اسم أبي دجانة : سماك بن خرشة . قوله : ( أحجم القوم ) أي توقفوا. و( فلق به ) : أي شق ، ( هام المشركين ) : أي رؤوسهم .
الشرح
في هذا الحديث يقول أنس : إن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ؛ وغزوة أحد إحدى الغزوات الكبار التي غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، وأحد جبل قرب المدينة ، وكان سبب الغزوة : أن قريشاً لما أصيبوا يوم بدر بقتل زعمائهم وكبرائهم ؛ أرادوا أن يأخذوا بالثار من النبي صلى الله عليه وسلم فجاءوا إلى المدينة يريدون غزو الرسول صلى الله عليه وسلم فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين علم بقدومهم ، فأشار عليه بعضهم بالبقاء في المدينة ، وأنهم إذا دخلوا المدينة أمكن أن يرموهم بالنبل وهم متحصنون في البيوت ، وأشار بعضهم ؛ ولا سيما الشباب منهم والذين لم يحضروا غزوة بدر ؛ أشار أن يخرج إليهم ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته ولبس لامته ، يعني لامة الحرب ، ثم خرج ، وأمر بالخروج إليهم في أحد .
فالتقوا في أحد ، وصف النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه صفاً مرتباً من أحسن ما يكون ، وجعل الرماة الذين يحسنون الرمي بالنبل ـ وهم خمسون رجلاً ـ على الجبل ، وأمر عليهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه وقال لهم : لا تبرحوا مكانكم ، وابقوا في مكانكم ، سواء كانت لنا أو علينا .
فلما التقى الصفان ، انهزم المشركون وولوا الأدبار ، وصار المسلمون يجمعون الغنائم ، فقال الرماة الذين في الجبل : انزلوا نأخذ الغنائم ، ونجمعها . فذكرهم أميرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم أن يبقوا في مكانهم ، سواء كانت للمسلمين أو عليهم ، ولكنهم ـ رضي الله عنهم ـ ظنوا أن الأمر قد انتهى ؛ لأنهم رأوا المشركين ولوا ولم يبقى إلا نفر قليل ، فلما رأى فرسان قريش أن الجبل قد خلا من الرماة ؛ كروا على المسلمين من خلفهم ، ثم اختلطوا بالمسلمين ، فصار ما كان بقدر العزيز الحكيم جل وعلا ، واستشهد من المسلمين سبعون رجلاً ، ومنهم حمزة بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أسد الله وأسد رسوله .
فلما أصيب المسلمين بهذه المصيبة العظيمة ؛ قالوا : أنى هذا ، كيف نهزم ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جند الله ، وأولئك معهم الشياطين : وهم جنود الشياطين ، فقال الله عز وجل لهم : ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ) (آل عمران: من الآية165) ، أنتم السبب ، لأنكم عصيتم ، كما قال الله تعالى : ( حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ) (آل عمران : من الآية152) يعني حصل ما تكرهون .
فحصل ما حصل ؛ لحكم عظيمة ؛ ذكرها الله عز وجل في سورة آل عمران ، وتكلم عليها الحافظ ابن القيم ـ رحمه الله ـ كلاماً جيداً لم أر مثله في كتاب ( زاد المعاد ) ؛ في بيان الحكم العظيمة من هذه العزوة .
المهم أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أخذ سيفاً ، فقال لأصحابه : ( من يأخذ مني هذا السيف ؟ ) كلهم قال : نأخذه ، رفعوا أيديهم وبسطوها ، يقولون : أنا أنا ، فقال : ( فمن يأخذه بحقه ؟ ) ، فأحجم القوم ؛ لأنهم يعلمون ما حقه ، يخشون أن حقه يكون كبيراً جداً لا يستطيعون القيام به ، ويخشون أيضاً أن يعجزوا عن القيام به، فيكونون قد أخذوا هذا السيف على العهد من رسول الله ثم لا يوفون به ، ولكن الله وفق أبا دجانة ـ رضي الله عنه ـ فقال : أنا آخذه بحقه ، فأخذه بحقه ؛ وهو أن يضرب به حتى ينكسر ، أخذه بحقه ـ رضي الله عنه ـ وقاتل به ؛ وفلق به هام المشركين رضي الله عنه .
في هذا دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يبادر بالخير ، وألا يتأخر ، وأن يستعين بالله عز وجل ، وهو إذا استعان بالله وأحسن به الظن ؛ أعانه الله .
كثير من الناس ربما يستكثر العبادة ، أو يرى أنها عظيمة ، يستعظمها ، فينكص على عقبيه ، ولكن يقال للإنسان : استعن بالله ، توكل على الله ، وإذا استعنت بالله ، وتوكلت عليه ، ودخلت فيما يرضيه عز وجل ؛ فأبشر بالخير وأن الله ـ تعالى ـ سيعينك؛ كما قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) (الطلاق: من الآية3) .
وفي هذا دليل ـ أيضاً ـ على حسن رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ؛ لأنه لم يخص بالسيف أحد من الناس ، ولكنه جعل الأمر لعموم الناس ، وهكذا ينبغي للإنسان الذي استرعاه الله رعية ، ألا يحابي أحداً ، وألا يتصرف تصرفاً يظن أنه محاب فيه ، لأنه إذا حابى أحداً ، أو تصرف تصرفاً يظن أنه حابى فيه ، حصل من القوم فرقة ، وهذا يؤثر على الجماعة . أما لو امتاز أحد من الناس بميزة لا توجد في غيره ، ثم خصه الإنسان بشيء ، ولكنه يبين للجماعة أنه خصه لهذه الميزة ؛ التي لا توجد فيهم ؛ فهذا لا بأس به . والله الموفق .
منقول
جزاكِ الله خيرا وبارك الله لك
لاحرمك الله الأجر
أختي الغالية
مواضيعكِ جميلة وهادفهـ ولها من الفائدهـ الشي الكبير