تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » تمام المنة تعريف مبطلات الصلاة من كتاب الصلاة

تمام المنة تعريف مبطلات الصلاة من كتاب الصلاة 2024.

  • بواسطة

تمام المنة تعريف مبطلات الصلاة من كتاب الصلاة
تمام المنة تعريف مبطلات الصلاة من كتاب الصلاة
تمام المنة تعريف مبطلات الصلاة من كتاب الصلاة

دار

تمام المنة تعريف مبطلات الصلاة من كتاب الصلاة

الشيخ عادل يوسف العزازي

مبطلات الصلاة

(1) الكلام عمدًا:
عن زَيْد بن أرقم – رضي الله عنه – قال: "كنَّا نتكلَّم في الصلاة؛ يُكلِّم الرَّجل منَّا صاحبَه، وهو إلى جنبه في الصَّلاة، حتَّى نزلَتْ: ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]
فأُمِرْنا بالسُّكوت، ونُهِينا عن الكلام"[1].

الحديث دليلٌ على تَحْريم الكلام في الصَّلاة، ولا خِلافَ بين أهل العلم أنَّ من تكلَّم في صلاته عامدًا عالِمًا، فسدَتْ صلاته.
قال ابنُ المنذر: "أجمعَ أهلُ العلم على أنَّ من تكلَّم في صلاته عامدًا وهو لا يريد إصلاحَ صلاته: أنَّ صلاتَه فاسدة"[2]، واختلَفوا في حُكْم الجاهل والنَّاسي.
فقد ذهبَ بعضُ أهل العِلْم إلى تَسْوية الجاهل والنَّاسي بالمتعمِّد، ولكن الأرجَح التَّفرقة بين النَّاسي والجاهل وبين العامد، فالنَّاسي والجاهل لا تَبْطل صَلاته بالكلام، بخلاف العامد، والدَّليل على ذلك:
(1) قوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله تجاوز عن أمَّتِي الخطأَ والنِّسيان وما استُكْرِهوا عليه))[3].
(2) حديثُ معاوية بن الحكَم السُّلَمي – رضي الله عنه – قال: بينما أنا أُصلِّي مع رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – إذْ عطس رجلٌ من القوم، فقلتُ: يرحَمُك الله، فرَماني القومُ بأبصارهم، فقلت: واثُكْل أُمّيَاه! ما شأنكم تَنْظرون إلَيَّ؟
فجعَلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمَّا رأيتُهم يُصَمِّتونني، لكنِّي سكَتُّ، فلما صلَّى رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فبأبي هو وأمِّي، ما رأيتُ مُعلِّمًا قبله ولا بعده أحسنَ تعليمًا منه، فوالله ما كَهَرني ولا ضربَني ولا شتَمني، قال: ((إنَّ هذه الصَّلاة لا يَصْلح فيها شيءٌ مِن كلام النَّاس، إنَّما هو التَّسبيح والتكبير وقراءة القرآن))[4].

وفي هذا الحديث دليلٌ على تَحْريم الكلام في الصلاة مطلقًا، سواء كان لحاجةٍ أو لغير حاجة، وسواء كان لإصلاحِ الصَّلاة، أو لغيرها.
وأمَّا مَن ذهب إلى جواز الكلامِ للمَصْلحة مستدِلاًّ بحديث ذي اليدَيْن[5]، فلا تقوم به الحُجَّة على ما ذهَبوا إليه.
ولكن يُستفاد من حديث ذي اليدين أنَّه إذا تكلَّم وهو يظنُّ أنَّ صلاته قد انتهَتْ – أنَّ ذلك لا يُبْطل صلاتَه.
ولَم يثبت دليلٌ على أنَّ خروج حرفٍ أو حرفين لِبُكاء أو نَفْخ أو نَحْوه مُبْطِل للصلاة؛ لأنَّ هذا لا يكون كلامًا، بل هو مِثْل البصاق، وقد اتَّفقوا على أنَّ البصاق لا يُبطل الصلاة.


بل ثبتَ خِلافُ ذلك؛ فعَنْ عبدالله بن عمرٍو – رضي الله عنهما – أنَّ النبِيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: "نفَخَ في صلاة الكسوف"[6].
قال الحافظُ نقلاً عن ابن بطَّال: "ليس في النَّفخ من النُّطق بالهمزة والفاء أكثَرُ مِمَّا في البصاق من النُّطق بالتاء والفاء، قال: وقد اتَّفقوا على جواز البصاق في الصلاة؛ فدلَّ على جواز النفخ فيها؛ إذْ لا فرقَ بينهما"[7].


