اسعَ في قضاء حاجة الغير : حديثٌ عظيم رواه الطّبراني في المعجم الكبير عن ابن عمر رضي الله عنه، أنَّ رجلاً جاء إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال : يا رسولَ الله ، أيُّ النّاس أحَبُّ إلى الله ؟ وأيُّ الأعمال أحَبُّ إلى الله ؟ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : أحَبُّ النّاس إلى الله تعالى : أنْفَعُهم للنَّاس .
وأحَبُّ الأعمال إلى الله تعالى : سُرورٌ تُدخِلُه على مُسلِم ، أو تَكشِف عنه كُرْبَةً ، أو تَقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرد عنه جوعًا .
ولَأنْ أمشي مع أخي في حاجة أحَبّ إليَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجد ، يعني مسجد المدينة ، شهرًا .
ومَن كَفَّ غضَبَهُ ، سترَ اللهُ عَورَتَه . ومَن كظَمَ غَيْظَهُ ولو شاء أن يُمضِيه أمضاهُ ، ملأ اللهُ قلبَهُ رجاء يوم القيامة .
ومَن مَشى مع أخيه في حاجة حتّى يَتهيَّأ له ، أثبتَ اللهُ قدَمَهُ يوم تزولُ الأقدام .
(المعجم الكبير – الجزء 12 – ص 453 – رقم الحديث 13646) .
نعم ، هذا هو الإسلام وهكذا يجبُ أن يكون المسلم ! والغريبُ أنّ حالَنا انقلبَ اليومَ ، فأصبحنا لا نبحثُ عن الأجر إلاَّ في ذكْر الله وصلاة النَّافلة وصيام التَّطوُّع ، وتركْنا في المقابل بابًا كبيرًا لِنَيْل الثَّواب العظيم ، ليس في الآخرة فقط ، وإنّما أيضًا في الدّنيا بفضل الله ورحمته .
فكَم من مريض بمرضٍ خطير أنعمَ اللهُ عليه بالشّفاء ، بسبب صدقة خالصة أرادَ بها وجهه الكريم . وكَم من مَهموم أزاح اللهُ عنه الهمَّ ، بسبب كلمة حقٍّ ردَّ بها عن عرض أخيه . وكَم من فقير وسَّع اللهُ عليه في الرّزق ، بسبب سَعْيه في قضاء حاجة لأخيه .
وقد وردتْ أحاديث كثيرة في فضل مساعدة الغير ، نذكر منها :
1- مساعدة الأرملة والمسكين : روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي الله عنه ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : السَّاعِي على الأرملَة والمسكين ، كالمجاهد في سبيل الله أو القائم اللَّيل الصَّائم النَّهار !
(الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 5 – ص 2047 – رقم الحديث 5038) .
2- كفالة اليتيم : روى الإمام البخاري في صحيحه عن سهل (بن سعد) رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : أنا وكافِلُ اليَتيم في الجنَّة هكذا : وأشار بالسَّبَّابة والوُسطَى وفَرَّج بينهُما شيئًا .
(الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 5 – ص 2032 – رقم الحديث 4998) .
3- صدقة السّرّ : روى الطّبراني في المعجم الكبير عن أبي أمامة رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : صَنائِعُ المعروف تَقِي مَصَارِعَ السُّوء ، وصَدَقَةُ السّرّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبّ ، وصِلَةُ الرَّحِم تَزيدُ في العُمر .
(المعجم الكبير – الجزء 8 – ص 261 – رقم الحديث 8014) .
وروى ابن حبّان في صحيحه عن يزيد بن أبي حبيب أنَّ أبا الخير حدَّثه أنّه سمع عقبة بن عامر يقول : سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : كلُّ امرِئٍ في ظِلّ صَدَقَته (أي يومَ القيامة) حتّى يُقْضَى بين النَّاس ،
أو قال : حتّى يُحْكَم بين النَّاس .
قال يزيد : فكان أبو الخير لا يُخْطِئُهُ يومٌ لا يَتصَدَّقُ فيه بشيء ، ولو كعكة ، ولو بَصَلَة !
(صحيح ابن حبّان – الجزء 8 – ص 104 – رقم الحديث 3310) .
وفي رواية للطّبراني في المعجم الكبير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : إنَّ الصَّدقةَ لَتُطفِئُ عن أَهلِها حَرَّ القُبور ، وإنَّما يَستظِلُّ المؤمنُ يومَ القيامة في ظِلّ صَدَقَته !
(المعجم الكبير – الجزء 17 – ص 286 – رقم الحديث 788) .
وروى الحاكم في مستدركه عن أبي هُرَيْرة رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: إنَّ اللهَ تعالى لَيُدخِلُ بِلُقْمَة الخُبْز وقَبْضَة التَّمر ومِثْله مِمَّا يَنفعُ المسكينَ ، ثلاثةً الجنَّة : الآمر به (أي صاحب البيت)، والزَّوجَة المصلِحة (أي التي أعدَّت الخبز أو التّمر) ، والخادم الذي يُناوِلُ المسكين .
(المستدرك على الصّحيحين – الجزء 4 – ص 149 – رقم الحديث 7187) .
4- حتّى النّفقة على الزّوجة والأولاد صدقة ، إذا حسُنت النّيَّة . فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه ، أنّ النّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : إنّ المسلم إذا أنفقَ على أهله نفقةً وهو يَحتسبُها ، كانت له صَدقة.
