الأخوة الإسلامية في القرآن :
لقد وردت الآيات العديدة في القرآن الكريم على الأخوة الإسلامية ومنها :
1ـ قال تعالى :
( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون )
سورة الحجرات : 10
وفي تفسير هذه الآية يقول القرطبي ( ت 671هـ ) :
(( إنما المؤمنون إخوة ))
أي في الدين والحرمة لا في النسب .ولهذا قيل
(( أخوة الدين أثبت من أخوة النسب))
( جـ 16ص 212) .
2ـ قال تعالى :
( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا )
سورة آل عمران : 103.
3ـ قال تعالى :
( يا أيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيراُ من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولايغتب بعضكم بعضاً أيحب أحـدكـم أن يأكل لـحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم )
سورة الحجرات : 12.
وقد أوصى الله سبحانه وتعالى رسول بالرحمة والعفو مع من حوله .
4ـ في قوله تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولكفـاعـف عنـهم واستغـفر لـهـم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكـل عـلـى الله إن الله يحب المتوكلين )
سورة آل عمران : 155.
والمؤمن يعفو عن أخيه قال تعالى :
( إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً )
سورة النساء : 149.
وقال تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )
سورة الأعراف : 199.
وقال تعالى :
( وجزآؤا سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين )
سورة الشورى : 40.
وقال تعالى :
( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )
سورة آل عمران 134.
والمؤمن يرحم أخاه قال تعالى :
( ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة )
سورة البلد : 17.
ومن أخلاق الأخوة الإسلامية الإيثار قال تعالى :
( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأوليك هم المفلحون )
سورة الحشر : 90.
ويستنتج من هذه الآيات الكريمة تأكيد القرآن الكريم على مبدأ الأخوة الإسلامية بمعناها الشامل حيث الأخوة ليست فقط في النسب ولكن أخوة في الدين والحرمة والإسلام بذلك يضع تحديداً واسعاً لمفهوم الأخوة أخذت عنه النظريات الحديثة تحت مسمى
(( العلاقات الإنسانية )) .
كما أوردت الآيات الكريمة فائدة التحلي بالأخوة الإسلامية من حيث أنها تؤدي إلى التفاف الأفراد حول بعضهم بعض كما تعصمهم من الانزلاق إلى رذيلة الظلم حيث يسيء البعض استغلال السلطة أو النفوذ أو الثراء في التسلط على الآخرين كما أكدت الآيات الكريمة فائدة التمثل بالأخوة الإسلامية في تحقيق القوة للفرد وللمنظمة التي ينتمي إليها الفرد مما يستتبع ذلك تفوق هذا الفرد أو تلك المنظمة على الآخرين .
الأخوة الإسلامية في السنة النبوية الشريفة :
أكدت الأحاديث النبوية الشريفة أهمية التمثل بالأخوة الإسلامية والتحلي بها نذكر منها الآتي :
جاء في صحيح مسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى هاهنا ))
ويشير إلى صدره ثلاث مرات
(( بحسب أمري من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ))
رواه مسلم ، ( جـ 16،ص 120).
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخواناً ))
رواه البخاري ، ( جـ7،ص 116).
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ))
روه البخاري ،(جـ7،ص 116).
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ))
رواه مسلم ،(جـ16،ص 140).
ومن الأخوة الإسلامية تقديم المعروف
(( عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال نبيكم صلى الله عليه وسلم : (( كل معروف صدقه ))
رواه مسلم ، ( جـ7،ص91).
ولقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الكلمة الطيبة لما فيها من تقارب القلوب وإفشاء المحبة :
(( عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة ))
متفق عليه جامع الأصول ،(جـ1،ص 428).
كما أن من الأخوة الإسلامية العفو والصفح
(( عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( ما نقص مال من صدقة ، وما عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عزاً فاعفوا يعزكم الله عز وجل … )
رواه الترمذي ،(جـ4،ص 376).
عـن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( أحسنوا إذا وليتم واعفوا عما ملكتم ))
الجامع الصغير ، (جـ1،ص 191).
سمعت سعيد بن المسيب يقول : ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة ؟
قالوا بلى قال :
إصلاح ذات البين ، وإياكم والبغضة فإنها هي الحـالقة وحـدثـني عـن مـالـك أنـه قـد بـلغه أن رسول الله صلـى الله عليه وسلـم قــال : بعـثـت لأتمتم حسن الخـلق ))
رواه مـالـك فـي الـمـوطـأ ( جـ 2،ص 242).
ومن الأخوة الإسلامية الصدق في القول والعمل :
(( عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال :
حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( دع ما يربيك إلى ما يربيك ، فإن الصدق طمأنينة ، والكذب ريبة ))
رواه الترمذي ، ( جـ 8 ، ص 327 ) .
