السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
************************************************** **********************
– آمـنـة بـنـت وهـب :
عبد الله بن عبد المطلب هو والد رسول الله صلى الله عليه وسلم . من صفاته : بهاء الطلعة ، عفة النفس ، سمو الأخلاق ، وجهه يتلألأ بنور النبوة .
بعد أشهر من زواجه بآمنة بنت وهب ، ذهب الى بلاد الشام للتجارة . ثم مرض في يثرب وسرعان ما فارق الحياة . فما أقامت آمنة مع زوجها إلا أشهر معدودة . وحزنت كثيرا لهذا الفراق الصعب . وكانت تقلق على جنينها إذ أنه يتيم قبل أن يولد .
لكن هذا الجنين كان عزاؤها . فما كانت تجد ثقلا ، ولا اضطرابا ، ولا انزعاجا بدنيا ، أو نفسيا. بل على العكس . كانت تجد الراحة والهناءة ، وتحس بأنها كيان آخر ، فيه سمو عن مادية البشر ودنياهم .
وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الربيع . وهذا الوقت له دلالة ومعنى . إنه الربيع ، بعد زمهرير الشتاء وزوابعه ، وبعد جفوة الصيف بحره ولفحه . وبعد جفاف الخريف ، وتعري الطبيعة وتقلبها .
وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في 12 ربيع الأول ومع الفجر . لما وضعته آمنة ، خرج منه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب . فأضاءت له قصور الشام وأسواقها ، حتى رأت أعناق الإبل بالبصرى . ورأت ثلاثة أعلام : علم بالمشرق ، وعلم بالمغرب ، وعلم على ظهر الكعبة المشرفة . وخرج سيدنا محمد راكعا رافعا أصبعه الى السماء .
– حـلـيـمة السعـدية :
هي أول مرضعاته بعد ثوبية التي كانت عند عمه أبو لهب . وعندما علم بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرح كثيرا وأعتقها . وقد كانت ثوبية حديثة عهد بولادة أيضا . ولازمت آمنة بعد وضعها بأيام . فشرب منها الحليب .
أتت حليمة الى مكة مع أصحاب لها يلتمسن الرضعاء . فأخذت كل واحدة منهن رضيعا إلا حليمة. وكان وقت العودة قد حان . فكرهت أن ترجع بين أصحابها وليس معها رضيع ، فأخذت سيدنا محمد إذ أنه كان يتيما ولم يأخذه أحد .
عندما أخذته حليمة ، بدأت البركة تحصل لها . فقد كان لحليمة فتى في مثل سن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولم يكن ما تُرضعه أمه يكفي لهذا الطفل ، فيبيت جائعا . لكن مجرد ما حملت حليمة سيدنا محمد ، تدفق الحليب فشرب الطفلان حتى شبعا .
وكان عند حليمة ناقة عجوز لا تعطي اللبن . لكن ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان العكس . فباتوا بخير ليلة . ولم يزل الله عز وجل يزيدهم خيرا .
حـتى النـاقة العـجوز التـي كانـت تركـبـها حـلـيمـة ، أصبحت نشيطـة سريـعـة . فسبقـت بـها صاحـباتـها عند العودة من مكة .
قدموا الى أرض بني سعد ، وهي أرض قاحلة جدا . فكانت غنم حليمة ترجع ملأى حليب ، وباقي الغنم يرجعون جياعا . فكان أصحاب حليمة يرعون غنمهم في المكان الذي ترعى فيه غنم حليمة، لكن بدون جدوى .
عندما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمر السنتين ، حصلت حادثة شق صدره . فخافوا عليه ، وأعادوه الى أمه .
كانت أمه تحضنه وتضمه ، فتحس بما كانت تشعر به أثناء الحمل ، من دفء غريب يسري الى كيانها ولا تدري كنهه .
وكذلك جده عبد المطلب لا يطيق فراقه . فقد كان الله عز وجل يصيغه على عينيه ويؤدبه فتجد في لسانه رقة وعذوبة وفي قلبه آيات من الهدى والشفافية .
لما بلغ السادسة ، خرجت آمنة وسيدنا محمد ومعهم جارية تدعى بركة لزيارة قبر عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم . كان النبي الكريم محبا لبركة متعلقا بها ويحس بأنها واحدة من الأسرة .
بعد الإنتهاء من زيارة القبر ، وفي طريق العودة الى مكة ، أحست آمنة بحمى شديدة فوقعت فريسة المرض والحمى ثم لفظت أنفاسها .
وبكى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بكاء حارا شديدا . وضجت ملائكة السماء لبكائه وحزنه ويتمه من أبويه .
– بـركـة ( أم أيـمـن) :
واهتمت بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فتاة في عمر الزهور أكبر منه بأعوام معدودة ، هي بركة مولاة كانت لأبويه .