(صحيح مسلم – الجزء 2 – ص 695 – رقم الحديث 1002) .
5- التّخفيف على المعسِر : روى التّرمذي في سُنَنه عن أبي هُرَيْرة رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أو وَضَع له (أي عنه) ، أظَلَّهُ اللهُ يومَ القيامة تحتَ ظِلّ عَرْشِه يومَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّه.
(الجامع الصّحيح سنن التّرمذي – الجزء 3 – ص 599 – رقم الحديث 1306) .
6- زيارة المريض وإعانة المحتاج : روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي الله عنه ،
أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : إنَّ اللهَ عَزَّ وجلَّ يقولُ يومَ القيامة : يا ابنَ آدَم ، مَرضْتُ فلَم تَعُدْني !
قال : يا رَبّ ، كيفَ أعُودُكَ وأنتَ رَبُّ العالَمين ؟!
قال : أمَا عَلمْتَ أنَّ عَبْدي فُلانًا مَرضَ فلَمْ تَعُدْه ؟ أما عَلمْتَ أنَّكَ لَوْ عُدْتَه لَوَجَدْتَني عنْدَه ؟
يا ابنَ آدَم ، اسْتَطْعَمْتُكَ فلَم تُطْعمْني !
قال : يا رَبّ ، وكيفَ أطْعمُكَ وأنتَ رَبُّ العالَمين ؟!
قال : أما عَلمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَك عبْدي فُلان ، فلَم تُطْعِمْه ؟ أما عَلمْتَ أنَّكَ لو أطْعَمْتَه لَوَجَدْتَ ذلكَ عنْدي؟
يا ابنَ آدَم ، اسْتَسْقَيْتُكَ فلَم تَسْقِني !
قال : يا رَبّ ، كيفَ أسْقِيكَ وأنتَ رَبُّ العالَمين ؟!
قالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدي فُلان ، فلَم تَسْقِه . أمَا إنَّكَ لو سَقَيْتَه ، لَوَجَدْتَ ذلكَ عنْدي ؟
(صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 1990 – رقم الحديث 2569) .
7- الذَّود عن عرض المسلم : روى التّرمذي في سُنَنه عن أبي الدّرداء رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : مَنْ رَدَّ عن عرْضِ أخيه ، رَدَّ اللهُ عن وَجْهِه النَّارَ يومَ القيامة .
(الجامع الصّحيح سنن التّرمذي – الجزء 4 – ص 327 – رقم الحديث 1931) .
وروى الإمام أحمد في مُسنده عن جابر بن عبد الله وأبا طلحة بن سهل الأنصاريّين رضي الله عنهما، أنّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم قال : ما مِن امرئٍ يَخذُلُ امرأ مُسلِمًا عند مَوطِن تُنْتَهَكُ فيه حُرْمَتُه ويُنْتَقَصُ فيه من عِرْضِه ، إلاَّ خَذَلَه اللهُ عَزَّ وجلَّ في مَوطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصْرَتَه . وما مِن امرئٍ يَنصُرُ امرأ مُسلِمًا في مَوطِن يُنْتَقَصُ فيه من عِرْضِه ويُنْتَهَكُ فيه من حُرْمَته ، إلاَّ نَصَرَهُ اللهُ في مَوطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصْرَتَه .
(مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 4 – ص 30 – رقم الحديث 16415) .
8- الدّعاء للمسلم بظهر الغيب : روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي الدّرداء رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ما مِنْ عَبْد مُسْلِم يَدْعُو لأخيه بِظَهْر الغَيْب ، إلاَّ قالَ الملَكُ : ولكَ بِمِثْل
(أي مثل ذلك) .
(صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2094 – رقم الحديث 2732) .
9- إماطة الأذى عن الطّريق : روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي الله عنه ،
أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : مَرَّ رجُلٌ بِغُصْن شجَرة على ظَهْر طريق ،
فقال : واللهِ لأُنَحّيَنَّ هذا عن المسلمين لا يُؤذيهم ، فأُدْخِلَ الجنَّة .
(صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2024 – رقم الحديث 1914) .
طبعًا ، حذار أن تَمُنَّ على مَن تَمُدّ له يَد المساعدة ، فتبقَى تُذكّره بها في كلّ مناسبة ، أو تتباهى بين النّاس بِمَا فعلتَ من خير ! لا بُدَّ من إخلاص النّيَّة حتّى لا يَذهب عملُكَ هباءً منثورًا !
أمّا إذا صُنِعَ إليك معروف ، فلا تنسَ أن تشكر فاعِلَه !
فقد روى التّرمذي في سُنَنه عن أسامة بن زيد رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم
قال : مَنْ صُنِعَ إليه مَعروفٌ فقالَ لِفاعله : جزاك الله خيرًا ، فقد أبلغَ في الثَّناء .
(الجامع الصّحيح سنن التّرمذي – الجزء 4 – ص 380 – رقم الحديث 2035) .
وروى التّرمذي أيضًا في سُننه عن أبي هُرَيْرة رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : مَنْ لا يَشْكُر النَّاسَ ، لا يَشْكُر الله .
(الجامع الصّحيح سنن التّرمذي – الجزء 4 – ص 339 – رقم الحديث 1954) .
منقول للامانة
ورزقك كل ماتتمنين وبارك الله فيك
منقول رائع ومفيد
السلام عليكم وفيك بارك الله شكرا على المرور والاهتمام جزاك الله خيرا