الأمانه
في السُّنَّة النَّبويَّة
– عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما قال:
(أخبرني أبو سفيان أنَّ هرقل قال له: سألتك ماذا يأمركم؟
فزعمت أنَّه يأمر بالصَّلاة والصِّدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمَانَة.
قال: وهذه صفة نبي)
– وعنه أيضًا رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) .
(يعني إذا ائتمنه النَّاس على أموالهم أو على أسرارهم أو
على أولادهم أو على أي شيء مِن هذه الأشياء فإنَّه يخون
-والعياذ بالله-، فهذه مِن علامات النِّفاق)
– وعن ابن عباس أيضًا قال:
((بينما النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدِّث القوم،
جاء أعرابيٌّ فقال:
متى السَّاعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدِّث.
فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم:
بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال: أين أُراه السَّائل عن السَّاعة؟
قال: ها أنا يا رسول الله. قال:
فإذا ضُيِّعت الأمَانَة فانتظر السَّاعة.
قال: كيف إضاعتها؟
قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر السَّاعة))
– وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال:
((حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما
وأنا أنتظر الآخر:
حدَّثنا أنَّ الأمَانَة نزلت في جذر قلوب الرِّجال، ثمَّ علموا مِن القرآن
ثمَّ علموا مِن السُّنَّة.
وحدَّثنا عن رفعها.
قال: ينام الرَّجل النَّومة فتقبض الأمَانَة مِن قلبه فيظلُّ أثرها
مثل أثر الوَكْت.
ثمَّ ينام النَّومة فتُقْبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجْل ،
كجمر دحرجته على رجلك فنَفِط . فتراه منتبرًا وليس فيه شيء،
ويصبح النَّاس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدِّي الأمَانَة، فيقال:
إنَّ في بني فلان رجلًا أمينًا. ويقال للرَّجل: ما أعقله، وما أظرفه!
وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبَّة خردل مِن إيمان))
(الحديث يصوِّر انتزاع الأمَانَة مِن القلوب الخائنة تصويرًا محرجًا،
فهي كذكريات الخير في النُّفوس الشِّرِّيرة، تمرُّ بها وليست منها،
وقد تترك مِن مرِّها أثرًا لاذعًا.
بيد أنَّها لا تحيي ضميرًا مات، وأصبح صاحبه يزن النَّاس
على أساس أثرته وشهوته،
غير مكترث بكفر أو إيمان!!
إنَّ الأمَانَة فضيلة ضخمة، لا يستطيع حملها الرَّجال المهازيل،
وقد ضرب الله المثل لضخامتها، فأبان أنَّها تثقل كاهل الوجود،
فلا ينبغي للإنسان أن يستهين بها أو يفرِّط في حقِّها.
قال الله تعالى:
{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا
وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}
[الأحزاب: 72]
والظُّلم والجهل آفتان عرضتا للفطرة الأولى، وعُني الإنسان
بجهادهما فلن يخلص له إيمان إلَّا إذا أنقاه مِن الظُّلم: {الَّذِينَ آمَنُواْ
وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ…}
[الأنعام: 82]
ولن تخلص له تقوى إلَّا إذا نَقَّاها مِن الجهالة: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ
مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}
[فاطر:28]
ولذلك بعد أن تقرأ الآية التي حملت الإنسان الأمَانَة
تجد أنَّ الذين غلبهم الظُّلم والجهل خانوا ونافقوا وأشركوا،
فحقَّ عليهم العقاب،
ولم تـكـتب السَّــــلامة إلَّا لأهـــــل الإيمــــــان والأمَــــانَة:
{لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}
[الأحزاب: 73])
– وعن عبد الله بن عمرو عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
((أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا يضرَّنَّك ما فاتك مِن الدُّنْيا: صِدْق حديث،
وحِفْظ أمانة، وحُسْن خليقة، وعفَّة طُعْمة))