بالمائة في بعض سنوات الألفيَّة الجديدة، بخلاف حالات الانفصال الفعليِّ التي لا تنتهي بالطَّلاق، والتي لا يمكن حصرها بدقَّةٍ؛
باعتبار أنَّه لا يتمُّ توثيقها، وأنَّها من أسرار البيوت التي لا يجوز إطلاع أحدٍ عليها!!
وبطبيعة الحال، يكون الأطفال والمراهقين هم أوَّل من يدفعون ثمن حالة الأزمة التي تمرُّ بها منظومة الأسرة في العالم العربيِّ
والإسلاميِّ؛ بسبب عوامل عدَّة، من بينها الفقر وتيَّارات التَّغريب والغزو الفكريِّ التي غَرَسَتْ الكثير من القيم غير السَّويَّة في
مجتمعاتنا العربيَّة والإسلاميَّة، بحيث تغيَّرت منظومة الأفكار والأولويَّات لدى الشَّاب والفتاة على حدٍ سواء.
في هذا الإطار، يقول الدُّكتور مدحت عبد الهادي، المُحلِّل النَّفسيُّ ومستشار العلاقات الزَّوجيَّة والأُسَريَّة، إنَّه من بين
هذه العوامل أيضًا عدم معرفة أو فهم كلا الزَّوجَيْن لطبيعة أدواره ومهامِّه وواجباته، بسبب نقصٍ في المفاهيم
أو عدم وجود برامجَ صحيحةٍ لتأهيل الزَّوجَيْن نفسيًّا واجتماعيًّا قبل الزَّواج.
وأشار في حوارٍ خاصٍّ لـ"فور شباب" إلى أنَّ هناك الكثير من الأزواج لم يعرفوا واجباتهم الأساسيَّة تجاه أُسَرِهِم، ويعتقدون
أنَّ العاملَ الماديَّ هو أهمُّ شيءٍ في الحياة، من دون النَّظرِ إلى العواطف والمشاعر والأحاسيس، واحتياجات
كلِّ طرفٍ لهذه المشاعر، ممَّا يترتَّب عليه حدوث عدم الاستقرار الأُسَريِّ.
وفي حواره تحدَّث عبد الهادي عن أسباب غياب الاستقرار عن الأسرة العربيَّة والمسلمة، ودور القصور الموجود
في الإعلام والتَّعليم في ذلك، وتأثير هذه الحالة على المجتمع، وكيفيَّة التَّغلُّب على هذه المشكلة… فإلى الحوار:
(*) ما هي أسباب غياب الاستقرار عن الأسرة العربيَّة والمُسلمة؟
(**) الاستقرارً الأسريُّ يأتي من فهم كلِّ شخصٍ لطبيعة أدواره داخل الأُسْرَة، ونتيجةً لذلك قيامه بما عليه من
واجباتٍ والتزاماتٍ، ومهامٍّ أيضًا، لهذا نجد أنَّ غياب الاستقرار يأتي نتيجة عدَّة أسباب منها؛ عدم فهم الأدوار،
وبالتَّالي عدم قيام كلِّ فردٍ بدوره الأساسيِّ في الأسرة، واختلاط المفاهيم؛ حيث يعتبر ربُّ الأسرة – على سبيل
المثال – أنَّ القِيمَ المادِّيَّة هي أساس الحياة، وأنَّ مُهمَّتَه تنحصر في إيجاد مصدر دخلٍ للأسرة فقط، وبالتَّالي يغيب الأب عن الأسرة، فتتفكَّك.
كما ساهم في تلك الحالة انحدار التَّعليم وضعف المنظومة التَّربويَّة، والذي من بين مظاهره انتشار الدُّروس
الخصوصيَّة وغياب دور المُعلِّم، فضلاً عن أنَّ نظامَ التَّعليم في العالم العربيِّ يُؤدِّي إلى تخريب العقول وانحدار
القِيَمِ وغياب المبادئ المُهمَّة لاستقامة أيِّ مجتمعٍ وتماسُكِه، مثل احترام الكبير والعطف على الكبير والنَّخوة، وغير ذلك.
