تلطفه صلَ الله عليه وسلم بالأطفال وإدخال السرور عليهم
وَصَلَ النبيُّ صلَ الله عليه وسلم إلى الدرجة العليا في الكمال البشري في جميع المجالات، ومن هذه الأخلاق العظيمة أخلاقه مع الأطفال التي ضرب فيها المثل الأعلى، ولا يصل إلى درجته أحد من خلق الله تعالى، لا علماء النفس، ولا غيرهم؛ ولكن مع ذلك المسلم يُلْزِمُ نفسه على حسب قدرته بالاقتداء بالنبي صلَ الله عليه وسلم ، ومن هذا تلطفه ومداعبته الكريمة للأطفال، ومن ذلك على سبيل المثال والإيجاز ما يأتي:
المثال الأول: مداعبته صلَ الله عليه وسلم محمود بن الرُّبيع :
قال محمود رضى الله عنه : (عَقلتُ من النبي صلَ الله عليه وسلم مَـجَّةً مجَّها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلوٍ)
(البخاري، برقم 77، ومسلم، 1/456، برقم 265 – (33))
، وقوله رضى الله عنه : عقلت: أي حفظت، ومجةً: المجُّ هو إرسال الماء من الفَمِ، ولا يُسمَّى مجًّا إلا إذا كان عن بُعدٍ، وفعل ذلك صلَ الله عليه وسلم إمَّا مداعبةً أو ليُبارك عليه كما كان ذلك شأنه مع أولاد الصحابة
( فتح الباري لابن حجر، 1/172)،
قال شيخنا ابن باز رحمه الله: وهذا من باب المداعبة وحسن الخلق
(سمعته منه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 77).
المثال الثاني: ملاطفته ومداعبته صلَ الله عليه وسلم لجملة من الأطفال:
عن جابر بن سَمُرة رضى الله عنه ، قال: (صليتُ مع رسول الله صلَ الله عليه وسلم صلاة الأُولى ثم خرج إلى أهله وخرجتُ معه، فاستقبلهُ وِلدانٌ فجعل يمسح خدَّيْ أحدهم واحداً واحداً، قال: وأما أنا فمسح خدَّيَّ فوجدت لِيَدِهِ برداً أو ريحاً، كأنما أخرجها من جؤنة عطّار)
(مسلم، برقم 2329)،
والجؤنة: السفط الذي فيه متاع العطار.
المثال الثالث: ملاطفته صلَ الله عليه وسلم الحسن والحسين في مواقف كثيرة:
1 – عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قبَّل رسول الله صلَ الله عليه وسلم الحسن ابن عليٍّ وعنده الأقرع بن حابسٍ التميمي جالساً، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلَ الله عليه وسلم ثم قال: «من لا يَرْحم لا يُرحم»
(البخاري، برقم 5997).
2 – وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابيٌّ
إلى النبي صلَ الله عليه وسلم فقال: تُقَبِّلون صبيانكم فما نُقَبِّلُهُم، فقال النبيُّ صلَ الله عليه وسلم : «أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أن نَزَعَ اللهُ من قلبك الرحمة»
(البخاري، برقم 5998، ومسلم، برقم 2317)،
والمعنى: لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك بعد أن
نزعها الله منه
(فتح الباري لابن حجر، 10/430).
3 – والحسن والحسين رضي الله عنهما من أحب الناس إلى النبي صلَ الله عليه وسلم ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: … وسمعتُ النبي صلَ الله عليه وسلم يقول: «هُمَا ريحانتاي من الدنيا»
(البخاري برقم 5994)،
والمعنى: أنهما مما أكرمني الله وحباني به؛ لأن الأولاد يُشمّون ويُقبَّلون، فكأنهم من جملة الرياحين، وقوله «من الدنيا» أي نصيبي من الريحان الدنيوي
( فتح الباري لابن حجر، 10/427).
4 – وعن أبي بكرة رضى الله عنه قال: سمعت النبي صلَ الله عليه وسلم على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول: «إن ابني هذا سيد، ولعلَّ الله أن يُصلِحَ به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»
( البخاري، برقم 3746).
وقد أصلح الله به بين معاوية ومن معه وأتباع علي بن أبي طالب ومن معه فتنازل عن الخلافة لمعاوية فحقن الله تعالى به دماء المسلمين
( انظر: البخاري، برقم 2704).
5 – وعن البراء رضى الله عنه قال: رأيتُ النبيَّ صلَ الله عليه وسلم والحسن بن عليٍّ على عاتقه يقول: «اللهم إني أُحِبُّه فأَحِبَّه»
(البخاري، برقم 3749).
المثال الرابع: ركوب الصبي على ظهره صلَ الله عليه وسلم وهو ساجد:
وعن شدَّادٍ رضى الله عنه قال: خرج النبي صلَ الله عليه وسلم إلى الناس؛ ليصلي بهم إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً فتقدَّم رسول الله صلَ الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلَّى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أَبِي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلَ الله عليه وسلم ، وهو ساجد، فرجعتُ إلى سجودي، فلمَّا قضى رسول الله صلَ الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله! إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها، حتى ظنَنّا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك، قال: «كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أُعَجِّلَهُ حتى يقضي حاجته»
( النسائي برقم 1142، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/246، ومسند أحمد 3/493.
