الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله سيد المرسلين وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن دين الإسلام هو الدين الحق، ما ترك خيراً إلا دل عليه، وأمر به، ولا شراً إلا حذر منه وحرمه، وهو في كل تشريعاته وتعاليمه، كان هدفه دائماً وغايته أبداً، إنشاء مجتمع معافى، سداته العفة، ولحمته الفضيلة، الحشمة شعاره، والعفة طابعه،مجتمع لا تهاج فيه الشهوات، ولا تثار فيه عوامل الفتنة، الفرد فيه طيب المخبر والمظهر، طاهر الداخل من أمراض القلوب، عفيف الجوارح مما يشين، من فحش القول والعمل، ليس في مظهره أو قوله أو فعله، ما يثير الفتنة أو يشجع على الغواية، أو يدعو إلى الرذيلة.
ولقد أنزل الله آيات الحجاب وهو سبحانه يعلم أن من النساء من تتحجب للزينة والفتنة، وتتجمل بالخمار لأنها تديره على رأسها مائلاً ذات اليمين وذات الشمال، وتجعل عليه أنواع الزينة كما تتجمل أيضًا بالعباءة بطريقة لبسها وبنوعها الذي تستحدث له كل يوم زينة جديدة،
إن من تفعل ذلك قد فعلت عكس ما أراد الله منها، وزعمت أنها أطاعت ربها واحتجبت كما أمر، ألا فلتعلم تلك المسكينة أن الله عليم بما في نفسها من شهوة التجمل والتبرج، وأنه لا يخفى عليه ما في قلبها وهو العليم الخبير.
أختي الكريمة : إني أشم منك رائحة عطر مثيرة، مع أنك مررت وستمرين بمجامع الرجال، وهذا أمر محرم حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أيما امرأة استعطرت ثم خرجت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية».
الراوي: أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس المحدث:الألباني – المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 2701
خلاصة حكم المحدث: حسن
– يا عزيزتي – إن لبس الحذاء بكعب مرتفع حيث يظهر صوت ضربه في الأرض من دواعي الفتنة وقد قال الله عز وجل: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) النور، آية: 31.
إنني أعجب، كيف تقبل المرأة المصونة العفيفة عَرض جمالها في السوق سلعة رخيصة تتداولها الأعين، وكيف يرضى لها حياؤها أن تكون مبعث إثارة وشهوة في نفس كل رجل يراها، بل كيف تطيق الشعور بأنه يصبو إليها ويتمناها!!
إنها لو فكرت في ذلك قليلاً لاحمرت خجلاً، ولسترت جمالها وزينتها عن الأعين الشرهة، لقد قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
الأحزاب، آية: 59،
إنه إحاطة للمرأة بهالة من الصون والكرامة، لتكون في إطار من الإجلال، والإكبار، لقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يُلزم أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن،
والجلباب: هو الثوب الواسع؛ أي أن يتسترن بالثياب الواسعة ليُعرفن بالحصانة والتقوى والعفاف، فلا يُؤذين بأعمال سافلة دنيئة، ولا تنغص حياتهن بنظرات وقحة جريئة، ولا توجه إليهن أقوال مهينة بذيئة.
انتبهي – أيتها الأخت الغالية – إلى خطورة التوسع في الكلام مع البائعين، أو إلانة الكلام لهم بالرقة والخضوع، فذلك مزلق خطير، وقد قال الله عز وجل: ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ )
الأحزاب، آية: 32.
إن هؤلاء النساء اللاتي يفعلن ذلك لا يخلو حالهن من أحد أمرين:
* إما أن الواحدة منهن جاهلة بأمور دينها، ولا تحرص على التعلم والتفقه في دين الله، بل تتبع الناس وتقلدهم وقد لا تفهم الأمر الذي قلدتهم فيه، ولكن هكذا بالتقليد، ولو كان في ذلك سخط ربها عز وجل.
* وإما أن تكون الواحدة من أولئك قد عرفت الحق ورأت نوره فأغمضت عينيها وأشاحت بوجهها عن هذا النور، ونأت عنه لتظل في الظلام باختيارها، وقد غلبت شهوتها على إرادتها، وطغى هواها على تقواها، ولذا تجرأت على معصية الله على علم وقد قال الله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)
الجاثية، آية: 23.
أيتها الأخت الكريمة:
ما أسعد المرأة التي تشعر بأن جمالها بريء لم يقترف إثمًا ولم يؤذ أحدًا، ولم يسبب حسرة، ولم يثر شهوة، ولم تلتهم لحمها الأنظار، ولم تَلُك عرضها الأفواه، فجمالك إذا صنته كان سعادة ونعمة، وإذا ابتذلته حولته شقاوة ونقمة.
فكم من جميلة أغراها الشيطان بالانغماس في التبرج والتزين المحرم، والإفراط في الخروج والتجول، تهيم على وجهها مستعرضة لزينتها في كل سوق وتجول مستلفتة إليها الأنظار في كل مكان، فذهب شبابها وخسرت مستقبلها في الدارين، ورغب الرجال عن الزواج منها، ونفروا منها مستنكرين، ولم يتزوجها واحد ممن كان يحوم حولها متملقًا، وكان ينظر إلى ذلك الجمال العاري معجبًا محملقًا، بل كان يتزلف إليها ويغرها بمعسول الكلام وزخرف القول، وهي ربما لم تفرط في عرضها ولكنها عملت ما يوجب الشك، وكانت مستهترة فخسرت بجهلها وطيشها الدنيا والآخرة.
