معركة ملاذكرد . الطريق إلي القسطنطينية 2024.

دار

دار

ملاذكرد.. الطريق إلي القسطنطينية

(في ذكرى نشوبها: أواخر ذي القعدة 463هـ)

دار



مدينة القسطنطينية – اسطمبول حاليا –

تعد معركة "ملاذكرد" من أيام المسلمين الخالدة،

مثلها

مثل بدر، واليرموك، والقادسية، وحطين،
وعين جالوت، والزلاقة،

وغيرها من المعارك الكبرى التي غيّرت
وجه التاريخ

وأثّرت في مسيرته، وكان انتصار المسلمين
في ملاذكرد نقطة فاصلة؛ حيث قضت على سيطرة دولة الروم
على أكثر مناطق آسيا الصغرى
وأضعفت قوتها
ولم تعد كما كانت من قبل شوكة في حلق المسلمين، حتى سقطت في النهاية على يد

السلطان العثماني محمد الفاتح.

كما أنها مهدت للحروب الصليبية بعد ازدياد قوة السلاجقة المسلمين وعجز دولة الروم عن الوقوف في وجه الدولة الفتية
وترتب على ذلك أن الغرب الأوروبي لم يعد يعتمد عليها في حراسة الباب الشرقي لأوروبا ضد هجمات المسلمين

وبدأ يفكر هو في الغزو بنفسه، وأثمر ذلك
عن الحملة الصليبية الأولى.


ألب أرسلان

تولى ألب أرسلان حكم دولة السلاجقة سنة
(455 هـ= 1063م)
خلفًا لعمه طغرل بك الذي أسس الدولة ومد سلطانها تحت بصره حتى غدت أكبر قوة
في العالم الإسلامي

وقضى ألب أرسلان السنوات الأولى من حكمه في المحافظة على ممتلكات دولته وتوسيع رقعتها، وتأمين حدودها من غارات الروم.

ثم تطلع إلى ضم المناطق المسيحية المجاورة لدولته؛ فاتجه صوب الغرب لفتح بلاد الأرمن وجورجيا والأجزاء المجاورة لها من بلاد الروم،

وكان أهل هذه البلاد يكثرون من الإغارة
على إقليم أذربيجان
حتى صاروا مصدر إزعاج وقلق لسكانه
وهو ما دفع بالسلطان السلجوقي
إلى ضرورة كبح جماح هؤلاء الغزاة.

وأزعج ذلك إمبراطور الروم رومانوس ديوجينس
وأدرك أن التوسع السلجوقي لا يقف عند هذا الحد
وأن خطره سيهدد بلاده
فعزم على تحويل أنظار السلاجقة عن بلاده بالإغارة على بلاد الشام الشمالية

فهاجم مدينة "منبج" ونهبها وقتل أهلها
غير أن ذلك لم يكن كافيًا لدفع خطر السلاجقة
على بلاده، فأعد جيشًا كبيرًا لضرب السلاجقة، وتحجيم قوتها وإضعافها

دار

دار

غرور القوة

جهّز الإمبراطور البيزنطي رومانوس جيشًا ضخمًا يتكون من مائتي ألف مقاتل من
الروم والفرنجة والروس والبلغاريين واليونانيين والفرنسيين وغيرهم

وتحرك بهم من القسطنطينية عاصمة دولته، ممنيًا نفسه بنصر حاسم يقضي
على خطر السلاجقة

فقد أطمعته قواته الغفيرة وعتاده الكثيف
بأن النصر آتٍ لا ريب فيه، واتجه إلى ملاذكرد حيث يعسكر الجيش السلجوقي.

أدرك ألب أرسلان حرج موقفه؛ فهو أمام جيش بالغ الضخامة كثير العتاد، في حين أن قواته
لا تتجاوز أربعين ألفاً

فبادر بالهجوم على مقدمة جيش الروم
ونجح في تحقيق نصر خاطف يحقق له التفاوض العادل مع إمبراطور الروم

لأنه كان يدرك صعوبة أن يدخل معركة ضد جيش الروم؛ فقواته الصغيرة لا قبل لها بمواجهة غير مضمونة العواقب

فأرسل إلى الإمبراطور مبعوثًا من قبله ليعرض عليه الصلح والهدنة

فأساء الإمبراطور استقبال المبعوث ورفض عرض السلطان، وأشاح بوجهه في غطرسة وكبرياء مطمئنًا من الفوز والظفر

ولم ينتظر سماع كلام مبعوث السلطان، وطالبه أن يبلغه بأن الصلح لن يتم إلا في مدينة الري عاصمة السلاجقة.

دار

الاستعداد للقاء

أيقن السلطان ألا مفر من القتال بعد أن فشل الصلح والمهادنة في دفع شبح الحرب

فعمد إلى جنوده يشعل في نفوسهم روح الجهاد وحب الاستشهاد، وأوقد في قلوبهم جذوة الصبر والثبات، ووقف فقيه السلطان وإمامه
أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري

يقول للسلطان مقويًا من عزمه:

إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره
على سائر الأديان

وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح،

فالقهم يوم الجمعة بعد الزوال
في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر
فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر
والدعاء مقرون بالإجابة.