دار


(2، 3) الأكل والشرب عمدًا:
قال ابن المنذر: "أجمعَ أهل العلم على أنَّ مَن أكل أو شرب في صلاة الفَرْض عامدًا – أنَّ عليه الإعادة"[8].
وكذا في صلاة التطوُّع عند الجمهور؛ لأنَّ ما أبطلَ الفرض يُبْطِل التطوُّع.
والرَّاجح أنَّ الأكل يبطل الصَّلاة، سواء كان قليلاً أو كثيرًا، حتَّى لو كان بين أسنانِه شيءٌ فابتلعَه عمدًا، بطلَتْ صلاته، فإنِ ابتلع شيئًا مغلوبًا، أو كان ناسيًا، لَم تبطل صلاته[9].


دار

(4، 6) تَرْك ركنٍ أو واجب أو شرط:
والدَّليل على ذلك حديثُ المسيءِ صلاتَه، وأنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال للأعرابِيِّ: ((ارجِعْ فصَلِّ؛ فإنك لم تُصلِّ))، وقد تقدَّم.
فهذا يدلُّ على أنَّه لو تركَ رُكنًا عمدًا بطلَتْ صلاتُه في الحال، "وأمَّا إنْ ترَكَها سهوًا، فإنْ تذَكَّره في الصلاة أتى به، وإن لَم يذكُرْه حتَّى فرغَ من الصلاة، فإن طال الفَصْل ابتدأ الصَّلاة، وإن لم يَطُل الفصل بنَى عليها، نصَّ أحمدُ على هذا في رواية جماعةٍ، وبِهذا قال الشافعيُّ، ونحوه قال مالكٌ، ويُرْجَع في طول الفصل وقِصَره إلى العادة والعُرْف"[10].
والحكم في الواجبات: إنْ ترَكَها عمدًا، بطلَتْ صلاته كذلك، وأمَّا إنْ ترَكَها سهوًا، سجد للسَّهو، ولا يَلْزمه الإتيانُ بالمَتْروك[11].
والشُّروط متَى أخَلَّ بها، لم تَصِحَّ صلاتُه.

دار

(7) العمل الكثير عمدًا:
والمقصود به أعمالٌ ليست من جِنْس الصَّلاة.
قال النوويُّ: "إنَّ الفعل الذي ليس من جِنْس الصَّلاة إن كان كثيرًا، أبطَلَها بلا خلاف، وإن كان قليلاً، لَم يُبطِلْها بلا خلاف، وهذا هو الضَّابط… قال: والجُمْهور أنَّ الرُّجوع فيه إلى العادة؛ فلا يضرُّ ما يعدُّه الناس قليلاً كالإشارة بِرَدِّ السَّلام، وخَلْع النَّعل، ورَفْع العمامة ووَضْعها، ولبس ثَوْبٍ خفيف ونَزْعه، وحَمْل صغير ووضعه، ودَفْع مارٍّ، ودَلْك البُصاق في ثوبه، وأشباه ذلك"[12].
ثُمَّ ذكرَ مثالاً للعمل الكثير، وهو الخطوات المُتَتالية، بخلافِ ما إذا خطا خُطْوة، ثم وقف، ثم أخرى، ثم وقَف.
وأقول: ليس في الخُطوات المتتالية دليلٌ على بطلان الصَّلاة؛ لحديث صلاته على المنبر ونزوله القهقَرى، ولِمَا ثبت في "البخاريِّ" تعليقًا أنَّ عمر رأى رجلاً يصلِّي بين الساريتَيْن، فأمسكَ به حتَّى أقامَه خلف السَّارية، وقال: صَلِّ ها هنا، ولِحَديث مَنْعِه البهمةَ من المرور بين يدَيْه، حتَّى لصق بطنَه بالحائط[13]، ولا يخلو كلُّ ذلك من خطواتٍ متتالية، وهو دليلٌ على الإباحة، وعلى هذا؛ فالأَوْلى أن يُقال: كلُّ عملٍ يَنْشغل به ولَم يُبِحْه له الشَّرع في الصلاة، يكون مُبطِلاً لِصَلاته، وأمَّا ما أذن له فيه الشَّرع، أو كان فيه إصلاحًا للصَّلاة، فلا يعدُّ مبطلاً.


