تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » طرق إثبات المقاصد عند الإمام الشاطبي

طرق إثبات المقاصد عند الإمام الشاطبي 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

طرق إثبات المقاصد عند الإمام الشاطبي

إن الحمد لله ،نحمده و نستعينه
و نستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
و أشهد أن محمدا عبده و رسوله .

أما بعد :

إن الله شرع لعباده دين الإسلام،فكلفهم بما لهم به مقدور،و أسقط عنهم كل معسور،فجاءت الشريعة متسمة بالسماحة مبنية على جلب ما كان للعباد من مصالح ، و درء المفاسد عنهم و القبائح ، سواء كان ذاك في دنياهم أو أخراهم .

و تحقيق هذه المقاصد لا يتأتى إلا بالوقوف على أسرار التشريع و حكمه ، إذ نصوصه معللة بالحكمة و صلاح المكلفين ، فكان لزاما على العلماء : وضع منهج يُقتفى ، و مسلك يُحتذى لمعرفة مقاصد الشارع ، و هو ما ختم به الإمام الشاطبي كتاب المقاصد ، و ذكر له أربع جهات ، و لم يكن ذاك حصرا منه في عدد معين ، بل هناك طرق أخرى تفهم تلويحا ، و إن لم ينص علها تصريحا .

فكان موضوع هذا البحث ، طرقَ إثبات المقاصد عند الإمام الشاطبي ، إلا أني لم أتقيد بما ذكره الإمام في كتابه ، و هذا لا يعني أني أضفت شيئا زائدا على ما قال، و لكن كان منهجي أن لا أبين المسلك حتى أعرف مصطلحاته و أبيِّن أمثلته ، لتتضح ماهيته أولا ، ثم بيانه كطريق ثانيا ، فقلما تجد للإمام في كتابه تعريفا ، و لا عجب في هذا ، فهو لم يضع كتابه لطلبة العلم و إنما للعلماء الراسخين الذين لهم علم مسبق بشتى علوم الشريعة ، قال في بداية كتابه الموافقات : " و لا يسمح للناظر في هذا الكتاب أن ينظر فيه نظر مفيد أو مستفيد ، حتى يكون ريان من علم الشريعة ، أصولها و فروعها ، منقولها و معقولها ، غير مخلد إلى التقليد و التعصيب للمذهب " .

المطلب الأول : مجرد الأمر و النهي الابتدائي التصريحي

الفرع الأول : تعريف مصطلحات هذا المسلك

الأمر لغة : معروف،نقيض النهي .. و هو كذاك : واحد الأمور يقال: أمر فلان مستقيم و أموره مستقيمة و الأمر الحادثة (1).

النهي لغة : خلاف الأمر ، نهاة ينهاه نهيا فانتهى و تناهى : كف (2) .

الابتدائي لغة : من بدأ بديت بالشيء : قدمته …. و بدأت الشيء : فعلته ابتداء ، و البدء و البديء : الأول …. و بادىء الرأي أوله و ابتداؤه (3).

التصريحي لغة :الصريح و الصَّراح و الصِّراح و الصُّراح و الكسر أفصح : الخالص من كل شيء ، …و هو ضد الكناية ، و انصرح الحق : أي بان
(4).

اصطلاحا

معنى الأمر : هو اللفظ الدال على طلب الفعل على جهة الاستعلاء (5).

معنى النهي : هو القول الانشائي الدال على طلب كف عن فعل على جهة الاستعلاء (6) .

تعريف الأوامر و النواهي الصريحة

الأمر الصريح : هو ما كان بصيغة " افعل " ، مثل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون } [ آل عمران : 102 ] .

النهي الصريح :هو ما كان بصيغة " لا تفعل " ، مثل قوله تعالى
{ و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } [ الأنعام : 151] . و قوله تعالى
{ و لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده }
[ الأنعام : 152 ] .

و الأمر الصريح و النهي الصريح كلاهما يفيد بظاهره قصد الشارع إلى امتثال ما ورد فيهما من أوامر و نواهي .