وحين دانت ساعة اللقاء في
(آخر ذي القعدة 463 هـ= أغسطس 1071م)

صلّى بهم الإمام أبو نصر البخاري

وبكى السلطان فبكى الناس لبكائه

ودعا ودعوا معه، ولبس البياض وتحنط
وقال: إن قتلت فهذا كفني.

دار

ساعة اللقاء في ملاذكرد

أحسن السلطان ألب أرسلان خطة المعركة
وأوقد الحماسة والحمية في نفوس جنوده
حتى إذا بدأت المعركة

أقدموا كالأسود الضواري تفتك بما يقابلها
وهاجموا أعداءهم في جرأة وشجاعة
وأمعنوا فيهم قتلا وتجريحًا

وما هي إلا ساعة من نهار حتى تحقق النصر
وانقشع غبار المعركة عن جثث الروم تملأ
ساحة القتال.

ووقع الإمبراطور البيزنطي أسيرًا
في أيدي السلاجقة
وسيق إلى معسكر السلطان ألب أرسلان

الذي قال له: ما عزمت أن تفعل بي إن أسرتني، فقال: أفعل القبيح.

فقال له السلطان: فما تظن أنني أفعل بك

قال: إما أن تقتلني وإما أن تشهر بي
في بلاد الشام

والأخرى بعيدة وهي العفو وقبول الأموال واصطناعي نائبا عنك.

فقال السلطان: ما عزمت على غير هذا.

دار

إطلاق سراح الإمبراطور

أطلق السلطان ألب أرسلان سراح الإمبراطور البيزنطي بعد أن تعهد بدفع فدية كبيرة
قدرها مليون ونصف دينار

وأن يطلق كل أسير مسلم في أرض الروم

وأن تعقد معاهدة صلح مدتها خمسون عامًا
يلتزم الروم خلالها بدفع الجزية السنوية

وأن يعترف الروم بسيطرة السلاجقة
على المناطق التي فتحوها من بلادهم

وأن يتعهدوا بعدم الاعتداء على ممتلكات السلاجقة.

ثم أعاد السلطان غريمه وأسيره الإمبراطور البيزنطي إلى بلاده
وخلع عليه خلعه جليلة، وخصص له سرادقًا كبيرًا، وأعطاه قدرًا كبيرًا من المال
لينفق منه في سفره

ثم أفرج عن عدد من ضباطه
ليقوموا بخدمته

وأمر عددا من رجاله بصحبته حتى يصل
إلى دياره سالمًا.

ولم تكد تصل أخبار الهزيمة إلى القسطنطينية حتى أزال رعاياه "اسمه من سجلات الملك"،

وقالوا إنه سقط من عداد الملوك، وعُيِّن ميخائيل السابع إمبراطورا

فألقى القبض على رومانوس الرابع الإمبراطور السابق، وسمل عينيه.

نتائج معركة ملاذكرد

بعد انتصار المسلمين في هذه المعركة تغيّرت صورة الحياة والحضارة في هذه المنطقة؛

فاصطبغت بالصبغة الإسلامية
بعد انحسار النفوذ البيزنطي تدريجيًا
عن هذه المنطقة، ودخول سكانها في الإسلام، والتزامهم به في حياتهم وسلوكهم.

وواصل الأتراك السلاجقة، غزوهم لمناطق أخرى بعد ملاذكرد،
حتى توغلوا في قلب آسيا الصغرى
ففتحوا قونية وآق، ووصلوا إلى كوتاهية

وأسسوا فرعًا لدولة السلاجقة في هذه المنطقة عرف باسم سلاجقة الروم

ظل حكامه يتناوبون الحكم أكثر من قرنين
من الزمان بعد انتصار السلاجقة في ملاذكرد

وأصبحت هذه المنطقة جزءًا من بلاد المسلمين إلى يومنا هذا.

وكان من ثمار دخول هذه المنطقة في حوزة السلاجقة انتشار اللغتين العربية والفارسية

وهو ما كان له أثره في مظاهر الحضارة
منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا

غير أن هزيمة الروم في موقعة ملاذكرد
جعلتهم ينصرفون عن هذا الجزء من
آسيا الصغرى

ثم عجزوا عن الاحتفاظ ببقية الأجزاء الأخرى أمام غزوات المسلمين الأتراك
من السلاجقة والعثمانيين

وقد توالت هذه الغزوات في القرون الثلاثة التالية لموقعة ملاذكرد

وانتهت بالإطاحة بدولة الروم
والاستيلاء على القسطنطينية عاصمتها
واتخاذها عاصمة للدولة العثمانية

وتسميتها

بإسلامبول أو إستانبول.

دار

* مصادر الدراسة:

ابن الأثير:
الكامل في التاريخ
– دار صادر – بيروت.

حسن إبراهيم حسن:
تاريخ الإسلام الديني والسياسي والثقافي
– دار الجيل- بيروت- 1991م.

عبد النعيم محمد حسنين:
إيران والعراق في العصر السلجوقي
– دار الكتب الإسلامية – القاهرة –
(1402هـ= 1982م).

عصام عبد الرؤوف الفقي:
الدول الإسلامية المستقلة في الشرق
– دار الفكر العربي- القاهرة – 1987م.

مشكورة ياغاليه
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .
مشكورة ياغاليه
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .
دار

دار
دار

قصة اول مسجد في القسطنطينية. 2024.

