الاعتكاف :
قال ابن فارس :" عكف : العين و الكاف و الفاء أصل صحيح يدل على مقابلة و حبس , يقال : عكف يعكِف و يعكُف عكوفا , و ذلك إقبالك على الشيء لا تنصرف عنه … " إلى قوله :" والعاكف المعتكف … " إلى قوله :" و المعكوف المحبوس … " ( مقاييس اللغة 4 / 109 ) .
و قال الفيومي :" ( ع ك ف ) : عكف على الشيء عكوفا و عكفا من بابيْ قعد و ضرب لازمه و واظبه , و قرئ بهما في السبعة في قوله تعالى :" يعكفون على أصنام لهم " , و عكفت الشيء أعكِفه و أعكُفه حبست منه , و منه الاعتكاف و هو افتعال لأنه حبس النفس عن التصرفات العادية و عكفته من حاجته منعته ." ( المصباح المنير في غريب الشرح الكبير 2 / 424 ) .
و قال الجرجاني :" الاعتكاف هو في اللغة المقام و الاحتباس ,و في الشرع لبث صائم في مسجد جماعة بنية .
الاعتكاف تفريغ القلب عن شغل الدنيا , و تسليم النفس إلى المولى , وقيل : الاعتكاف والعكوف الإقامة , معناه لا أبرح عن بابك حتى تغفر لي " ( التعريفات 1 / 31 ) , و انظر طلبة الطلبة للنسفي ص 115 .
دليل مشروعيته :
قوله تعالى :" و لا تباشروهن و أنتم عاكفون في المساجد " .
و عن عائشة رضي الله عنها : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ ) رواه البخاري (2026) , و مسلم ( 1172 ) , و غيرهما .
حكمه :
قال الإمام صدر الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الصفدي :" اتفقوا على أن الاعتكاف مشروع و أنه قربة , و هو مستحب في كل وقت , و في العشر الأواخر من رمضان أشد استحبابا و أفضل لطلب ليلة القدر " ( رحمة الأمة في اختلاف الأئمة 1 / 359 ) .
و قال ابن قدامة :" قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف سنة لا يجب فرضا إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذرا , فيجب عليه " ( المغني 3 / 119 ) .
و قال العلامة عبد الله آل بسام :" أما حكمه فقد أجمع العلماء على مشروعيته , و أجمعوا أيضا على أنه مستحب و ليس بواجب " . ( تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ص 389 ) .
حكمة تشريعه :
قال محمد بن راشد القفصي :" حكمة مشروعيته : التشبه بالملائكة في استغراق الزمان في العبادة, و موافقة الباطن للظاهر و الانقطاع عن الدنيا و الإقبال على الله تعالى بالكلية , و ما أحسن بالعبد أن يكون كذلك في جميع أوقاته , و إذا لم يقدر فلعله أن يكون كذلك في بعض الأوقات " . (المذهب في ضبط مسائل المذهب 2 / 519 ) .
و قال ابن القيم رحمه الله تعالى :" و شرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده و روحه عكوف القلب على الله تعالى , و جمعيّته عليه و الخلوة به و الانقطاع عن الاشتغال بالخلق و الاشتغال به وحده سبحانه بحيث يصير ذكره و حبه و الإقبال عليه في محل هموم القلب و خطراته فيستولي عليه بدلها, و يصير الهمّ كله به و الخطرات كلها بذكره و التفكر في تحصيل مراضيه و ما يُقرّب منه فيصير أنسه بالله بدلا عن أنسه بالخلق فيَعُدُّه بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حيث لا أنيس له وما لا يفرح به سواه فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم " ( زاد المعاد 1 / 354 ) .
فضله :
الاعتكاف عبادة و قربة إلى الله تعالى و تبارك , و فضل القربات عظيم , و يكفي في ذلك امتثال أمر الله تعالى و أمر نبيه صلى الله عليه وسلم , و نيل مرضاة الله سبجانه و محبته , لقول النبي صلى الله عليه و سلم فيما يرويه عن ربه :" و لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه " , و غير ذلك من فضائل العبادات و القربات .
و الاعتكاف قربة و عبادة , و لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم و لم يصح عنه شيء في فضله , قال أبو داود :" قلت لأحمد : تعرف في فضل الاعتكاف شيئا ؟ قال : لا , إلا شيئا ضعيفا " ( مسائل أبي داود للإمام أحمد ص 137 ) .
قال محقق الكتاب الشيخ أبو معاذ طارق عوض الله :" و الحديث المشار إليه ما أخرجه ابن ماجه ( 1781 ) عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المعتكف :" هو يعكف الذنوب و يجري له من الحسنات , كعامل الحسنات كلها " , و في إسناده فرقد السبخي و هو ضعيف " ( هامش ص 137 ـ 138 ) .
و من ذلك ما رواه البيهقي في الشعب من حديث الحسين بن علي مرفوعا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من اعتكف عشرا في رمضان كان كحجتين و عمرتين " , قال العلامة الألباني :" موضوع " و في إسناده محمد بن زاذان متروك , و فيه عنبسة بن عبد الرحمن , قال عنه البخاري :" تركوه " , و قال الذهبي :" متروك متهم أي بالوضع " ( انظر السلسلة الضعيفة 2 / 10 , برقم 518 ) .
و غير ذلك من الأحاديث , و الضابط أنه لا يثبت شيء في فضل الاعتكاف , و كل حديث فيه فهو ضعيف أو موضوع ,
و الله المستعان و هو ربي أعلى و أعلم .