ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. وبعد ؛
فقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى إلىالأمر بأداء الأمانات إلى أهلها والحكم بين الناس بالعدل وطاعة الله ورسوله وأولي الأمر في مواضع كثيره من القرآن الكريم منها :
قال الله تعالى: { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا } .
سورة النساء 58 – 59.
الأمانات كل ما اؤتُمن عليه الإنسان وأمر بالقيام به فأمر الله عباده بأدائها أي كاملة موفرة لا منقوصة ولا مبخوسة ولا ممطولا بها ويدخل في ذلك أمانات الولايات والأموال والأسرار والمأمورات التي لا يطلع عليها إلا الله، ويدخل في الأمانات حقوق الله التي أوجبها على الإنسان وائتمنه عليها كالوضوء والغسل من الجنابة والصلاة والزكاة والصيام والحج، وحقوق الآدميين كأداء الودائع ورد العواري وبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران ونحو ذلك
وقد عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان لظلمه وجهله، ومن الأمانات الصدق في الحديث والوفاء بالوعد والعهد والنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، ومن ذلك رعاية الأهل والأولاد وتأديبهم وتعليمهم ما ينفعهم وتحذيرهم مما يضرهم، فالقيام بأداء الواجبات كلها أمانة والتقصير فيها خيانة
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } الأنفال آية 27.
{ وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُواْ بِالعَدْلِ }
وهذا يشمل الحكم بينهم في الدماء والأموال والأعراض القليل من ذلك والكثير على القريب والبعيد والبر والفاجر والولي والعدو، والمراد بالعدل الذي أمر الله بالحكم به هو ما شرعه الله على لسان رسوله من الحدود والأحكام وهذا يستلزم معرفة العدل ليحكم به، ولما كانت هذه أوامر حسنة عادلة قال: (إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا)
وهذا مدح من الله لأوامره ونواهيه لاشتمالها على مصالح الدارين ودفع مضارهما لأن شارعها السميع البصير الذي لا تخفى عليه خافية ويعلم من مصالح العباد ما لا يعلمون، ثم أمر بطاعته وطاعة رسوله وذلك بامتثال أوامرهما الواجبة والمستحبة واجتناب نهيهما، وأمر بطاعة أولي الأمر وهم الولاة على الناس من الأمراء والعلماء والحكام والمفتين فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم
ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم طاعة لله ورغبة فيما عنده ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصية الله فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بطاعة الله ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية،
ثم أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله ورسوله أي إلى كتاب الله وسنة رسوله فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية إما بصريحهما أو عمومهما أو إيماء أو تنبيه أو مفهوم أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبه لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين ولا يستقيم الإيمان إلا بهما فالرد إليهما شرط في الإيمان فلهذا قال: (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)
فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة بل مؤمن بالطاغوت كما ذكر في الآية بعدها (ذلك خير وأحسن تأويلا) أي الرد إلى الله ورسوله والتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله والرجوع إليهما في فصل النزاع خير وأحسن عاقبة ومآلا فإن حكم الله ورسوله أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم.
ما يستفاد من هذه الآيات:
1- وجوب أداء الأمانات كلها المتعلقة بحقوق الله وحقوق خلقه إلى أهلها.
2- أن من اؤتمن أمانة وجب عليه حفظها في حرز مثلها لأنه لا يمكن أداؤها إلا بحفظها فوجب ذلك.
3- أن الأمانة كالوديعة والعارية لا تدفع ولا تؤدي لغير صاحبها.
4- وجوب العدل في الأحكام بين الناس القريب منهم والبعيد والعدو والصديق.
5- وجوب معرفة العدل ليحكم به وهو الحق الذي شرعه الله على لسان رسوله من الحدود والأحكام.
6- أن أمر الله بأداء الأمانة والحكم بين الناس بالعدل أوامر حسنة عادلة لاشتمالها على مصالح الدارين ودفع مضارها.
7- إثبات صفة السمع والبصر لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله.
8- وجوب طاعة الله ورسوله بامتثال أمرهما واجتناب نهيهما.
9- وجوب طاعة أولي الأمر من العلماء والأمراء في المعروف ما لم يأمروا بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
10- وجوب رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
11- أن رد ما تنازع فيه الناس إلى الكتاب والسنة شرط في الإيمان إذ لا يستقيم دين إلا بهما وأن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة.
12- أن التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله خير للناس وأصلح لهم في أمور دينهم ودنياهم وآخرتهم. وبالله التوفيق.#
مما قرأت
غير منقول