ الإنسان وحقوقُ الأُمم إلاَّ بهم وبأمثالهم، الشريعة الإسلامية في رأيهم السقيمِ ظُلمُ المرأة وهضْمُ حقوقها، والحدودُ قسوةٌ وبشاعةٌ وتخلُّف، وحُكم الرِّدَّة تهديدٌ لحرية الإبداع والفِكر، وأحكام الشَّرْع كلها عودةٌ إلى عصور الظلام والتعصُّب والانغلاق، بل لقدْ أدخلوها في نفَق الإرهابِ المقِيت!
متناسين قول العلي القدير: ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾
[النساء: 65].

ومِن مقتضياتِ العقيدةِ الإسلاميَّة وثمراتها: التربية والتنمية والبِناء بصوره كافَّة، بَدءًا مِن الإنسان، واشتمالاً لجوانبِ الحياةِ الاجتماعيَّة والسياسيَّة الاقتصاديَّة كافَّة؛ ولهذا لما صحَّتْ عقيدةُ السلف الصالِح، كان منهم ما يُشبِه الأعاجيبَ والأساطير، فلقدْ سطَّروا بصفاءِ عقيدتِهم وجهدِهم وعرقِهم تاريخًا ناصعًا تشرف به الأجيال، وحضارةً طاهرةً كانت مَثارَ إعجابِ العقلاء على مرِّ الأزمان، حضارة خلَتْ من الشذوذ والإدمان، والعُهر والعُري، وسائِر الموبِقات ممَّا تعانيه الحضاراتُ الغربيَّة المعاصِرة، قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية – رحمه الله – في هذا المقام: "ولهذا لمَّا كان يوسف – عليه الصلاة والسلام – محبًّا لله تعالى، مخلصًا له الدِّين، لم يُبْتَلَ بالعشقِ، بل قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾
[يوسف: 24]

وأمَّا امرأةُ العزيزِ، فكانتْ مشركةً هي وقومها؛ فلهذا ابتُليت بالعِشق، وما يُبتلَى بالعشقِ أحدٌ إلا لنقصِ توحيدِه وإيمانِه، وإلا فالقلْب المنيب إلى الله تعالى يُصرَف عن العِشق"[5].

وقال الشيخُ ابنُ سعديٍّ – رحمه الله -: "مَن دخَل الإيمانُ قلبَه، وكان مخلصًا لله في جميعِ أمورِه، فإنَّ الله يدفَع عنه ببرهانِ إيمانه وصِدق إخلاصِه مِن أنواعِ السُّوء والفحشاءِ وأسبابِ المعاصي – ما هو جزاءٌ لإيمانه وإخلاصِه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24]".

يقول د. محمَّد أمين المصريُّ: إنَّ خيرَ وسيلةٍ لتربية الغرائزِ وتعديلها تربيةُ العقيدة تربيةً قويَّة، هنالك تظلُّ الغريزةُ؛ ولكنَّها تُصبِح مملوكةً غير مالِكة، تابِعة غير متبوعة، خادِمة غير مخدومة، هنالك في ظلِّ العقيدة المُثْلَى يلين قيادُ الغرائز جميعها، وتُصبح كلُّها جنودًا طيِّعة للقيادة العُليا.

فغريزة الجمْع لا تَفقِد قوتها ولا حِدَّتَها، ولكن وِجْهَتها بعدَ هيمنةِ العقيدة ليستْ إلى التَّرف والتفاخُر والتكاثر، بل إلى خِدمة العقيدة، فالمال يُجمَع ليُنفق دفعةً واحدةً في سبيلِ العقيدة.

والغَضب لا تزول شِرَّتُه؛ ولكن تتغيَّر أسبابُه ودوافعه، أمَّا دافِعه الفِطري، فهو دفْع اعتداءٍ على مال أو جاه أو أيِّ شيءٍ يخصُّ ذاتيةَ الفرْد، فإذا هيمنت العقيدةُ وكان الاعتداءُ على واحدٍ ممَّا ذُكِر، لم يبالِ الفردُ ولم يَغضبْ.

والخوف يزول لدَى صاحب العقيدة، ولكن أسبابه ودوافعه الأولى لا تَزول، لقدْ كان يَخشَى الظالِمَ ويَرهَب الجائرَ، فلمَّا وُجِدت العقيدة لم يخشَ الظلمَ ولا الجَورَ، ولكن خشِي السكوتَ عن الحقِّ، وخشِي الجبنَ عن الصَّدْع بالحقِّ، وهكذا يخشَى الوعيدَ الذي جاءَ في الآية الكريمة: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
[التوبة: 24].

إنَّ حَفنةً مِن رجالِ العقيدة يَستطيعون أن يُغيِّروا معالمَ التاريخ، إنَّ المنقذ الوحيد للعالَم مِن النهاية الأليمة التي ترتقِبه هو وجودُ نِظامٍ للتربية يقوم على التوفيقِ بيْن العقيدةِ والثَّقافة، بين قوَّة العاطفة والْتِهاب جَذوةِ الإيمان، وبيْن العِلم الواسِع والفِكر النيِّر، ومعرفة أحْدَث ما وصلتْ إليه الأجيالُ البشريَّة مِن تجرِبة واكتِشاف[6].

إنَّ العقيدةَ كما يقول الفُضلاء: صِبغة الله تعالى الدِّينيَّة، وفِطرته التي أرادها للبشريَّة، وهي التي تستحقُّ رضوانَه ومحبَّته، ونعيمَه وجنَّته، وهي التي تستحقُّ نصرَه وتأييدَه على عدوِّها، وتستحقُّ أن يُعليها الله تعالى على الأُمم؛ لأنَّها أعلتْ كَلَمته ودِينه، قال – عزَّ مِن قائل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾
[محمد: 7]، فلا نصرَ في الدُّنيا، ولا فوزَ في الآخِرة، إلا بهذه العقيدةِ الحنيفيَّة السَّمْحة.