دار

بين تيارات الأحداث والوقائع التاريخية المتدفقة تغيب عن المشهد فصول مهمة لم يكن لتتوارى إلا لأنها تناثرت، وجاءت ضمن تفصيلات كثيرة وصغيرة، يعود الزمان فيعيد إليها بعضًا من الاعتبار الذي تستحقه تمامًا؛ مثل قصة أول مسجد في مدينة القسطنطينية أو إسلام بول/إستانبول فيما بعد؛ المسجد الذي بناه المسلمون قبل دخول المدينة، وكانت مساحته جلد بعير، وظل مسجد أبناء هاجر شاهدًا على فترات المد والجزر الإسلامي طيلة قرون حتى انقطعت الأخبار عنه من كتابات المؤرخين فجأة!

الطريق إلى القسطنطينية
واجه المسلمون في طريقهم لبناء الدولة الإسلامية الجديدة قوتين كبيرتين هما: دولة الفرس، ودولة الروم (الإمبراطورية البيزنطية)، وعلى حين نجح المسلمون مبكرًا في حسم صراعهم مع القوة الأولى في معركة القادسية 14هـ = 635م، ودخولهم للعاصمة المدائن 16 هـ = 637م؛ فقد اكتفوا بانتزاع ممتلكات دولة الروم في شمال الشام بعد عدة معارك، أهمها اليرموك وأجنادين 16 – 17هـ/ 636 – 637م، ثم فتح كل من فلسطين 15هـ = 636م، ومصر 20هـ/ 640م.
وظل حلم القضاء على دولة الروم يراود الخلفاء الراشدين، دون محاولة جدية لتحقيقه، غير أن الأمر انتقل من مساحة الحلم إلى حيز الواقع الميداني على عهد الخلافة الأموية، بعد أن اشتد عود الدولة الإسلامية الفتية، وبعد تزايد خبرة إرسال الحملات البرية، وتعلم المسلمون فن القتال البحري نتيجة لفتح الشام ومصر، فقررت الدولة الأموية القيام بحملات عسكرية من أجل فتح القسطنطينية عاصمة دولة الروم.
قام الأمويون بإرسال حملتين خلال الأعوام 54 – 60هـ = 674-680م لمهاجمة القسطنطينية، ونجحت الحملة الثانية في فتح جزيرة بالقرب من القسطنطينية تدعى "أرواد"، حيث استقر بها المسلمون لسبع سنوات.
وأرسل الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك (96 – 99هـ = 715 – 717م) حملة كبرى لفتح القسطنطينية في عام 97 هـ = 716م، واتخذت الحملة الإسلامية طريقها تجاه المدينة بعد أن نجحت في فتح مدن سارديس Sardis وبرجامة Pergamus وأبيدوس Abydus لتقف في الخامس عشر من أغسطس عام 717م أمام أسوار القسطنطينية، حيث قام المسلمون بضرب حصارهم البحري حولها لمدة عام كامل.
وأصاب الفشل في النهاية الحملة لعدة أسباب؛ أهمها قوة الاستحكامات البيزنطية، ومعاناة المسلمين من شتاء القسطنطينية القارس، والأمراض التي تفشت بين جنود الحملة، وخاصة مرض الطاعون، فضلا عن مهارة البحرية البيزنطية.

بناء المسجد بمساحة جلد بعير
وعلى الرغم من الفشل العسكري الذي لحق بتلك الحملة؛ فإنها نجحت في إحراز نصر معنوي بعد أن اشترط القائد المسلم مسلمة بن عبد الملك على الإمبراطور البيزنطي ليو الثالث الإيسوري (717 = 840م) ضرورة بناء مسجد للمسلمين داخل أسوار المدينة، مقابل انسحاب قواته من أمام أسوار المدينة.
ووافق الإمبراطور ليو الثالث على ذلك بعد أن أنهكته عملية الدفاع عن القسطنطينية، ولكي يضمن حمايتها لفترة أطول.
وبعد وفاة الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك أمر الخليفة الجديد عمر بن عبد العزيز (99 – 101هـ = 717 – 719م) بسرعة عودة الحملة إلى الشام في عام 99هـ = 718م.
وتحدثت العديد من المصادر التاريخية البيزنطية والعربية عن وجود هذا المسجد بالقسطنطينية، وأهم وأقدم من تحدث عن ذلك هو الإمبراطور ميخائيل السابع بور فور جنتيوس (913 – 959م) الذي قام بتأليف عدة كتب، أهمها كتابه حول إدارة الإمبراطورية البيزنطية، حيث ذكر "أن مسلمة بن عبد الملك هو الذي أمر ببناء مسجد للمسلمين في المعسكر الإمبراطوري، داخل القسطنطينية".
يذكر القاضي بن عبد الظاهر أن المسلمين قد اتفقوا مع البيزنطيين على بناء المسجد داخل أسوار القسطنطينية، وتم الاتفاق بين الطرفين أن تكون مساحة المسجد "قدر جلد بعير".
ولما كان المسلمون يهدفون إلى زيادة رقعة مساحة المسجد أحضروا جلد بعير، وقاموا بتقطيعه سيورًا مما جعله أكثر طولاً وأكبر اتساعًا، وهو الأمر الذي اعترض عليه البيزنطيون، ورد المسلمون على ذلك بأنه جلد بعير واحد كما سبق الاتفاق على ذلك، وأنهم لم يزيدوا عليه، فوافق البيزنطيون على مضض.
ويمكن اعتبار هذا المسجد ودار البلاط التي تم بناؤها بالقسطنطينية ليحبس بها كبار أسرى المسلمين في الحروب المتعاقبة بمثابة نواة الحي الإسلامي الذي كان بالقسطنطينية بعد ذلك.
واستمر مسجد المسلمين بالقسطنطينية يقوم بوظيفته الدينية، ويرتاده المصلون حتى القرن العاشر الميلادي، وهو ما ظهر من خلال طيات الرسالة التي بعث بها بطريرك القسطنطينية نيكولاس مستيكوس إلى الخليفة العباسي المعتز بالله (295 – 320هـ/ 908 -932م) التي أشار فيها إلى حسن رعايته لمسجد القسطنطينية.

