قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ – فَصْلٌ . افْتَرَقَ النَّاسُ فِي " يَزِيدَ " بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ( ثَلَاثُ فِرَقٍ : طَرَفَانِ وَوَسَطٌ
وَقَالُوا : تِلْكَ أَحْقَادٌ بَدْرِيَّةٌ وَآثَارُ جَاهِلِيَّةٍ وَأَنْشَدُوا عَنْهُ : لَمَّا بَدَتْ تِلْكَ الْحُمُولُ وَأَشْرَفَتْ تِلْكَ الرُّءُوسُ عَلَى رَبِّي جيروني نَعَقَ الْغُرَابُ
فَقُلْت نُحْ أَوْ لَا تَنُحْ فَلَقَدْ قَضَيْت مِنْ النَّبِيِّ دُيُونِي
وَقَالُوا : إنَّهُ تَمَثَّلَ بِشِعْرِ ابْنِ الزبعرى الَّذِي أَنْشَدَهُ يَوْمَ أُحُدٍ : – لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرِ شَهِدُوا جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلِ قَدْ قَتَلْنَا الْكَثِيرَ مِنْ أَشْيَاخِهِمْ وَعَدَلْنَاهُ بِبَدْرِ فَاعْتَدَلَ وَأَشْيَاءَ مِنْ هَذَا النَّمَطِ .
وَهَذَا الْقَوْلُ سَهْلٌ عَلَى الرَّافِضَةِ ؟ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ ؛ فَتَكْفِيرُ يَزِيدَ أَسْهَلُ بِكَثِيرِ .
ثُمَّ افْتَرَقُوا ( ثَلَاثَ فِرَقٍ : فِرْقَةٌ لَعَنَتْهُ وَفِرْقَةٌ أَحَبَّتْهُ وَفِرْقَةٌ لَا تَسُبُّهُ وَلَا تُحِبُّهُ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَعَلَيْهِ الْمُقْتَصِدُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَد : قُلْت لِأَبِي إنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ إنَّهُمْ يُحِبُّونَ يَزِيدَ
فَقَالَ : يَا بُنَيَّ وَهَلْ يُحِبُّ يَزِيدَ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ؟
فَقُلْت : يَا أَبَتِ فَلِمَاذَا لَا تَلْعَنُهُ ؟
فَقَالَ : يَا بُنَيَّ وَمَتَى رَأَيْت أَبَاك يَلْعَنُ أَحَدًا .
وَقَالَ مُهَنَّا : سَأَلْت أَحْمَد عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ .
فَقَالَ : هُوَ الَّذِي فَعَلَ بِالْمَدِينَةِ مَا فَعَلَ قُلْت : وَمَا فَعَلَ ؟
قَالَ : قَتَلَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَعَلَ .
قُلْت : وَمَا فَعَلَ ؟
قَالَ : نَهَبَهَا
قُلْت : فَيُذْكَرُ عَنْهُ الْحَدِيثُ ؟
قَالَ : لَا يُذْكَرُ عَنْهُ حَدِيثٌ .
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ المقدسي لَمَّا سُئِلَ عَنْ يَزِيدَ : فِيمَا بَلَغَنِي لَا يُسَبُّ وَلَا يُحَبُّ .
فَقَالَ : لَا تُنْقِصْ وَلَا تَزِدْ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } "
وَقَالَ : " { لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
هَذَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَعَنَ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ لَعَنَ عُمُومًا شَارِبَ الْخَمْرِ وَنَهَى فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ لَعْنِ هَذَا الْمُعَيَّنِ .
لِجَوَازِ تَخَلُّفِ الْمُقْتَضِي عَنْ الْمُقْتَضَى لِمُعَارِضِ رَاجِحٍ : إمَّا تَوْبَةٍ ؛ وَإِمَّا حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ ؛ وَإِمَّا مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ ؛ وَإِمَّا شَفَاعَةٍ مَقْبُولَةٍ ؛ وَإِمَّا غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ مَآخِذَ .
وَأَمَّا تَرْكُ مَحَبَّتِهِ فَلِأَنَّ الْمَحَبَّةَ الْخَاصَّةَ إنَّمَا تَكُونُ لِلنَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ؛ وَلَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ } "
وَمَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ : لَا يَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ مَعَ يَزِيدَ وَلَا مَعَ أَمْثَالِهِ مِنْ الْمُلُوكِ ؛ الَّذِينَ لَيْسُوا بِعَادِلِينَ . وَلِتَرْكِ الْمَحَبَّةِ " مَأْخَذَانِ " :
وَأَمَّا الَّذِينَ لَعَنُوهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ وإلكيا الْهَرَّاسِ وَغَيْرِهِمَا : فَلَمَّا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُبِيحُ لَعْنَتَهُ ثُمَّ قَدْ يَقُولُونَ هُوَ فَاسِقٌ وَكُلُّ فَاسِقٍ يُلْعَنُ .