).
المثال الخامس: محبته صلَ الله عليه وسلم لأُسامة :
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلَ الله عليه وسلم يأخذني فَيُقْعِدُني على فخذه ويُقعد الحسن بن علي على فخذه الآخر ثُمَّ يضمُّهما ثم يقول: «اللهم ارحمهما فإني أرحمهما» وفي رواية: «اللهم إني أُحبُّهما فأَحبَّهما»
( البخاري، برقم 6003، ورقم 3747، 3735).
المثال السادس: حَـمْلُهُ صلَ الله عليه وسلم بنت زينب وهو يصلي:
فعن أبي قتادة رضى الله عنه أن رسول الله صلَ الله عليه وسلم كان يصلي وهو حاملٌ أمامة بنت زينب، بنت رسول الله صلَ الله عليه وسلم بنت أبي العاص، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها
( البخاري، برقم 516، ورقم 5996، ومسلم، 1/385، برقم 543).
المثال السابع: مداعبة أم خالد باللغة الحبشية:
فعن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: (أتيت رسول الله صلَ الله عليه وسلم مع أبي وعليَّ قميص أصفر، قال رسول الله صلَ الله عليه وسلم : «سَنَه سَنَه» قال عبد الله الراوي: وهي بالحبشية: حسنة، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي
( زبرني: أي نهرني وزجرني)
، قال رسول الله صلَ الله عليه وسلم : «دعها» ثم قال: «أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي» قال عبد الله فبقيت حتى ذكر)
(البخاري، برقم 3071)،
والمعنى فبقيت حتى ذكر الراوي من بقائها أمداً طويلاً، وقيل: لم تعش امرأة مثلما عاشت أم خالد
( فتح الباري لابن حجر، 1/184).
المثال الثامن: تخفيفه صلَ الله عليه وسلم الصلاة عند بكاء الصبي:
كان يخفف الصلاة إذا سمع بكاء الصبي رحمة لأمه وشفقة عليها وعليه، صلَ الله عليه وسلم ، فعن أبي قتادة، عن أبيه رضي الله عنهما، عن النبي صلَ الله عليه وسلم قال: «إِنِّي لأقوم في الصلاة أُريد أن أُطوِّل فيها فأسمع بكاء الصّبيِّ؛ فأتجوَّز في صلاتي كراهية أن أشقّ على أُمِّه»
( البخاري، برقم 707 ).
المثال التاسع: سلامه صلَ الله عليه وسلم على الصبيان:
فعن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه مرَّ على صبيان فسلم عليهم، وقال: كان النبي صلَ الله عليه وسلم يفعله
(البخاري، برقم 6247، ومسلم 4/1708).
المثال العاشر: مداعبته صلَ الله عليه وسلم لأبي عُميرٍ:
فعن أنس رضى الله عنه ، قال: كان النبي صلَ الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً، وكان لي أخٌ يُقال له: أبو عُمير – أحسبه فَطِيماً – وكان إذا جاء صلَ الله عليه وسلم قال: «يا أبا عُمير ما فعل النُّغير؟»
(البخاري، برقم 6203)
نُغرٌ كان يلعبُ به، أي طير صغير كان يلعب به أبو عمير، فمات النُّغير، فرآه النبي صلَ الله عليه وسلم حزيناً على النغير، فداعبه صلَ الله عليه وسلم
(فتح الباري لابن حجر، 10/583).
المثال الحادي عشر: إعطاؤه صلَ الله عليه وسلم الصبي قبل الأشياخ؛ لأنه عن يمينه:
أعطى صلَ الله عليه وسلم الشراب لغلام صغير عن يمينه قبل الأشياخ، فعن سهل بن سعد رضى الله عنه قال: أُتِـيَ النبي صلَ الله عليه وسلم بقدح فشرب منه، وعن يمينه غلامٌ أصغر القوم، والأشياخ عن يساره فقال: «يا غلام أَتَأْذَنُ لِـي أَن أُعطيه الأشياخ؟» قال: ما كنت لأوثر بفضلي منكَ أحداً يا رسول الله! فأعطاه إياه. وفي رواية: «أَتَأْذَنُ لي أن أُعطِيَ هؤلاء؟» فقال الغلامُ: لا واللهِ يا رسول الله، لا أُوثِرُ بنصيبي منك أحداً، قال: فَتَلَّهُ رسولُ الله صلَ الله عليه وسلم في يده
( البخاري، برقم 2351، ورقم 2451).
المثال الثاني عشر: بول الصبيان في حجره صلَ الله عليه وسلم :
فعن أمِّ قيس بنت مِحصنٍ أنها أتت بابنٍ لها لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلَ الله عليه وسلم فأجلسه رسول الله صلَ الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماءٍ فنضحه ولم يغسله
( البخاري، برقم 223).
وغير هذه المواقف كثيرةٌ جداً.