ولهذه الأهميَّةِ الفريدةِ للعقيدة؛ نجِد القرآن الكريم لا تَخلو آيةٌ مِن آياته مِن صِفة لله – سبحانَه وتعالى – أو اسمٍ مِن أسمائِه الحُسنى؛ قال شيخُ الإسلام أحمد بنُ تيمية – رحمه الله تعالى -: "والقرآن فيه مِن ذِكْر أسماء اللهِ وصفاتِه وأفعالِه أكثر ممَّا فيه مِن ذِكر الأكْل والشُّرْب والنِّكاح في الجَنَّة، والآيات المتضمِّنة لذِكْر أسماءِ الله وصِفاتِه أعظمُ قدرًا مِن آياتِ المعاد، فأعظمُ آيةٍ في القرآنِ الكريم آية الكرسي المتضمِّنة لذلك، كما ثبَت ذلك في الحديثِ الصحيحِ الذي رواه مسلمٌ، عن النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّه قال لأُبيِّ بنِ كعبٍ: ((أتدري أيَّ آية في كتابِ الله أعظمُ؟))

قال: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾

[البقرة: 255]

فضرَب بيدِه في صدرِه، وقال: ((لِيَهْنِكَ العلمُ أبا المنذرِ))[7]، وثبَت في الصحيحِ عنه – صلَّى الله عليه وسلَّم – مِن غير وجه أنَّ ﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ﴾ تعدِل ثُلُث القرآن[8]

وبشَّر الذي كان يَقرؤها ويقول: إنِّي لأحبُّها؛ لأنَّها صفة الرحمن، بأنَّ الله يُحبُّه.


[1]صحيح: الترمذي في المناقب (3925)، والحَزْوَرَةُ في اللغة: الرابية الصغيرة، وكانت الحَزْوَرَةُ سوق مكة، وقد دخلتْ في المسجد لما زِيدَ فيه.

[2] الترمذي في المناقب (3926).

[3] صحيح الجامع (3388).

[4] متفق عليه.

[5] "أمراض القلوب وشفاؤها" (1/26).

[6] "المسؤولية"، د. محمد أمين المصري، دار الأرقم – برمنجهام – بريطانيا، (ص: 42 – 43، 124) بتصرف.

[7] مسلم: (1921).

[8] البخاري: (4726).



الهجرة النبوية – العقيدة فوق الوطن
الهجرة النبوية – العقيدة فوق الوطن
الهجرة النبوية – العقيدة فوق الوطن

طرح في غايه آلروعه وآلجمال
سلمت آناملك على الانتقاء الاكثر من رائع
ولاحرمنا جديدك القادم والشيق
ونحن له بالإنتظار,,~

دار

دار

صلى الله على نبيينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

جزااك الله كل خير

وجعله الباري في موازين حسناتك

دمت / دمتي بحفظ الباري
دار

دار

سبحان الله
موضوعك قيم جدا
هداك الله الى ما يحب ويرضى
دار

آشكرك على روعة ما قدمتيه وجميل ما نثرتيه هنا

الله يعطيكـ آلف آلعآفيهـ
بـ إنتظارجديدك بكل شوق
دمتي بود.

حكم الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية، وجميع المناسبات الدينية : سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز 2024.

ما حكم الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية الشريفة وجميع المناسبات الإسلامية العظيمة؛ كالإسراء والمعراج وليلة القدر وليلة النصف من شعبان؟ أثابكم الله وحفظكم للإسلام والمسلمين.

القاعدة الشرعية: أن العبادات توقيفية، ليس لأحد أن يحدث عبادة لم يأذن بها الشرع، والله -جل وعلا- يقول سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ[الشورى: 21]، ويقول -سبحانه وتعالى-: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا[الجاثية: 18]، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا -يعني الإسلام- ما ليس منه فهو رد) يعني فهو مردود، متفق على صحته، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني مردود خرجه الإمام مسلم في الصحيح، وعلقه البخاري رحمه الله في الصحيح جازماً.

فالاحتفالات يتعبد بها، فلا يجوز منها إلا ما دل عليه الدليل، فالاحتفال بليلة القدر بليالي العشر من رمضان أمرٌ مشروع شرعه الله لنا أن نعظم هذه الليالي، وأن نقيم ليلها بالعبادة والذكر والطاعة والقراءة، ونصوم نهارها لأنه من رمضان، فهذه الليالي العشر يلتمس فيها ليلة القدر، والمشروع للمسلمين أن يعظموها بالصلاة والعبادة في المساجد، وفي البيوت للنساء أيضاً، كل هذا أمرٌ مشروع. أما الاحتفال بالمولد النبوي، أو بأي مولد كان، كمولد البدوي، أو مولد الحسين، أو مولد علي -رضي الله عنهما- إلى غير ذلك، فهذه الاحتفالات من البدع التي أحدثها الناس، وليست مشروعة، وإن فعلها كثير من الناس في كثير من الأمصار، فإنها لا تكون سنة بفعل الناس، وليس في الإسلام بدعة حسنة، بل كل البدع منكرة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كل بدعة ضلالة)، وكان يخطب يوم الجمعة -عليه الصلاة والسلام- ويقول: (أما بعد.. فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) خرجه الإمام مسلم في الصحيح، وزاد النسائي رحمه الله بإسناد صحيح (وكل ضلالة في النار)، فالبدع كلها ضلالة، وإن سمى بعض الناس بعض البدع بدعة حسنة فهو قول اجتهادي لا دليل عليه، ولا يجوز أن يعارض قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقول أحدٍ من الناس، والرسول -صلى الله عليه وسلم- حكم على البدع بأنها ضلالة، فليس لنا أن نستثني شيئاً من هذا الأمر إلا بدليل شرعي؛ لأن هذه الجملة عامة محكمة، وكل بدعة ضلالة، وهكذا الاحتفال بليلة الإٍسراء والمعراج، وبليلة النصف من شعبان، والاحتفال بالهجرة النبوية، أو فتح مكة أو بيوم بدر، كل ذلك من البدع؛ لأن هذه الأمور موجودة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يحتفل بها،