أيتها الأخت الحبيبة:
إني والله مشفقة عليك وعلى كثير من النساء، فأي كلام هذا، وأي قناعة نريدها حتى نتبع ما أمر الله به! أعندما نفاجأ بنزع الروح وسكرات الموت لتقول الواحدة منا: إني تبت الآن، وما يغنيها ذلك حينئذ.
إن الواحدة منا لو تذكرت مآلها ومصيرها لما أقدمت على كثير من أخطائها، فكيف بك يوم تنظرين إلى هذه الدنيا نظرة الفراق والوداع وعيون أهلك ترمقك ويتحسرون ألا يستطيعوا رد القضاء عنك، وقلبك يتقطع حسرة وندامة على أخطاء أسرفت بها على نفسك، وعلى أعمال خير وبر فرطت بها.
هل تصورت نفسك وأنت تنازعين الموت ثم فارقت هذه الدنيا بحلوها ومرها، فأحب أهلك إليك من يبادر إلى شراء كفنك الذي خلا من كل حلي وزينة تلبسينها الآن، وجسدك الذي طالما عنيت به وربما تسببت في فتنة الرجال به، هذا الجسد الغض الذي كسوته بما حرم الله، سيسكن بلا حراك إلا عندما تقلبك المغسلة، أو حينما تُرفعين على نعش فوق أكتاف الرجال لتوْدَعي في قبرك، أو حينما يتقدم أحد أقاربك أو غيرهم ليجعلك في القبر على جنبك الأيمن موجهة إلى القبلة، فإذا برأسك يميل إلى الأرض فيجعل حثوة من تراب تحته لترفده، أو حينما ينقطع تعلق الأحياء بك مباشرة مع آخر عقدة يحلها من كفنك من تولى دفنك وإنزالك القبر.
هل تأملت اللحظات التي يتقدم فيها أبوك أو أخوك أو زوجك أو قريبك ليصف اللبنات على اللحد ويجتهد في سد الثغرات بينها بالطين رحمة بك.
وبعد أن يهال عليك التراب ويتم دفنك فإذا بك تبدأين أولى مراحل الحياة البرزخية، حيث تسمعين صوت نعال ذويك وهم ينصرفون من عند القبر، ثم تواجهين مصيرك الذي أعددت به بأعمالك في هذه الدنيا، فتتوالى عليك الكربات بدءًا بفتنة القبر وسؤال منكر ونكير..
أتريدين القناعة في ذلك الموقف لتلتزمي أوامر الله!! فتقولي: ( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ )
المؤمنون، آية: 99، 100..
أيتها الأخت الحبيبة:
إن هذا الجسد الناعم لا يطيق عذاب الله وعقابه، وإن من ورائنا أهوال لا يعلم عظمها إلا الله تعالى.
(وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ)
السجدة، آية: 12
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ)
الحج، آية: 1.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما رأيت منظرًا قط إلا القبر أفظع منه»
الراوي: عثمان بن عفان المحدث:الألباني – المصدر: صحيح الترمذي – الصفحة أو الرقم: 2308
خلاصة حكم المحدث: حسن
وقال: «كيف أنعم وقد التقم صاحب القَرن القَرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه، ينتظر أن يؤمر أن ينفخ، فينفخ»
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث:الترمذي – المصدر: سنن الترمذي – الصفحة أو الرقم: 3243
خلاصة حكم المحدث: حسن
ويوم تزفر النيران فيه *** وتقسم جهرةً للسامعينا
وعزة ربي وجلال خالقي *** لأنتقمن منهم أجمعينا
وقد شاب الصغير بغير ذنب *** فكيف تكون حال المجرمينا
فكفى بالموت مفزعًا للقلوب،
ومبكيًا للعيون، ومفرقًا للجماعات،
وهادمًا للذات، وقاطعًا للأمنيات.
أختي الغالية
لا عباءة فاتنة،
ولا ثياب متبرجة،
ولا مظاهر إغراء ولا خروج إلا لحاجة بل الحشمة والعفاف بإذن الله.
إذا فعلتِ ذلك فهنيئًا لكِ هذه الإنابة،
وهذه القلوب الرقيقة التي دَبَّ فيها روح الإيمان،
وهنيئًا لكِ قبول إنابتكِ بإذن الله ولتغسل دموعكِ ما تلطخت به صحائف أعمالكِ من أعمال لا يرضاها الله تعالى،
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «عينان لا تمسهما النار أبدًا: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله».
الراوي: أنس بن مالك المحدث:الألباني – المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 4113
خلاصة حكم المحدث: صحيح
ما أحوجنا جميعًا إلى تأمل أوضاعنا وتقويمها وفق شرع الله، لنبادر إلى الإنابة إلى الله والاستعداد للقائه.