الحياة الاجتماعية والاقتصادية حول المسجد
دار
مسجد ابى ايوب الانصارى

ونتيجة للمكانة التجارية الكبرى لمدينة القسطنطينية طوال القرن العاشر الميلادي فقد توافد عليها العديد من التجار الأجانب كالتجار الروس والبلغار والألمان والفرنسيين، فضلا عن التجار اليهود الراذانيين.
وكان من الطبيعي أن يتوجه المسلمون بسلعهم وبضائعهم إلى أسواق القسطنطينية، ولدينا إشارة في أحد أهم مصادر تاريخ مدينة القسطنطينية المنسوب إلى الإمبراطور ليو السادس ( 886 – 912م) إلى كثرة أعداد التجار الشوام المسلمين والمسيحيين، ومكوثهم لفترة طويلة بالقسطنطينية، على عكس التجار الأجانب الذين لم تسمح لهم القوانين البيزنطية بالمكوث في المدينة أكثر من ثلاثة أشهر، بينما مكث التجار الشوام بها لعشر سنوات تقريبًا.
وهكذا عاش التجار المسلمون في أماكن بالقرب من المسجد؛ مما يدل على بداية تكوين حي إسلامي صغير حول المسجد، وهو ما يفسر بقاءهم واستقرارهم بالقسطنطينية منذ نهاية القرن الثالث وحتى بداية القرن الرابع الهجري (نهاية القرن التاسع وحتى بداية القرن العاشر الميلادي).
كما تخبرنا المصادر الإسلامية أنه بعد التهديد المتواصل من السلطان السلجوقي طغرل بك (429 – 455هـ/1029 – 1063م) للأراضي البيزنطية وخاصة في عهد الإمبراطور قسطنطين مونوما خوس (1042 – 1055م) سعى الأخير إلى خطب ود طغرل بك، وتوسط لإطلاق سراح ملك الأبخاز.
فلما أطلق طغرل بك سراحه أرسل الإمبراطور مونوماخوس الهدايا له، وقام بإعادة تعمير مسجد القسطنطينية، وأقيمت فيه الصلاة والخطبة لطغرل بك عام 441هـ = 1049م.
كما أن الرحالة العربي أبو الحسن الهروي الذي زار مدينة القسطنطينية في فترة حكم الإمبراطور مانويل كومنينوس (1143 – 1185م) وصف المدينة، وذكر وجود المسجد الإسلامي بالقسطنطينية، وممارسته لرسالته الدينية.
واستمر الاهتمام بمسجد القسطنطينية من قبل الأباطرة البيزنطيين، كما كانت العلاقات جيدة بينهم وبين الحكام المسلمين مثلما كان حال العلاقة بين الإمبراطور إنجيلوس (1185 – 1195م) والسلطان صلاح الدين الأيوبي، حيث أرسل الأخير إلى مسجد المسلمين بالقسطنطينية خطيبًا وعددًا من القراء والمؤذنين، وكان في استقبالهم بالمدينة العديد من التجار المسلمين بها، واجتمع إلى خطيب المسجد "المسلمون المقيمون بها والتجار"؛ الأمر الذي يفرق بين مسلمي القسطنطينية المستقرين والمقيمين في الحي الإسلامي بها، والتجار المسلمين الوافدين إليها في رحلاتهم التجارية العادية.
وعلاوة على التجار المسلمين الشوام فقد مارس التجار الأتراك السلاجقة أيضًا تجارتهم بالقسطنطينية، وأقاموا في الحي الإسلامي بها، وارتادوا المسجد به، وتعرضوا للاضطهاد أحيانًا، من ذلك قيام الإمبراطور البيزنطي الكسيوس أنجليوس (1195م – 1203م) بالقبض على التجار الأتراك المسلمين بالقسطنطينية 1189م، وإيداعهم السجن نتيجة التوتر في علاقته مع سلاجقة قونية المسلمين.
ومن المؤكد أنه قد حدث تعاظم لدور مسجد المسلمين بالقسطنطينية؛ وهو ما يدل على ازدياد عدد السكان المسلمين في عاصمة دولة الروم، وزيادة دورهم التجاري والصناعي.
كان الحي الإسلامي بمدينة القسطنطينية في بداية القرن الثالث عشر الميلادي يقع غرب بوابة الحرس، وكذلك غرب الحي الذي سكنه تجار البندقية في القسطنطينية، وكان يتألف من العديد من المنازل، بالإضافة إلى المسجد.