تعريف الأوامر و النواهي الضمنية :

أ- ما كانت له صيغة :

فالأوامر الضمنية هي ما كانت بصيغة تتضمن أمرا ، و لم تكن بصيغة فعل الأمر ، و من ذلك :

– ما ورد بصيغة المضارع المقترنعينى عينك بلام الأمر ، مثل قوله تعالى
{ فمن شهد منكم الشهر فليصمه }
[ البقرة : 178 ]

– ما ورد منها مورد الإخبار عن تقرير الحكم ، مثل قوله تعالى
{ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }
[ البقرة :183 ]
و قوله
{ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم و لكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة }
[ المائدة : 89 ].

– ما جاء مجيء المدح : مثل قوله تعالى
{ و الذين آمنوا بالله و رسله أولئك هم الصديقون }
[ الحديد : 19 ] .

– ما جاء مجيء الذم له أو لفاعله : مثل قوله تعالى
{ يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد و كلوا و اشربوا و لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } [ الأعراف :31]

– ترتيب الثواب و العقاب : مثل قوله تعالى
{ تلك حدود الله و من يطع الله و رسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و ذلك الفوز العظيم }
[ النساء : 13 ]
و قوله
{ و من يعص الله و رسوله و يتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها و له عذاب مهين }
[ النساء :14 ]

– الإخبار بمحبة الله تعالى في الأوامر
مثل قوله تعالى
{ الذين ينقفون في السراء و الضراء و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين }
[ آل عمران :134 ] و قوله
{ و إن تشكروا يرضه لكم }
[ الزمر : 7 ]

– الكراهية و عدم الحب في النواهي
مثل قوله تعالى : { إن الله لا يحب المفسدين } [ القصص : 77}
و قوله : { إن تكفروا فإن الله غني عنكم و لا يرضى لعباده الكفر } [ الزمر :7]

و النواهي الضمنية : هي كل ما يجري مجرى النهي و لم يكن بصيغة " لا تفعل "
مثل :

– الأمر الدال على الكف : كقوله تعالى
{ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون }
[ الجمعة 9 ]

– مادة النهي : كقوله تعالى : {و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون }
[ النحل :90]

– و كما في الجمل الخبرية المستعملة في النهي : كقوله تعالى
{ حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل لغير الله به ..}
[ المائدة :3]
و قوله : { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان و لا يحل لكم أن تاخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } [ البقرة : 229] .

ب- لازم الأمر و النهي :

و هو ما يتوقف عليه كل منهما أي : هل الأمر بالشيء نهي عن ضده ، و وجوب ما لا يتم الواجب المأمور به بتحصيله مع كونه في قدرة المكلف ؟ و النهي عن الشيء هل يلزم منه الأمر بضده و النهي عن الذرائع الموصلة إلى ذلك المنهي عنه ؟ و هذا النوع فيه خلاف مشهور بين الأصوليين ليس هذا موضع تفصيله (8) .

الفرع الثاني : بيانه كطريق من طرق الكشف عن المقاصد

يدل الأمر على القصد إلى حصول المأمور به ، و يدل النهي على القصد إلى عدم حصول المنهي عنه . و قد قيد الإمام الشاطبي الأمر و النهي بالابتدائي و التصريحي :

القيد الأول : الابتدائي : قيد خرج به الأمر او النهي الي يستفاد منه قصد الشارع تبعا لا أصالة فيكون قد أتى تعضيدا و تأكيدا للأمر الأول . قال الإمام الشاطبي :" و إنما قيّد بالإبتداء تحرزا من الأمر أو النهي الذي قصد به غيره" (9) .

و ساق مثالا في قوله تعالى :" فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع " الجمعة 09

الأمر الأول :" فاسعوا إلى ذكر الله " أمر ابتدائي مقصود بالقصد الأول ، فهو دال على قصد الشارع إلى حمل الناس على تحقيق السعي ( المأمور به ) .