كانت بركة حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تقوم على خدمته ورعايته والإعتناء به صغيرا . وكان يجد لديها الصدر الحنون والكلمة الطيبة والحب الكبير ، فأحبها كأمه .
عندما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة أعتق بركة . وكان كلما ينظر اليها ، يتذكر طفولته . فيضع بيده عليها مربتا قائلا : هذه بقية أهل بيتي .
ولما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الإسلام ، كانت أم أيمن من السابقات الى الإنضمام الى هذا الدين الحنيف .
ثم تزوجت زيد بن حارثة ، الذي فضل البقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يعود مع أبوه وعمه المشركين . لكن كيف تم هذا الزواج المبارك ؟ كانت أم أيمن كعادتها تأتي الى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام متفقدة أحواله ، تقوم على خدمته . وفي يوم كان زيد في البيت ، فسمع النبي الكريم يقول : من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن . فسارع زيد الى الزواج من أم أيمن وأنجبت له أسامة . فكان النبي الكريم يحب أسامة حبا شديدا ، كالحب الذي كان يوليه لأبيه .
وكانت أم أيمن مجاهدة . شهدت أُحد وخيبر وحنين . وكانت مهمتها في تلك الغزوات أن تقوم على سقاية الماء للمجاهدين ، ومداواة جراحهم والإعتناء بهم .
وعندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حزنت كثيرا . فقد فقدت برسول الله صلى الله عليه وسلم إبنا ووليا ورسولا . إبنا ربته ورعته وتولته. وليا كان يرسم لها حدود الحياة والظروف المعيشية . ورسولا هداها الى الصراط المستقيم ، وأنار لها دروب الحياة ، وحررها من عقدة الرق ، ووصفها بأنها من أهل الجنة .
أما بالنسبة لإبنها أسامة ، فلقد أولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء الجيش الذي ضم كبار الصحابة وأجلائهم . وكان أبوه قد استشهد وهم يتهيئون للمسير الى أطراف الشام . تم الإعتراض على هذا التعيين فقال الحبيب الكريم وهو في غاية المرض القول الفصل : " إن أسامة لجدير بالأمارة كما كان أبوه جديرا بها " .
وفرحت أم أيمن بمكانة ابنها . وبالفعل استطاع أسامة تنفيذ المهمة التي أُوكلت له ، وعاد منتصرا. فقرت عين أم أيمن بذلك .
ثم في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، مرضت مرضا شديدا ، ثم توفاها الله تعالى اليه . وعثمان كغيره من الخلفاء الراشدين ، كان يعرف مكانة أم أيمن ومنزلتها عند النبي . فكانوا يحترمونها ويقدروها .
– فاطمة بنت أسد :
هي زوجة أبو طالب عم رسول الله . قلنا سابقا أنه عندما توفيت والدة رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب ، كان عمر سيدنا محمد فقط ست سنوات . فعاش مع بركة بإشراف من جده عبد المطلب . لما توفي جده أوصى الى ابنه أبو طالب برعاية سيدنا محمد الذي كان عمره فقط 8 سنوات . فماذا حصل في بيت عمه أبو طالب ومع زوجته فاطمة ؟ هذا ما سنكتشفه لاحقا .
كانت فاطمة نِعم الأم الصالحة . لا تفرق بين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وبين أبنائها . واستمرت في أمومتها له الى أن شب وكفى نفسه ، واستقل بحياته ثم تزوج خديجة . فعاش سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بين أمين محبين أم أيمن وفاطمة .
عندما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الإسلام ، آمنت فاطمة به وأسلمت وهاجرت أيضا الى المدينة المنورة ثم توفيت بها .
تزوج إبنها علي بن أبي طالب من فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد نظم علي كرم الله وجهه العمل بينهما . فطلب من أمه جلب الماء والذهاب في الحاجة . أما زوجته فتقوم بالطحن والعجن .
عندما توفيت فاطمة ، دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس عند رأسها وقال : " رحمك الله يا أمي ، فقد كنت أمي بعد أمي . تجوعين وتشبعينني ، وتعرين وتكسينني ، وتمنعين نفسك طيبها وتطعمينني ، تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة " .
ثم كفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقميصه ، وأخرج الحبيب التراب بيده الشريفة في اللحد . ثم دخل الى القبر واضطجع به وقال : " الله الذي يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت . اللهم أغفر لأمي فاطمة بنت أسد ، ولقنها حجتها ، ووسع عليها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي ، فإنك أرحم الراحمين ." ثم كبر عليها أربع مرات . وأدخلها اللحد مع العباس وأبي بكر الصديق .
سأله الناس عن القميص ولماذا اضطجع في القبر . فقال معللا ذلك : " ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة ، و اضطجعت في قبرها ليهون عليها عذاب القبر " .
رحم الله أمهات نبيينا محمد صلى الله عليه وسلم
وجزاهن الله عنا خير الجزاء
فداك أبي وأمي يا رسول الله
ودمتم في حفظِ الله ورعايته