دار

(6) الضحك في الصَّلاة:
قال ابن المنذر: "الإِجْماع على بُطْلان الصَّلاة بالضَّحِك"[14]… وقال أكثرُ أهل العلم: لا بأسَ بالتبَسُّم؛ أيْ: إنَّ التبسُّم لا يُبْطِل الصلاة.
قلتُ: وليس معنى ذلك إباحةَ التبسُّم في الصلاة؛ لأنَّ ذلك يُنافي حال الخشوع والإقبال على صلاته، لكنَّه لو تبسَّم، فلا تَبْطل صلاته.


دار
[1] البخاري (1200، 4534)، ومسلم (539)، وأبو داود (949)، والترمذي (405).

[2] "الإجماع" (ص 8).

[3] صحيح: رواه ابن ماجَهْ (2045)، والحاكم (198) من حديث ابن عبَّاس، وصحَّحه على شرطهما، ووافقَه الذهبي، وله شواهِدُ من حديث ابن عمر، وعُقْبة بن عامر، وأبي الدَّرداء، وثوبان.

[4] مسلم (537)، ورواه أبو داود (930)، والنَّسائي (3/ 14)، وأحمد (5/ 447).

[5] سيأتي في أبواب سجود السَّهو.

[6] حسَنٌ: رواه أحمد (2/ 188)، وأبو داود (1194)، والنَّسائي (3/ 57).

[7] "فتح الباري" (3/ 85).

[8] "الإجماع" (ص 8).

[9] راجع في ذلك "المجموع" (4/ 89 – 90).

[10] "المغني" (2/ 4).

[11] وسيأتي تفصيلٌ لذلك في أبواب سجود السهو.

[12] "المجموع" للنووي (4/ 92 – 93).

[13] صحيح: رواه ابن خُزَيمة (827)، وابن حبَّان (2371)، والحاكم (1/ 254)، وصحَّحه على شرط البخاريِّ ووافَقَه الذهبي.

[14] نقلاً من كتاب "المجموع" للنووي (4/ 89).

تمام المنة تعريف مبطلات الصلاة من كتاب الصلاة
تمام المنة تعريف مبطلات الصلاة من كتاب الصلاة
تمام المنة تعريف مبطلات الصلاة من كتاب الصلاة

ما يباح في الصلاة:
(1) يُباح المَشْي في الصَّلاة لِعِلَّة تحدث:
عن الأَزْرق بن قيس أنَّه رأى أبا بَرْزة الأسلميَّ – رضي الله عنه – يُصلِّي وعِنانُ دابَّته في يده، فلمَّا ركَع، انفلتَ العنان من يده، وانطلقَت الدابَّة، قال: فنكَص أبو بَرْزة على عَقِبَيْه، ولم يلتَفِتْ حتَّى لحق الدابَّة، فأخذَها، ثم مشى كما هو، ثُم أتى مكانه الذي صلَّى فيه فقَضى صلاتَه، فأتَمَّها ثم سلَّم، قال: إنِّي قد صَحِبْت رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في غزوٍ كثير – حتَّى عدَّ غزواتٍ – فرأيتُ من رُخَصِه وتيسيره، وأخذتُ بذلك، ولو أنِّي تركتُ دابَّتي حتى تلحق بالصَّحراء، ثم انطلقتُ شيخًا كبيرًا أخبط الظُّلمة، كان أشدَّ عليَّ[1].


وعن عائشة – رضي الله عنها – قالَتْ: "كان رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يصلِّي في البيت تطوعاً والبابُ عليه مغلق، فجِئتُ فاستفتحتُ، فمشى، ففتح لي، ثم رجعَ إلى مُصلاَّه" – ووصفت أنَّ الباب في القِبْلة[2].


وكما يجوز المشي للأمام، يجوز المشيُ القَهْقرى لعِلَّة تَحدث.
فعَنْ أنس بن مالك: "أنَّ المسلمين بينما هم في صلاة الفَجْر من يوم الاثنين، وأبو بكر يصلِّي بهم، لَم يفجَأْهم إلاَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قد كشفَ سِتْر حُجرة عائشة، فنظَر إليهم وهم صفوفٌ في الصلاة، ثم تبسَّم، فنكصَ أبو بكرٍ على عقبَيْه؛ لِيَصِل الصَّف، وظنَّ أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يريد أن يَخْرج إلى الصلاة، فأشار إليهم رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – بيده أنْ أتِمُّوا صلاتَكم"[3].
ويشترط في المشي في الصَّلاة أنْ لا ينحرف عن القِبْلة.