(*) ما هو تأثير ذلك على بِنْيَة المجتمعات العربيَّة والمسلمة وتقدُّمِها؟
(**) افتقاد الاستقرار الأسري والعائلي يؤدي إلى حدوث خللٍ في البِنْيَة الأخلاقيَّة والقيميَّة، مع اختلال الميزان الاجتماعيِّ
والاقتصاديِّ داخل مُجتمعاتنا العربيَّة والإسلاميَّة؛ حيث تحوَّلت كلُّ الكوادر العاملة إلى سماسرةٍ؛ فلا توجد صناعةٌ
أو تجارةٌ، وأصبح المجتمع سمسارًا يبحث عن الأموال فقط، باعتبارها أهمُّ شيءٍ، من دون النَّظر إلى الإنتاج أو التَّعمير.
فتش عن الإعلام
(*) في رأيكم، ما هو دَور وسائل الإعلام وأثرها على الأسرة؟
(**) بكلِّ أسفٍ فإنَّ الإعلام خاضعٌ للإعلان، والإعلان من النَّاحية الاقتصاديَّة يكون مبنيًّا على القِيمة المادِّيَّة، فقد
يتمُّ على سبيل المثال إنتاج فيلمٍ بالكامل للدَّعاية عن منتجٍ مُعيَّنٍ، فضلاً عن أنَّ وسائل الإعلام تلعب دورًا كبيرًا
في غياب الاستقرار الأسريِّ من الزَّاوية الاقتصاديَّة، وذلك عبر عرض بعض المظاهر التي تؤثِّر على نفسيَّة وتطلُّعات
الأسر الأقل في مستواها الماديِّ؛ حيث تُركِّز أغلب المسلسلات والأفلام على عرض القصور والفيلات والأثاث الفاخر
والسَّيَّارات العالميَّة الماركات، وهذه الطَّريقة إمَّا توجِّه الفرد إلى العمل الُمتواصل لكي يستطيع أنْ يُكوِّنَ نواة
ما يراه، أو الحد الأدنى منه، وهو ما يؤثِّر على أدواره الأسريَّة، أو يصاب بعُقَدٍ نفسيَّةٍ تجعله يكره الحياة بما فيها!
(*) لماذا تتعرَّض الأسرة لهزَّاتٍ وتفكُّكٍ بعد عشرين سنةٍ من الزَّواج؟
(**) هذه النَّوعيَّة من الأسر التي تتفكَّك بعد كلِّ هذه السَّنوات من الزَّواج، تكون من النَّمط الذي كان يعيش على
"المُسكِّنات" من كلا الطَّرفين، الزَّوج والزَّوجة، وذلك لعدَّة أسبابٍ، منها الخوف من المُستقبل المجهول أو للظُّروف
الاقتصاديَّة، ولكن بعد أنْ يشعر الزَّوج- مثلاً – أنَّ معه فلوس يُقدِم على طلاق الزَّوجة، ونفس الأمر بالنِّسبة للزَّوجة،
تشعر أنَّها ربَّت أولادها، ولديها المقدرة الماليَّة، في أنْ تعيش بعيدًا عن الزَّوج؛ تطلُب الطَّلاق أو الخُلع، ويعود ذلك لأنَّه
لم يعد هناك رُعبًا من الطَّلاق مثلما كان في الماضي؛ حيث كانت العادات والتَّقاليد والعُرف يمنعوا المرأة أنْ تطلب الطلاق خوفًا على العائلة وعلى شكلها الاجتماعيِّ وما إلى ذلك.
(*) وما هي الأسباب التي تؤدِّي إلى الانفصال؟
(**) سوء الاختيار أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى حتمية الانفصال، وذلك يعود إلى عواملَ عدَّةٍ،
من بينها عدم وجود واقعيَّةٍ في الاختيار، لأنَّ الاختيار يتمُّ عن طريق الجمال أو المال في الغالب، ويظنُّ الشَّاب أنَّ هذا
هو أساس الاختيار الصَّحيح، رغم أنَّه من المُمكن أنْ تكون الفتاة جميلة، ولكن سليطة الِّلسان أو نِكَديَّة، وبالتَّالي
لا يتم الاختيار على أساسٍ سليمٍ، خصوصا إذا ما تمَّ ذلك في غياب دَوْرِ الأمِّ والأب في عملية اختيار الزَّوجة بالنِّسبة للشَّباب.
