سر النجاح والتفوق الذي يجعلك في نصرة وقوة وغلبة مع الضمان والدفاع عنك..
الله – سبحانه – إنما ضمن نصر دينه وحزبه وأوليائه القائمين
بدينه علمًا وعملًا لم يضمن نصر الباطل ولو اعتقد صاحبه أنه محق ،
وكذلك العزة والعلو إنما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله
وأنزل به كتبه وهو علم وعمل وحال ، قال – تعالى – :
{وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} (آل عمران : 139)
فللعبد من العلو بحسب ما معه من الإيمان ، وقال – تعالى – :
{ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} (المنافقون : 8 )
فله من العزة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه ،
فإذا فاته حظ من العلو والعزة ففي مقابلة ما فاته من حقائق الإيمان
علمًا وعملًا ظاهرًا وباطنًا ، وكذلك الدفع عن العبد هو بحسب إيمانه ،
قال – تعالى – : {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} (الحج : 38)
فإذا ضعف الدفع عنه فهو من نقص إيمانه ،
وكذلك الكفاية والحسب هي بقدر الإيمان ،
قال – تعالى – : {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين}
(الأنفال 64)
أي الله حسبك وحسب أتباعك ، أي كافيك وكافيهم ،
فكفايته لهم بحسب اتباعهم لرسوله وانقيادهم له وطاعتهم له ،
فما نقص من الإيمان عاد بنقصان ذلك كله ،
ومذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص ،
وكذلك ولاية الله – تعالى – لعبده هي بحسب إيمانه ، قال – تعالى – :
{والله ولي المؤمنين} (آل عمران : 68)
وقال الله – تعالى – : {الله ولي الذين آمنوا} (البقرة : 256)
وكذلك معيته الخاصة هي لأهل الإيمان ، كما قال – تعالى – :
{وإن الله مع المؤمنين} (الأنفال : 19)
فإذا نقص الإيمان وضعف كان حظ العبد من ولاية الله له ومعيته
الخاصة بقدر حظه من الإيمان ،
وكذلك النصر والتأييد الكامل إنما هو لأهل الإيمان الكامل ،
قال – تعالى- :
{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} (غافر : 51)
وقال : {فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين} (الصف : 14)
فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد ،
ولهذا إذا أصيب العبد بمصيبة في نفسه أو ماله أو بإدالة عدوه عليه
فإنما هي بذنوبه ،
إما بترك واجب أو فعل محرم وهو من نقص إيمانه ،
وبهذا يزول الإشكال الذي يورده كثير من الناس على قوله – تعالى – :
{ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا} (النساء : 141)
ويجيب عنه كثير منهم بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلًا في الآخرة ،
ويجيب آخرون بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلًا في الحجة ،
والتحقيق : أنها مثل هذه الآيات ،
وأن انتفاء السبيل عن أهل الإيمان الكامل ،
فإذا ضعف الإيمان صار لعدوهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيمانهم ، فهم جعلوا لهم عليهم السبيل بما تركوا من طاعة الله – تعالى – ،
فالمؤمن عزيز غالب مؤيد منصور مكفي مدفوع عنه بالذات أين كان ،
ولو اجتمع عليه من بأقطارها إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته ظاهرًا وباطنًا ،
وقد قال – تعالى – للمؤمنين :
{ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} (آل عمران : 139)
وقال – تعالى – :
{فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم} (محمد : 35)
فهذا الضمان إنما هو بإيمانهم وأعمالهم التي هي جند من جنود الله يحفظهم بها ، ولا يفردها عنهم ويقتطعها عنهم فيبطلها عليهم كما يتر ٌ الكافرين والمنافقين أعمالهم إذ كانت لغيره ولم تكن موافقة لأمره.
إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان
—————————————
صفحة (192/193/194) من كتاب
المفاتيح الذهبية للسعادة الأبدية
من درر ونفائس إبن قيم الجوزية
المجموعة الأولى