دار

دار

دار

جزاكِ الله خيرا اختى
سلمت يداكِ

ما اعظم التاريخ الاسلامى

اللهم ارزقنا النصر والعزه

دار

جزاك الله خير حبيبتي

مُحمد الفاتح وفتح القسطنطينية 2024.

محمد الفاتح
دار

انتظر المسلمون أكثر من ثمانية قرون حتى تحققت البشارة النبوية بفتح القسطنطينية، وكان حلمًا غاليا وأملا عزيزا راود القادة والفاتحين لم يُخب جذوته مر الأيام وكر السنين، وظل هدفا مشبوبا يثير في النفوس رغبة عارمة في تحقيقه حتى يكون صاحب الفتح هو محل ثناء النبي (صلى الله عليه وسلم) في قوله: "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش".
وقد بدأت المحاولات الجادة في عهد معاوية بن أبي سفيان وبلغ من إصراره على فتح القسطنطينية أن بعث بحملتين الأولى سنة 49 هـ = 666، والأخرى كانت طلائعها في سنة 54 هـ = 673م، وظلت سبع سنوات وهي تقوم بعمليات حربية ضد أساطيل الروم في مياه القسطنطينية، لكنها لم تتمكن من فتح المدينة العتيدة، وكان صمود المدينة يزيد المسلمين رغبة وتصميما في معاودة الفتح؛ فنهض "سليمان بن عبد الملك" بحملة جديدة سنة (99 هـ = 719م) ادخر لها زهرة جنده وخيرة فرسانه، وزودهم بأمضى الأسلحة وأشدها فتكا، لكن ذلك لم يعن على فتحها فقد صمدت المدينة الواثقة من خلف أسوارها العالية وابتسمت ابتسامة كلها ثقة واعتداد أنها في مأمن من عوادي الزمن وغوائل الدهر، ونامت ملء جفونها رضى وطمأنينة.
ثم تجدد الأمل في فتح القسطنطينية في مطلع عهود العثمانيين، وملك على سلاطينهم حلم الفتح، وكانوا من أشد الناس حماسا للإسلام وأطبعهم على حياة الجندية؛ فحاصر المدينة العتيدة كل من السلطان بايزيد الأول ومراد الثاني، ولكن لم تكلل جهودهما بالنجاح والظفر، وشاء الله أن يكون محمد الثاني بن مراد الثاني هو صاحب الفتح العظيم والبشارة النبوية الكريمة.


محمد الفاتح
ولد السلطان محمد الفاتح في (27 من رجب 835 هـ= 30 من مارس 1445م)، ونشأ في كنف أبيه السلطان مراد الثاني سابع سلاطين الدولة العثمانية، الذي تعهده بالرعاية والتعليم؛ ليكون جديرا بالسلطنة والنهوض بتبعاتها؛ فحفظ القرآن وقرأ الحديث وتعلم الفقه ودرس الرياضيات والفلك، وأتقن فنون الحرب والقتال، وأجاد العربية والفارسية واللاتينية واليونانية، واشترك في الحروب والغزوات، وبعد وفاة أبيه في (5 من المحرم 855هـ = 7 من فبراير 1451م) تولى الفاتح السلطنة فتى في الثانية والعشرين من عمره وافر العزم شديد الطموح.

بناء قلعة رومللي حصار
دار
قلعة رومللي حصار
كان السلطان بايزيد الأول قد أنشأ على ضفة البوسفور الآسيوية في أثناء حصاره للقسطنطينية حصنا تجاه أسوارها عُرف باسم قلعة الأناضول، وكانت تقوم على أضيق نقطة من مضيق البوسفور، وعزم محمد الفاتح أن يبني قلعة على الجانب الأوروبي من البوسفور في مواجهة الأسوار القسطنطينية، وقد جلب لها مواد البناء وآلاف العمال، واشترك هو بنفسه مع رجال دولته في أعمال البناء، وهو ما ألهب القلوب وأشعل الحمية في النفوس، وبدأ البناء في الارتفاع شامخ الرأس في الوقت الذي كان فيه الإمبراطور قسطنطين لا يملك وقف هذا البناء، واكتفى بالنظر حزنا وهو يرى أن الخطر الداهم سيحدق به دون أن يملك مندفعه شيئا.
ولم تمض ثلاثة شهور حتى تم بناء القلعة على هيئة مثلث سميك الجدران، في كل زاوية منها برج ضخم مغطى بالرصاص، وأمر السلطان بأن ينصب على الشاطئ مجانيق ومدافع ضخمة، وأن تصوب أفواهها إلى الشاطئ، لكي تمنع السفن الرومية والأوروبية من المرور في بوغاز البوسفور، وقد عرفت هذه القلعة باسم "رومللي حصار"، أي قلعة الروم.

