السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فويسق
( مطر مطر " بيجينا " مطر مطر )
بهذه الجملة رددت أهزوجتها البنت الصغيرة ( تغريد ) , بكل فرح وسرور في بستان مزرعتهم , وأمها العجوز تصفق لها طرباً , وكانت الأخت الكبيرة سارة وأختها التي أصغر منها , تضحكان على حركات تغريد البريئة.
وبشقاوة البنات ( ضربت تغريد أختها التي أكبر منها ) , فلحقتها مسرعةً , وسقط غطاء رأسها , فنادت ( سارة ) وهي تبتسم : جلبابك ( طاح ) وعامل المزرعة قريب ( لا يشوفك كذا ) , لترجع الفتاة تلف غطاءها وبين يديها ( تغريد ) تستنجد , وسط ضحكات الجميع .
**
وبجانبٍ قريب جداً منهن , الأب أبو علي مع ولديه علي و محمد , في استراحة جسدية بعد أن ( فتحوا ) مجرى السواقي , وأحسنوا الاستعداد البسيط للمطر بطريقتهم المعتادة , ورغم التعب إلا أن نشوة انتظار المطر , والأجواء الخيالية , كان يفوق تعبهم , فيتمازحون فيما بينهم , والسماء ترسل أهازيج الرعود و وبسمات البروق .
إلا أن أبا علي ( سارح ) بعينيه , نحو الأفق البعيد , ينظر ويده على قلبه , ففي ناظريه توجسات وتساؤلات , جعلها بين حنايا فكره وصدره .
**
هطلت الأمطار بشده , واستمر لساعات , سارت بسببه الشعاب والوديان , وفاضت السدود على غير المعتاد , فامتلأت أحواض المزرعة التي يسكنها أبو علي وعائلته , دخل الماء على البيت , من الشقوق والثقوب ولكن الرقعة باتت أكبر من كل شق , لأن الأرض هي التي باتت تمتلئ بالمياه , وتدخل من كل جانب عليهم , وقف المطر , وربت الأرض , واهتزت أرجائها , خرج أبو علي وأبناءه , يتفقدون المزرعة ويرتبون مجرى حياضها .
فجأة وبلا موعد وحسبان ( هاجم ) جيش سيل الوادي المزرعة , وارتبك البيت , ولاذوا بمرتفعات مزرعتهم , نساءً ورجالاً , وتغريد تبكي خوفاً , والأم تلهج ذكراً , والفتيات تَبَللن بالماء , وكادت أن تبتلعهن تكتلات الطين التي جرفها الوادي , فأصبح حالهن يُرثى له , وأصبحوا في دائرة ضيقة , متقوقعين على أنفسهم , ينتظرون فرج الله , والله لن يخيب دعوة المضطر إذا دعاه .
**
شاهدهم بعض المارين , وحصل الاستنجاد , بحضور الدفاع المدني , وتجَمهر الناس , وكان منظرهم يكسر القلوب , ويُدمع العيون , ويثير الحمية بالنفوس , أقصد ( نفوس ) أهل النخوة من الرجال الحقيقيين .
دخلت لهم سيارة خاصة بمثل هذه الحالات , تسمى ( شِي وَل ) ذات رافعة أمامية , تُحمل فيه الأتربة وغير ذلك , فركب الرجال بعد محاولة شديدة مع النساء أن يركبن , فرضن ذلك بتاتاً , فركب الرجال عَدا رجلاً واحداً جلس مع أمه وأخواته , والفتيات بوضع مزري فهن بلا حجاب وغطاء يستترن به , بسبب ما حصل لهن من خوف وجزع وطين وسيل , فكانت تلك النساء يَتجلببن بأيديهن , وتارة إذا تعبت جلست ووضعت رأسها خلف رُكَبها , وفي هذا المشاهد الذي تقشعر فيه جلود الرجال , وتثور الحمية , وتلتهب النخوة , ويتسابق الرجال بكل ما لديهم لإنقاذ الفتيات الشريفات العفيفات , التي يسترن أنفسهن بأعضاء أجسادهن لكي لا ينكشفن , حياءً وستراً , عفة وتلبيةً , لأمر الله ورسوله , في هذه الأوقات الصعبة , واللحظات المضطربة , يقف كثيرٌ من الناس , يُصور هذا المشهد , يُصور هذا الموقف , يُصور هذا الحدث , يصورون بجولاتهم انتظار النساء , والنساء في مجاهدة مع أنفسهن في سترِ أرواحهن . إلا أن أتى ( قارب ) الدفاع المدني لينقذهن .
**
يا الله ما شعور النساء في هذه اللحظات , كيف إحساسهن وهن يشاهدن هؤلاء , ما لسان حالهن في هذه الأثناء , كيف نظرتهن وكيف , وآلاف علامات الاستفهام والتعجب يدور بخلدهن .
يا الله ما أقسى قلوبهم , وما أغبى عقولهم , وما أبشع نفوسهم , وما أفظع فعلهم , وما أردى قيمهم , وما أسهل مبادئهم , ( عفواً ) على آخر جملتين لأنهم بلا قيم ومبادئ , فهؤلاء أشباه الرجال , وأذناب الشيطان , وأحفاد العار , فلقد سقطت الأمطار , وانكشف الستار , عن نفوس أمثالهم , ومعادن أصلهم , فالرجال معادن فكما كُشف أخيار كُشف أشرار .
**
لحظة ..
ما هذا الصوت وسط المتفرجين , إنه صوت أسد يزمجر على ثلاثة شباب ( ألا تخافون الله ) , وإذا بكف يده يضرب أحدهم ليسقط جواله بالطين والماء , معلناً نهاية ( جوالٌ من الفواسق ) , فهو ( فويسق ) لا فرق بينه وبين ذلك ( الوزغ ) الذي كان ينفخ في النار على إبراهيم , وهذا الرجل ينفخ في نار هتك أستار الشرفاء من رجال ونساء . فكفانا الله شر كل ( فويسق ) وكسر الله جوالاً صارا ( فويسقا ) .
ملاحظة مهمة :
المقطع الرابع ( شاهدهم .. ) والسادس( لحظة …) هي ( أحداث القصة الواقعية ) فقط , والمقاطع الأخرى ( خيالية ) , علماً أن القصة حصلت في هذه الأيام (11/1429هـ ) في أحد مزارع محافظة القصيم ( ولا أريد أن أذكر المحافظة ) لأن العائلة ستكون حينها معروفة .
القصه منقوله من الكاتب رجل المستحيل .. الرس اكس بي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تشرفت بمروركم وردودكم
شـكــ وبارك الله فيكم ـــرا لك … لكم مني أجمل تحية .