ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين
إلا من حبس أو فتن إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله عنهما ،
وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة
فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا
فيطمع أبو بكر أن يكونه .
قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم عن عروة بن الزبير ،
عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة وإما عشية
حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة
والخروج من مكة من بين ظهري قومه أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة
في ساعة كان لا يأتي فيها . قالت فلما رآه أبو بكر قال ما جاء رسول الله
صلى الله عليه وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث .
قالت فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم
وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عني من عندك ;
فقال يا رسول الله إنما هما ابنتاي وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي
فقال إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة .
قالت فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله قال الصحبة .
قالت فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي
يومئذ ثم قال يا نبي الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا .
فاستأجرا عبد الله بن أرقط – رجلا من بني الدئل بن بكر
وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو ، وكان مشركا –
يدلهما على الطريق فدفعا إليه راحلتيهما ، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما
قال ابن إسحاق : فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج
أتى أبا بكر بن أبي قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته
ثم عمد إلى غار بثور – جبل بأسفل مكة – فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر
أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر ;
وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما ،
يأتيهما إذا أمسى في الغار .
وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما .
قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أن الحسن بن أبي الحسن البصري قال
انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا ،
فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه .
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثا
ومعه أبو بكر وجعلت قريش فيه حين فقدوه مئة ناقة لمن يرده عليهم .
وكان عبد الله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم يسمع ما يأتمرون به
وما يقولون في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر
ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر .
وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنه يرعى في عيان أهل مكة ،
فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا ،
فإذا عبد الله بن أبي بكر غدا من عندهما إلى مكة ،
اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفي عليه حتى إذا مضت الثلاث
وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيريهما وبعير له
وأتتهما أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بسفرتهما ،
ونسيت أن تجعل لها عصاما فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس لها عصام
فتحل نطاقها فتجعله عصاما ، ثم علقتها به .
قال ابن إسحاق : فلما قرب أبو بكر رضي الله عنه الراحلتين إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم قدم له أفضلهما ، ثم قال اركب فداك أبي وأمي ;
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أركب بعيرا ليس لي ;
قال فهي لك يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، قال لا ،
ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به ؟ قال كذا وكذا ، قال قد أخذتها به
قال هي لك يا رسول الله . فركبا وانطلقا وأردف أبو بكر الصديق رضي الله عنه
عامر بن فهيرة مولاه خلفه ليخدمهما في الطريق .
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ،
عن عبد الرحمن بن عويمر بن ساعدة قال حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم قالوا : لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ،
وتوكفنا قدومه كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله
صلى الله عليه وسلم فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال فإذا لم نجد ظلا دخلنا ،
وذلك في أيام حارة . حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا ،
وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت فكان أول من رآه رجل من اليهود ،
وقد رأى ما كنا نصنع وأنا ننتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا ،
فصرخ بأعلى صوته يا بني قيلة ، هذا جدكم قد جاء .
قال فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظل نخلة ،
ومعه أبو بكر رضي الله عنه في مثل سنه وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله
صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر ،
حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر فأظله بردائه فعرفناه عند ذلك
قال ابن إسحاق : فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم – فيما يذكرون –
على كلثوم بن هدم ، أخي بني عمرو بن عوف ، ثم أحد بني عبيد :
ويقال بل نزل على سعد بن خيثمة .
ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن هدم : إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة وذلك أنه كان عزبا
لا أهل له وكان منزل الأعزاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين ،
فمن هنالك يقال نزل على سعد بن خيثمة ، وكان يقال لبيت سعد بن خيثمة : بيت الأعزاب .
فالله أعلم أي ذلك كان كلا قد سمعنا .
جزاك الله خير الجزاء