وللشَّيخ الغزالي- رحمه الله- عبارةٌ جميلةٌ في هذا الأمر؛ فعندما سألوه عن الزَّواج قال: "إنَّما الزَّواج ليس لمفاتن أنثى
ولا لوسامة رجل؛ إنَّما هو لإعمار بيتٍ به من المودَّة والرَّحمة والسَّكينة ما يكفي لاستمرار الحياة. هذا البيت يكون محاطًا بسياجٍ من طاعة الله عزَّ وجلَّ".
(*) ما هي إذن أُسُسِ الاختيار السَّليم للزَّواج؟
(**) مع حسن الاختيار العام في الصِّفات والأخلاقيَّات، يجب مُراعاة الفوارق النَّفسيَّة بين الشَّاب والفتاة؛
حيث يجب أنْ يكون هناك توافُقًا نفسيًّا بين الطَّرفَيْن، مثل أنْ تستريح له وأنْ يستريح لها عندما ينظران إلى
بعضهما البعض، كما يجب مُراعاة التَّوافُق العقليِّ بين الطَّرفَيْن؛ بمعنى أنْ يكون هناك فنٌّ في لُغة الحوار والتَّحدُّث والإنصات،
كما يجب مُراعاة الفروق المادِّيَّة والاجتماعيَّة بين الطرفَيْن وعائلتيهما، أمَّا الحب والعاطفة فغالبًا ما يحدثان بعد الزَّواج وطول المُعاشرة بالمعروف.
إعادة صياغة
(*) كيف يمكن تفادي هذه الحالة التي تمرُّ بها الأسرة العربيَّة والمسلمة؟
(**) أوَّل شيءٍ الاهتمام بالتَّعليم، ولا نقصد بالتَّعليم المبني على الحفظ، وإنَّما التَّعليم المبني على الفهم والبحث،
مع تنويع الدِّراسة والمواد التي يتمُّ تعليمها للأطفال والنَّشء الجديد، والاهتمام بالتَّربية الدِّينيَّة والُّلغة العربيَّة والخط
العربيِّ، وأيضًا بالأنشطة التي كانت موجودة في الماضي كالخطابة والرَّسم والنشيد والتَّربية الزَّراعيَّة، فهذا يُساعد
على خلق جيلٍ عنده هواياتٌ يُحبُّها، وبالتَّالي يتكوَّن لديه الحسُّ الجماليُّ الذي يُتَرْجمُ إلى مشاعرَ وقِيَمٍ
حسِّيَّةٍ تُساعد على تحسين مستوى أدائِه لأدواره الاجتماعيَّة والأسريَّة في الوقت الحاضر وفي المستقبل، ومن بينها الارتباط الأسريِّ.
كما يجب تحسين مستوى شبكة المواصلات والطُّرق؛ لأنَّ ذلك يساهم في تحسين سرعة الانتقال من العمل إلى
المنزل والعكس، وبالتَّالي يساعد ذلك على تحسين مستوى الاستقرار والهدوء داخل البيت، وهو ما يخلق جيلاً عنده هدوءٌ
وتدبُّرٌ؛ لأنَّ التَّوتُّر والقلق على تأخير ربِّ الأسرة أو أحد أفرادها يخلُق مُجتمعًا غير قادرٍ على العمل والإبداع والإنتاج.
ويجب الاهتمام بالصِّحَّة العامَّة للفرد والأسرة على مختلف المستويات؛ لأنَّ الفرد عندما يشعُرُ بالتَّعب، ويجد من يهتم به في
هذه الحالة؛ فإنَّ ذلك يخلُق نوعًا من أنواع الانتماء للأسرة، وللمجتمع بالتَّالي، وذلك لأنَّ عدم الشُّعور بالانتماء لا يُوجِد الأسرة المستقرَّة ولا المجتمع المستقر، وإذا وُجِدَ يكون مجتمعٌ مُهلهلٌ.