(2) يُباح حَمْل الأطفال في الصلاة:
عن أبي قتادة – رضي الله عنه – قال: "رأيتُ النبِيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – يؤمُّ النَّاس، وعلى عاتقِه أمامةُ بنت زينب، فإذا ركَع وضَعها، وإذا رفع من السُّجود أعادَها"[4].


(3) قَتْل الحيَّة والعقرب في الصلاة:
عن أبي هُرَيرة – رضي الله عنه -: "أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أمرَ بِقَتْل الأسودَيْن في الصلاة: العقرب والحية"[5].
ويَجوز كذلك قتْلُ الحدأة، والغُراب، والفأرة، والكلب العَقُور، وهو في الصَّلاة.


فعن ابن عُمَر – رضي الله عنهما – حدَّثَتْني إحدى نِسْوة النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنه – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان يَأْمر بِقَتْل الكلب العَقور، والفأرة، والعَقْرب، والحُدَيَّا، والغراب، والحيَّة، قال: وفي الصَّلاة أيضًا[6].


قال ابنُ حزم: "فإن تأذَّى بِوَزغَة أو برغوث أو قملة، فواجبٌ عليه دفْعُهنَّ عن نفسه، فإنْ كان في دفعه قتْلُهن دون تكلُّفِ عمَلٍ شاغل عن الصلاة، فلا حرجَ في ذلك"[7].

دار

(4) الالتفات في الصلاة للحاجَة:
عن جابرٍ – رضي الله عنه – قال: اشتَكى رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فصَلَّيْنا وراءه وهو قاعد، فالتفَتَ إلينا، فرآنا قيامًا، فأشار إلينا، فقعَدْنا[8].


وعن ابن عبَّاس – رضي الله عنهما – قال: "كان النبِيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – يُصلِّي يَلْتفت يمينًا وشمالاً، ولا يَلْوي عنقه خلف ظهره"[9].
وأمَّا إذا كان الالتفاتُ لغير حاجةٍ، فإنَّه مكروه؛ لأنَّه يُنافي الخشوع.
فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: سُئِل رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – عن الالتِفات في الصلاة، فقال: ((اختِلاسٌ يَخْتلسه الشَّيطان من صلاة العبد))[10].


وهذا الالتفاتُ المكروه يكون بالوَجْه؛ بشرطِ عدَمِ التحوُّل بالبدَن؛ فإنْ تَحوَّل ببدنه عن القِبْلة، بطلَتْ صلاتُه اتِّفاقًا؛ ففي حديث الحارث الأشعريِّ "أنَّ الله أمرَ يَحْيَى بن زكريَّا بِخَمْس كلمات أن يعمل بهن، وأن يَأْمر الناس أن يعملوا بهنَّ – وفيه: – وإنَّ الله أمرَكم بالصلاة، فإذا صلَّيتُم، فلا تلتفتوا؛ فإنَّ الله ينصبُ وجهه لوجه عبده ما لم يلتَفِت"[11].


(5) البكاء والأنين:


