ونحن على كل حال نأخذ ما يصدر لنا دون وعي أو دراسة متجاهلين الفكر الذي نحمله ومصادره ومدى توافق الفكرين أو اختلافها.
ولذلك ظهر في مجتمعنا الفساد والانحلال واللامبالاة ومما لا يخفى على أحد هذا الوضع الاجتماعي المتردي والأيل للسقوط والانحلال.
وإنه من المفروض أن نتصدى نحن أفراد المجتمع لأي ظاهرة تهدد كيانه أو تخل من اتزانه.
ومن هذه الظواهر تفشي الانحراف السلوكي والسعي وراء الرذيلة تلك الظاهرة التي بدأت تسبب قلقا حادا بسبب سرعة تفشيها من جهة وخطورتها من جهة أخرى.
وعلى كل حال علينا مناقشة هذه الظاهرة من حيث أسباب نشوئها وأخطارها والبحث عن حلول منطقية لعلاجها.
انحراف التربية :فقد اختلت التربية وانحرفت عن مسارها وبدت تسلك منحى آخر حيث ركزت فيه على الماديات وهمشت الروحانيات.وأصبح الأبوان يفكران في مأكل الطفل وملبسه وتهيئة الظروف لتحقيق كل رغباته الآنية والمستقبلية فركزا على التعليم أكثر من التربية وأعطاه الحرية التامة دون أن يعطى حصانة ومناعة من تلك الأمراض الخلقية والنفسية فكان كل همهما أن يكون ولدا متميزا من الظاهر حتى ولو كان له خواء روحيا أو انحرافا سلوكيا.
غياب الوازع الديني:
حافظ آبائنا على القيم الدينية واعتبروها ثوابت لا يمكن تجاوزها فتكونت لديهم حصانة ذاتية تمنعهم من ارتكاب المعاصي ، ولو أن أحدا ارتكب ذنبا ما فإن صوت الضمير ومحاكمته سوف ترده إلى الخط السوي والطريق الحق فيكون بعده تائبا منيبا ، أما الآن فقد مات عند البعض بل الأغلب الضمير وتبلد الحس كما إن الحصانة الدينية فقدت سيطرتها على الذات بسبب عدم تبني تلك المبادئ أو ربما عدم تقبلها متجسدة في أرض الواقع.
غياب الرقابة الاجتماعية:
المجتمع له أثره وتأثيره على الفرد لأن الإنسان اجتماعي بطبعه ولذلك فهو يحترم الأعراف والتقاليد حتى صارت لها الأولوية وقد أغفل المجتمع فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأصبح ينظر إلى هذه الظاهرة بنظرة القبول والتقبل أو انه يلتمس لها الأعذار وأخذ البعض يتفاخر أمام الآخرين بمغامراته وعلاقاته.
دور وسائل الإعلام:
شكلت وسائل الإعلام ثقافة خاصة تسعى بأن تجرد الإنسان من كل ثوابته لتنطمس ويكون تبعًا للآخر حيث يتقمص شخصيته ويتبنى أفكاره ويتقبل آراءه وحلوله ومقترحاته دون قيد أو شرط ، ولا شك إنه لا يخفى على أحد ما يشكله الأعلام المنفتح من خطر على أي مجتمع محافظ وخاصة إذا كان أعداء هذا المجتمع هم من يديروا ذلك الأعلام ويكرسوه لتحقيق رغباتهم وتطلعاتهم وهم مؤمنون كل الإيمان بصراع الحضارات وعولمة الحضارة الغربية ، والوسائل الإعلامية تحمل شي من الثقافة إلا إن اغلبها من الثقافة المستهلكة والموبوءة وهي بالتالي سلاح ذو حدين يحمل في طياته الخير والشر.
الفراغ والضياع:
يشكل الفراغ خطرا كبيرا على الإنسان إذا لم يستغله في تحقيق ذاته وخدمة مجتمعه ، فالفراغ يجعل من الإنسان ألعوبة فيتبنى أي فكرة تخطر في باله حتى يملي بها وقته ويتخلص من فراغه القاتل وبالخصوص إذا كانت هذه الفكرة تحقق متعه حتى ولو كانت هذه المتع آنية ربما تجر بعدها الويلات ، ووسائل الترفيه المستوردة في أغلبها لا تبني الإنسان ولا تنمي مواهبه كما إنها لا تخدم المجتمع أما القسم الآخر منها فإننا لا نستخدمه الاستخدام الأمثل بل يغلب على استخداماتنا – لهذا النوع – العبث بحيث يكون المردود سلبي على الفرد والمجتمع ومما يتجلى في هذا المضمار استخدامنا للشبكة العنكبوتية ( الانترنت ) ووسائل الاتصال والأماكن الترفيهية.
عزوف الشباب عن الزواج:تتبلور الأفكار مع مرور الزمن ومن هذه الأفكار فكرة تأجيل الزواج أو العزوف عنه وهذا يرجى إلى أسباب كثيرة أبرزها غلاء المهور وتوابع الزواج والرغبة في عدم تحمل المسئولية والبحث عن الحرية والاستمتاع و إكمال الدراسة و البحث عن عمل.
أصدقاء السوء: كثيراً ما يقع الإنسان في فخ الصداقة الزائفة إذا لم يجيد اختيار الأصدقاء ويكشف عن معدنهم وطبيعتهم وخاصة إذا عرفنا أن أصدقاء السوء يسلكون كل مسلك لاستقطاب كل من حولهم إلى بؤرة الفساد وموطن الرذيلة.
