وتكمن خطورة هذه المشكلة في كونها» صعوبات خفية « فالذين يعانون من صعوبات في التعلم يكونون عادة أسوياء، و لا يلاحظ المعلم أو الأهل أية مظاهر غريبة تستوجب تقديم معالجة خاصة، ولا يجد المعلمون في هذه الحالة ما يقدمونه لهم إلا نعتهم بالكسل و اللامبالاة أو التخلف….، فتكون النتيجة الطبيعية لمثل هذه الممارسات تكـرار الفشل والرسوب و بالتالي التسرب من المدرسة.
في هذا الإطار يأتي هذا الملف ليتناول مشكلة صعوبات التعلم ويقدم للقارئ ما يعينه في تعامله مع هذه الفئة التي هي في حاجة إلى وجود بيئة تعليمية ودعم دراسي ملائمين، و رعاية فردية مناسبة للتعامل مع نواحي القوة والتركيز عليها و تعزيزها و تقليص مواطن الضعف المحددة لديهم. إننا نأمل أن تقدم لهذه الفئة الخدمات التربوية الخاصة، من خلال اكتشافهم وتشخيصهم وتقديم العلاج التربوي لهم في حينه لأن ذوي صعوبات التعلم ليسوا أغبياء أو منخفضي الذكاء بل لهم صفات وخصائص تؤهلهم لأن يكون تحصيلهم مرتفعا.
مفهوم صعوبات التعلم:
هناك عدّة تعاريف لمفهوم صعوبات التعلم، منها ما يلي:
"مصطلح عام يصف مجموعة من التلاميذ في الفصل الدراسي العادي يظهرون انخفاضا في التحصيل الدراسي مقارنة بزملائهم العاديين، ورغم تمتعهم بذكاء عاد أو فوق المتوسط, يبدون صعوبة في بعض العمليات المتصلة بالتعلم".
" هي الحالة التي يظهر صاحبها مشكلة أو أكثر في الجوانب الآتية:
القدرة على استخدام اللّغة أو فهمها, والقدرة على الإصغاء، التفكير، الكلام ، القراءة، الكتابة أو العمليات الحسابية ".
"هي اضطراب في العمليات العقلية الأساسية التي تشمل الانتباه والإدراك والتفكير والتذكر وحلّ المشكلة, يظهر صداه في عدم القدرة على تعلم القراءة والكتابة والحساب، وما يترتب عليه سواء في المدرسة الابتدائية أساسا أو فيما بعدها من قصور في تعلم المواد الدراسية المختلفة ".
"هي مصطلح يشير إلى مجموعة متباينة من الاضطرابات تظهر من خلال صعوبات واضحة في الكتابة واستخدام قدرات الاستماع والانتباه والكلام والقراءة والكتابة, والاستدلال الرياضي, ويفترض في هذه الاضطرابات أن تكون ناتجة عن خلل وظيفي في الجهاز العصبي المركزي، وأنها ليست بسبب تخلف عقلي أو إعاقة حسّية."
"هي مشكلات تعلّمية في التحصيل الدراسي في مواد القراءة أو الكتابة أو الحساب, يعاني منها بعض التلاميذ على الرغم من عدم إصابتهم بإعاقات حسّية أو عقلية أو انفعالية أو جسمية".
ورغم ما يوجد بين التعريفات المتعددة لصعوبات التعلم من اختلافات, إلاّ أنه تجمع بينها عناصر مشتركة يتفق عليها الأخصائيون, وتتمثل في:
أ- أن تكون الصعوبة ذات طبيعة خاصة, وليست ناتجة عن حالة إعاقة كالتخلف العقلي, أو الإعاقة الجسمية, أوالانفعالية, أو المشكلات البيئية
ب- أن يكون لدى الطفل شكل من أشكال التباعد أو الانحراف في إطار نموه الذاتي في القدرات، كما هو الحال في جوانب الضعف والقصور.
ج- أن تكون صعوبات التعلم التي يعاني منها الطفل ذات طبيعة سلوكية كالتفكير أو تكوين المفاهيم, أو التذكر, أو النطق, أو اللّغة, أو الإدراك, أو التهجّي, أو الحساب, وما قد يرتبط بذلك من مهارات.
د- أن يكون مركز الثقل في عملية التمييز والتعرف على حالات صعوبات التعلم الخاصة من وجهة النظر السيكولوجية والتعليمية.
تصنيف صعوبات التعلم:
يميز التصنيف الذي تداولته الدراسات والبحوث العربية بين مجموعتين من صعوبات التعلم:
1- صعوبات التعلم النمّائية:
وتتمثل في اضطرابات الوظائف العقلية الأساسية المتداخلة مع بعضها البعض (الانتباه, الإدراك, التفكير, التذكر, حلّ المشكلة) فهذه الوظائف مسؤولة عن التوافق الدراسي للتلميذ وتحصيله في الموضوعات الأكاديمية. فالانتباه مثلا هو أول خطوات التعلم، وبدونه لا يحدث الإدراك وما يتبعه من عمليات عقلية لازمة للتعلم. وعليه، فإن اضطراب إحدى هذه العمليات يؤدّي إلى صعوبات أكاديمية.
