السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدْيِ هدْيُ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أشرقت السموات والأرض بنور الله، وصلحت عليه جميع المخلوقات، لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، ويرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خَلقه، أفعاله عظيمة، كما أن أسماءه عظيمة، أفعاله حكيمة، كما أنه -سبحانه وتعالى- له الصفات الحسنى، فكذلك أفعاله حسنة وحُسنى وجميلة، له ما سكن الليل والنهار، يُطعِم ولا يطعَم.
وهو -سبحانه وتعالى- يكشف الضر، ويجيب دعوة المضطرين، (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا…) [الأنعام:59]، وهو الذي يتوفاكم بالليل والنهار، وهو القاهر فوق عباده، وهو الذي ينجيكم في ظلمات البر والبحر.
لا يلهيه شيء عن شيء، ولا تختلف عليه اللغات، ولا تشتبه عليه الأصوات، تأتي الوفود المختلفة والجموع المتباينة فيلجؤون إليه في يوم عرفة، وينادونه بمختلف اللغات على تنوع الحاجات، فلا يشغله شيء عن شيء، ولا يغلط بتنوع هؤلاء واختلاف حاجاتهم، فيسمع دعاءهم، ويعرف نداءهم، ويميز أصواتهم، ويدرك لغاتهم، ويقضي حاجاتهم.
"يا عبادي، لو أن أوَّلَكم وآخركم، وإنسكم وجِنّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيتُ كلَّ واحدٍ مسألته ما نقص ذلك مما عندي"، له الحكمة البالغة -سبحانه وتعالى-، (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) [الرعد:33]، (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) [البقرة:255].
هو الحي لا يموت، والإنس والجن يموتون، له ما في السماوات وما في الأرض، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، (يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) [فاطر:41]؟.
وهو -عز وجل- الذي تقوم السماء والأرض بأمره، وأفعالُه فضلٌ وعدلٌ، حكمةٌ ورحمةٌ، دائرة بين الفضل والعدل، معللة بالحكمة، فلا يوجد فيها عبث: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) [الدخان:38-39]، وقال: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [ص:27].
خلق السماوات والأرض ليعلم العباد قدرته وسعة سلطانه، خلق هذا الكون ليُعبَد فيه، وليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بما عملوا، يجزي الذين أحسنوا بالحسنى، وكذلك ليجزي كل صاحب سوء بما عمل، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون:115]؟.
أفعال الله تعالى قائمة على العدل والرحمة، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت:46]، (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [البقرة:57]، (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف:156]، ومن رحمته إنزال الكتب، وإرسال الرسل، وبيان الحجج.
لا يُسأل الله عن أفعاله، كما قال في كتابه: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23]، كل يوم هو في شأن -سبحانه وتعالى-، يغني فقيراً، ويجبر كثيراً، يعطي قوما ويمنع آخرين، يحيي ويميت، يرفع ويخفض، لا يتبرم من إلحاح الملحين في الدعاء، ولا من طول مسألة الداعين، وهكذا فإنه -سبحانه وتعالى- يحاسب العباد ولا يحاسبونه، ويسألهم ولا يسألونه، (إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [الحج:14].
أفعاله -تعالى- تتعلق بمشيئته: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:26].
يرزق من يشاء بغير حساب، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، يؤتي ملكه لمن يشاء، يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، والله يؤيد بنصره من يشاء، ويتوب الله على من يشاء، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، وربك يخلق ما يشاء ويختار.
أفعاله ليست كأفعال المخلوقين، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، يا عبد الله: هل تستطيع أن تُكلم ثلاثة أشخاص في وقت واحد؟ هل تستطيع أن تمسك بأربع سماعات هاتف وترد عليهم في وقت واحد؟.
الله يسمع كلام الناس في العالَم في البر والبحر، بالعربية والسريانية، بالأعجمية، باللغات المختلفة، يعلم ما يقولون، هذا يطلب ولدا، وهذا مغفرة، وهذا مالا، وهذا شفاء مرض، وهذا قضاء دَيْن، وهذا دفْع عدو، وهو يعلم ما يطلب هذا وهذا، وهم يطلبون في صعيد عرفات في يومٍ واحد، في ساعة واحدة، وهو يعلم ما يقول هذا وما يقول هذا، فيعطي هذا ويؤخر هذا ويعجل لهذا ويمنع هذا؛ لحِكَمٍ، ويعوض هذا من عنده -سبحانه وتعالى-.
يجب الرضا بأفعال الله -عز وجل-، وهذا من الرضا بالقدر؛ لأن القدر هو فعل الله تعالى، ما هو القدر؟
فعل الله في الخلق، أخذ، قبض، حرمان، إعطاء، مرض، صحة، أفعاله في خلقه، يسلب ويهب، يمنح ويحرم، يعطي ويأخذ… -سبحانه وتعالى- يزيد من يشاء وينقص من يشاء، ويأخذ ممن يشاء.
ولذلك عندما تحدث حالة وفاة نقول: "إنا لله "، كم لَكَ من مالِكٍ؟
فإذا كنا مِلْكَاً له فلْيأخُذ مَن يشاء، ويترك من يشاء، يُبقِي مَن يشاء، ويؤخر من يشاء -سبحانه-.
أفعاله مبنية على قدَره السابق الذي كتبه في اللوح المحفوظ، كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وقال: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحج:22].
