يحكى أنه كانت هناك بطة وضعت بيضها ورقدت عليه حتى يفقس، وبعد فترة وجيزة بدأت البيضات بالفقس لتخرج ثلاث فراخ من البط لونها أصفر رقيق كفراخ البط العادية، وأخرجت الرابعة بطة كبيرة الحجم ولونها رمادي..! استنكرت الأم هذه البطة واستقبحت منظرها وعاملتها فيما بعد بازدراء شديد وفضّلت عليها إخوتها.. وعندما كبرت هذه البطة كانت تزداد قبحاً وسواداً؛ مما جعل من حولها يعزفون عن صداقتها، وراحوا يسخرون منها، وصاروا يتعمدون إيذاءها بالقول أو الفعل.
انطلقت البطة حزينة مبتعدة عن المكان الذي عاشت فيه، وقررت الانطواء والعيش وحدها، دخلت إلى الغابة وعاشت حياتها وقررت مواجهة مصيرها منفردة، وبينما هي منفردة تواجه مصاعب الحياة وتهرب من مطاردة العابثين والطامعين فيها من سباع الحيوان والطير وجدت نفسها أمام جدول ماء، اقتربت لتشرب، فنظرت فإذا صورتها في الماء مختلفة تماماً عما كانت تظنه، ورسخ في ذهنها قديماً؛ لقد شاهدت رقبتها طويلة وبيضاء وأجنحتها كبيرة بيضاء كالثلج.. وقبل أن تفيق من دهشتها اقتربت منها ثلاث طيور بيضاء جميلة وقالوا لها: كم أنت جميلة أيتها البجعة.
وهنا أدركت البطة الحقيقة التي اختفت عنها وعمن حولها طويلاً، وهي أنها ليست بطة، إنها بجعة جميلة.. ومنذ ذلك اليوم لم تعد تشعر أنها قبيحة أو غير مرغوبة؛ فقد عرفت نفسها وقيمتها ومكانها بين المخلوقات.
في أحيان كثيرة نتصور أننا عالة على المجتمع أو أننا غير مرغوب فينا؛ فقط لأننا لا نستطيع أن نكون كما يريدون أو كما يتصورون، وننخدع نحن بما يقولونه وندع مسألة الكشف عن أنفسنا لمن حولنا، ونستسلم نحن لأحكامهم علينا، ولا نكلف أنفسنا تجربة أن نعرف هويتنا أو ما نحن مبدعون فيه أو ما نجيده.
كم من فتاة شعرت بالتعاسة؛ لأن من حولها لا يراها جميلة ، وأغلقت على نفسها أبواب الحياة وفقدت كل أمل في أن تكون ملكة في بيت أو مبدعة في مجال حياتي تتفوق فيه وتكون محط أنظار الجميع، واستسلمت لفكرة أحادية البعد أطلقها عليها الآخرون.
وكم من شاب أعلن فشله في الحياة؛ لأن الناس قالوا إنه أقل ذكاء من أقرانه، أو إنه بطيء، أو أنه لا يستطيع الحديث بلباقة كزملائه.
ألم تتعرض مرات عديدة للإحباط؛ لأنك فشلت أو لم توفّق في عمل ما ذهبت إليه، أو في كلية أو دراسة التحقت بها؟ إن هذا لا يعني بالتأكيد أنك فاشل كليةً أو أنك إنسان عالة المجتمع؛ بل إنه
يعني أنك يجب أن تعيد النظر في طاقاتك وإمكانياتك، وتوظيفها في مكانها الصحيح، وساعتها فقط ستكتشف جمالك وقيمتك ودورك الذي لا يقوم به إلا أنت..
وساعتها كذلك ستحظى باحترام الآخرين وتقديرهم.
وهذا لا يعني أن نتجاهل تعليقات الآخرين ونقدهم لنا أو نصحهم ما داموا غير حاقدين أو كارهين لنا يريدون لنا الفشل فيضللوننا بتعليقاتهم؛ بل يعني أن نضع هذا النقد في موضعه المناسب، ونعلم أنه بالفعل موجّه إلى عيب فينا شخصياً أم لأننا نقف في المكان الخطأ من الحياة، لا يُظهر قيمتنا.
جزاكى الله خير وبارك فيك
🙂