نور الدين محمود زنكي
(11فبراير1118-15 مايو1174)
الأبن الثاني لعماد الدين زنكي بعد وفاة والده حكم حلب اولا وحارب الصليبيين وأسترجع منهم الرها 1146 قاتل الحملة الصليبية الثانية وضم بعدها إلى سلطانة كل الشام و مصر واصبحت دمشق عاصمة دولته.
نشأته
ولد في 17 من شوال 511هـ وهو ثاني أولاد عماد الدين زنكي
بعد سيف الدين غازي، وقد تأثر أبناء عماد الدين بما كان لأبيهم من خلال
وفضائل، فكانوا جميعا من رجال الجهاد وفرسانه، على تفاوت في ذلك بينهم.
وبعد وفاة عماد الدين زنكي اقتسم ولداه: سيف الدين غازي ونور الدين محمود دولته، فحكم الأول الموصل وثبّت أقدامه بها، وانفرد الآخر بحكم حلب ، وكان الحد الفاصل بين أملاك الأخوين هو نهر الخابور في الجزيرة السورية
، وكان كلا الأخوين مؤهلا لما وجهته له الأقدار، فكان سيف الدين غازي صاحب
سياسة وأناة، على حين كان نور الدين مجاهدا مخلصا جياش العاطفة صادق
الإيمان، ميالا إلى جمع كلمة المسلمين وإخراج الأعداء من ديار المسلمين،
مفطورا على الرقة ورهافة الشعور؛ وهو ما جذب الناس إليه، وحبب القلوب فيه.
وكان على نور الدين أن يواصل سياسة أبيه في جهاد الصليبيين، يدفعه إلى
ذلك طبيعته المفطورة على حب الجهاد، وملازمته لأبيه في حروبه معهم. وقرب
إمارته في حلب بشمال سوريا من الصليبيين جعله أكثر الناس إحساسا بالخطر الصليبي .
الجهاد ضد الصليبيين
استهل نور الدين حكمه في سوريا بالقيام ببعض الهجمات على إمارة أنطاكية الصليبية، واستولى على عدة قلاع في شمال الشام ومنطقة الساحل السوري، ثم قضى على محاولة "جوسلين الثاني" لاستعادة الرها
التي فتحها عماد الدين زنكي وكانت هزيمة الصليبيين في الرها أشد من
هزيمتهم الأولى، وعاقب نور الدين من خان المسلمين من أرمن الرها، وخاف
بقية أهل البلد من المسيحيين على أنفسهم فغادروها.
وكان نور الدين دائم السعي إلى استمالة القوى الإسلامية المتعددة في
الشام وشمال العراق وكسب ودها وصداقتها؛ لتستطيع مواجهة العدو الصليبي،
فعقد معاهدة مع "معين الدين أنر" حاكم دمشق
سنة (541هـ = 1147م) وتزوج ابنته، فلما تعرض أنر لخطر الصليبيين وكانت
تربطه بهم معاهدة وحلف لم يجد غير نور الدين يستجير به، فخرج إليه، وسارا
معا صاحب دمشق ونور الدين واستوليا على بصرى وصرخند في جنوب سوريا قبل أن
يقعا في يد الصليبيين، ثم غادر نور الدين دمشق؛ حتى يبعث في قلب حاكمها
الأمان، وأنه لا يفكر إلا في القضاء على الصليبيين؛ فتوجه إلى حصون إمارة
إنطاكية، واستولى على أرتاح وكفر لاثا وبصرفوت وغيرها .
وعلى أثر ذلك ملك الرعب قلوب الصليبيين من نور الدين، وأدركوا أنهم
أمام رجل لا يقل كفاءة وقدرة عن أبيه عماد الدين، وكانوا قد ظنوا أنهم قد
استراحوا بموته، لكن أملهم تبدد أمام حماسة ابنه وشجاعته، وكانت سنه إذ
ذاك تسعا وعشرين سنة، لكنه أوتي من الحكمة والتدبير خيرا كثيرا.
وفي سنة (542هـ = 1147م) وصلت الحملة الصليبية الثانية على الشام بزعامة لويس السابع وكونراد الثالث، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها ، وعجزت عن احتلال دمشق
أهم مدن الشام ، ويرجع الفضل في ذلك لصبر المجاهدين واجتماع كلمة جيش
المسلمين ووحدة صفهم، وكان للقوات التي جاءت مع سيف الدين غازي وأخيه نور
الدين أكبر الأثر في فشل تلك الحملة، واستغل نور الدين هذه النكبة التي
حلّت بالصليبيين وضياع هيبتهم للهجوم على أنطاكية بعد أن ازداد نفوذه في الشام، فهاجم في سنة (544هـ=1149م) الإقليم المحيط بقلعة حارم الواقعة على الضفة الشرقية لنهر العاصي
، ثم حاصر قلعة إنب، فنهض "ريموند دي بواتيه" صاحب أنطاكية لنجدتها،
والتقى الفريقان في (21 من صفر 544هـ= آخر يونيو 1149م) ونجح المسلمون في
تحقيق النصر وكان من جملة القتلى صاحب إنطاكية وغيره من قادة الفرنج
نور الدين في دمشق
آمن نور الدين بضرورة وحدة الصف، وانتظام القوى الإسلامية المبعثرة بين
الفرات والبحر تقف كالبنيان المرصوص أمام أطماع الصليبيين، وكانت دمشق
أهم المدن وعزم نور الدين على ضمها وكان معين الدين أنر صاحب السلطة
الفعلية في دمشق يرتبط بعلاقات ومعاهدات مع الصليبيين ، وبعد وفاته قام
"مجير الدين أبق" بأستلام الحكم بدمشق ، ونظرا لاهمية دمشق وموقعها الهام
في وسط بلاد الشام فقد تمسك بها الصليبيون وخصصوا لها حامية كبيرة للدفاع
عنها . فكر نور الدين وعينه على دمشق ووضع الخطة تلو الاخرى لمهاجمة
الصليبين واستعادة دمشق .