عن عبدالله بن الشِّخِّير – رضي الله عنه – قال: "رأيتُ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يُصلِّي وفي صَدْره أزيزٌ كأزيز المِرْجَل من البكاء"[12].
ومعنى "أزيز المرجل"؛ أيْ: صوت القِدْر.
وعن عليِّ بن أبي طالبٍ – رضي الله عنه – قال: "ما كان فينا فارِسٌ يوم بَدْر غير المِقْداد، وما فينا قائمٌ إلاَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – تحت شجرةٍ يُصلِّي ويَبْكي حتَّى أصبح"[13].
وعن ابن عُمَر – رضي الله عنهما – قال: لما اشتدَّ برسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وجَعُه، قيل له: الصَّلاة، قال: ((مُروا أبا بكرٍ يُصلِّي بالناس))، فقالت عائشة: إنَّ أبا بكرٍ رجلٌ رقيق؛ إذا قرأَ غلَبَه البكاء، فقال: ((مُروه فلْيُصلِّ…))؛ الحديث[14].
(6) التسبيح للرجال، والتصفيق للنِّساء:
عن أبي هُرَيرة – رضي الله عنه – قال: "التسبيح للرِّجال، والتَّصفيق للنِّساء" – زاد في روايةٍ -: "في الصلاة"[15].
وفي بعض الرِّوايات: "والتصفيح" بدل من "التصفيق"[16].
وعن سَهْل بن سعد – رضي الله عنه – عن النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((مَن نابَه شيءٌ في صلاته، فلْيُسبِّح؛ فإنَّما التَّصفيق للنِّساء))[17].
قال الشوكانيُّ: "قوله: ((مَن نابه شيء في صلاته))؛ أي: نزلَ به شيءٌ مِن الحوادث والمهمَّات، وأراد إعلامَ غيره، كإذنِه لداخلٍ، وإنذاره لأعمى، وتنبيهِه لساهٍ أو غافل"[18].
(7) الفَتْح على الإمام:
عن ابن عُمَر – رضي الله عنهما -: أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – صلَّى صلاةً فقرأ فيها، فلُبِّس عليه، فلمَّا انصرَف، قال لأبي: ((أصلَّيتَ معَنا؟))، قال: نعَم، قال: ((فما منَعَك؟))[19].
قال الشوكانِيُّ: "والأدلَّة قد دلَّت على مشروعيَّة الفتح مطلقًا؛ فعند نِسْيان الإمام الآيةَ في القراءة الجهريَّة، يكون الفَتْحُ عليه بتذكيره تلك الآية، كما في حديث الباب، وعند نِسْيانه لغيرها من الأركان يكون الفتحُ بالتسبيح للرِّجال، والتصفيق للنِّساء"[20].
(8) الإشارة في الصَّلاة لردِّ السلام:
يَجوز للمُصلِّي أن يرُدَّ السَّلام بالإشارة، فعَن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: "قلتُ لبلالٍ: كيف كان رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يردُّ عليهم حين كانوا يُسلِّمون عليه وهو في الصَّلاة؟ قال: يُشير بيده"[21].
وطريقة الإشارة أن يَجْعل كفَّ يَدِه إلى الأرض، وظَهْرها إلى أعلى، ففي روايةٍ مِن حديث ابن عمر أنَّه سأل بلالاً: كيف رأيتَ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يردُّ عليهم حين كانوا يُسلِّمون عليه في الصَّلاة؟ فقال: يقول: هكذا، وبسَطَ جعفرُ بن عون كفَّه؛ وجعل بطنَه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق.
وكما تكون الإشارةُ باليد، تكون كذلك بالإصبع.
فعن صُهَيبٍ – رضي الله عنه – قال: "مررتُ برسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وهو يصلِّي فسلَّمتُ عليه، فردَّ عليَّ إشارةً، ولا أعلم إلاَّ أنه قال بإصبعه"[22].
(9) الإشارة المفهمة عن المصلي للحاجة تَعْرِض:
عن أمِّ سلمة – رضي الله عنها – قالت: "سمعتُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يَنْهى عن الرَّكعتين بعد العصر، ثم رأيتُه يُصلِّيهما حين صلَّى العصر، ثم دخل عليَّ وعندي نسوةٌ من بني حرام، فأرسلتُ إليه الجارية، فقلتُ: قُومي بجنبه وقولي له: تقول لك أمُّ سلمة: يا رسول الله، سمعتُك تنهى عن هاتَيْن، وأراك تصلِّيهما؟ فإنْ أشار بيده، فاستَأْخِري عنه، ففعلَت الجاريةُ، فأشار بيده، فاستأخرَتْ عنه، فلمَّا انصرف قال: ((يا بنتَ أبي أميَّة، سألتِ عن الرَّكعتين بعد العصر، فإنَّه أتاني ناسٌ من بني عبدقيس، فشغَلوني عن الرَّكعتين اللَّتين بعد الظُّهر، فهما هاتين))[23].