ولو كانت قربة إلى الله لاحتفل بها -عليه الصلاة والسلام-، أو أمر بها الصحابة، أو فعلها الصحابة بعده، فلما لم يكن شيء من هذا علمنا أنها بدعة، وأنها غير مشروعة هذه الاحتفالات، ولا يبرر فعلها أنه فعلها فلان وفلان، أو فعلها أهل البلاد الفلاني، كل ذلك لا يبرر، إنما الحجة ما قال الله ورسوله، أو أجمع عليه سلف الأمة، أو فعله الخلفاء الراشدون -رضي الله عنهم-، وقد ثبت أن هذا الاحتفال إنما حدث في المائة الرابعة في القرن الرابع، أعني الاحتفال بالمولد النبوي، فعله الفاطميون حين ملكوا المغرب ومصر وبعض البلاد الإسلامية، وهم شيعة، ثم تبعهم بعض الناس بعد ذلك، فلا يليق بأهل الإسلام أن يتأسوا بأهل البدع في بدعهم، بل يجب على أهل الإسلام وأصحاب السنة أن يحاربوا البدع، وأن ينكروها، وأن لا يوافقوا على فعلها، اقتداءً بالمصطفى -عليه الصلاة والسلام-، وبخلفائه الراشدين، وبصحابته المرضيين -رضي الله عنهم-، ثم بالسلف بعدهم في القرون المفضلة، هذا الذي نعتقده وندين به شرعاً، وننصح إخواننا المسلمين به ونوصيهم به أينما كانوا، ونسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق لما يرضيه، والسلامة من أسباب غضبه، والثبات على السنة، والحذر من البدعة، إنه سميع قريب.
توثيق الفتوى

دار
جزاكي الله خيرا
شكرا اختي
لكن لماذا نحتفل بأعياد دولتنا وذكرى تولي حكامنا واستقلالنا ووووووووو
ولا يجوز ان نحتفل بشئ يتعلق بنبينا صلى الله عليه وسلم…؟؟؟؟؟

تحياتي

داردار

الهجرة النبوية ميلاد واقعي للهوية الإسلامية 2024.

الهجرة النبوية ميلاد واقعي للهوية الإسلامية
الهجرة النبوية ميلاد واقعي للهوية الإسلامية
الهجرة النبوية ميلاد واقعي للهوية الإسلامية

دار

الهجرة النبوية ميلاد واقعي للهوية الإسلامية

د – خالد النجار

في أجواءٍ مِن العتامة الفِكريَّة، والقتامَةِ السلوكيَّة، كانتْ جزيرةُ العَرَب قبلَ البعثة المحمديَّة تُعايش أحلك أيَّامها، جاهليَّة ضيِّقة، وعصبيَّة بغيضة، وحياة أشْبَه بحياة الغاب، يَظلم فيها القويُّ العربيد، ويَضيع فيها حقُّ المسكين والمرأة والوئيد، مُجون وفواحِش، وحروب طواحِن، وحياة يَسودُها الفرديةُ والأنانيَّة، وتغيب عن قافلةِ الحضارة وركْب الإنسانيَّة.

وفي هذا المستنقَع الجاهلي الآسِن، أنْعَم الله عليهم بالأنوار الربَّانيَّة، والبعثة النبويَّة، والشريعة المصطفويَّة، فماجتْ بجحافل الوثنيَّة الدنيا بأَسْرها، وأصابَهم مِن الدهش ما أطار عقولَها، وقالوها صراحةً:
﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾
[ص: 5]

فشرعوا يُنافِحون عن آلهتِهم المزعومة، وعاداتهم المذمومة، ولا يَرقُبون في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذِمَّة، ولا قَرابةً ولا صُحْبة، حتى طالَ العهدُ بالمِحنة، وقضَى ربُّك أن تكونَ الهجرة؛ ليتميزَ معسكرُ الإيمان عن معسكرِ الخذلان، ويَصير للمسلمين كيانٌ متمايزٌ عن قُوى الطغيان.

ذكَر أهلُ الأخبار أنَّ المسلمين لم يكونوا يَعملون بالتاريخِ السنوي في أوَّل الأمْر، حتَّى كانتْ خِلافة عمر بن الخطَّاب، فإنَّه جمَع الناس فاستشارهم، فقال بعضُهم: أرِّخوا كما تؤرِّخ الفُرسُ بملوكها، كلَّما هلَك ملِك أرَّخوا بولايةِ مَن بعدَه، فَكرِه الصحابةُ هذا الرأي، وقال آخَرون: أرِّخوا بتاريخِ الرُّوم، فَكِرهوا ذلك أيضًا، فقال بعضُهم: أرِّخوا مِن مولدِ النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وقال آخَرون: بل مِن مبعثِه، وقال آخَرون: بل مِن مهاجرِه، فقال عمرُ – رضي الله عنه – وكان ملهمًا -: "الهِجرةُ فرَّقتْ بيْن الحقِّ والباطِل، فأرِّخوا بها".