بوادر الحرب

توسل الإمبراطور قسطنطين إلى محمد الفاتح بالعدول عن إتمام القلعة التي تشكل خطرًا عليه، لكنه أبي ومضى في بنائه، وبدأ البيزنطيون يحاولون هدم القلعة والإغارة على عمال البناء، وتطورت الأحداث في مناوشات، ثم لم يلبث أن أعلن السلطان العثماني الحرب رسميا على الدولة البيزنطية، وما كان من الإمبراطور الرومي إلا أن أغلق أبواب مدينته الحصينة، واعتقل جميع العثمانيين الموجودين داخل المدينة، وبعث إلى السلطان محمد رسالة يخبره أنه سيدافع عن المدينة لآخر قطرة من دمه.
وأخذ الفريقان يتأهب كل منهما للقاء المرتقب في أثناء ذلك بدأ الإمبراطور قسطنطين في تحصين المدينة وإصلاح أسوارها المتهدمة وإعداد وسائل الدفاع الممكنة، وتجميع المؤن والغلال، وبدأت تردد على المدينة بعض النجدات خففت من روح الفزع التي سيطرت على الأفئدة، وتسربت بعض السفن تحمل المؤن والغذاء، ونجح القائد الجنوبي "جون جستنياني" مع 700 مقاتل محملين بالمؤن والذخائر في الوصول إلى المدينة المحاصرة؛ فاستقبله الإمبراطور قسطنطين استقبالا حسنًا وعينه قائدًا عامًا لقواته، فنظم الجيش وأحسن توزيعهم ودرب الرهبان الذي يجهلون فن الحرب تمامًا، وقرر الإمبراطور وضع سلسلة لإغلاق القرن الذهبي أمام السفن القادمة، تبدأ من طرف المدينة الشمالي وتنتهي عند حي غلطة.

استعدادات محمد الفاتح

كان السلطان محمد الثاني يفكر في فتح القسطنطينية ويخطط لما يمكن عمله من أجل تحقيق الهدف والطموح، وسيطرت فكرة الفتح على عقل السلطان وكل جوارحه، فلا يتحدث إلا في أمر الفتح ولا يأذن لأحد من جلسائه بالحديث في غير الفتح الذي ملك قلبه وعقله وأرقه وحرمه من النوم الهادئ.
وساقت له الأقدار مهندس مجري يدعى "أوربان"، عرض على السلطان أن يصنع له مدفعا ضخما يقذف قذائف هائلة تكفي لثلم أسوار القسطنطينية؛ فرحب به السلطان وأمر بتزويده بكل ما يحتاجه من معدات، ولم تمض ثلاثة أشهر حتى تمكن أوربان من صنع مدفع عظيم لم يُر مثله قط، فقد كان يزن 700 طن، ويرمي بقذائف زنة الواحدة منها 12 ألف رطل، ويحتاج جره إلى 100 ثور يساعدها مائة من الرجال، وعند تجربته سقطت قذيفته على بعد ميل، وسمع دويه على بعد 13 ميلا، وقد قطع هذا المدفع الذي سُمي بالمدفع السلطاني الطريق من أدرنة إلى موضعه أمام أسوار القسطنطينية في شهرين.

بدء الحصار

وصل السلطان العثماني في جيشه الضخم أمام الأسوار الغربية للقسطنطينية المتصلة بقارة أوروبا يوم الجمعة الموافق (12 من رمضان 805هـ= 5 من إبريل 1453م) ونصب سرادقه ومركز قيادته أمام باب القديس "رومانويس"، ونصبت المدافع القوية البعيدة المدى، ثم اتجه السلطان إلى القبلة وصلى ركعتين وصلى الجيش كله، وبدأ الحصار الفعلي وتوزيع قواته، ووضع الفرق الأناضولية وهي أكثر الفرق عددًا عن يمينه إلى ناحية بحر مرمرة، ووضع الفرق الأوروبية عن يساره حتى القرن الذهبي، ووضع الحرس السلطاني الذي يضم نخبة الجنود الانكشارية وعددهم نحو 15 ألفًا في الوسط.
وتحرك الأسطول العثماني الذي يضم 350 سفينة في مدينة "جاليبولي" قاعدة العثمانيين البحرية في ذلك الوقت، وعبر بحر مرمرة إلى البوسفور وألقى مراسيه هناك، وهكذا طوقت القسطنطينية من البر والبحر بقوات كثيفة تبلغ 265 ألف مقاتل، لم يسبق أن طُوقت بمثلها عدة وعتادًا، وبدأ الحصار الفعلي في الجمعة الموافق (13 من رمضان 805هـ = 6 من إبريل 1453م)، وطلب السلطان من الإمبراطور "قسطنطين" أن يسلم المدينة إليه وتعهد باحترام سكانها وتأمينهم على أرواحهم ومعتقداتهم وممتلكاتهم، ولكن الإمبراطور رفض؛ معتمدًا على حصون المدينة المنيعة ومساعدة الدول النصرانية له.

وضع القسطنطينية

تحتل القسطنطينية موقعا منيعا، حبته الطبيعة بأبدع ما تحبو به المدن العظيمة، تحدها من الشرق مياه البوسفور، ويحدها من الغرب والجنوب بحر مرمرة، ويمتد على طول كل منها سور واحد. أما الجانب الغربي فهو الذي يتصل بالقارة الأوروبية ويحميه سوران طولهما أربعة أميال يمتدان من شاطئ بحر مرمرة إلى شاطئ القرن الذهبي، ويبلغ ارتفاع السور الداخلي منهما نحو أربعين قدمًا ومدعم بأبراج يبلغ ارتفاعها ستين قدما، وتبلغ المسافة بين كل برج وآخر نحو مائة وثمانين قدما.
أما السور الخارجي فيبلغ ارتفاعه خمسة وعشرين قدما، ومحصن أيضا بأبراج شبيهة بأبراج السور الأول، وبين السورين فضاء يبلغ عرضه ما بين خمسين وستين قدما، وكانت مياه القرن الذهبي الذي يحمي ضلع المدينة الشمالي الشرقي يغلق بسلسلة حديدية هائلة يمتد طرفاها عند مدخله بين سور غلطة وسور القسطنطينية، ويذكر المؤرخون العثمانيون أن عدد المدافعين عن المدينة المحاصرة بلغ أربعين ألف مقاتل.