وقد ثبتَ ذلك عن جماعةٍ من الصحابة.
عن مُعاذة العدويَّة أنَّ عائشة أمَّ المؤمنين كانت تَأْمر خادِمتَها أن تقسم المرقَة، فتمرُّ بها وهي في الصَّلاة، فتشير إليها أن زيدي، وتأمر بالشَّيء للمسكين تومئ به وهي في الصَّلاة.
وعن خَيْثمة بن عبدالرحمن قال: رأيتُ ابن عمر يشير إلى أوَّل رجلٍ في الصَّف – ورأى خلَلاً – أنْ تقدَّمْ.
وعن معاذة العدويَّة عن عائشة أمِّ المؤمنين أنَّها قامت إلى الصَّلاة في دِرْع وخِمار، فأشارَتْ إلى الملحفَة فناولَتْها، وكان عندها نِسْوة، فأومأَتْ إليهنَّ بشيءٍ من طعامٍ بيدها؛ تعني: وهي تُصلِّي.
وعن أبي رافعٍ قال: كان يَجِيء الرَّجُلان إلى الرجل من أصحاب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وهو في الصَّلاة، فيُشْهِدانه على الشَّهادة، فيُصْغي لها سَمْعَه، فإذا فرَغا يومئ برأسه؛ أيْ: نعَم[24].
(10) يجوز أن يَحْمد الله إذا رأى أو سَمِع ما يجب عليه ذلك:
عن سهلِ بن سَعْد – رضي الله عنه – قال: "كان قتالٌ بين بني عَمْرو بن عوف، فبلغَ ذلك النبِيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فصلَّى الظُّهر، ثم أتاهم لِيُصلح بينهم، ثم قال لبلالٍ: ((يا بلال، إذا حضرَتْ صلاةُ العصر ولَمْ آت، فمُرْ أبا بَكْر فلْيُصلِّ بالناس))، فلمَّا حضرَت العصر أذَّن بلالٌ ثم أقام، ثم قال لأبي بكر: تقدَّم، فتقدَّمَ أبو بكر، فدخلَ في الصلاة، ثم جاء رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فجعل يشقُّ النَّاسَ حتَّى قام خلفَ أبي بكر، قال: وصفح النَّاس، وكان أبو بكرٍ إذا دخلَ في الصلاة لا يلتَفِت، فلمَّا رأى أبو بكرٍ التَّصفيح لا يمسك عنه، التفَت، فأومأ إليه رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أيِ: امْضِ، فلمَّا قال، ثبتَ أبو بكر هُنَيهة، يَحْمد الله على قول رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((امْضِه))…" الحديث[25]، وفيه دليلٌ على جواز حَمْد الله في الصلاة.
وهل يجوز أن يَحْمد الله في الصَّلاة إذا عطس؟!
ذهب الشوكانِيُّ في "نَيْل الأوطار" إلى جواز ذلك، قال: ويؤيِّد ذلك عمومُ الأحاديث الواردة بمشروعيَّته؛ فإنَّها لم تفرق بين الصَّلاة وغيرها[26].
وقال ابنُ حزم: "في هذا الحديث إباحةُ التَّسبيح على كلِّ حال، وإباحةُ حَمْد الله تعالى على كلِّ حال"[27].
(11) البصق والتنَخُّم في الصلاة:
عن أبي هُرَيرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا قام أحَدُكم إلى الصَّلاة، فلا يَبْصق أمامَه؛ فإنه يُناجي ربَّه ما دام في مُصلاَّه، ولا عن يمينه؛ فإنَّ عن يمينه ملَكًا، ولْيَبْصق عن شماله، أو تحت رِجْله فيدفنه))[28].
وعن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – قال: "أتانا رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في مسْجِدنا هذا، وفي يَدِه عرجون ابن طاب، فرأى نخامة في المسجد قبلة المسجد، فأقبلَ عليها، فحَكَّها بالعرجون، ثم أقبل علينا، فقال: ((أيُّكم يحبُّ أن يُعْرِض الله عنه؟)) قال: فخشَعْنا، ثم قال: ((أيُّكم يحبُّ أن يُعرِض الله عنه؟))، فقلنا: لا أينا يا رسول الله، قال: ((إنَّ أحدكم إذا قام يصلِّي، فإنَّ الله قِبَلَ وجهه، فلا يبصق قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يَساره تحت رجله اليُسْرى، فإن عجلت به بادرة، فلْيَقل بثوبه هكذا))، ورَدَّ بعضه على بعض"؛ الحديث[29].
(12) مَنْع المرور بين يدي المصلِّي:
على المصلِّي أن يَمْنع مَن يَمرُّ بين يديه؛ حتَّى لا يَقْطع عليه صلاته؛ فعن أبي سعيدٍ الخُدْري – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((إذا كان أحَدُكم يُصلِّي، فلا يدَعْ أحدًا يمرُّ بين يدَيْه، ولْيَدرأه ما استطاع، فإنْ أبَى فلْيُقاتله؛ فإنَّما هو شيطان))[30].


