قصة اول مسجد في القسطنطينية. 2024.

دار

بين تيارات الأحداث والوقائع التاريخية المتدفقة تغيب عن المشهد فصول مهمة لم يكن لتتوارى إلا لأنها تناثرت، وجاءت ضمن تفصيلات كثيرة وصغيرة، يعود الزمان فيعيد إليها بعضًا من الاعتبار الذي تستحقه تمامًا؛ مثل قصة أول مسجد في مدينة القسطنطينية أو إسلام بول/إستانبول فيما بعد؛ المسجد الذي بناه المسلمون قبل دخول المدينة، وكانت مساحته جلد بعير، وظل مسجد أبناء هاجر شاهدًا على فترات المد والجزر الإسلامي طيلة قرون حتى انقطعت الأخبار عنه من كتابات المؤرخين فجأة!

الطريق إلى القسطنطينية
واجه المسلمون في طريقهم لبناء الدولة الإسلامية الجديدة قوتين كبيرتين هما: دولة الفرس، ودولة الروم (الإمبراطورية البيزنطية)، وعلى حين نجح المسلمون مبكرًا في حسم صراعهم مع القوة الأولى في معركة القادسية 14هـ = 635م، ودخولهم للعاصمة المدائن 16 هـ = 637م؛ فقد اكتفوا بانتزاع ممتلكات دولة الروم في شمال الشام بعد عدة معارك، أهمها اليرموك وأجنادين 16 – 17هـ/ 636 – 637م، ثم فتح كل من فلسطين 15هـ = 636م، ومصر 20هـ/ 640م.
وظل حلم القضاء على دولة الروم يراود الخلفاء الراشدين، دون محاولة جدية لتحقيقه، غير أن الأمر انتقل من مساحة الحلم إلى حيز الواقع الميداني على عهد الخلافة الأموية، بعد أن اشتد عود الدولة الإسلامية الفتية، وبعد تزايد خبرة إرسال الحملات البرية، وتعلم المسلمون فن القتال البحري نتيجة لفتح الشام ومصر، فقررت الدولة الأموية القيام بحملات عسكرية من أجل فتح القسطنطينية عاصمة دولة الروم.
قام الأمويون بإرسال حملتين خلال الأعوام 54 – 60هـ = 674-680م لمهاجمة القسطنطينية، ونجحت الحملة الثانية في فتح جزيرة بالقرب من القسطنطينية تدعى "أرواد"، حيث استقر بها المسلمون لسبع سنوات.
وأرسل الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك (96 – 99هـ = 715 – 717م) حملة كبرى لفتح القسطنطينية في عام 97 هـ = 716م، واتخذت الحملة الإسلامية طريقها تجاه المدينة بعد أن نجحت في فتح مدن سارديس Sardis وبرجامة Pergamus وأبيدوس Abydus لتقف في الخامس عشر من أغسطس عام 717م أمام أسوار القسطنطينية، حيث قام المسلمون بضرب حصارهم البحري حولها لمدة عام كامل.
وأصاب الفشل في النهاية الحملة لعدة أسباب؛ أهمها قوة الاستحكامات البيزنطية، ومعاناة المسلمين من شتاء القسطنطينية القارس، والأمراض التي تفشت بين جنود الحملة، وخاصة مرض الطاعون، فضلا عن مهارة البحرية البيزنطية.

بناء المسجد بمساحة جلد بعير
وعلى الرغم من الفشل العسكري الذي لحق بتلك الحملة؛ فإنها نجحت في إحراز نصر معنوي بعد أن اشترط القائد المسلم مسلمة بن عبد الملك على الإمبراطور البيزنطي ليو الثالث الإيسوري (717 = 840م) ضرورة بناء مسجد للمسلمين داخل أسوار المدينة، مقابل انسحاب قواته من أمام أسوار المدينة.
ووافق الإمبراطور ليو الثالث على ذلك بعد أن أنهكته عملية الدفاع عن القسطنطينية، ولكي يضمن حمايتها لفترة أطول.
وبعد وفاة الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك أمر الخليفة الجديد عمر بن عبد العزيز (99 – 101هـ = 717 – 719م) بسرعة عودة الحملة إلى الشام في عام 99هـ = 718م.
وتحدثت العديد من المصادر التاريخية البيزنطية والعربية عن وجود هذا المسجد بالقسطنطينية، وأهم وأقدم من تحدث عن ذلك هو الإمبراطور ميخائيل السابع بور فور جنتيوس (913 – 959م) الذي قام بتأليف عدة كتب، أهمها كتابه حول إدارة الإمبراطورية البيزنطية، حيث ذكر "أن مسلمة بن عبد الملك هو الذي أمر ببناء مسجد للمسلمين في المعسكر الإمبراطوري، داخل القسطنطينية".
يذكر القاضي بن عبد الظاهر أن المسلمين قد اتفقوا مع البيزنطيين على بناء المسجد داخل أسوار القسطنطينية، وتم الاتفاق بين الطرفين أن تكون مساحة المسجد "قدر جلد بعير".
ولما كان المسلمون يهدفون إلى زيادة رقعة مساحة المسجد أحضروا جلد بعير، وقاموا بتقطيعه سيورًا مما جعله أكثر طولاً وأكبر اتساعًا، وهو الأمر الذي اعترض عليه البيزنطيون، ورد المسلمون على ذلك بأنه جلد بعير واحد كما سبق الاتفاق على ذلك، وأنهم لم يزيدوا عليه، فوافق البيزنطيون على مضض.
ويمكن اعتبار هذا المسجد ودار البلاط التي تم بناؤها بالقسطنطينية ليحبس بها كبار أسرى المسلمين في الحروب المتعاقبة بمثابة نواة الحي الإسلامي الذي كان بالقسطنطينية بعد ذلك.
واستمر مسجد المسلمين بالقسطنطينية يقوم بوظيفته الدينية، ويرتاده المصلون حتى القرن العاشر الميلادي، وهو ما ظهر من خلال طيات الرسالة التي بعث بها بطريرك القسطنطينية نيكولاس مستيكوس إلى الخليفة العباسي المعتز بالله (295 – 320هـ/ 908 -932م) التي أشار فيها إلى حسن رعايته لمسجد القسطنطينية.