2- صعوبات التعلم الأكاديمية:
وهي التي تشمل صعوبات القراءة والكتابة والحساب والتهجي والتعبير الكتابي، وتنتج عن صعوبات التعلم النمائية كما هو موضح:
أسباب صعوبات التعلم:
أجمعـ الدراسات والبحوث في هذا الموضوع على أن هناك أسبابا مباشرة و عوامل لا تتسبب فيها بل تهيئ وتمهد لوجودها واستمرارها. ويمكن أن نلخصها فيم يأتي:
أولا: الأسباب المباشرة:
1-التركيب البنائي والوظيفي للمخ: وهو خلل أو إصابة يتعرض لها الطفل في المخ قبل الولادة أو أثناءها أو بعدها وذلك على النحو الآتي:
2- الأسباب الوراثية ( الجينات):
لقد بينت الدراسات أن صعوبات التعلم قد ترجع إلى سبب وراثي بدليل وجود تعاقب هذا المشكل التعليمي بين أجيال الأسرة و انتشاره بين أفرادها، والأمثلة على ذلك عديدة منها:
– أن الأطفال الذين يفتقرون إلى بعض المهارات المطلوبة للقراءة، من المحتمل أن يكون لدى أحد الآباء مشكلة مماثلة.
– عندما يعاني أحد التوائم من صعوبات في التعلم في جانب من المهارات الأكاديمية فان الآخر قد يعاني من الصعوبة ذاتها.
– الآباء الذين يعانون من اضطراب التعبير اللّغوي تكون قدرتهم على التحدث مع أبنائهم أقل، أو تكون اللغة التي يستخدمونها غير مفهومة, وفي هذه الحالة يفتقد الطفل النموذج الجيد أو الصالح للتعلم واكتساب اللغة.
3- الأسباب الحيوية الكيميائية:
يحتوي جسم الإنسان على نسب محددة من العناصر الكيميائية الحيوية التي تحفظ توازنه وحيويته ونشاطه, وأن الزيادة أو النقصان في معدل هذه العناصر يؤثر على خلايا المخ فيما يعرف بالخلل الوظيفي المخي البسيط,
ثانيا: الأسباب غير المباشرة:
وهي الأسباب التي تهيئ وتمهد لوجود الصعوبات في المعاملة واستمرارها لدى الأطفال، ونذكر منها:
1- الأسـرة: أي أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية قد تسهم في حدوث صعوبات التعلم واستمرارها, ومن بين هذه الظروف؛ تدني المستوى المعيشي للأسرة, ومستواها التعليمي, انعدام الانسجام بين الوالدين والأطفال…
2- الـمدرسـة: للعوامل المدرسية تأثير كبير على مسار التلميذ الدراسي بالإيجاب أو بالسلب، مثل:
– سوء معاملة المدرس للتلميذ؛
– عدم مراعاة للمدرس للفروق الفردية بين التلاميذ؛
– عدم التعاون بين المدرسة والأسرة؛
– استخدام طرائق تدريس غير مناسبة؛
– عدم جاذبية المادة الدراسية؛
– طول المنهج الدراسي وعدم مواءمته لميول واتجاهات وظروف التلاميذ؛ وغيرها من العوامل…
– عدم تشجيع المدرس للتلميذ؛
– وجود خلل في نظام التقويم والامتحانات.
خصائص الأطفال ذوي صعوبات التعلم:
غالبا ما تكون المشكلات الخاصة بصعوبات التعلم خفية وغير واضحة للمدرسين والأولياء، لأن ذوي صعوبات التعلم يتمتعون بصحة جسمية جيدة من حيث الإبصار والسمع وغيرهما من الخصائص.ومع ذالك لهم خصائص تميزهم عن غيرهم، يمكن إيجازها على النحو الآتي:
1 – صعوبات في التحصيل الدراسي: ويمكن الإشارة إلى أبرز جوانب القصور الآتية: صعوبات خاصة بالقراءة ، صعوبات خاصة بالكتابة، صعوبات خاصة بالحساب
2 – صعوبة في الإدراك الحسي والحركيي:وتنقسم إلى ثلاثة مجالات رئيسية، هي:صعوبات في الإدراك البصري، صعوبات
في الإدراك السمعي، صعوبات في الإدراك الحركي والتآزر العام.
3-صعوبات اللغة والكلام: وهي صعوبة في التعبير اللغوي الشفوي، إذ تجد هؤلاء يتعثرون في اختيار الكلمات المناسبة، ويكررونها، أو يستخدمون جملا متقطعة لا معنى لها أحيانا؛ ييحذفون أو يضيفون بعض الأصوات، أو يكررونها بصورة مشوهة أو محرفة .
