بعد طول تفكير تَمَت موافقتها على الخِطبةِ من شابٍ وسيم , يتمتعَ بأخلاقٍ عالية , يمتهن المحاماة , ويعمل بإحدى الدولِ العربية في إحدى الشركاتِ العريقة .
كثيرًا ما شَعَرَت برغبة شديدة في التراجع عن تلك الخطبة , لا لعيبٍ فيه , وإنما لإحساسها بأنه إنسانٌ رائعٌ , وشابٌ طموحٌ جدًا , وخوفها من أن تظلمه , لأنها دومًا حزينة.
لكنها اتخذت قرارًا بينها وبين نفسها ,أن تُغَيّر نظرتها إلى الأمور هكذا ………
وشعرت بأن أفكارها بدأت تتعافى تدريجيًا ..
وأن الحياة بدأت تزهو , وربما تحلو معه , فهو إنسان متدين , ويخاف الله , ومثقف بدرجة عالية جداً .
وفي مساء يوم الخميس تمت الخِطبة , وقراءةِ الفاتحة , في جوٍ أسري يسوده الحب والود والتفاهم , وتحدد موعد عقد القران.
بعدها علمت منه أنه سوف يسافر إلى " دبي " في رحلةِ عملٍ قصيرة لن تستغرق سوى أسبوع واحد على الأكثر , وبعدها انصرف .
وفي اليوم التالي قضيا معظم الوقت سويًا , كان يومًا رائعًا , لم تصادف يومًا مثله في حياتها ,
حَلُمَا بأشياءٍ كثيرة تتعلق بمستقبلهما معًا, تحدث معها في أشياءٍ كثيرة , كانت تظن نفسها في حُلمٍ حين تستمع إليه , صوته العذب لا يزال عالقًا في أذنها , نظراته الخجولة الحانية , وابتسامته , كلُ شئٍ رَأَتْهُ منه لا زال يلازمها.
حان وقت السفر , غادر منزلها , قضيا معظم الوقت على الهاتف , وعلى الرغم من أنهما بمفردهما , إلا أنه لم يخدش حياءها بكلمة واحدة , بل إن التزامه الأدب معها طِيلة الوقت زادها حبًا له , وتمسكًا به , وجعل صورته لا تفارق عينها لحظة واحدة .
وفي صباح اليوم التالي , استيقظت من حُلمها !!
أكان حلماً ؟
لا والله إنه واقعٌ يُشْبِهُ الحُلم
اسْتَيْقَظَتْ على خبرٍ مُؤلمٍ , فقد أُصِيْبَ حبيبها في حادث , وتم نقله إلى أحد المستشفيات , وبناءًا على رغبته في رؤيتها سافرت إليه بصحبة والدها , وحين وصلت إلى المستشفى , كانت هناك ثِمة جموعٍ غفيرة في صالة الانتظار , فَتَّشَت عن وجهٍ مألوف دون جدوى , سمعت صوتًا باكيًا يهتفُ باسمها, إنها والدته , التفتت بلهفة لتعانقها , سَأَلَتْهَا لما البكاء والتعب البادي عليكِ ؟
أجابت بخفوت : حبيبكِ منا يضيع !!
تعالى فمنذ الصباح يسأل عنكِ , يريد أن يراكِ
تَبِعَتها في خوف وجسدها يرتعش لا إرادياً , وَصَلَت إليه , وعندما تقابلت عيناهما , مدَّ يده قائلاً : " الحمدلله خفت ألا أراكِ "
حينها شَعَرَت بدوارٍ خفيف فَتَشَبَثَتْ بوالدته, التي جذبتها نحوها برفق قائلةً لها : تماسكي .. سأترككما لتتبادلا الحديث قبل دخوله غرفة العمليات.
اقْتَرَبَت منه , وكانا بمفردهما , حاولت أن تتمالك أعصابها , وهمست باسمه بكل حنانها وحنينها ,وقبل أن تلمس يده الممدودة نحوها ترقرق الدمع من عينيها, فبادرها ومسح دمعاتها بيده الضعيفة , وقَبَّل يدها.
حينها فقدت السيطرة على أعصابها , وأحست أن شيئًا ما سيحدث , لكنه على الرغم من آلامه كان يواسيها , وظلت معه إلى قبيل دخوله غرفة العمليات , وطيلة تواجدها معه كانت ترتسم على شفتيه تلك الابتسامة التي طالما سحرتها .
تَرَكَتْهُ وقبل أن تنطق بكلمة بادرها قائلاً لا تنسي ما قلته لكِ , أحبكِ, لا إله إلا الله .
فقالت : إن شاء الله , سيدنا محمد رسول الله.
أخذوه إلى غرفة العمليات التي ظل بها قرابة الأربع ساعات.
وفي هذه الأثناء انزوت في ركن بعيد لتدعو له , ولكن رنين كلامه يلازمها ويشغلها حتى عن الدعاء , فقد أوصاها بأن لا تتوقف حياتها عنده وأن تعيش حياتها إذا حدث له مكروه واسترد الله وديعته , كاد قلبها يرتعش في هذا الوقت , أخذها اليأس وهدها التعب , وأعلنت استسلامها لهواجسها.
وبعد وقت طويل من التفكير والتعب , رأت الجميع في حالة ذهول , كان الموقف فوق تصورها واحتمالها , فحين اقتربت منهم علمت أن حبيبها قد فارق الحياة , والجميع يقدم التعازي لوالديه وإخوته .
تسللت إلى الغرفة لتخلو معه , وتبكي وحدتها قربه , لكنها بمجرد أن أزاحت الغطاء عن وجهه فقدت شجاعتها , وفقدت الوعي.
وعندما أفاقت تركت المستشفى لتغادر دنيا الأمل التي فقدتها بفقده , ولم يعزيها شئ سوى أن تعيش على ذكراه , فهو يعيش في دمها وكيانها , وتشعر بوجوده وأنفاسه في كل مكان تتواجد فيه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
خربشات قلمي