اشتعال القتال

بعد ما أحسن السلطان ترتيب وضع قواته أمام أسوار القسطنطينية بدأت المدافع العثمانية تطلق قذائفها الهائلة على السور ليل نهار لا تكاد تنقطع، وكان دوي اصطدام القذائف بالأسوار يملأ قلوب أهل المدينة فزعا ورعبا، وكان كلما انهدم جزء من الأسوار بادر المدافعون عن المدينة إلى إصلاحه على الفور، واستمر الحال على هذا الوضع.. هجوم جامح من قبل العثمانيين، ودفاع مستميت يبديه المدافعون، وعلى رأسهم جون جستنيان، والإمبراطور البيزنطي.
وفي الوقت الذي كانت تشتد فيه هجمات العثمانيين من ناحية البر حاولت بعض السفن العثمانية تحطيم السلسلة على مدخل ميناء القرن الذهبي واقتحامه، ولكن السفن البيزنطية والإيطالية المكلفة بالحراسة والتي تقف خلف السلسلة نجحت في رد هجمات السفن العثمانية، وصبت عليها قذائفها وأجبرتها على الفرار.
وكانت المدينة المحاصرة تتلقى بعض الإمدادات الخارجية من بلاد المورة وصقلية، وكان الأسطول العثماني مرابطا في مياه البوسفور الجنوبية منذ (22 من رمضان 805هـ = 15 من إبريل 1453م)، ووقفت قطعة على هيئة هلال لتحول دون وصول أي مدد ولم يكد يمضي 5 أيام على الحصار البحري حتى ظهرت 5 سفن غربية، أربع منها بعث بها البابا في روما لمساعدة المدينة المحاصرة، وحاول الأسطول العثماني أن يحول بينها وبين الوصول إلى الميناء واشتبك معها في معركة هائلة، لكن السفن الخمس تصدت ببراعة للسفن العثمانية وأمطرتها بوابل من السهام والقذائف النارية، فضلا عن براعة رجالها وخبرتهم التي تفوق العثمانيين في قتال البحر، الأمر الذي مكنها من أن تشق طريقها وسط السفن العثمانية التي حاولت إغراقها لكن دون جدوى ونجحت في اجتياز السلسلة إلى الداخل.

السفن العثمانية تبحر على اليابسة!!

دار
إنزال السفن في الخليج
كان لنجاح السفن في المرور أثره في نفوس أهالي المدينة المحاصرة؛ فانتعشت آمالهم وغمرتهم موجة من الفرح بما أحرزوه من نصر، وقويت عزائمهم على الثبات والصمود، وفي الوقت نفسه أخذ السلطان محمد الثاني يفكِّر في وسيلة لإدخاله القرن الذهبي نفسه وحصار القسطنطينية من أضعف جوانبها وتشتيت قوى المدينة المدافعة.
واهتدى السلطان إلى خطة موفقة اقتضت أن ينقل جزءًا من أسطوله بطريق البر من منطقة غلطة إلى داخل الخليج؛ متفاديا السلسلة، ووضع المهندسون الخطة في الحال وبُدئ العمل تحت جنح الظلام وحشدت جماعات غفيرة من العمال في تمهيد الطريق الوعر الذي تتخلله بعض المرتفعات، وغُطي بألواح من الخشب المطلي بالدهن والشحم، وفي ليلة واحدة تمكن العثمانيون من نقل سبعين سفينة طُويت أشرعتها تجرها البغال والرجال الأشداء، وذلك في ليلة (29 من رمضان 805هـ = 22 من إبريل 1453م).
وكانت المدافع العثمانية تواصل قذائفها حتى تشغل البيزنطيين عن عملية نقل السفن، وما كاد الصبح يسفر حتى نشرت السفن العثمانية قلوعها ودقت الطبول وكانت مفاجأة مروعة لأهل المدينة المحاصرة.
وبعد نقل السفن أمر السلطان محمد بإنشاء جسر ضخم داخل الميناء، عرضه خمسون قدما، وطوله مائة، وصُفَّت عليه المدافع، وزودت السفن المنقولة بالمقاتلين والسلالم، وتقدمت إلى أقرب مكان من الأسوار، وحاول البيزنطيون إحراق السفن العثمانية في الليل، ولكن العثمانيين علموا بهذه الخطة فأحبطوها، وتكررت المحاولة وفي كل مرة يكون نصيبها الفشل والإخفاق.

