إن الله عز وجل قد بيَّن الأشياء، ففضل بعضها على بعض، ومن ذلك تفضيله لشهر رمضان المبارك، فهو في الشهور كالبدر بين النجوم، تنظر إليه بقية الشهور كنظرة إخوة يوسف ليوسف عليه الصلاة والسلام، فتقول: {قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا}[يوسف: 91]،
آثرك بأشياء عظيمة، آثرك بأن أنزل فيك كتابه، أنزل فيك الذكر الحكيم، والقرآن المجيد، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: 185]،
يقول الإمام السعدي رحمه الله: "{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}،
أي: الصوم المفروض عليكم هو شهر رمضان؛ الشهر العظيم الذي قد حصل لكم فيه من الله الفضل العظيم؛ وهو القرآن الكريم المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية، وتبيين الحق بأوضح بيان، والفرقان بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وأهل السعادة وأهل الشقاوة،
فحقيق بشهر هذا فضله، وهذا إحسان الله عليكم فيه؛ أن يكون موسماً للعباد، مفروضاً فيه الصيام"
1-قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "يمدح تعالى شهر رمضان من بين سائر الشهور؛ بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم"
2- وليس هذا فقط ما خص الله تعالى به رمضان، بل خصه بركن من أركان الإسلام عظيم وهو الصيام، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان))
3- والصوم عبادة جعل الله عز وجل جزاءها جزاءً خاصاً، فجعل له الأجر العظيم الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل كما جاء في الحديث القدسي: ((كل عمل ابن آدم له؛ إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به))
4-رمضان الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتسلسل فيه الشياطين، بل إن فيه ليلة تعدل ثلاثة وثمانين سنة وبضعة أشهر فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاكم رمضان؛ شهر مبارك؛ فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم))
5-، ليلة القدر التي من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))
6-، وغيرها من الفضائل العظيمة التي لم نذكر إلا بعضها.
فكان لابد من وضع إضاءات على طريق العبودية ونحن سائرون إلى الله تعالى، ونحن نرقب حلول ضيف عزيز، علَّ الله عز وجل أن يشرح بها الصدور، وينير بها العقول، وتطمئن لها الأفئدة، وترتاح لها الأنفس.
إن الواحد منا إذا علم بمقدم ضيف عزيز فإنه يعد له العدة، ويجهز له التجهيزات، وكلما كان الضيف ذا مكانة في قومه؛ كان استقباله أقوى، والترحيب به أكبر، فهذا رمضان سيد الشهور، مَن خصه الله تعالى بأعظم الأجور، يوشك أن يطرق بابنا، وأن يحل بدارنا، وأن ينزل بساحتنا؛ فبماذا نستقبله؟ وبأي وجه نقابله؟
لا بد أن تنشرح بمقدمه الصدور، وتبتهج بقربه القلوب، وليس في الاستقبال كثير خسارة مالية لأن الأصل في استقبال الضيف؛ الفرح به، والتبسم بمقدمه.
أضاحك ضيـفي عند إنـزال رحله *** ويخصب عندي والمكان جديب
إن قدوم شهر رمضان المبارك ليس كقدوم أي ضيف، غالباً يكلفك الضيف الكثير، بينما رمضان فإنه يأتيك وهو يحمل بين جنباته الهدايا،
وتمتلئ كفه بالهبات والعطايا، إنه شهر الرحمات، شهر العتق من النار، شهر المغفرة، شهر مضاعفة الحسنات، والقرب من رب الأرض والسماوات.
فما أكرمه من ضيف، وما أعظمه من قادم، وما أجمله من هلال هلَّ علينا باليُمن والبركات؛ فلهذا لا بد أن يكون الترحيب مناسباً لوضع الضيف