وقد بينا دون لبس وبشهادات العلم الصارمة التي لا تقبل الميل أو التغرير حجم الفروقات التي لا تقتصر على ما هو ظاهر بين ما تراه الأعين مما هو جلي لا يخفى، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى ما هو أبعد من الفروق الجذرية في خصائص نطفة المرأة ونطفة الرجل. ونحن ها هنا نواصل فضح الأكذوبة الكبرى التي سببت أعظم فتنة واجهتها المرأة المسلمة المعاصرة، ألا وهي أكذوبة المساواة، متقدمين خطوة أخرى نحو التكوين الأولي لكل من المرأة والرجل، أي في مرحلة الطفولة المبكرة؛ حيث لم تبلغ البيئة أو التلقين أو التعليم حد التأثير في سلوك الطفلة أو الطفل. فنمضي رحلة أخرى عبر طفولة المرأة والرجل لبيان تأصل الفرق بين الجنسين ليس عند الكبر والبلوغ حتى تحلو دعاواهم بتأثير البيئة والمجتمع ويعلو صياحهم بالاضطهاد وحرمان المرأة المؤهلة من حقوقها. ونعرض هنا بعض الدراسات التي تكشف النقاب عما خفي من جوانب:
أولاً: بناء على جهود مضنية للعلماء فقد بدت الفروق ظاهرة جداً بين الأطفال الذكور والإناث حتى في مرحلة النمو في الأرحام، فبناء على دراسة علمية واسعة على عدد نبضات الأجنة في بطون أمهاتها وجد أن نبض الجنين الذكر (136 نبضة في الدقيقة) أقل من نبض الجنين الأنثى (138 نبضة في الدقيقة) والفرق وإن بدا طفيفاً فإن له دلالات طبية مهمة حيث من المعروف أن أصحاب النبض السريع في البالغين يتسمون بالضعف والتوتر والقلق عمن سواهم، وكلما قل عدد النبضات (في حدود المقبول صحياً) كان دليلاً على الثبات والاستقرار والرسوخ.
ثانياً: الطفل يكون أطول من الطفلة عندما يولدان بسنتيمتر واحد، فمتى صار هو رجلاً وهي امرأة زادها بستة وثمانين ملليمترا حسب تعديل "كواثلث"، وباثني عشر سنتيمتراً حسب تعديل "توبينار"، ثم يميلان للتساوي بعد ذلك (مع تقدم مراحل الشيخوخة) لأن الرجل يقصر أكثر من المرأة1.
ثالثاً: وأما وزن وطول جسمي المرأة والرجل، فقد ذكر الدكتور: "جولز كومبي" (Juls Comby) أن المعدل الوسط لوزن البنات عند الولادة 3250 جراماً، وللصبيان: 3500 جراماً، وقد رتب "روتش مورجان" جدولاً وسطياً لوزن البنات والصبيان، وصل به إلى النتائج نفسها بعد بحث معقد متتبع جميع أعمار الإناث والذكور السابقة.
كما رتب "مورجان" جدولاً بخصوص طول البنات والصبيان الوسطى حتى سن الرابعة عشرة، ووصل أيضاً للفروق الجوهرية بين أطوال الذكور والإناث من لحظة الولادة إلى الرابعة عشرة ليعزز التوجه نفسه2.
نحن هاهنا ما زلنا في مرحلة الحضانة والطفولة الفطرية البريئة التي تنطق بالحق الأبلج دون لف أو التواء أو خداع، الطفولة البيضاء التي يبرز فيها الكل ما جبل عليه بعيداً عن الضوضاء والخطابيات، وليضع أشد الأمور إثارة للمشكلات في نصابها دون وعي أو شعور. القضية التي تلزم كل من يحترم العقل بتوظيف كل من الجنسين بما هو مؤهل له نفسياً وعضوياً لزاماً للانتفاع بعد أن اتفق الكفار والمسلمون على أن تقنين توظيف غير المؤهلين في وظائف لا تناسب ميولهم وقدراتهم، وترسيخ ذلك كقواعد لبناء المجتمعات.. ليس حماقة وخروجاً عن الجادة فحسب، بل هو نوع من التدمير الذاتي والانتحار الشامل على مستوى الفرد والمجتمع والحياة جميعاً، يقول الله تعالى:)قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ( [النحل: 26].