الهجوم الكاسح وسقوط المدينة

استمر الحصار بطيئا مرهقا والعثمانيون مستمرون في ضرب الأسوار دون هوادة، وأهل المدينة المحاصرة يعانون نقص المؤن ويتوقعون سقوط مدينتهم بين يوم وآخر، خاصة وأن العثمانيين لا يفتئون في تكرار محاولاتهم الشجاعة في اقتحام المدينة التي أبدت أروع الأمثلة في الدفاع والثبات، وكان السلطان العثماني يفاجئ خصمه في كل مرة بخطة جديدة لعله يحمله على الاستسلام أو طلب الصلح، لكنه كان يأبى، ولم يعد أمام السلطان سوى معاودة القتال بكل ما يملك من قوة.
وفي فجر يوم الثلاثاء (20 من جمادى الأولى 857هـ= 29 من مايو 1453م)، وكان السلطان العثماني قد أعد أهبته الأخيرة، ووزَّع قواته وحشد زهاء 100 ألف مقاتل أمام الباب الذهبي، وحشد في الميسرة 50 ألفًا، ورابط السلطان في القلب مع الجند الإنكشارية، واحتشدت في الميناء 70 سفينة _بدأ الهجوم برًا وبحرًا، واشتد لهيب المعركة وقذائف المدافع يشق دويها عنان السماء ويثير الفزع في النفوس، وتكبيرات الجند ترج المكان فيُسمع صداها من أميال بعيدة، والمدافعون عن المدينة يبذلون كل ما يملكون دفاعا عن المدينة، وما هي إلا ساعة حتى امتلأ الخندق الكبير الذي يقع أمام السور الخارجي بآلاف القتلى.
وفي أثناء هذا الهجوم المحموم جرح "جستنيان" في ذراعه وفخذه، وسالت دماؤه بغزارة فانسحب للعلاج رغم توسلات الإمبراطور له بالبقاء لشجاعته ومهارته الفائقة في الدفاع عن المدينة، وضاعف العثمانيون جهدهم واندفعوا بسلالمهم نحو الأسوار غير مبالين بالموت الذي يحصدهم حصدا، حتى وثب جماعة من الانكشارية إلى أعلى السور، وتبعهم المقاتلون وسهام العدو تنفذ إليهم، ولكن ذلك كان دون جدوى، فقد استطاع العثمانيون أن يتدفقوا نحو المدينة، ونجح الأسطول العثماني في رفع السلاسل الحديدية التي وُضعت في مدخل الخليج، وتدفق العثمانيون إلى المدينة التي سادها الذعر، وفر المدافعون عنها من كل ناحية، وما هي إلا ثلاث ساعات من بدء الهجوم حتى كانت المدينة العتيدة تحت أقدام الفاتحين.

محمد الفاتح في المدينة

ولما دخل محمد الفاتح المدينة ظافرا ترجل عن فرسه، وسجد لله شكرا على هذا الظفر والنجاح، ثم توجه إلى كنيسة "أيا صوفيا"؛ حيث احتشد فيها الشعب البيزنطي ورهبانه، فمنحهم الأمان، وأمر بتحويل كنيسة "أيا صوفيا" إلى مسجد، وأمر بإقامة مسجد في موضع قبر الصحابي الجليل "أبي أيوب الأنصاري"، وكان ضمن صفوف الحملة الأولى لفتح القسطنطينية، وقد عثر الجنود العثمانيون على قبره فاستبشروا خيرًا بذلك.
وقرر الفاتح الذي لُقِّب بهذا اللقب بعد الفتح اتخاذ القسطنطينية عاصمة لدولته، وأطلق عليها اسم "إسلام بول" أي "دار الإسلام"، ثم حُرفت واشتهرت بـ "إستانبول"، وانتهج سياسة سمحة مع سكان المدينة، وكفل لهم حرية ممارسة عبادتهم، وسمح بعودة الذين غادروا المدينة في أثناء الحصار والرجوع إلى منازلهم، ومنذ ذلك الحين صارت إستانبول عاصمة للبلاد حتى سقطت الخلافة العثمانية في (23 من رجب 1342 هـ= 1 مارس 1924م)، وقامت دولة تركيا التي اتخذت من أنقرة عاصمة لها.

المصادر:

  • محمد فريد: تاريخ الدولة العلية العثمانية – تحقيق إحسان حقي – دار النفائس – بيروت – (1403هـ = 1983م).
  • علي حسون – تاريخ الدولة العثمانية – المكتب الإسلامي بيروت – (1414هـ= 1994م)
  • عبد العزيز محمد الشناوي- الدولة العثمانية دولة مفترى عليها – مكتبة الأنجلو المصري- القاهرة – 1984م.
  • عبد السلام عبد العزيز فهمي – السلطان محمد الفاتح – دار القلم – دمشق – (1413هـ= 1993م).
  • محمد صفوت مصطفى – السلطان محمد الفاتح – دار الفكر العربي – القاهرة – 1948م.
  • محمد عبد الله عنان – مواقف حاسمة في تاريخ الإسلام – مؤسسة الخانجي – القاهرة – (1382هـ = 1962م).
اختي في الله
شكرا على هذه المعلومات التاريخيه المفيده
لقد زرت مسجد محمد الفاتح وهو روعه في الجمال
و كان يحتوي على شعرات من راس الرسول صلى الله عليه وسلم
نسئل الله النصر والعزه دائما وشكرا————–اختكي في الله
اللهم امين
بارك الله فيكِ اُخيه وشكرا على المروردار
جزاكي الله خيرا حبيبتي
الله يعطيكي العافية يارب
موضوع راائع

سلمت يمينك حقا
وزادك الله تألقا وعطاءً واعطاك ما تتمني .
الى الامام يا غالية.
شششششششكرا يا قمر