وأما ( العشب والكلأ والحشيش ) فكلها أسماء للنبات , لكن الحشيش مختص باليابس , والعشب والكلأ مقصورا مختصان بالرطب , و ( الكلأ ) بالهمز يقع على اليابس والرطب , وقال الخطابي وابن فارس : الكلأ يقع على اليابس , وهذا شاذ ضعيف .
وأما ( الأجادب )
فبالجيم والدال المهملة وهي الأرض التي تنبت كلأ
وقال الخطابي : هي الأرض التي تمسك الماء , فلا يسرع فيه النضوب .
قال ابن بطال وصاحب المطالع وآخرون : هو جمع جدب على غير قياس كما قالوا في حسن جمعه محاسن , والقياس أن محاسن جمع محسن ,
وكذا قالوا مشابه جمع شبه , وقياسه أن يكون جمع مشبه .
قال الخطابي : وقال بعضهم : ( أحادب ) بالحاء المهملة والدال .
قال : وليس بشيء .
قال : وقال بعضهم : أجارد بالجيم والراء والدال .
قال : وهو صحيح المعنى إن ساعدته الرواية .
قال الأصمعي : الأجارد من الأرض ما لا ينبت الكلأ .
معناه أنها جرداء هزرة لا يسترها النبات .
قال : وقال بعضهم : إنما هي ( أخاذات ) بالخاء والذال المعجمتين وبالألف , وهو جمع ( أخاذة ) , وهي الغدير الذي يمسك الماء .
وذكر صاحب المطالع هذه الأوجه التي ذكرها الخطابي , فجعلها روايات منقولة .
وقال القاضي في الشرح : لم يرد هذا الحرف في مسلم , ولا في غيره إلا بالدال المهملة من الجدب الذي هو ضد الخصب .
قال : وعليه شرح الشارحون .
وأما ( القيعان )
فبكسر القاف جمع القاع , وهو الأرض المستوية , وقيل : الملساء , وقيل : التي لا نبات فيها ,
وهذا هو المراد في هذا الحديث كما صرح به صلى الله عليه وسلم .
ويجمع أيضا على ( أقوع وأقواع ) .
و ( القيعة ) بكسر القاف بمعنى القاع , قال الأصمعي : قاعة الدار ساحتها .
وأما الفقه
في اللغة يقال منه : فقه – بكسر القاف يفقه فقها بفتحها كفرح يفرح فرحا , وقيل : المصدر فقها بإسكان القاف .
وأما الفقه الشرعي فقال صاحب العين والهروي وغيرهما : يقال منه فقه بضم القاف .
وقال ابن دريد : بكسرها كالأول .
والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم ( فقه في دين الله )
هذا الثاني فيكون مضموم القاف على المشهور , وعلى قول ابن دريد بكسرها ,
وقد روي بالوجهين , والمشهور الضم .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء )
فهكذا هو في جميع نسخ مسلم : ( طائفة طيبة ) ووقع في البخاري ( فكان منه نقية قبلت الماء )
بنون مفتوحة ثم قاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مشددة , وهو بمعنى طيبة .
هذا هو المشهور في روايات البخاري .
ورواه الخطابي وغيره ( ثغبة ) بالثاء المثلثة والغين المعجمة والباء الموحدة .
قال الخطابي : هو مستنقع الماء في الجبال والصخور , وهو الثغب أيضا , وجمعه ثغبان .
قال القاضي وصاحب المطالع : هذه الرواية غلط من الناقلين , وتصحيف وإحالة للمعنى , لأنه إنما جعلت هذه الطائفة الأولى مثلا لما ينبت , والثغبة لا تنبت .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( وسقوا )
فقال أهل اللغة : سقى وأسقى بمعنى لغتان , وقيل : سقاه ناوله ليشرب , وأسقاه جعل له سقيا .
وأما
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ورعوا )
فهو بالراء من الرعي .
هكذا هو في جميع نسخ مسلم . ووقع في البخاري : ( وزرعوا ) وكلاهما صحيح .
والله أعلم .
أما معاني الحديث ومقصوده فهو تمثيل الهدى الذي جاء به صلى الله عليه وسلم بالغيث ,
ومعناه أن الأرض ثلاثة أنواع , وكذلك الناس .
فالنوع الأول من الأرض ينتفع بالمطر فيحيى بعد أن كان ميتا , وينبت الكلأ , فتنتفع بها الناس والدواب والزرع وغيرها , وكذا النوع الأول من الناس , يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيا قلبه , ويعمل به , ويعلمه غيره , فينتفع وينفع .
والنوع الثاني من الأرض ما لا تقبل الانتفاع في نفسها , لكن فيها فائدة , وهي إمساك الماء لغيرها , فينتفع بها الناس والدواب , وكذا النوع الثاني من الناس , لهم قلوب حافظة , لكن ليست لهم أفهام ثاقبة , ولا رسوخ لهم في العقل يستنبطون به المعاني والأحكام , وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به , فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم , أهل للنفع والانتفاع , فيأخذه منهم , فينتفع به , فهؤلاء نفعوا بما بلغهم . والنوع الثالث من الأرض السباخ التي لا تنبت ونحوها , فهي لا تنتفع بالماء , ولا تمسكه لينتفع بها غيرها ,
وكذا النوع الثالث من الناس , ليست لهم قلوب حافظة , ولا أفهام واعية , فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به , ولا يحفظونه لنفع غيرهم .
والله أعلم .
وفي هذا الحديث أنواع من العلم منها ضرب الأمثال , ومنها فضل العلم والتعليم وشدة الحث عليهما , وذم الإعراض عن العلم .
والله أعلم .