وقفات مع الظالمين
إن الظلم عواقبُه وخيمة، ويكفي أن دعوة المظلوم مستجابة، تُفتَّح لها أبواب السماء، وتَحمِلها الملائكة، فيقول الله لها: ((وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّكِ ولو بعد حين)).
ويقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – لمعاذ عندما بعثه إلى اليمن: ((واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث:الألباني – المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 2298
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فما أشدَّ الظلمَ الذي تُعاني منه الأمة اليوم!
وما أكثرَ انتشارَه!
تعالوا لنقف في وقفة سريعة حول صفات الظالمين وواجبنا نحو الظالمين.
من صفات الظالمين:
1- الجحود بآيات الله والإعراض عنها:
قال تعالى: ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 49].
ولقد أرسل الله الآيات الباهرات في الكون المنظور، وكذلك الكتاب المسطور القرآن الكريم، وأيضًا أرسل الرسل، وأيَّدهم بكثير من الآيات لهداية البشرية، ومع ذلك نجد من يَجحد بها ويُكذِّبها ظلمًا لنفسه ولغيره، وقد وصف الله – سبحانه – مَن يجحد بها ويُكذِّب بها ويُنكِرها، فقال: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ﴾ [العنكبوت: 47].
وكذلك وصف الظالمين لأنفسهم وغيرهم بإعراضهم عن الهدى واتباع الآيات؛ قال تعالى: ﴿ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا ﴾ [الكهف: 56، 57].
2- تعدي حدود الله:
قال تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229]، فيعتدون على حدود الله وحُرماته – سبحانه – ولا يلتزمون بها، ويتجاوزون الحدودَ والأوامر والنواهي.
3- عدم الحكم بما أنزل الله:
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45].
فمن قمة الظلم لمن أصبح القرار في يده كحكام المسلمين أو القضاة، ومَن يتصدَّرون للحكم بين الناس، فجعل أولئك الذين يَبتعِدون عن حُكْم الله من الظالمين المبتعدين عن حُكْم الله – سبحانه.
4- اتباع الكفار:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [التوبة: 23].
من اتَّبع الكفار وأرضاهم، وجعل همَّه في الدنيا إرضاءهم، حتى ولو كانوا أقرب الناس إليه، أو من أسرته وأهله، إلا أنه يُفضِّلهم على الإسلام وحُكْمه، ويقف معهم في صفِّ الكفر وأتباعه، فهو من الظالمين المتجاوزين لحدود الله رغم ادعائه الإيمان والإسلام، إلا أنه يعمل بخلاف ذلك.
5- إضلال الناس وإبعادهم عن الحق لمصالحه الشخصيَّة الضيقة:
فيَكذِب على الله وعلى رسوله وعلى الناس من أجل الدنيا وحُطامها، سواء بعلم أو بغير علم، فمراده الدنيا بأي طريق وسبيل؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 144].
6- الصدُّ عن ذِكر الله، ومنْع الناس منه لأغراضه وسياساته الدنيويَّة، أو خدمة لأعداء الإسلام:
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 114].
7- خِذلان الحق وعدم الشهادة له:
فيكون بهذا العمل أضاع حقوق الناس، وساعد في الظلم ونشره بين الناس؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 140]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ﴾ [العنكبوت: 68].
8- عدم اتباع الحق، ومحاولة تكذيبه:
قال تعالى: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ﴾ [الزمر: 32]، فأصبح ديدن الظلمة التكذيب بكل ما هو من الدين ومن تعاليمه في كِبر وغطرسة.
واجبنا وموقفنا نحو الظالمين:
1- عدم الركون إليهم والوقوفِ في صفهم، ومعاونتِهم على ظلمهم؛ حيث يقول تعالى: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113]؛ وذلك لأن الركون إليهم يُسبِّب:
أولاً: تقويتهم، وهي تُوجِب توسُّع دائرة الظلم، ونَشْر الفساد في الأرض، وضياع الحقوق، وسلب الإرادة.
ثانيًا: يؤثِّر في ثقافة المجتمع، ويصبح الأمر طبيعيًّا، ويشتاق إليه الناس، ولا يعيشون بدونه، وتضيع الحقوق وتُصادر دون أمر بمعروف أو نهي عن منكر؛ لأن الناس قد تعوَّدوا على الظلم، وسكتوا عنه، وركنوا إلى الظلمة، وقووهم ووقفوا معهم دون أن يشعروا بذلك.
2- مجابهة الظلم ومحاربته دون خوف أو ضَعْف:
ولذا فإن القرآن الكريم يحث الناس على مقارعة الظلم وعدم الخوف من الظالمين؛ قال تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ﴾ [البقرة: 150].
3- فضْح الظالمين على رؤوس الأشهاد ولا حرمات لهم:
كما أن الإسلام يأمر بفضح الظالم، والمجاهرة ضده، وتوقيفه عند حده؛ فقد يرتدع عند فضحه والتشهير به خوفًا من الناس وعلى سمعته، وفي القرآن الكريم: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 148].
4- محاربة الظالم بشتى الوسائل الممكنة، والوقوف بكل حزم وقوة في وجوههم، ومعونة المظلومين ونُصرتهم:
انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، وطلب العون في ذلك والاستنصار على الظالم؛ كما يقول تعالى: ﴿ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ [الشورى: 39].
5- عدم الدفاع عن الظالمين أو الوقوف معهم وتأييدهم ضد المظلومين:
وعدم الوقوف في صفِّهم، وخاصة الوقوف مع أعداء المسلمين من الكفار والمشركين ومعاونتهم على ظُلْم المسلمين، كما هو حاصل اليوم في بلاد المسلمين؛ لقوله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ﴾ [القصص: 17].
عواقب الظالمين:
1- عدم الأمن للظالم والراحة والطمأنينة:
فلا يشعر به في الدنيا ولا في الآخرة؛ حيث إنه يشعر بالخوف والقلق الدائم من انتقام المظلومين، فيَزيد من حراسة وتأمين حياتِه وإجراءات السلامة؛ خوفًا من الانتقام؛ كما هو حاصل من حكام وزعماء المسلمين اليوم؛ قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].
2- الضنك في العيش:
حيث إن من آثار الظلم الفساد في كل شيء؛ مما يَستلزِم صعوبة العيش، وقلة الراحة والسعادة، وفِقدان سُبل الراحة ورغَد العيش؛ قال تعالى: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ﴾ [النساء: 160]، فبسبب الظلم حرَّم الله عليهم الطيبات؛ عقابًا لهم ولظلمهم.
3- الضلالة وعدم الهداية:
يُحرَم الظالم من الهداية والتوفيق، وكل ذلك بسبب ظلمه وجبروته، وهو مَن أردى بنفسه وأَوردها المهالك؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 86].
وقال – عز وجل -: ﴿ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27].
4- الهلاك في الدنيا وكذلك في الآخرة:
قال تعالى: ﴿ هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنعام: 47]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ [القصص: 59]؛ وحيث إن الظلم ينعكس على نفْس الظالم؛ فإنه يُسبِّب الهلاكَ له، فيُدمِّره الله – سبحانه – وينتصر للمظلومين طال الزمان أو قَصُر!
وكذلك يُهلِك الله أتباع الظالمين، ويرينا فيهم قوَّتَه وقدرته وعدله – سبحانه – فهم سبب تَجبُّر الظالم وسيطرته؛ قال تعالى: ﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴾ [الأنبياء: 11]، قال الله تعالى: ﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [النمل: 52]، أَهلَك الله القرى لظُلمهم، وهي لا تخلو من أتباع الظالمين وحَرَسِهم ومعاونيهم، وكذلك أصبحت دُور الظالمين خاوية.
5- العذاب الأخروي:
وهو من الواضحات البديهيات؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ ﴾ [سبأ: 31، 32].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ [الكهف: 29].
كل ذلك للظالمين جزاء موفورًا وعذابًا أليمًا.
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾ [إبراهيم: 42]
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].
عبدالسلام حمود غالب