استهلّ هذه السطور بحكاية مشهورة عن بعض العلماء حيث قال: " أدركتُ عمر بن عبد العزيز، قيل له: يا أمير المؤمنين أقفرتَ أفواه بنيك من هذا المال، وتركتهم فقراء لا شيء لهم-وكان في مرض موته-فقال: أدخلوهم عليّ، فأدخلوهم، وهم بضعة عشر ذكراً، ليس فيهم بالغ، فلما رآهم ذرفت عيناه، ثم قال لهم: يا بنيّ والله ما منعتكم حقاً هو لكم، ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم، وإنما أنتم أحد رجلين، إما صالح، فالله يتولى الصالحين، وإما غير صالح، فلا أخلف له ما يستعين به على معصية الله، قوموا عني، قال: فلقد رأيتُ بعض بنيه، حمل على مائة فرس في سبيل الله، يعني أعطاها لمن يغزو عليها.
هذا وقد كان خليفة المسلمين، من أقصى المشرق بلاد الترك إلى أقصى المغرب بلاد الأندلس، ومن جزائر قبرص ثغور الشام إلى أقصى اليمن، وإنما أخذ كل واحد من أولاده، من تركته شيئاً يسيراً، يقال: أقل من عشرين درهماً"[1].
والمقصود من هذا الحكاية: "أن المؤدي للأمانة مع مخالفة هواه يثبته الله فيحفظه في أهله وماله بعده، والمطيع لهواه يعاقبه الله بنقيض قصده فيذلّ أهله، ويُذهب ماله"[2].
والناظر لواقعنا المعاصر لا تخطئ عيناه مظاهر الخيانات المستفحلة في شتى جوانب الحياة.. فغياب الأمانات في الوظائف والتجارات وأشباهها، والتفريط في الواجبات، وإضاعة الحقوق، وهدر الأموال، وتفشي الرشاوى والمحسوبيات، وكثرة الغش والتزوير.. أضحى ذلك كله ملء السمع والبصر.
فهذه الصور القاتمة تنقض الأمانة و التي هي القيام بحق الله تعالى وأداء حقوق الناس.
ولئن كان اندراس الأمانة عند أقوام قد يكون ناشئاً عن جهلهم بالواجبات الملقاة على كواهلهم، وغياب التصور الصحيح عما تقضيه الأمانات وتوجبه العقود والعهود.
إلا أن أصل اختلال الأمانة وغيابها إنما هو ناشئ عن رقّة الديانة و ضعف الإيمان، وقلة الخوف من الله عز وجل، فإن مراقبة الله في السرّ والعلن، واستصحاب الوقوف بين يدي الله تعالى ليحرّك الأمانة ويوقظها.. وقد فسّر بعض العلماء (الأمانة): بأنها كل ما يخفى ولا يعلمه إلا الله من المكلّف.
فهناك تلازم بيّن الأمانة والإيمان كما دلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا أمانة له" أخرجه أحمد، بل إن ابن العربي عرّف الأمانة بالإيمان.
والحاصل أن ترسيخ الإيمان، وتحريك الخوف من الله وخشيته هو الباعث على إحياء الأمانة وتقويتها.
وفي المقابل فإن الخيانة والغدر من الذنوب العظام التي غلّظها منها الشارع و أنذر فقد ورد في دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة" أخرجه أبو داود.
وفي الحديث الآخر:"إذا جمع الله بين الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر يعرف به، فيقال: هذه غدرة فلان.." أخرجه البخاري.
ثم إن الخيانة في الأمانة من خصال المنافقين كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " آية المنافق ثلاث -وذكر منها- وإذا ائتُمن خان" أخرجه البخاري ومسلم.
إن الله تعالى يأمر بأداء الأمانات ويوجب القيام بالمسئوليات والتبعات قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾[النساء آية: 58].
ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "أدّ الأمانة إلى من ائتمنك" أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما.
إلا أن فئاماً صيّروا الأمانات والمسئوليات مغنماً و مطمعاً، فتسلقوا من خلالها إلى أكل الحرام، ومقارفة الفساد، وظلم العباد.
ومن الدسائس التي تنخر في الأمانة: التأوّل والتبرير في تضييع الأمانات وإهمال الواجبات، فإن التأوّل والترخص هو سوس الأمانات، فأحدهم يتساهل في أكل المال العام، ويهوّن من التخوّض فيه بالحرام، وربما تعلل بأنّ له نصيباً في بيت المال!
أو زعم أن ذلك من "الظفر" لما فاته من حظوظ وحقوق! أو استروح لآراء وأقوال تتفق مع تضييعه وتتسق مع تفريطه.
ومهما يكن الاختلاف في هذه المسائل إلا أن إحياء الفقه الباطن، وتحريك واعظ الله في قلب كل مسلم هو السبيل إلى معالجة هذه التأوّلات والتبريرات، وكما في حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك". أخرجه أحمد والدارمي.
ولئن كان الله تعالى ليزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن، فإنه يمكن التخفف من هذه الخيانات بعقوبات الشرع وسوط السلطان.. إلا أن إظهار العلم الذي يورث خشية الله تعالى، والتخويف من الظلم في الأمانات ووضعها في غيرها موضعها.. إن هذا هو السبيل لمدافعة الخيانات وترسيخ الأمانات.
قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب آية: 72].
[1] – مجموع الفتاوى لابن تيمية 28/249، 250.
[2] – مجموع الفتاوى لابن تيمية 28/249.
د. عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف
جزاك الله خير الجزاء
موضوع قيم ربي يسعد قلبك بالطاعة
طرح قيم بحق
كلمات تستحق التمعن في معانيها
ومحاسبة النفس المقصرة
جعــــله المــــولى في ميـــزان حســــــناتك
دام نبض قلبك ودام لنا جوهر انتقاءك
عطر الله إيامكِ بـ رياحين الجنة .. وظللكِ بـ أغصان بساتينها .. وسقاكِ من زلال كوثرها ..
سلمت أناملك وطابت روحك على طرحك المميز
يعطيك العافية
دمتِي بحفظ الله ورعايته ,,}}
وجزاك الفردوس الاعلى ان شاء الله
دمت بحفظ الله ورعايته
ويعجز النبض على التعبير بما كتبتِ وبما طرحتِ
.. بارك الله فيكِ وجعله فى موزين حسناااااااتكِ
وجزيتِ الجنه ونعيمها
❁✿يانجمة في سماء المسلميين تُنيري للحق فقط إن شاء الله✿❁
اللهم حرم وجهها عن النار بسعي إلى رضاك
واجتناب معصيتك وطهر قلبها بذكرك ويسر أمرها لنيل مغفرتك
واجمعها بمن تحب في مستقر رحمتك
وجميع المسلمين ..
اللهم آمين