دار

(13) مَسائل أخرى:
التَّرويح لمن آذاه الحَرُّ، وكذلك مَسْح العَرَق:
قال ابنُ حزم: "ومِن ذلك إماطته عنه كلَّ ما يؤذيه ويَشْغله عن توفية صلاته حقَّها، وكذلك سقوطُ ثوبٍ أو حَكُّ بدَن، أو قلع بثرة، أو مَسُّ ريق أو وَضْع دواء، أو رِباط مُنحل، إذا كان كلُّ ذلك يؤذيه، فواجِبٌ عليه إصلاحُ شأنه؛ لِيَتفرَّغ لصلاته.
ومن رَكِب على ظهره صغيرٌ وهو يصلِّي فتوقَّف لذلك، فحسَن.
ومن استرابَ بِتَطويل الإمام في سجوده فلْيَرفع رأسَه؛ لِيَستعلم هل خَفِي عنه تكبيرُ الإمام أوْ لا؛ لأنَّه مأمورٌ باتِّباع الإمام؛ فإنْ رآه لَم يرفَعْ، فلْيَعُد إلى السُّجود ولا شيء عليه؛ لأنَّه فعلَ ما أُمِر به من مُراعاة حال الإمام.
عن شدَّاد – رضي الله عنه – قال: خرجَ علينا رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في إحدى صلاتَيِ العِشاء وهو حاملٌ حسنًا أو حُسَينًا، ثم كبَّر للصلاة فصلَّى، فسجدَ بين ظهرانَيْ صلاته سجدةً أطالَها، فرفعتُ رأسي، فإذا الصبِيُّ على ظهره – عليه السَّلام – وهو ساجِدٌ، فرجَعْت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – صلاتَه، قال أناسٌ: يا رسول الله، إنَّك سجَدْتَ بين ظهرانَيْ صلاتك سجدةً أطلتَها، حتَّى ظنَنَّا أنَّه قد حدثَ أمر، أو أنه يُوحَى إليك؟ فقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كل ذلك لم تكن، ولكن ابني ارتحلَني، فكرهتُ أن أُعجله حتَّى يقضي حاجتَه))[31].
وتَحْريك مَن خَشِي المصلِّي نومَه، وإدارةُ مَنْ كان على اليسار إلى اليمين: مُباحٌ كلُّ ذلك في الصَّلاة.
ويَدْعو المُصلِّي في صلاته؛ في سُجوده، وقيامه، وجُلوسه – بما أحبَّ مما لَيْس بِمَعصية، ويُسمِّي في دعائه مَن أحبَّ، وقد دعا رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – على عُصَيَّة ورعْل وذَكْوان، ودعا للوليد بن الوليد، وعيَّاش بن أبي عياش، وسلَمة بن هشام يُسمِّيهم، وما نَهى – عليه السَّلام – قَطُّ عن هذا.
وكلُّ مُنكَرٍ رآه المَرْء في صلاته مَفْروضٌ عليه إنكارُه، ولا تنقَطِعُ بذلك صلاتُه؛ لأنَّ الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المُنكَر حقٌّ، وفاعل الحقِّ مُحْسِن، ما لَمْ يمنع من شيءٍ منه نصٌّ أو إجماع.
ومن ذلك إطفاءُ النَّار المشتَعِلة، وإنقاذُ الصَّغير والمَجْنون والمُقْعَد والنَّائم من نار، أو من سَبُع، أو إنسانٍ عادٍ، أو من سَيْل.
وكذلك مَن خاف على ماله، أو سُرِقَت نعله أو خفُّه، أو غير ذلك، فله أن يتبع السَّارق فيَنْتزع منه مَتاعه"[32].


دار

[1] البخاري (1211)، وابن خزيمة (866)، وهذا لفْظُه.

[2] صحيح: رواه أبو داود (922)، والنَّسائي (3/ 11)، والترمذي (601)، وحسَّنَه.