إنَّ الوطنَ هو أولُ احتياجات "الهُويَّة الإسلاميَّة"؛ لكي تنموَ فيه وتترعرع، وتَجِد فيه الرِّجالَ الذين يحملونها على عواتقِهم وينصرونها ويُعزِّرونها؛ لذلك كان لا بدَّ مِن مجافاةِ مُعسكَر الكُفران، وإنْ غلتِ الأوطان، وثارتِ الذِّكريات والأشجان، خاصَّة وأنَّ تحقيقَ الغايات لا بدَّ له مِن مجموعةٍ منظَّمة تعمَل دون عوائقِ الاضطهادِ، والتنكيل والتعذيب، فالهجرة كانتْ بمنزلة تحرٍّ واختيارٍ للتربة الخَصبة التي ستنمو فيها شجرةُ الإسلام باسقةً ناضرة.

ولأهميَّة المكان الملائِم كان بحثُ النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – عن هذه البِيئة الطاهرةِ بحثًا حثيثًا، وبذلَ مِن أجلها جهدًا جهيدًا، بل لاقَى في سبيلها ضيمًا فريدًا، كانت البداية مكَّة، فلمَّا استعصتْ عليه بكُفر صناديدِها، ذهَب إلى الطائف، لكنَّها أبَتْ بجحودها، فكانتْ طَيْبةُ الطيِّبة موئلَ الدِّين، وكنفَ دعوةِ ربِّ العالمين.

ولذلك بعدَ الهِجرة النبويَّة المشرَّفة؛ صارتِ الهجرةُ واجبةً مِن مكَّة إلى المدينة في عهدِ رسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ومِنْ كلِّ مكان لا يقدر المسلم فيه أن يُقيمَ شعائر دِينه، وكانتِ الهجرة عملاً صالحاً يتفاضَل الناس بها؛ قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الإسلام يهدِم ما قبْلَه، والهجرةُ تهدِم ما قبلَها))[1].

الراوي:عمرو بن العاص المحدث:مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 121
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وبعدَ فتْح مكَّة نُسِخَتِ الهجرة منها، ولكن بقِي على المسلمِ وجوبُ الهجرةِ مِن البلد الذي لا يَقدِر أن يُقيم فيه شعائرَ دِينه إلى البلدِ الذي يقدر أن يَعبُد الله فيه بحريَّة، وفي الحديث: ((لا تَنقطِعُ الهجرةُ حتى تنقطعَ التوبةُ، ولا تنقطعُ التوبةُ حتى تَطلُعَ الشمسُ مِن مغربِها))[2].

الراوي:معاوية المحدث: الألباني – المصدر: صحيح أبي داود – الصفحة أو الرقم: 2479
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وبعدَ الهِجرة صارتْ "الهويَّة الإسلاميَّة" في المدينة المنوَّرة موئلاً للقاصدين، وعَلَمًا على هذا الدِّين، وموحِّدة لشتاتِ المؤمنين، وغاية لكلِّ الموحِّدين، لقد ذابتْ هُويَّة القبيلة، وهُويَّة المكان، وهُويَّة الغِنى والسُّؤدد، وسائِر الهوياتِ الدُّنيويَّة، وسادتِ الشريعة الربَّانيَّة، فصبغتِ المسلمين بخيرِ صِبغة: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ ﴾
[البقرة: 138].

صارت "الهوية الإسلامية" مناطَ الولاء والبَراء، ومُرتِّبة الأولويات، ومُحرِّكة الجماعات، العقيدةُ الإسلاميَّة الصافية ذِروة سنامِها، واللُّغةُ العربية وعاء فِكرِها، وتراثُ الأمة نبراس تقدُّمِها وعزِّها، وهذا الذي يُقرِّره المنظِّرون لأمر الهوية، حيث يقولون:
أركان
الهوية ثلاثة (العقيدة، والتاريخ، واللُّغة)، والهويَّةالإسلامية لها كلُّ مقوِّماتِ الهُوية الذاتية المستقلَّة، بحيث تَستغني تمامًا عن أي (لقاح) أجْنبي عنها، فهي هُويَّة خَصْبة، تنبثِق عن عقيدةٍ صحيحة، وأصول ثابِتة رَصينة، تَجمَع وتوحِّد تحتَل وائها جميعَ المنتمين إليها، وتَملِك رصيدًا تاريخيًّاعملاقًا لا تَملِكه أمةٌ مِن الأمم، وتَتكلَّم لغةً عربيةً واحدةً، وتشغل بقعةً جغرافيةً متَّصلة ومتشابكة وممتدَّة، وتحيَا لهدفٍ واحد، هو "إعلاءُ كلمةِ الله، وتَعبيدُ العبادِلربِّهم، وتحريرُهم مِن عبودية الأنداد".

قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
[فصلت: 33]

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴾

[النساء: 125].

"الهوية الإسلاميَّة" هي انتماءٌ إلى الله – عزَّ وجلَّ – وإلى رسولِ الله– صلَّى الله عليه وسلَّم – وإلى عبادِ الله الصالحينوأوليائِه المتَّقين، أيْنَما كانوا ومتَى كانوا، بغضِّ النظر عن جِنسهم أو لَونِهم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ
[المائدة: 55 – 56].

يقول المؤرِّخُ اليهوديُّ (برنارد لويس): "الليبراليَّة، والفاشيَّة، والوطنيَّة، والقوميَّة، والشيوعيَّة، والاشتراكيَّة – كلُّها أوروبية الأصلِ مهما أَقْلمَهَا وعدَّلها أتباعٌ في الشرق الأوسط، والمنظَّماتُ الإسلامية هي الوحيدةُ التي تَنبعُ مِن تراب المنطقة".

