لقد بلغ عدد من شهد عمرة القضاء ألفين سوى النساء والصبيان ، منهم الذين شهدوا الحديبية.
وعندما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة كان عبد الله بن رواحة ينشد بين يديه :
خلوا بني الكفار عن سبيله*اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله* ويذهل الخليل عن خليله
وعندما أشاعت قريش أن المسلمين ضعفاء بسبب حمى يثرب ، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا ويسارعوا بالعدو في الأشواط الثلاثة الأولى من طوافهم ، وأن يسعوا بين الصفا والمروة مهرولين ليرى المشركون قوتهم.
ففعلوا ما أمروا به ، فرأتهم قريش وهي مصطفة على جبل قيقعان في مواجهة ما بين الركنين ، فتعجبوا من قوتهم ، وقالوا : هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى وقد وهنتهم ، هؤلاء أجلد من كذا وكذا.
وعندما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أداء مناسك العمرة أمر جماعة من الصحابة أن يذهبوا إلى أصحابهم ببطن يأجج فيقيموا على السلاح ، ويأتي الآخرون الذين كانوا في حراسة السلاح ليقضوا نسكهم ، ففعلوا ، ثم دخل صلى الله عليه وسلم الكعبة ومكث بها إلى الظهر ، ثم أمر بلال فأذن على ظهر الكعبة.
وعندما انقضت الأيام الثلاثة ، جاءت قريش في صباح اليوم الرابع إلى علي رضي الله عنه ، فقالوا : ( قل لصاحبك : اخرج عنا فقد مضى الأجل). فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونزل بسرف ، فأقام بها إلى أن تتام الناس ، ثم انصرف إلى المدينة المنورة في ذي الحجة.
وفي هذه العمرة تزوج صلى الله عليه وسلم بميمونة بنت الحارث العامرية – أخت أم الفضل زوج عمه العباس – فبنى بها صلى الله عليه وسلم بسرف. والراجح أن هذا الزواج كان بعد أن تحلل الرسول صلى الله عليه وسلم من إحرامه.
وكانت ميمونة تحت أبي رهم بن عبد العزى ، وقيل تحت أخيه حويطب ، وقيل سخبرة بن رهم.
ولما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم الخروج من مكة ، تبعتهم الطفلة عمارة ابنة حمزة تنادي : يا عم يا عم ، فأخذها علي ودفعها لفاطمة ، وهي ابنة عمه ، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر ، فقال علي : أنا أخذتها وهي ابنة عمي ، وقال جعفر : ابنة عمي وخالتها تحتي ، وقال زيد : ابنة أخي ، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها ، وقال : (الخالة بمنزلة الأم) ، وقال لعلي : (أنت مني وأنا منك) ، وقال لجعفر : (أشبهت خَلقي وخُلفي) ، وقال لزيد : (أنت أخونا ومولانا) ، وكان هذا القضاء لأن جعفر محرم لها ، إذ لا يجمع الرجل بين المرأة وخالتها في الزواج.
وفي هذه القصة من الفقه : أن الخالة مقدمة في الحضانة على سائر الأقارب بعد الأبوين …. وفيها حجة لمن قدم الخالة على العمة ، وقرابة الأم على قرابة الأب ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قضى بعمارة لخالتها فقد كانت صفية عمتها موجودة إذ ذاك ، وهذا قول الشافعي ، ومالك وأبي حنيفة ، وأحمد في إحدى الروايتين عنه ، وفي الرواية الثانية : إن العمة مقدمة على الخالة ، وهو اختيار الشيخ ابن القيم.
السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية دراسة تحليلية ، للدكتور مهدي رزق الله ، ص 531
سلمت يداكِ