[3] البخاري (1205)، وابن خُزَيْمة (867)، وروى مُرْسله نحوه (419).

[4] البخاري (516)، ومسلم (543)، وأبو داود (917)، والنَّسائي (2/ 45).

[5] صحيحٌ: أبو داود (921)، والترمذي (390)، والنسائي (3/ 10)، وابن ماجَهْ (1245)، وأحمد (2/ 233)، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع" (1147).

[6] مسلم (1198)، (75)، وابن حزمٍ في "المُحلَّى" (3/ 120).

[7] انظر: "المُحلى" (3/ 120).

[8] مسلم (413)، وأبو داود (606)، وابن ماجه (1240).

[9] صحيح: الترمذي (587)، والنسائي (3/ 9)، وأحمد (1/ 275).

[10] البخاري (751)، وأبو داود (910)، والترمذي (590)، والنسائي (3/ 8).

[11] صحيح: رواه التِّرمذي (2863)، وأحمد (4/ 202)، وابن ماجه (483).

[12] صحيح: رواه أبو داود (904)، والنسائي (3/ 13)، وأحمد (4/ 25).

[13] صحيح: رواه ابن خزيمة (899)، وابن حبان (2257).

[14] البخاري (716)، ومسلم (418)، والترمذي (3673)، وابن ماجه (1232).

[15] البخاري (1203)، ومسلم (422)، وأبو داود (939)، والترمذي (369)، والنسائي (3/ 11)، والزيادة عند مسلمٍ والنسائي.

[16] وهما بِمَعنى واحد، وذهبَ آخرون إلى أنَّ التصفيح: الضَّربُ بظاهرِ إحداهما على الأُخْرى، والتصفيق: الضَّربُ بباطن إحداهما على باطن الأخرى، ومنهم مَن يرى أن التصفيح الضَّرب بإصبعين للإنذار والتنبيه.

[17] البخاري (684)، ومسلم (421)، وأبو داود (940)، وابن ماجه (1035)، والنسائي (2/ 77).

[18] "نيل الأوطار" (2/ 372).

[19] إسناده حسن: رواه أبو داود (907).

[20] "نيل الأوطار" (2/ 373).

[21] صحيح: رواه أبو داود (927)، والترمذي (368)، والطحاوي (1/ 454)، والبيهقي (2/ 259).

[22] حسن: رواه أبو داود (925)، والترمذي (367)، وابن حبان (2259).

[23] البخاري (1233)، ومسلم (834).

[24] هذه الآثار أوردها ابنُ حزم في "المحلى" (3/ 115 – 116)، وأورد غيرها أيضًا وبعضها في "مصنَّف عبدالرزَّاق"، وأسانيدها صحيحة.

[25] البخاري (684)، ومسلم (421)، وأبو داود (940)، والنسائي (2/ 77)، وابن ماجه (1035).

[26] "نيل الأوطار" (2/ 371).

[27] "المُحلَّى" (3/ 110).

[28] البخاري (416)، وابن حبان (2269).

[29] مسلم (3008)، وأبو داود (485)، وابن حبان (2265).

[30] البخاري (509)، (4274)، ومسلم (505)، وأبو داود (697)، والنسائي (2/ 66).

[31] صحيح: رواه النسائي (1/ 171)، وأحمد (3/ 493)، والحاكم (3/ 181)، وابن حزم (3/ 125 – 126).

[32] "المحلى" لابن حزم (3/ 119 – 436) بتصرف.

دار

أختي الحبيبة
موضوع رائع وهادف وتذكرة طيبة
جزاك الله خيرالجزاء ونفع بكِ
جعله الله في ميزان حسناتكِ
وسبحان من وهبك فكراً مميزاً لتنتقي أجمل المواضيع
فدمتي زهرة يفوح شذاها في الاجواء بيتنا
ودي وتقــــــــديري وتقييمي لكِ
دار

أختي الغالية
بارك الرحمن فيكِ
على الموضوع القيم و الرائع
جزاكِ الله خيراً ووفقكم الله لما يحبه و يرضاه
وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصَحْبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه

جزاك الله خير الجزاء غاليتي
موضوع رائع وشامل
دوما اطروحاتك مميزة وهادفة
اسال الله ان يجعله في موازين حسناتك
ويتقبل منا ومنك صالح الاعمال
اثابك الله
مع تقييمي لك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.