"الهويَّة الإسلاميَّة" هي المقياسُ والميزان الذي يضبط العلاقةَ بين المؤمنين وغيرهم، "ومِن هَدي القرآن للتي هي أقوم: هديُه إلى أنَّ الرابطة التي يجب أن يُعتقدَ أنَّها هي التي تربط بين أفرادِ المجتمع، وأنْ يُنادَى بالارتباط بها دون غيرِها، إنَّما هي دِينُ الإسلام؛ لأنَّه هو الذي يربط بيْن أفرادِ المجتمع، حتى يصيرَ – بقوَّةِ تلك الرابطة – جميعُ المجتمع الإسلامي كأنَّه جسدٌ واحد، فربْط الإسلامِ لك بأخيك كربْط يدِك بمِعْصَمِك، ورِجلِك بساقِك، كما جاء في الحديثِ عنِ النَّبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ مَثَل المؤمنين في تَراحُمِهم وتعاطُفهم وتوادِّهم كمَثَل الجَسدِ الواحِد؛ إذا اشتَكَى منه عضوٌ، تَداعَى له سائرُ الجَسدِ بالسَّهَر والحمَّى)).

الراوي: النعمان بن بشير المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 6011
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

ولذلك يَكثُر في القرآن العظيم إطلاقُ النَّفْس وإرادة الأخِ؛ تَنبيهًا على أنَّ رابطةَ الإسلام تجعل أخَا المسلم كنفسِه، كقوله تعالى: ﴿ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ﴾
[البقرة: 84]

أي: لا تُخرجون إخوانَكم، وقوله: ﴿ لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ﴾
[النور: 12]

أي: بإخوانهم، وقوله: ﴿ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾
[الحجرات: 11]

أي: إخوانكم، وقوله: ﴿ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ ﴾
[البقرة: 188]

أي: لا يأكُل أحدُكم مالَ أخيه، إلى غيرِ ذلك مِن الآيات؛ ولذلك ثبَت في الصحيحِ عنه – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّه قال: ((لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفْسِه)).

الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 13
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

ومِن الآياتِ الدالَّة على أنَّ الرابطةَ الحقيقيَّة هي الدِّين، وأنَّ تلك الرابطةَ تتلاشَى معها جميعُ الروابط النَّسَبيَّة والعصبيَّة – قوله تعالى: ﴿ لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾
[المجادلة: 22]

إذ لا رابطةَ نَسبيَّة أقربُ مِن رابطةِ الآباءِ والأبناء والإخوانِ والعشائِر.

وقوله: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾
[التوبة: 71]

وقوله: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾

[الحجرات: 10]

وقوله: ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾
الآية
[آل عمران:103]

إلى غيرِ ذلك مِن الآيات.

فهذه الآياتُ وأمثالُها تدلُّ على أنَّ النِّداءَ برابطةٍ أخرى غيرِ الإسلام كالعصبيَّة المعروفة بالقوميَّة – لا يجوز، ولا شكَّ أنَّه ممنوعٌ بإجماعِ المسلمين.

ومِن أصرحِ الأدلَّة في ذلك: ما رواه البخاريُّ عن جابرِ بنِ عبدِالله – رضي الله عنهما – يقول: ((كنَّا في غزاةٍ، فكَسَعَ رجلٌ مِن المهاجرين رَجلاً مِن الأنصار، فقال الأنصاريُّ: يا للأنصار!! وقال المهاجريُّ: يا للمهاجرين!! فسمَّعها اللهُ رسولَه، قال: ((ما هذا؟))، فقالوا: كَسَعَ رجلٌ مِن المهاجرين رَجلاً مِن الأنصار، فقال الأنصاريُّ: يا للأنصار، وقال المهاجريُّ: يا للمهاجِرين، فقال النَّبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((دَعُوها؛ فإنَّها مُنتِنةٌ…)) الحديث.

الراوي: جابر بن عبدالله المحدث:البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 3518
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

فقولُ هذا الأنصاريِّ: يا للأنصار، وهذا المهاجريِّ: يا للمهاجرين، هو النِّداءُ بالقوميَّة العصبيَّة بعينه، وقول النَّبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((دَعُوها؛ فإنَّها مُنتِنةٌ)) يَقتضي وجوبَ ترْك النِّداء بها؛ لأنَّ قوله ((دَعُوها)) أمرٌ صريحٌ بتركها، والأمرُ المطلَق يَقتضي الوجوبَ على التحقيقِ – كما تَقرَّر في الأصول"[3].

لقد كانتِ الهجرةُ النبويَّة حقًّا ميلادًا تاريخيًّا للهويَّة الإسلاميَّة، وعَلمًا على بداية ظهورِها في سماء البشرية، وكانتْ الهجرة فرقانًا، فرَّقتْ بين الأباطيل والأساطير وبيْن عقيدة ربِّ العالمين، وميَّزتِ المؤمنين بكيانِهم الطاهِر عن أدرانِ الشركيَّات والوثنيَّات، فصلوات ربِّي وسلامُه على صاحبِ الهجرة النبويَّة، وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاةً دائمةً إلى يومِ الدِّين.

[1]أخرجه مسلم.

[2] أخرجَه أحمد (4/99)، وأبو داود في الجهاد (2479).

[3] "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن"، محمد الأمين المختار الشنقيطي (3/ 42 43) بتصرف.

