حديث مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيادٍ عادَهُ في مَرَضِهِ الَّذي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَديثًا
سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
(ما مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعاهُ اللهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْها بِنَصيحَةٍ إِلاّ لَمْ يَجِدْ رائِحَةَ الْجَنَّةِ).
متفق عليه.
الشرح:
في هذا الحديث بيان خطر خصلة من الخصال التي تحرم على العبد دخوله الجنة وتوجب له النار وهي الخيانة وترك الأمانة في الولاية وهي تنافي كمال الإيمان الواجب لأن الإيمان يقتضي الأمانة والنصح فيما يؤتمن فيه العبد وذلك أن الله إذا ولى العبد ولاية في أمر من أمور المسلمين وجب عليه شرعا أن ينصح ويخلص ويراعي حقوق المسلمين ويوصل إليهم مستحقهم ويحملهم على قانون الشرع ويحفظهم من كل سوء ويعاملهم معاملة سواسية وعدل لا يفرق بينهم ولا يفضل أحدا على أحد إلا بأمر يوجب ذلك ولا يؤثر من به صلة من قريب أو صهر ونحوه على سائر الناس.
ويدخل في هذا الحديث دخولا أوليا الولاية العظمى وكذلك كل من تولى مصلحة أو مركزا أو جهة في البلد أو على طائفة من المسلمين.
والأمانة في الولاية من أعظم الأمانات وأشدها على المرء ولذلك كان كثير من السلف يتورع ويفر من توليها.
ومن ترك النصيحة في الولاية عدم إقامة الشرع فيمن ولاه الله عليهم ونشر الفساد فيما بينهم وترك السفهاء يتطاولون على أهل الفضل والعلم وتولية من ليس بأهل في المناصب وإقصاء أهل الصلاح عن المشاركة فيها. ومن الخيانة إظهار أهل الفساد وأهل البدع وتمكينهم وتركهم يعبثون بأديان الناس وأخلاقهم باسم حرية الرأي والانفتاح على ثقافة الآخر وباسم التقدم.
ومن ترك النصيحة جعل أرباب الأموال والمتنفذين يتسلطون على الضعفاء ويتحكمون في مصالحهم ويعبثون في المال العام للأمة دون رقابة أو مسائلة. ومن مقتضى الأمانة في الولاية نصر المظلوم ممن ظلمه وأخذ الحق للضعيف والقيام على المساكين ممن انقطعت بهم السبل وحلت بهم المصائب.
وقد ورد فضل عظيم في السنة للإمام العادل الصالح في نفسه المصلح لرعيته فله منزلة رفيعة في الآخرة ففي صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين عند الله تعالى على منابر من نور على يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولو). وورد أن الله يظله يوم لا ظل إلا ظله وورد أنه من أهل الجنة.
وإذا صلح الإمام صلحت الرعية وإذا فسد فسدت الرعية فالإمام له أثر عظيم في الأمة ولذلك كان الأئمة يخلصون الدعاء للإمام رجاء صلاح الأمة. فهنيئا لمن تولى ولاية وقام بحقها وحفظها وكان سببا في صلاح الخلق وشيوع العدل والقضاء على الفساد وأهله وأظهر السنة ونصر الملة.
ومن كانت نفسه ضعيفة في القيام بالشرع أو ذات شح وطمع لا تقوى نفسه على التورع عن المكاسب المحرمة فلا ينبغي له أن يتولى ولاية ولا يحدث نفسه بذلك ويعرض نفسه لسخط الله ومقته وما ورد في السنة من الذم في هذا الباب فمحمول على هذا المعنى.
فينبغي للمؤمن أن يتجنب الولايات إلا إذا اقتضت المصلحة واحتاجت له الأمة وكان أهلا لذلك وإذا تولى ولاية استعان بالله واستشار أهل الفضل ووجب عليه القيام بحقها والحذر أشد الحذر من استعمالها لمصالحه ومن استعان بالله أعانه الله ووفقه وسدده. ومن المؤسف أن كثيرا من الناس اليوم يرون أن الولاية شرف وطريق سهل لجمع الثروة وزيادة الأرصدة
فالله المستعان.
خالد بن سعود البليهد
و جعله الله فى ميزان حسناتك..
تقبلى مرورى و تقييمى..