4- صعوبات في عمليات التفكير: وقد يكون هؤلاء في حاجة إلى وقت طويل، لتنظيم أفكارهم قبل أن يقوموا بالإجابة، وقد يكون لديهم القدرة على التفكير الحسي، في حين يعانون من ضعف في التفكير المجرد، وعدم القدرة على التركيز، وعدم إعطاء الاهتمام الكافي للتفاصيل أو لمعاني الكلمات، والقصور في تنظيم أوقات العمل، وعدم إتباع التعليمات أو نسيانها.
5 صعوبات سلوكية: وهي مجموعة من السلوكات التي تتكرر في العديد من المواقف التعليمية أو الاجتماعية والتي يمكن للمدرس أو الأهل ملاحظتها بدقة بعد مراقبتهم في المواقف المتنوعة والمتكررة، ومن أهمها: الحركة الزائدة، والاندفاعية والتهور، الافتقار إلى التنظيم، صعوبة فهم التعليمات، البطء الشديد في إتمام المهمات، عدم ثبات السلوك، تجنب أداء المهام خوفا من الفشل…
ونذكر هنا أن التلاميذ الذين يعانون من صعوبات في التعلم هم في الأساس مجموعة غير متجانسة من التلاميذ، فهي مجموعة من الأعراض أو الخصائص قد تظهر بصور مختلفة.
تشخيص صعوبات التعلم:
ويقصد به التعرف على نوع الصعوبات التي يعاني منها التلميذ لتحديد العلاج المناسب، وتتمثل مراحل التشخيص في:
1- ملاحظة المدرس لسلوكات التلميذ داخل القسم من كلام وأنشطة وحركات ووضعية للإنجاز, وتحصيل دراسي.
2- المقابلة الإكلينيكية، وتجرى مع الأسرة والمدرس والأخصائي الاجتماعي وأخصائي القياس النفسي والطبيب النفسي.
3- محكّات التشخيص وهي خمسة محكات يمكن بواسطتها تحديد صعوبات التعلم والتعرف عليها وهي:محك التباعد الذي يقصد به تباعد المستوى التحصيلي للتلميذ في مادة عن المستوى المتوقع منه حسب حالته؛ محك الاستبعاد، حيث يستبعد عند التشخيص وتحديد فئة صعوبات التعلم؛ محك التربية الخاصة: ويرتبط بالمحك السابق ومفاده أن ذوي صعوبات التعلم لا تصلح لهم طرق التدريس المتبعة مع التلاميذ العاديين؛ محك المشكلات المرتبطة بالنضج، حيث تختلف معدلات النمو من طفل لآخر ممّا يؤدّي إلى صعوبة تهيئته لعمليات التعلم
علاج صعوبات التعلم
1- علاج صعوبات القراءة : يمكن تناوله من ثلاث زوايا: علاج صعوبة تفسير الرموز اللغوية وقراءتها بالطريقة الصوتية، أو الطريقة المتعددة الحواس.
2 – علاج صعوبة فهم المادة المقروءة: يقصد بالفهم تجاوز مجرد تمييز واسترجاع الكلمات والجمل إلى فهم المادة المكتوبة لاستخلاص الأفكار الرئيسية التي تتضمنها، ويكون ذلك بتحسين دافعية التلميذ، وتنمية فهم المفرداتضمن السياق المقروء،وتطوير مهارات القراءة الضرورية للفهم الجيد، وتحسين معدل سرعة القراءة،
3- علاج صعوبة الكتابة: ويتم ذلك ب: علاج اضطراب الضبط الحركي، وتحسين الإدراك البصري، وتحسين الذاكرة البصرية، وعلاج صعوبات مهارات تشكيل الحروف وكتابتها، والسرعة والتصويب في كتابة التلميذ.
4- علاج صعوبات الحساب: من لطرائق المستخدمة في علاج صعوبات التعلم في الرياضيات عموما والحساب خصوصا طريقة التعلم الإيجابي التي تستند إلى فاعلية التلميذ وعدم سلبيته وتفاعله مع الدرس والمدرس وقيامه بالأنشطة التعليمية، وطريقة التدريس المباشر: التي تستند إلى التكامل بين تصميم المنهج وطـرائق التدريس، وهي تتم في أربع خطوات رئيسية:
تحديد الأهداف الإجرائية؛ تحديد المهارات الفرعية التي نحتاج إليها لتحقيق الهدف؛ تحديد المهارات التي يعرفها التلميذ؛ رسم خطوات الوصول إلى تحقيق الهدف؛ التعلم المسموع الجهري، حيث يوجه التلميذ إلى: قراءة المسألة بصوت عال، وتحديد المطلوب بصوت عال، ذكر المعلومات المتجمعة بصوت عال، تقديم افتراض الحل والتفكير فيه بصوت عال، والتوصل إلى الحل، ثم حساب وكتابة الحل والتحقق منه000
منقووول للفائدة
استفدت من الموضوع كثيرا