الهجرة النبوية ميلاد واقعي للهوية الإسلامية
الهجرة النبوية ميلاد واقعي للهوية الإسلامية
الهجرة النبوية ميلاد واقعي للهوية الإسلامية

دار

دار
موضوع مميز
يعطيك العافية

آيات قرآنية تثبت حقائق الهجرة النبوية 2024.

دار

السور القرآنية التى ذكرت بها الهجرة النبوية

دار

آيات قرآنية تثبت حقائق الهجرة النبوية من مكة للمدينة وان الهجرة كانت إخراج …

وعلينا أن نتدبر الآيات الآتية :
(1) – آية رقم: (40) من سورة التوبة .
(2) – آية رقم: (13) من سورة محمد .
(3) – آية رقم: (30) من سورة الأنفال .
(4) – آية رقم: (76) من سورة الإسراء .
(5) – آية رقم: (8) من سورة الممتحنة .
(6) – آية رقم: (9) من سورة الممتحنة .
(7) – آية رقم: (40) من سورة التوبة .
(8) – آية رقم: (191) من سورة البقرة.
(9) – آية رقم: (195) من سورة آل عمران .


====================================


(1) – (( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .*)) . آية رقم: (40) من سورة التوبة .

(2) – (( وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ.* )) . آية رقم: (13) من سورة محمد .

(3) – (( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ. * )) . آية رقم: (30) من سورة الأنفال .


====================================


(4) – (( وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً.* )) . آية رقم: (76) من سورة الإسراء .


===================================


(5) – (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.* )) . آية رقم: (8) من سورة الممتحنة .


(6) – (( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) . آية رقم: (9) من سورة الممتحنة .


(7) – (( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ.*)) . آية رقم: (191) من سورة البقرة


(8) – (( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ.* )) .آية رقم: (195) من سورة آل عمران .


==================================


(9) – (( وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا.* )) . آية رقم: (100) من سورة النساء.


الروايات التى تُؤكد على أن الهجرة كانت إخراج …؟.
(1) – روى الترمذَي الحديث رقم :3861 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الطُّفَيْلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
لِمَكَّةَ مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ وَلَوْلا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ.

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ *


تدبري كلمة :[ أُُخْرِجْتُ].وكلمة : [مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ].


==================================


(2) – روى أحمد بن حنبل الحديث رقم : 17968 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَزْوَرَةِ فَقَالَ:
عَلِمْتُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ الأَرْضِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ .
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْحَزْوَرَةُ عِنْدَ بَابِ الْحَنَّاطِينَ *

تدبري كلمة :[ أُخْرِجْتُ].وكلمة : [مَا خَرَجْتُ ] .


(3) –أحمد 17969 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا رَبَاحٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
وَهُوَ فِي سُوقِ الْحَزْوَرَةِ وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ الارْضِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلاأَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ *

تتدبري كلمة :[ أُخْرِجْتُ].وكلمة : [مَا خَرَجْتُ ] .

===============================


(4) – ابن ماجة 3099 حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي عُقَيْلٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ قَالَ لَهُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ يَقُولُ :
وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ لَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ *

تتدبري كلمة :[ أُخْرِجْتُ].وكلمة : [مَا خَرَجْتُ ] .


(5) – الدارمي2398 أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ الزُّهْرِيَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَاقِفًا بِالْحَزْوَرَةِ يَقُولُ :
وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ *


تدبري كلمة :[ أُخْرِجْتُ].وكلمة : [مَا خَرَجْتُ ] .

يالغلا
نور الله قلبك بالايمان
وجزاك الله الخير الوفير واسكنك الجنة وابعدك عن النار
وبارك فيك ونفعك بعلمك
وجعل عملك خالصا لوجهه
واسأله تعالى باسمائه الحسنى ان يجعل ماقدمته حجة لك لا حجة عليك..
كثر الله من امثالك
ودمتي بتوفيقه وحفظه

اقتباس : المشاركة التي أضيفت بواسطة ·!¦[· أفنان ·]¦!·

دار

يالغلا
نور الله قلبك بالايمان
وجزاك الله الخير الوفير واسكنك الجنة وابعدك عن النار
وبارك فيك ونفعك بعلمك
وجعل عملك خالصا لوجهه
واسأله تعالى باسمائه الحسنى ان يجعل ماقدمته حجة لك لا حجة عليك..
كثر الله من امثالك
ودمتي بتوفيقه وحفظه

دار

جزاك الله خير
ولا حرمك الله الاجر
دار

اقتباس : المشاركة التي أضيفت بواسطة صفاء العمر

دار

جزاك الله خير
ولا حرمك الله الاجر

شكرا جميلا لقلبك
ورضا ورضوان من الله تعالى

الهجرة درورس وعبر للشيخ عبدالله الجارالله 2024.

الهجرة درورس وعبر للشيخ عبدالله الجارالله
الهجرة درورس وعبر للشيخ عبدالله الجارالله
الهجرة درورس وعبر للشيخ عبدالله الجارالله

دار

الهجرة درورس وعبر للشيخ عبدالله الجارالله


إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصَحْبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

فاتقوا الله عباد الله؛ فإنَّ التقوى رأْسُ العمل الصالح، وهي المتجر الرابح، فتزوَّدوا بها ما استطعتُم، واستغفروا لذنوبكم ما أسررْتُم منها وما أعلنتم.

إخوة الإيمان، نقفُ وإيَّاكم اليوم مع حَدَثٍ مُهمٍّ، أشرْنا إليه إشارة سريعة في الخطبة الماضية، وهو موضوعنا اليوم، إنَّه حَدَثُ الهجرة؛ هجرة الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – من مكة إلى المدينة، تلك الهجرة التي خَلقتِ المسلمين خَلقًا جديدًا، فحوَّلتْ ضَعفَهم إلى قوَّة، وقِلَّتهم إلى كَثْرة، وذِلَّتهم إلى عِزَّة.