الحياة الاجتماعية والاقتصادية حول المسجد
دار
مسجد ابى ايوب الانصارى

ونتيجة للمكانة التجارية الكبرى لمدينة القسطنطينية طوال القرن العاشر الميلادي فقد توافد عليها العديد من التجار الأجانب كالتجار الروس والبلغار والألمان والفرنسيين، فضلا عن التجار اليهود الراذانيين.
وكان من الطبيعي أن يتوجه المسلمون بسلعهم وبضائعهم إلى أسواق القسطنطينية، ولدينا إشارة في أحد أهم مصادر تاريخ مدينة القسطنطينية المنسوب إلى الإمبراطور ليو السادس ( 886 – 912م) إلى كثرة أعداد التجار الشوام المسلمين والمسيحيين، ومكوثهم لفترة طويلة بالقسطنطينية، على عكس التجار الأجانب الذين لم تسمح لهم القوانين البيزنطية بالمكوث في المدينة أكثر من ثلاثة أشهر، بينما مكث التجار الشوام بها لعشر سنوات تقريبًا.
وهكذا عاش التجار المسلمون في أماكن بالقرب من المسجد؛ مما يدل على بداية تكوين حي إسلامي صغير حول المسجد، وهو ما يفسر بقاءهم واستقرارهم بالقسطنطينية منذ نهاية القرن الثالث وحتى بداية القرن الرابع الهجري (نهاية القرن التاسع وحتى بداية القرن العاشر الميلادي).
كما تخبرنا المصادر الإسلامية أنه بعد التهديد المتواصل من السلطان السلجوقي طغرل بك (429 – 455هـ/1029 – 1063م) للأراضي البيزنطية وخاصة في عهد الإمبراطور قسطنطين مونوما خوس (1042 – 1055م) سعى الأخير إلى خطب ود طغرل بك، وتوسط لإطلاق سراح ملك الأبخاز.
فلما أطلق طغرل بك سراحه أرسل الإمبراطور مونوماخوس الهدايا له، وقام بإعادة تعمير مسجد القسطنطينية، وأقيمت فيه الصلاة والخطبة لطغرل بك عام 441هـ = 1049م.
كما أن الرحالة العربي أبو الحسن الهروي الذي زار مدينة القسطنطينية في فترة حكم الإمبراطور مانويل كومنينوس (1143 – 1185م) وصف المدينة، وذكر وجود المسجد الإسلامي بالقسطنطينية، وممارسته لرسالته الدينية.
واستمر الاهتمام بمسجد القسطنطينية من قبل الأباطرة البيزنطيين، كما كانت العلاقات جيدة بينهم وبين الحكام المسلمين مثلما كان حال العلاقة بين الإمبراطور إنجيلوس (1185 – 1195م) والسلطان صلاح الدين الأيوبي، حيث أرسل الأخير إلى مسجد المسلمين بالقسطنطينية خطيبًا وعددًا من القراء والمؤذنين، وكان في استقبالهم بالمدينة العديد من التجار المسلمين بها، واجتمع إلى خطيب المسجد "المسلمون المقيمون بها والتجار"؛ الأمر الذي يفرق بين مسلمي القسطنطينية المستقرين والمقيمين في الحي الإسلامي بها، والتجار المسلمين الوافدين إليها في رحلاتهم التجارية العادية.
وعلاوة على التجار المسلمين الشوام فقد مارس التجار الأتراك السلاجقة أيضًا تجارتهم بالقسطنطينية، وأقاموا في الحي الإسلامي بها، وارتادوا المسجد به، وتعرضوا للاضطهاد أحيانًا، من ذلك قيام الإمبراطور البيزنطي الكسيوس أنجليوس (1195م – 1203م) بالقبض على التجار الأتراك المسلمين بالقسطنطينية 1189م، وإيداعهم السجن نتيجة التوتر في علاقته مع سلاجقة قونية المسلمين.
ومن المؤكد أنه قد حدث تعاظم لدور مسجد المسلمين بالقسطنطينية؛ وهو ما يدل على ازدياد عدد السكان المسلمين في عاصمة دولة الروم، وزيادة دورهم التجاري والصناعي.
كان الحي الإسلامي بمدينة القسطنطينية في بداية القرن الثالث عشر الميلادي يقع غرب بوابة الحرس، وكذلك غرب الحي الذي سكنه تجار البندقية في القسطنطينية، وكان يتألف من العديد من المنازل، بالإضافة إلى المسجد.

دار

دار

دار

جزاكِ الله خيرا اختى
سلمت يداكِ

ما اعظم التاريخ الاسلامى

اللهم ارزقنا النصر والعزه

دار

جزاك الله خير حبيبتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.