السؤال :
كيف أجمع بين قول النبي الذي نقدمه على كل قول وهو : (وإذا سألتم الله فسألوه الفردوس الأعلى)
وهذا القول : عن أحمد قال : قلت لأبي سليمان الداراني : يجوز للرجل أن يقول اللهم اجعلني صديقاً؟
قال : إن عرف في نفسه من خصالهم شيئاً وإلا فلا يتعد فإن من الدعاء تعدياً .
حيث إني مذنبة عاصية غافلة وفيّ من العيوب ما لا يحصيه إلا الله وأتمنى أن يغير الله حالي برحمة منه ،
مثلاً أتمنى أن أكون من أولياء الله ، هل إذا دعيت ربي : اللهم اجعلني من أوليائك ، هل أنا متعدية؟
الحمد لله :
أولاً : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ) .
رواه البخاري (7423).
وفي هذا الحديث تعليم للأمة علو الهمة وطلب معالي الأمور ، كما ذكر المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (7/201) .
وهذا الخطاب من النبي صلى الله عليه وسلم عام لجميع الأمة ، لا يستثنى منه أحد ، ولا يُشْكل على ذلك أن المذنبين والعصاة من المسلمين لا تؤهلهم أعمالهم لبلوغ هذه المرتبة من الجنة ؛ لأن دخول الجنة إنما هو محض فضل من الله على عباده ،
وفضل الله لا يحده شي .
ومن تأمل نصوص الأدعية الواردة في الكتاب والسنة وجد فيها كثيرا من الألفاظ التي تتضمن سؤال الله المنازل العالية والمراتب الرفيعة في الدين .
وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين الذين يسألونه أن يجعلهم أئمة يهتدى بهم ،
فقال تعالى في صفات عباده : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ، وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ).
" والإمامة في الدين هي أرفع مراتب الصديقين ".
انتهى من "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/81) .
قال السعدي : " أي: أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية ، درجة الصديقين والكُمَّل من عباد الله الصالحين ، وهي درجة الإمامة في الدين ، وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم ".
انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " صـ 587.
( … رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا ، لَكَ ذَكَّارًا ، لَكَ رَهَّابًا ، لَكَ مِطْوَاعًا ، لَكَ مُخْبِتًا ، إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا ..)
رواه الترمذي (3551) ، وقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ" ، وصححه الألباني.
وفي سنن النسائي (1305) : (… اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ) ، وصححه الألباني.
وفي صحيح ابن حبان (5/303) :
(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا لاَ يَرْتَدُّ ، وَنَعِيمًا لاَ يَنْفَدُ ، وَمُرَافَقَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ ).
ومثل هذه الأدعية يدعو بها كل مسلم حتى العاصي ، فإن الله يغير ما بين لحظة وأخرى من حال إلى حال ،
وقلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلبها كيفما يشاء .
وكم من عباد الله الصالحين كانوا عصاة ومذنبين ، فتاب الله عليهم فتابوا وأنابوا حتى صاروا من أوليائه المتقين .
وينظر جواب السؤال (117186) .
يجوز للرجل أن يقول اللهم اجعلني صدِّيقا .
قال : إن عرف في نفسه من خصالهم شيئاً ، وإلا فلا يتعدَّ ، فإن من الدعاء تعدياً .
وهذا الأثر المروي عن أبي سليمان الداراني – وهو من أئمة السلف توفي سنة (205) هـ- لا حجة فيه ،
إذ الحجة بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
ولا نعلم أحدا من الأئمة وافقه على هذا القول ، فسؤال الله الولاية مطلب كل مسلم ، وليس في ذلك شيء من التعدي في الدعاء ، وللوقوف على ضابط التعدي ينظر جواب السؤال (128084) .
ويمكن حمل كلامه على معنى حسن ، وهو حث الداعي على أن يتخلق بأخلاق الصديقين ، فيجمع بين العمل والدعاء .
وسؤال العبد اللهَ الولاية ومنزلة الصديقين يقتضي ضمناً سؤال التوفيق للعمل بما يؤهل العبد للوصول إلى هذه المنزلة الرفيعة .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي : " سؤال عباد الرحمن ربهم أن يجعلهم للمتقين إماما ، يقتضي سؤالهم اللهَ جميع ما تتم به الإمامة في الدين ، من علوم ومعارف جليلة ، وأعمال صالحة ، وأخلاق فاضلة ؛ لأن سؤال العبد لربه شيئا سؤال له ولما لا يتم إلا به ، كما إذا سأل العبد اللهَ الجنة ، واستعاذ به من النار ، فإنه يقتضي سؤاله كل ما يقرب إلى هذه ويبعِّد من هذه ".
انتهى من "القواعد الحسان في تفسير القرآن" صـ 24.