عباد الله، لقد عاشَ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في مكة ثلاثة عشر عامًا يدْعو قَوْمه إلى كلمة "لا إله إلا الله"، فما آمَنَ به إلا قليلٌ من الناس، ولكنَّهم قِلَّة صادقة خالَطَ الإيمان بشاشةَ قلوبهم، هذا الإيمان هو الذي دَفَع الصحابة إلى العبادة والرِّيادة، وجَعَلهم يجاهدون ويستشهدون، إلى أنْ دانتْ لهم الدنيا كلُّها، لَم يكنْ هذا إلا بسبب الإيمان الذي غَرَسه رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في قلوبهم، هذا الإيمان الذي جعَلَ من عُبَّاد الأوثان عُبَّادًا للرحمن، وجَعَل من أهل الجاهليَّة قومًا يبيتون لربِّهم سُجَّدًا وقيامًا، وجَعَل منهم رجالاً سطَّروا أرْوَعَ صفحات التاريخ في كثيرٍ من الميادين.
عباد الله، إنَّ إيذاء المشركين لرسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأصحابه كان سببًا من أسباب هجرة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – من مكة إلى المدينة، ولقد أُوذِي النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – كثيرًا، فصَبَر وصابَر، وتحمَّل مِن أذَى قَوْمِه ما لا يَقْدِر على تحمُّله الرجال أولو القوَّة، وظلَّ المشركون على عنادهم وكَيْدهم، فاجتمعوا في دار الندوة وعَقَدوا مؤتمر الدسيسة والغَدر، فمِن قائل بنَفْيه، ومن قائل بحَبْسه، إلى أن استقرَّ رأْيُهم على أن يختاروا من كلِّ قبيلة شابًّا جلدًا قويًّا، يُحيطون بداره، وعندما يخرج عليهم يضربونه ضربة رجلٍ واحد، فيتفرَّق دَمُه في القبائل، ولكنْ فضَحَ الله سرَّهم، وخَيَّب أمرَهم، فقال مُخاطِبًا رسولَه – صلَّى الله عليه وسلَّم – : ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾
[الأنفال: 30].

ثم ينزل جبريل – عليه السلام – على رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يُخْبره أنَّ الله قد أَذِن له بالهجرة من مكة إلى المدينة.

عباد الله، لقد كانتْ هجرة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – دَحْرًا للفساد في العقائد، والضلال في الأفكار، كما كانتْ فتحًا جديدًا في تاريخ الإنسانيَّة، ونصْرًا مُؤَزَّرًا.

ولقد علَّمتْنا العِظَات والعِبَر أنَّ الحقَّ لا بدَّ له من وطنٍ ودارٍ وأنصارٍ، وأنَّ الباطِلَ لا يُسلم القيادةَ للحقِّ في يُسْرٍ وسهولة، بل يقف عنيدًا شديدًا في وجْه الحق، يأخذ عليه الطريق، ويَسدُّ في وجهه المنافذ، ويتربَّص به الدوائر، وحينئذٍ يَحتاج الحقُّ إلى أن يلجَأَ بدعوته إلى تُرْبة خِصْبة، ودار آمنة، وأنصارٍ مؤمنين.

عباد الله، نتعلَّم من الهجرة أنَّ الشباب إذا نشؤوا منذ الصغر على مواجهة الخطر، كانوا أجِلاَّء أقوياء، وهذا هو علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ينشأ في مدرسة النبوة فتًى من فتيان الإسلام لا يخاف إلا الله، ولا يَهاب أحدًا سواه، يقول له النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – ليلة الهجرة: ((نَمْ على فراشي؛ فإنه لنْ يخلصَ إليك شيءٌ تَكْرهه منهم))، فقَبِل عليٌّ التضحية فداءً لرسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – بلا خوف ولا تَردُّد.

وتُعَلِّمنا الهجرة أنَّ أعمالنا يجبُ أن تكونَ لله وفي سبيل الله، لا لغرضٍ أو تحقيق مَطْمع؛ يقول الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكلِّ امرئ ما نَوَى، فمن كانتْ هِجْرته إلى الله ورسوله، فهِجْرتُه إلى الله ورسوله، ومَن كانتْ هجرتُه لدنيا يُصيبها أو امرأة يَنكحها، فهجرتُه إلى ما هاجَر إليه))

رواه البخاري ومسلم من حديث عمر – رضي الله عنه.

إخوة الإيمان، وقد عَلَّمتْنا الهجرة رعايةَ الله لعباده المخلصين؛ فهذا رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يختبِئ مع صاحبه في الغار الليالي ذوات العدد، فلا تَحرسه أمام الغار إلا رعايةُ الله الذي ينصر عباده المخلصين؛ يقول – تعالى -: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].

علَّمتْنا الهجرة أنَّ المرأة المسلمة تستطيع أن تقومَ بواجبها في المناسبات الملائمة، والظروف الموائمة، لا كما يريدها أعداءُ الله اليوم سلعةً رائجةً، فهذه أسماء بنت الصدِّيق – رضي الله عنها – كانتْ تحمل الزادَ من مكةَ إلى الغار، غيرَ خائفة من العيون والأرصاد، وشَقَّتْ نطاقَها نصفين؛ ربطتْ بأحدهما الجراب، وبالنصف الآخر فم قِربة الماء؛ فسُمِّيَتْ: "ذات النطاقين".