الأمر الثاني: "و ذروا البيع " ليس أمرا إبتدائيا و إنما هو تبعي جاء ليعضد القصد الأول وهو السعي ،و بما أنه ليس ابتدائيا فلا يصح الاستدلال به على قصد منع البيع .

قال الشاطبي بعد ذكر الآية : " فإن النهي عن البيع ليس نهيا مبتدأ ، بل هو تأكيد للأمر بالسعي ، فهو من النهي المقصود بالقصد الثاني ، فالبيع ليس منهيا عنه بالقصد الأول كما نهي عن الربا و الزنى مثلا نسائيه ، بل لأجل تعطيل السعي عند الاشتغال به " (10) .

و قال في موضع آخر:" و كذلك قوله تعالى :{ فاسعوا إلى ذكر الله } مقصودة الحفظ على إقامة الجمعة و عدم التفريط فيها ، لا الأمر بالسعي إليها فقط ، و قوله { و ذروا البيع} جار مجرى التوكيد لذلك بالنهي عن ملابسة الشاغل عن السعي لا أن المقصود النهي عن البيع مطلقا في ذلك الوقت " (11) .

القيد الثاني : التصريحي : قيد خرج به الأمر و النهي الضمني الذي يكون مقصودا بالقصد الثاني على سبيل تأكيد و تعضيد القصد الأول .

"والأوامر و النواهي الضمنية خفية في الدلالة على قصد الشارع ،إذ تفيده مجودة و إنما بما يحف بها من قرائن " (12) .

و لم يذكر فيه مثالا سوى ما نهي عن ضد المأمور به مثل قوله تعالى
{ ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن}
[البقرة 28 ]
هو في معنى النهي يقتضي وجوب الإظهار.و الأمر بالتربص في العدة يقتضي حرمة التزوج
(13)

و أيضا : الأمر بالحج مع ما يستلزمه ؛ فالأمر بالحج صريح و أخذ مستلزماته و القيام بها أمر ضمني (14) .

قال الإمام الشاطبي : " و إنما قُيّد بالتصريحي تحرزا من الأمر أو النهي الضمني الذي ليس بمصرح به ، الكنهي عن أضداد المأمور به الذي تضمنه النهي عن الشيء ، فإن النهي و الأمر هاهنا إن قيل بهما فهما بالقصد الثاني ، لا بالقصد الأول ، إذ مجراهما عند القائل بهما مجرى التأكيد للمر أو النهي المصرح به " (15) .

و ذكر بعض الأمثلة لمقاصد الشارع المعتبرة من مجرد الأمر و النهي الابتدائي التصريحي في باب الأوامر و النواهي منها :

" المفهوم من قوله : { أقيموا الصلاة } [ البقرة : 43] المحافظة عليها و الإدامة لها ، و من قوله : " أكلفوا من العمل ما لكم به طاقة " الرفق بالمكلف خوف العنت أو الانقطاع ، لا أن المقصود نفس التقليل من العبادة ، أو ترك الدوام على التوجه إلى الله …

و كذلك إذا قال : " لا تصوموا يوم النحر " المفهوم منه مثلا قصد الشارع إلى ترك إيقاع الصوم فيه خصوصا .

و من قوله : " لا تواصلوا " أو قوله " لا تصوموا الدهر " الرفق بالمكلف أن لا يدخل فيما لا يحصيه و لا يدوم عليه ، و لذلك كان عليه الصلاة و السلام يواصل و يسرد الصوم ؛ كان يصوم حتى يقال لا يفطر ، و يفطر حتى يقال : لا يصوم و واصل عليه الصلاة و السلام وواصل السلف الصالح مع علمهم بالنهي ، تحققا بأن مغزى النهي الرفق و الرحمة ، لأن مقصود النهي عدم إيقاعه و لا تقليله …. " (16) .

جـــزاكـِ الله خير عزيزتي ع الطرح القيم الهادف
جـــزاكـِ الله خير عزيزتي
كل الشكر والتقدير لكـِ

بارك الله فيكِ اختى على الموضوع المفيد

دار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.