وَقَدْ يُلْعَنُ لِخُصُوصِ ذُنُوبِهِ الْكِبَارِ ؛ وَإِنْ كَانَ لَا يُلْعَنُ سَائِر الْفُسَّاقِ كَمَا لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْوَاعًا مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَأَشْخَاصًا مِنْ الْعُصَاةِ ؛ وَإِنْ لَمْ يَلْعَنْ جَمِيعَهُمْ فَهَذِهِ ( ثَلَاثَةُ مَآخِذَ لِلَعْنَتِهِ .
قَالَ : " { أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو الْقُسطَنْطينيّةَ مَغْفُورٌ لَهُ } " وَأَوَّلُ جَيْشٍ غَزَاهَا كَانَ أَمِيرُهُ يَزِيدَ .
" وَالتَّحْقِيقُ " .
فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ : مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ فُسَّاقَ أَهْلِ الْمِلَّةِ – وَإِنْ دَخَلُوا النَّارَ أَوْ اسْتَحَقُّوا دُخُولَهَا فَإِنَّهُمْ
– لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ فَيَجْتَمِعُ فِيهِمْ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ ؛ وَلَكِنَّ الْخَوَارِجَ وَالْمُعْتَزِلَةَ تُنْكِرُ ذَلِكَ وَتَرَى أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ الثَّوَابَ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ وَمَنْ اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ لَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ .
فِيمَا سَأَلَنِي : مَا تَقُولُونَ فِي يَزِيدَ ؟ فَقُلْت : لَا نَسُبُّهُ وَلَا نُحِبُّهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَجُلًا صَالِحًا فَنُحِبُّهُ وَنَحْنُ لَا نَسُبُّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِعَيْنِهِ .
فَقَالَ : أَفَلَا تَلْعَنُونَهُ ؟ أَمَا كَانَ ظَالِمًا ؟ أَمَا قَتَلَ الْحُسَيْنَ ؟ .
قَالَ : فَمَا تُحِبُّونَ أَهْلَ الْبَيْتِ ؟
قُلْت : مَحَبَّتُهُمْ عِنْدَنَا فَرْضٌ وَاجِبٌ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ
قَدْ ثَبَتَ عِنْدَنَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَم
{ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَدِيرِ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ فَذَكَرَ كِتَابَ اللَّهِ وَحَضَّ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي }
" قُلْت لِمُقَدَّمٍ : وَنَحْنُ نَقُولُ فِي صِلَاتِنَا كُلَّ يَوْمٍ : " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ "
قَالَ مُقَدَّمٌ : فَمَنْ يُبْغِضُ أَهْلَ الْبَيْتِ ؟
قُلْت : مَنْ أَبْغَضَهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا .
ثُمَّ قُلْت لِلْوَزِيرِ الْمَغُولِيِّ لِأَيِّ شَيْءٍ قَالَ عَنْ يَزِيدَ وَهَذَا تتري ؟
قَالَ : قَدْ قَالُوا لَهُ إنَّ أَهْلَ دِمَشْقَ نَوَاصِبُ قُلْت بِصَوْتِ عَالٍ : يَكْذِبُ الَّذِي قَالَ هُنَا
وَمَنْ قَالَ هَذَا : فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ ،
وَاَللَّهِ مَا فِي أَهْلِ دِمَشْقَ نَوَاصِبُ وَمَا عَلِمْت فِيهِمْ ناصبيا وَلَوْ تَنَقَّصَ أَحَدٌ عَلِيًّا بِدِمَشْقَ لَقَامَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ لَكِنْ كَانَ – قَدِيمًا لَمَّا كَانَ بَنُو أُمَيَّةَ وُلَاةَ الْبِلَادِ – بَعْضُ بَنِي أُمَيَّةَ يَنْصِبُ الْعَدَاوَةَ لِعَلِيِّ وَيَسُبُّهُ
وَأَمَّا الْيَوْمُ فَمَا بَقِيَ مِنْ أُولَئِكَ أَحَدٌ ………………
مجموع الفتاوى1/392 المجلد الرابع