(*) في كلماتٍ أكثر تحديدًا، ما الذي تحتاجه الأسرة لتدعيم حالة الاستقرار فيها؟
(**) إعادة صياغة القِيَم الدَّاخلية في الأسرة؛ بمعنى تعظيم دور الأب بأنْ يفهم أنَّ دَورَه محوريٌّ داخل الأسرة، ومن
الخطأ أن يترُك شئون التَّربية للأمِّ فقط، مع تحسين لُغة الحوار بين أفراد الأسرة، وفيها يستمع الأب إلى مشكلات الأبناء،
ويجب على الأب أنْ يسأل نفسه بعض الأسئلة، من بينها أو من أهمِّها لماذا تزوَّج؟ وما الهدف من الزَّواج؟ وعند الإجابة
يضع الخُطَط والأهداف التي يريد تحقيقها، كما يجب الاهتمام بالنَّشء وتعليمهم منذ الصِّغَر معنى
ومفهوم الأسرة، وضرورة الارتباط بها، وتدعيم ذلك بواسطة التَّربية الدِّينيَّة والأخلاقيَّة.(*) ما النَّصائح التي تعنى بتقديمها للمتزوِّجين حديثًا؟
(**) فهم ومعرفة دَور الشَّريك في الأسرة للقيام بواجباته ومسئوليَّاته، والتَّحدُّث والتَّواصُل
كثيرًا مع الطَّرف الآخر كنوعٍ من المودَّة والرَّحمة، والإنصات الجيِّد للطَّرف الآخر؛ حتى يحدُث نوعًا
من التَّآلُف والاحتواء والحبِّ ممَّن حول الطَّرف الآخر، وخاصَّة الأبِ والأمِّ، كما أنَّه من المهم معرفة حقوق الزَّوجة،
والعمل على إشعارها بالأمان والحبِّ والعاطفة والحنان؛ لأنَّ ذلك من أساسيَّات الزَّواج ومن أساسيَّات دَور الزَّوج، وفي
المُقابل يجب على الزَّوجة معرفة حقوق الزَّوج، وعليها أنْ تُعامله كأمٍّ وصديقةٍ، بمعنى أنْ تتقبَّل أخطائِه، وبالتَّالي
عدم نقده، وخاصَّة أمام الآخرين، ويجب أيضًا على الزَّوجة أنْ تهتمَّ بمظهرها؛ لأنَّ الزَّوْج يعشق بعينَيْه،
كما يجب على الزَّوج في المُقابل أنْ يُكْثِرَ من كلمات الحبِّ الدَّافئة والعطف لأنَّ المرأة تعشق بأذنها.
منقوووووووووووووول
وبيظهر فاسر كتير
وشكرا على اهم موضوع بجد
مفيد و منكم نستفيد
حبيبتي على المرور الطيب
وبه تنشأ الأجيال نشأة سليمة منتجة لكل ما هو جميل ومفيد
ولكن كثيراً ما تجهل الأسر هذا المفهوم ولا تطور من ثقافتها
في هذا المجال فنجد التفكك يتخلل للأسرة دون أن يشعر أفرادها
وعلى الأبوين تثقيف أنفسهم وكثرة القراءة والإطلاع
في هذا الموضوع ومحاولة التغيير والتجديد بما يحقق لهم الأستقرار
شمعة قلم اختيار موفق للموضوع أسأل الله تعالى أن ينفع به
لا تحرمينا جديدك ..
تسلم يدينكِ ع النقل الرآئع ..
وطرح هذه التفسيرات والتوضيحات المهمة
الله يعطيك العافية على جهودك المميزة
وكُل الشُكْر والتَقْدِير لَك
ولطَرْحِك القَيْم ..ودِي وَتقْديرْي
والتشجيع