عَلَّمتْنا الهجرة حبَّ الوطن، فها هو رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يخرج من مكة في سبيل الله متأثِّرًا لمفارقة وطنه، فيلتفتُ إليها ويُخاطبها خطابَ المحبِّ لها، ويقول: ((والله، إنَّك لأحبُّ أرض الله إليَّ، وإنَّك لأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أنَّ أهلَك أخرجوني منك ما خرجتُ))؛ رواه أحمد.

أيها المسلمون، ومن غار ثور كان المنطلَق السعيد لهذا الدِّين الجديد، وبعد سفرٍ مُضْنٍ وجُهْد شاقٍّ، وتَحمُّل قَيْظٍ لا يَرحم، تلوح للنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – طَيبة المبارَكة، ويَستقبل أهلُها النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – استقبالاً عظيمًا؛ يقول الله – تعالى – فيهم: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].

وابتدأَ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – صفحة جديدة في نشْر الدعوة؛ طابعُها التشريع والتخطيط البديع، وأملُها أن يدفَعَ عنها كَيْد الكائدين وبَطْش الحاقدين، ومن هنا كانت الهجرة بداية للكفاح الشاق.

والهجرة – يا عباد الله – من مكة إلى المدينة، لَم تكنْ فرارًا؛ بل انتصارًا، إنها نقْلٌ لساحة الجهاد من مكة إلى المدينة؛ حتى لا تتجمَّدَ مسيرةُ الحقِّ، ويَستشريَ طُغيان الباطل، ولقد ضَرَب لنا رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأصحابه المثَلَ والأُسوة الْحَسَنة في التضحية بالنفس والنفيس من أجْل نُصْرة دين الله وإيصاله إلينا، ولتكون كلمة الله هي العُليا وكلمة الذين كفروا السُّفْلى.

أسأل الله أن ينصرَ الإسلام، وأن يُعزَّ المسلمين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله وحْدَه، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصَحْبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحْدَه لا شريك له؛ الإله الحق المبين، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ إمام المتقين، وخاتم المرسلين.

فأوصيكم – عباد الله – ونفسي بتقوى الله – عز وجل – وطاعته، وأُحَذِّركم من معصيته ومخالفة أمره.
عباد الله، إنَّ أسْمَى أنواع الهجرة هي الهجرة من الشرِّ إلى الخير، ومِن الرذيلة إلى الفضيلة، ومن الظلام إلى النور، ولعلَّ من هذه الهجرة ما أُمِرَ به الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – في قول ربِّه: ﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ
[المدثر : 3 – 5].

فلنهاجِرْ إلى الله بقلوبنا؛ إلى الخير، والحبِّ، والنقاء، والرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((المهاجر: مَن هَجَر ما نَهَى الله عنه))؛ رواه البخاري من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – ويقول: ((لا هِجرةَ بعد الفتْح، ولكن جهاد ونيَّة، وإذا استنفرتُم فانفروا))؛ رواه البخاري، ومسلم.

ثم اعلموا أنَّ الله أمَرَكم بالصلاة والسلام على خاتم رُسله في أعظم كُتبه؛ فصلُّوا عليه.

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدك ورسولك نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلَفائه الراشدين، وأزواجه أُمَّهات المؤمنين، وبقيَّة الصحابة أجمعين، والتابعين لهم إلى يوم الدِّين.

اللهم انصرِ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشِّرْكَ والمشركين، اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين، اللهم أحْصِهم عددًا، واقْتلهم بددًا، ولا تُبقِ منهم أحدًا، اللهم لا تَدَعْ لنا في هذه الساعة المبارَكة ذنبًا إلا غفَرْتَه، ولا هَمًّا إلا فَرَّجْتَه، ولا مريضًا إلا عافَيْته، ولا ضالاًّ إلا هَديتَه، ولا مبتلًى إلا عافيته، اللهم احفظْ ولاة أمرنا بحِفْظك، وارزقهم البطانة الصالحة التي تُعينهم على الحقِّ يا ربَّ العالمين، اللهم اجعلْ هذا البلد آمنًا مُطْمَئِنًّا، سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.

اللهم اغفرْ للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

اللهم ارفعْ عنَّا الغَلاء والوَبَاء، والزلازل والْمِحَن، وسوءَ الفِتَن، ما ظَهَر منها وما بَطَن، عن بلدنا هذا خاصَّة، وعن سائر بلاد المسلمين عامَّة يا ربَّ العالمين.

اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزلْ علينا الغَيْثَ ولا تجعلْنا من القانطين، اللهم إنا نستغفرك إنَّك كنتَ غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مِدْرارًا، اللهم اسْقِنا الغيثَ ولا تجعلْنا من القانطين، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا بلاءٍ ولا عذاب، ولا هَدْم ولا غَرق.

﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
[الأعراف: 23].

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
[البقرة: 201]

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾
[العنكبوت: 45].

الهجرة درورس وعبر للشيخ عبدالله الجارالله
الهجرة درورس وعبر للشيخ عبدالله الجارالله
الهجرة درورس وعبر للشيخ عبدالله الجارالله

أختي الغالية
بارك الله بكِ
وجزاكِ عنا خير الجزاء
وأسأل الله لكِ أن يلبسكِ العافيه حتي تهنئي بالمعيشة
وأن يختم لكِ بالمغفرة حتي لا تضركِ الذنوب
وأن يكفيكِ كل هول دون الجنة حتي تبلغيها برحمة أرحم الراحمين

وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه

جزاك الله خير الجزاء اختى الغالية
ولاحرمنا من وجودك العطر
الذى يضفى على اى موضوع بهاءاً وجمالاً

دار