نسأل الله -عز وجل- أن يحفظنا بحفظه، وأن يرحمنا برحمته، وأن يرزقنا وهو الرزاق، نسأله -عز وجل- أن يعطينا وألا يحرمنا، وأن يعزنا ولا يذلنا، وأن يكرمنا ولا يهيننا، سبحانه! إنه أكرم مسؤول.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا هو، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، ومصطفاه، أمينه على وحيه، وصفيه من خلقه، وخليله من عباده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته الطيبين، وأزواجه وخلفائه الميامين، صلى الله عليه وعلى آله والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: أفعال الله مدهشة، فمِن أفعاله الاستدراج ثم الأخذ على حين غفلة، قال ربنا: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) [الأعراف:182، القلم:44]، (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون:55-56]، إن الله يُملي للظالم، يمهله يؤخره يؤجله، حتى إذا أخذه لم يفلته.
(فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) [الزخرف:55]، (أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام:44]، (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) [آل عمران:178]، (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102].
وقال: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ)، فبينما هم في الطغيان، والدنيا الملهية، والغنى المشغِل، والسلطان المطغي، إذا بأمر الله يأتي، (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:45].
وهكذا يرينا في الواقع من أفعاله ما يجعل المؤمنين يسبِّحونه، والناس أجمعين قد أصابتهم الدهشة من تقديره وما يفعله بالظلَمة في أخذه توقيتاً وطريقةً وكيفيةً وأسلوباً، ليقول لنا ربنا إنه قوي عزيز، وإنه مالك الملك، يأخذ من يشاء -سبحانه وتعالى-، وليقول لنا إن له ملك السماوات والأرض، وإن ملك العباد زائل، وإنه الحي الدائم -عز وجل- لا يبقى إلا وجهه -سبحانه وتعالى-.
ولذلك كان السلف إذا أخذ الله ظالما سجدوا شكرا لله، وقد سجد أبو بكر الصدِّيق شكرا لله لما جاء خبر مقتل مسيلمة الكذاب، وسجد علي بن أبي طالب شكرا لله لما رأي جثة ذا الثدية في قتلى الخوارج، وتأكد بالآية النبوية الموصوفة له أن هؤلاء هم الخوارج الذين قاتلهم علي بحق.
وسجد عدد من السلف لله شكرا لما جاء مقتل الحجاج الظالم سفاك الدماء، وتلا بعضهم قول الله تعالى: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
فأما من استهزأ بشيء من الدين والشرع المبين، واعتدى على سنة النبي الأمين محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، وعادى أولياء الله، فإنه لا يجوز الترحم عليه؛ فكيف يُدعَى بالمغفرة والرحمة لمن اعتدى على سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-؟.
عباد الله: إن ربكم تواب رحيم، ذو الفضل العظيم، عزيز حكيم، ابتلى إبراهيم بكلمات، وسمع نداء يونس في الظلمات، واستجاب لزكريا فوهبه على الكبر يحيى هاديا مَهديا، وحنانا من لدنه وكان تقيا.
أزال الكرب عن أيوب، وألان الحديد لداود، وسخّر الرياح لسليمان، وفلق البحر لموسى، ورفع إليه عيسى، وشق القمر لمحمد -صلى الله عليه وسلم-.
نجَّى هود وأهلك قومه، ونجى صالحا من الظالمين فأصبح قومه في دارهم جاثمين، وجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم، وفدى إسماعيل بذبح عظيم، وجعل عيسى وأمه آية للعالمين، ونجى لوطاً وأرسل على قومه حجارة من سجيل منضود، ونجى شعيباً برحمته، وأهلك مدين بعدله، أَلَا بُعدا لمدينَ كما بعدت ثمود!.
أغرق فرعون وقومه، ونجاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية، وخسف بقارون وبداره الأرض، ونجى يوسف من غياهب السجن وجعله على خزائن الأرض.
أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وأسعد وأشقى، وأوجد وأبلى ورفع وخفض، وأعز وأذل، وأعطى ومنع، ورفع ووضع، هدى نوحاً وأضل ابنه، واختار إبراهيم وأبعد أباه، ولعن فرعون وهدى زوجته، وأنقذ لوطا وأهلك امرأته، واصطفى محمدا -صلى الله عليه وسلم- ومقت أبا لهب عمه، وجعل من أنصار دعوته أبناء منهم من اقترب أبوه كأبي سفيان، ومنهم من مات كأبي جهل.
والله -جل وعلا- يُرغم أنوف الطغاة، ويمزق شمل الجبابرة، ويخفض رؤوس الظلَمة، دمر سد مأرب بفأرة، واهلك النمرود ببعوضة، وهزم أبرهة بطير، وعذاب امرأة في هرة حبسَتْها، وغفر لبغي في كلب سقته، نظر في عين الاختيار إلى آدم فحظي بسجود الملائكة، وإلى ابنه القاتل، وإلى نوح فنجاه من الغرق، وإلى إبراهيم فكساه حلة خلته، وإلى إسماعيل فأعان الخليل في بناء كعبته.
وأعرض عن إبليس فخُري ببعده ولعنته، وعن نمرود وفرعون وقارون، وهو -عز وجل- يفعل ما يشاء، يرفع أولياءه ويخفض أعداءه، وله الجبروت، -سبحانه وتعالى-، حبيب الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الملتجئين، وأمان الخائفين، يحب التوابين، ويحب المتطهرين.
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تكتبنا من عتقائك من النار، وأن تدخلنا الجنة برحمتك يا غفار.
شكرا لطرحك المضوع والتذكير بعظمة الخالق
اللهم اعمرقلوبنا بذكرك
أختي الغالية
لله درك وبشرك الله فى الجنة
جزاك الله كل خير فائدة عظيمة جعلها الله في موازين حسناتك
بارك الله فيِك وأثابكِ ونفع بك ِ
يــ ع ـطيكـ الــ ع ـآآفيهـ على مآطرحتي لنآآ يـآآلــ غ ـلآآآ ,,
لكِ ودى وتقديرى وتقييمي لك ياقلبي,,,