علاج الانحراف السلوكي عند الإنسان
الانحراف السلوكي ليس داء لا يمكن الشفاء منه مهما اختلفت الأسباب ومن وسائل العلاج المقترحة التالي:
التربية الصالحة:يبقى أسلوب التربية هو المحك الرئيسي فمهما تغيرت المتغيرات في حياة الإنسان فان التربية هي القاعدة التي يقوم عليها وهذا ما يظهر جلي في قصة أخوة يوسف عليه السلام فرغم كل الكره والحسد الذي يحملونه اتجاهه ويضمرونه له إلا إنهم يتنازلون في قراراتهم فمن القتل إلى الضرب المبرح حتى استقر بهم الرأي إلى إنزاله في البئر حتى يلتقطه احد المارين وبذلك يتخلصون منه دون إيذاءه جسديا ، فينبغي على الوالدين تربية ابناهما على الفضيلة والسلوك السوي وإعطائهم شي من الحرية مع فتح مساحة كافية للحوار والمناقشة مدعمة بالثقة المتبادلة لتحقيق القدر الكافي من البوح واللجوء عند الضرورة وبهذا تكون العلاقة علاقة حب واحترام وثقة وانسجام لا تعكره الظروف ولا تقيده الأعراف ، كما ينبغي تحول لغة العقاب إلى لغة العتاب فإذا ظهر التمرد وصعب الاحتواء هناك فقط يكون للعقاب موقع يمكن تحديد مداه بتشخيص الحالة التشخيص العقلائي والتروي للتخلص من تأثير النزعات اللحظية المؤثرة.
الوعي:لا يمكن معالجة أي قضية أو الوقاية منها دون وعي كاف بكل أبعادها ، وعندما يستشعر الإنسان مستوى الانحراف الحاصل وعمق المسئولية الملقاة فأول ما سيحاوله هو تشخيص الداء ومعرفة أسبابه ومسبباته لتفاديها والتخلص منها وذلك لا يكون إلا إذ كان في قمة الإدراك لوقع المشكلة وواقعها المأساوي وأثرها على الفرد والمجتمع.
تقوية الوازع الديني: الدين الإسلامي شمولي العطاء لم تستجد مسألة إلا وكان له رأي فيها ولذلك يظل الدين الغطاء الواقي الذي يحفظ المجتمع من السقوط والانحراف وذلك لا يكون إلا إذا كان أفراد المجتمع يلتزمون بمبادئ الدين وتعاليمه فكلما كانوا أكثر التزاما كلما كان المجتمع أقوى مناعة وأجدى تصدية وهو ما يعرف بالحصانة الذاتية.
الشعور بالمسئولية:
عندما يستشعر الإنسان المسئولية فأنه يتحسب للنتائج أيما تحسب فلا يتحرك إلا وهو يعلم ما مدى تأثير حركاته وغاياتها وبذلك تكون انطلاقاته مباركة من العقل الواعي لإدراكه النتائج ، وكلما استشعر الإنسان مسئوليته الفردية عن الذات والمجتمع انطلق في عملية الإصلاح والبناء الاجتماعي لتغيير كل ما يطرى على المجتمع من نكبات ويحرره مما يعيق انطلاقته وتفعيله.
ملء الفراغ:
الفراغ هو الباب الأوسع الذي تلج منه الانحرافات وما زالت بوابة الفراغ تتسع فيكثر الوالجون منها والفراغ مشكلة كبيرة تخترق المجتمعات فتنخرها وتستنزف طاقاتها وهذه المشكلة الكبيرة سهلة الحل وتكمن الصعوبة في الاختيار فمل الفراغ هو الحل ولكن بماذا يملى الفراغ لابد أن يوظف الإنسان وقت فراغه بتنمية طاقاته وقدراته بما يخدم نفسه ومجتمعه ، ومن طرق مل الفراغ تكوين مراكز ثقافية واجتماعية للاستفادة من الطاقات الاجتماعية والفردية وصقلها وتوظيفها بما ينفع المجتمع بكل فئاته وشتى مجالاته.
تغيير الأساليب:
أكبر المشاكل التي يقع فيها المصلحون سببها الأساليب المتبعة في التعامل كالتهديد والتشهير والضرب والاستهزاء والقطيعة والجفاء فكل هذه الأساليب أثبتت عدم صلاحيتها فينبغي على المصلحين تغيير أساليبهم بما يتفق مع الظروف الراهنة بحيث توتي جهودهم ثمارها ومن هذه الأساليب الاحتواء والإدراج والاستدراج والتوعية وطرح البدائل ، وبذلك يشعر المنحرف انه جزء من المصلح وانه مهتم به ويعتمد عليه في أمور تتناسب مع قابلياته وطاقاته وبذلك يلبي شي من رغباته فيحقق ذاته ويشعر بموقعه الاجتماعي ودوره البناء كما ينبغي الإشادة بأعماله والتنويه بإنجازاته.
هذه الكلمات هي قراءة سريعة لظاهرة الانحراف السلوكي عند الإنسان في محاولة كشف الأسباب وتشخيص العلاج وان كنت أومن باني لم أعطي الموضوع حقه وأنه يحتاج لشيء من التفصيل والتحليل لخروجه بشكل دراسة لكل ظواهر الانحراف السلوكي واضعة الخطط المنهجية لحل أشكاليتها وتلاشي ظواهرها .