ونجح نور الدين في دخول دمشق
سنة (549هـ = 1154م) بعد عدة مواجهات مع الصليبين اللذين دافعوا بشراسة عن
أهم معاقلهم في الشرق وكانت هذه الخطوة حاسمة في تاريخ الحروب الصليبية؛
حيث توحدت بلاد الشام تحت زعامة نور الدين: من الرها شمالا حتى حوران
جنوبا، واتزنت الجبهة الإسلامية مع الجبهة الصليبية بعد ان ضم نور الدين دمشق
واصبحت عاصمة الدولة وموحدة بلاد الشام من الشمال إلى الجنوب والشرق
واستقر نور الدين زنكي وأنطلق منها لفتح مزيد من البلاد في الجنوب وتوسيع
ملكه .
الطريق إلى مصر
بعد نجاح نور الدين في ضم دمشق
واصبحت عاصمة دولته ومنطلق الحكم واصبح ملك دمشق وموحد الشام لم يعد أمام
الصليبيين للغزو والتوسع سوى طريق الجنوب بعد أن أحكم نور الدين سيطرته
بلاد الشام؛ ولذا تطلع الصليبيون إلى مصر باعتبارها الميدان الجديد
لتوسعهم، وشجعهم على ذلك أن الدولة الفاطمية في مصر تعاني الضعف فاستولوا على عسقلان
، وكان ذلك إيذانا بمحاولتهم غزو مصر، مستغلين الفوضى في البلاد، وتحولت
نياتهم إلى عزم حيث قام "بلدوين الثالث" ملك بيت المقدس بغزو مصر سنة
(558هـ = 1163م) محتجا بعدم التزام الفاطميين بدفع الجزية له، غير أن
حملته فشلت وأجبر على الانسحاب.
وأثارت هذه الخطوة الجريئة مخاوف نور الدين، فأسرع بشن حملات على
الصليبيين في الشام حتى يشغلهم عن الاستعداد لغزو مصر، ودخل في سباق مع
الزمن للفوز بمصر وضمها لملكة في الشام
، فأرسل عدة حملات من دمشق تحت قيادة "أسد الدين شيركوه" وبصحبته ابن أخيه
الشاب اليافع صلاح الدين الأيوبي ، ابتدأت من سنة (559هـ = 1164م) واستمرت
نحو خمس سنوات وفشلت عدة مرات بسبب خيانه صاحب مصر وتعاونه مع الصليبين
والفساد المتفشي ولكن اسد الدين لم يتراجع ففي كل مرة كان يعيد تجهيز جيشه
وينطلق من جديد بأوامر نور الدين في دمشق
حتى نجحت بعد سباق محموم مع الصليبيين في الظفر بمصر سنة (564هـ = 1169م)
وتولى شيركوه الوزارة للخليفة "العاضد" آخر الخلفاء الفاطميين، على أنه لم
يلبث أن توفي فعين نور الدين زنكي صلاح الدين الأيوبي وزيرا على
مصر وضمها لملكه في الشام .
نجح صلاح الدين الأيوبي
في إقامة الأمن واستتباب الأمور وتثبيت أقدامه في البلاد، وجاءت الفرصة
المناسبة لإسقاط الدولة الفاطميين؛ فقطع الدعاء للخليفة الفاطمي ودعا
للخليفة العباسي في أول جمعة من سنة (567هـ = سبتمبر 1171م). وبنجاح نور
الدين في ضم مصر إلى جبهة الكفاح يكون قد حقق الحلقة الأخيرة من حلقات
الجبهة الإسلامية .
وفاته
فاجأته الحمى واشتد به المرض في 11 شوال 569هـ 15 مايو 1174 وهو في التاسعة والخمسين من عمره وتوفى ودفن في دمشق .
مصادر
أحمد تمام: "نور الدين محمود.. وبناء الوحدة الإسلامية" موقع اسلام اونلاين
ابن الأثير: الكامل في التاريخ- دار صادر- بيروت 1399-1979م.
ابن خلكان: وفيات الأعيان- تحقيق إحسان عباس- دار صادر- بيروت 1978م.
حسين مؤنس: نور الدين محمود سيرة مؤمن صادق- الدار السعودية للنشر والتوزيع- جدة- السعودية 1408هـ = 1987م.
فايد حماد محمد عاشور: جهاد المسلمين في الحروب الصليبية- مؤسسة الرسالة- بيروت 1405هـ = 1985م.