ومن الأخوة ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعروف والابتسامة وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( لا تحقرن من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ))
رواه مسلم ، ( جـ 16 ، ص 177 ) .
وكذلك من الأخوة الإسلامية عيادة المريض منهم :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ن قال :
(( حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام وعيادة المريض ، واتباع الجنازة وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس ))
متفق عليه ، جامع الأصول ، ( جـ 6 ، ص 527 ) .
ومن الأخوة الإسلامية قضاء حاجات الناس
(( عن أبن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه ، كان الله في حاجته ـ ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ))
رواه مسلم ،، ( جـ 16 ، ص 135 ) .
اتسقت توجيهات الأحاديث النبوية الشريفة مع ما جاء بالآيات الكريمة من حيث التأكد على مفهوم الأخوة الإسلامية ، وقد وضعت هذه الأحاديث النبوية الشريفة المحذورات أمام الإنسان المسلم لكي تتحقق له الأخوة الإسلامية مع أقرانه من المسلمين ، وفي مقدمة هذه المحذورات البغض والحسد والتجسس وتحقير الآخرين وخذلانهم .
كما أوردت المستحبات التي على المسلم أتباعها لتوكيد أخوته منها الكلمة الطيبة والتراحم والتعاطف والعفو وتقوى الله سبحانه وتعالى ، وهي صفات لو تحلى بها المسلم في عمله لتحقق من ورائها أرقى مستويات التعامل الإنساني الذي تطمع إلى تحقيقه نظريات الإدارة على اختلاف أنواعها .
تطبيق مفهوم الأخوة الإسلامية في صدر الإسلام :
أن في استشعار الأخوة أقوى الروابط والتنظيمات الهادفة إلى إصلاح ما بين الناس وتصفية الأحقاد والأحساد .
ومن سياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإدارية في بداية تأسيس الدولة الإسلامية أن آخى بين المهاجرين والأنصار فقد ذكر الدميري ( 1408 هـ ) : (( أنـه قـال لـهـم :
(( إني أوآخي بينكم كما آخى الله تعالى بين ملائكته )) .
وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأوس والخزرج فصفى ما بينهم من خلافات وأنساهم الثأر والحروب وصهرهم في بوتقة واحدة ،
وكان المقصود من المؤاخاة أن يوقر كل منهم أخاه ويعاونه ويواسيه ويكون عوناً له على الأعداء ويحبه كما يحب نفسه )) ، ص 71 .
وفي تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خادمه أفضل الصور لاستشعار الأخوة الإسلامية بمعناها الحقيقي .
عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً ،
فأرسلني يوماً لحاجة فقلت : والله لا أذهب ، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي ، قال :
فنظرت إليه وهو يضحك ، فقال : (( أنيس أذهبت حيث أمرتك )) ؟
قال : قلت : نعم ، أنا أذهب يا رسول الله ، قال أنس : والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته :
(( لم فعلت كذا وكذا )) أو لشيء تركنه :
(( هلا فعلت كذا وكذا )) ،
رواه مسلم ، ( جـ 15 ، ص 71 ) .
ومن الإيثار ولمواساة ما ذكر في رياض الصالحين في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
أني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه ، فقالت : والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك قلن كلهن مثل ذلك :
لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( من يضيف هذه الليلة ؟ ))
فقال رجل من الأنصار : أنا يا رسول الله صلى عليه وسلم فانطلق به إلى رحله ، فقال لامرأته :
أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية قال لامرأته :
هل عندك شيء ؟ فقالت : لا ، إلا قوت صبياني قال :
علليهم بشيء وإذا أرادوا العشاء، فنوميهم ، وإذا دخل ضيفنا ، فأطفئي السراج ، وأريه أنا نأكل فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين ،
فلما أصبح غداً على النبي صلى الله عليه وسلم : فقال :
(( لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة )) ، ص 196
ونزل في ذلك آية قال تعالى : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )
والصور كثيرة من صور رسول الله صلى الله عليه وسلم على استشعار الأخوة الإسلامية مع جميع أصحابه ، وقد تدرب عليها أصحابه وطبقوها ،
ومن أمثلة ذلك التواضع وما ذكره أبو بكر الجزائري ( د . ت ) :
(( روي أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيف وكان يكتب فكاد السراج يطفأ فقال الضيف :
أقوم إلى المصباح فأصلحه ؟ فقال : ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه
فقال الضيف إذا انبه الغلام ؟ فقال عمر :
((إنها أول نومه نامها فلا تنبه . وذهب إلى البطة وملأ المصباح زيتاً ولما قال
له الضيف : قمت أنت بنفسك يا أمير المؤمنين ؟
أجابه قائلاً ذهبت أنا وعمر ، ورجعت أنا وعمر ، ما نقص مني شيء ،
وخير الناس من كان عند الله متواضعاً ))
ص 234 ، ص 235 .