الصلاة ميدان التطهير والتزكية
الصلاة جعلها الله تعالـى ميداناً لتطهير النفس وتهذيبها، وسبيلاً لإصلاحها، وتزكيتها وإصلاح ما بها من خلل وعوج، وعلاج أمراضها، وعللها، وذلك أن للذنوب أثراً رهيباً فـي التأثير على سلامة النفس وقوتها، ونضارتها ونظافتها، ونقائها وجمالها، وسلامة إدراكها، وحُسن تصورها. والصلاة جعلها الله تعالـى سبباً لإزالة هذا التأثير وإذهابه، ولعل ذلك يدل عليه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شي، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)
صحيح مسلم (1/462) برقم (667).
وهذا الحديث الشريف يدل على وظيفة الصلاة وأثرها فـي حياة صاحبها وفيه تمثيل المعقول بالمحسوس، ليظهر المعقول فـي صورة المحسوس اعتناءً بشأنه وبياناً لأهميته وتعميقاً لصورته ومعناه فـي حس المخاطب.
والحديث بدلالاته وأبعاده، وإيماآته يتجاوز أبعاد الصورة الظاهرة فـي ذهن المخاطب والمتصلة بإزالة الماء المغتسل به كل يوم خمس مرات للدرن أي الوسخ المتراكم على الجسم إلـى الأبعاد المتصلة بما وراء ذلك وهي الأبعاد التي تتناول ميدان النفس، والعقل والقلب، وذلك وسواه يدل على سعة العلم النبوي الشريف بأسرار العبادات، وبأسباب علاج النفوس من أمراضها.
إن الماء هو سبب الحياة، وإذا وجد فإنه توجد معه الحياة بما تعنيه من الحركة، والفاعلية، والنشاط، والجمال، والذوق، والإحساس بقيمة الحياة، وبوجود الماء يتحرك الناس لنظافة أبدانهم، وبيوتهم وملابسهم، وشأنهم كله: مسكناً، ومركباً، ومطعماً، ومنتزهاً، ومظهراً.
والإنسان النظيف فـي بدنه، وشأنه الظاهر مظهر جميل تحبه النفوس التي تعشق النظافة، وترتاح إليها، وبالمقابل فإن الوسخ تنفر منه الطباع السليمة وتأباه النفوس الكريمة، ووسخ الظاهر فـي الغالب دليل على قابلية الباطن له.
والوسخ هو البيئة التي تتراكم وتتزاحم وتتوالد وتتكاثر فيها الجراثيم والطفيليات والميكروبات، وهي تشكل ضيقاً وعبئاً وثقلاً على النفس والعقل والقلب والروح، وكل شيء يوجد بوجود أسبابه إلا ما شاء الله خلافه، وهكذا وجود الوسخ وما يتسبب عنه. والإنسان المتسخ فـي ظاهره هو دائماً ضيق البال، مضطرب الحال، وآثار ذلك كله تنعكس على شخصيته وعلى عافيته، وعلى نفسه وقلبه وعقله وروحه، ومن ثم على عمله كله.
ولعله من خلال ما تقدم بيانه يمكن أن ندرك الأثر الفعال الذي تحدثه الصلاة فـي حياة صاحبها بناءً على فهم هذا الحديث الشريف طهارة، ونقاءً وصفاءً وجمالاً وبهاءً فـي الظاهر، والباطن، فإن الاغتسال كل يوم خمس مرات من نهر غمر جار سيذهب بكل أثر مهما كان نوعه، وبكل الأوساخ العالقة بالبدن، وسينمحي بناءً على ذلك كل أثر يترتب على هذه الأوساخ الظاهرة، وسوف ينشأ عن هذه النظافة المتكررة كل يوم الخفة والنشاط فـي البدن والانشراح فـي النفس.
والخطايا والذنوب هي بمثابة الجراثيم والميكروبات والطفيليات التي تفعل فعلها فـي البدن المتسخ فتفتك بقواه وتوهنه وتجعله بدناً مريضاً غير قادر على أداء وظيفته فـي الحياة، فما تحدثه الذنوب والخطايا – إن لم يتب منها – من أثر مدمر على ظاهر المذنب وباطنه أمر معلوم مشاهد فـي الواقع لا يخفى إلا على النائمين والغافلين.
وقد أفاض ابن قيم رحمه الله تعالـى فـي بيان الآثار المدمرة للذنوب والمعاصي إفاضة بديعة فـي كتابه الجميل: (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي).