بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(( فن النوم والاستيقاظ ؟! ))
من منكم منضبط في موضوع نومه ؟
أو على الأقل من منكم إن لم يستطع أن يضبط نومه، فمن يستطيع أن يضبط نوم أطفاله ؟
من منكم يستطيع أن يتحكم بطبيعة الأحلام التي سيراها ؟
من منكم لا يستطيع الاستيقاظ حتى لو أيقظه من حوله بشتى الوسائل ؟
النوم، ما النوم ؟ هل تأملته يومًا من الأيام ؟
أنت تعرفه وتمارسه كل يوم، بل إن ثلث عمرك يذهب فيه ضرورة لا غنى عنها، بل إن حياتك مؤلفة من قسمين اثنين لا ثالث لهما، مِن يقظةٍ تبتغي فيها فضل الله، ونومٍ تبتغي فيه الراحة لتعاود العمل في طاعة الله، الليل لباس، والنهار معاش
(وهُوَ الذي جعلَ لَكمُ الليلَ لِتَسكنوا فيهِ والنهارَ مُبصرا إِنَّ في ذلكَ لآَياتٍ لقوم يَسمعون) -يونس-
هل تعلم أن يومك كله مرهون بأول ثلاث دقائق من استيقاظك في الصباح ؟
وأنها هي التي تحدد بقية يومك !!
سيكون بحثنا هذا على المحاور التالية:
– متى يجب أن ننام ؟ – متى يجب أن نستيقظ ؟ – أين ينبغي أن ننام ؟ – بالتأكيد بنفس المكان سنستيقظ !! – كيف ننام ؟ – كيف نستيقظ ؟
إننا نحتاج لبرمجة حياتنا على نحو معين، وللأسف من لا يرغب بأن يبرمج حياته..
فإنه سوف يتجه نحو ما ربما لا تحمد عواقبه، نحو ما يسمى الشيخوخة المبكرة، والنسيان نعم حتى على مستوى الطلاب (دراستهم)
على مستوى العلاقات
(من عدة أيام تعرفت على فلان.. واليوم نسيت اسمه!!)
على مستوى الرياضيين كذلك الأمر..
نعم أنت تكون مستهتر وغير مبالٍ، لكن ولتعلم أن ذلك مرتبط بالنوم والاستيقاظ ؟!
في الواقع.. هناك أشياء تتحكم بنا، إن وعينا ذلك أو لا.. هناك ساعة كونية.. وهناك ما يقابلها ما يحكمنا من داخلنا، الساعة البيولوجية، وبقدر ما تتناسب ساعتنا البيولوجية مع تلك الساعة الكونية..
بقدر ما نعيش بشكل صحيح وسليم، كالذي عنده سفينة وشرّع الأشرعة واتجه لكنْ ليس مع الرياح فأين سيستقر به المركب في النهاية، لذا فعلينا أن نستغل هذه الرياح لتدفعنا بالاتجاه الصحيح ونحو النجاة
وإلا فستشرع سفينة حياتنا بغير جهة التيار إن لم نقل بعكس التيار! وهذا يعني جهدا كبيرا لكن بدون الوجهة المطلوبة.
إن أكثر الناس نجاحا في الحياة هم أكثرهم انسجاما مع سنن الله التي بثها في الكون، وأكثرهم نجاحا من يستطيع أن يهتدي بالهدي الرباني بأن يوفق بين ساعته البيولوجية وبين الساعة الكونية.
فالذي خلق السموات والأرض وضبط حركة المجرات والشمس والقمر وجعلها تسير وفق سنن ثابتة لا تحيد ولا تنحرف، ولا تحابي أحدا..
فليس من أجل خاطر فلان سوف تتأخر الشمس عن الطلوع اليوم ربع ساعة مثلا.. أبدا، فهي لا تحابي أحدا.. القمر كذلك الأمر، كل بقدر.
وإن للجسم الإنساني إيقاعات.. هذه الإيقاعات منسجمة مع سنن الله الكونية العامة، فمنها مثلا التنفس فهو لا إرادي. لكنْ ثمة بعض الأمور قد أسندت لإرادتنا نحن، وبقدر ما كنا واعين.. بقدر ما علينا أن نسيّـر جسمنا مع الأشياء التي تسير مع سنن الكون، وبقدر ما تصطدم أهواؤنا وإراداتنا -عندما نحاول أن نعاكسها- فهي أيضا تجري من غير أن ترحم أحدا.. وبالتالي سندفع الثمن.
جسمنا لديه غدد، وكل غدة تعمل بوقت محدد لا تحيد عنه أبدا، كل عضو من أعضائنا له وقت أعظمي للعمل وهذه تسمى (الساعة الصينية للأعضاء)
فهم أكثر من تعرضوا للساعة البيولوجية وتعمقوا فيها، وتحدثوا عن الوقت الأعظمي لتمثيل الشفاء وإجراء العمليات..
لا يهمنا كثيرا التطرق لتفصيلات ذلك هنا، لكن الموضوع ليس له علاقة بالخرافات والتكهنات، بل له علاقة بأجسامنا نحن، متى هذه الغدة تفرز كذا.. متى يعمل كذا.. وهكذا..
والآن سنتبين كيف أننا إن استفدنا من الساعة البيولوجية الداخلية كيف سيكون لدينا استغلال وبركة في أوقاتنا وأعمالنا.
*يقسم النوم إلى قسمين:
1) النوم الهادئ: وإحدى مراحله تسمى النوم العميق.
2) النوم الحالم.
ومن المفروض..
أن تأخذ أي دورة نومية حظها من هذين النوعين، فإن كان نومك كله حالما فهذه مشكلة.. لأنك ستكون وكأنك لم تنم وكأنك استجريت كل أحلام النهار وأمانيه غير المحققة إلى الليل، وعم تشاهدها وعم تعيش في همومها وضغوطها، ثم تستيقظ وتعود لهذه الحياة وضغوطها، وهكذا.. عذاب في عذاب وليس نوما.
النوم الهادئ العميق إن دخلت فيه (وفي الوقت السليم الصحيح)..
حصلت على راحتك وكفايتك التي تحتاجها، وإن لم تدخل هذه المرحلةَ فكأنك لم تنم شيئا، الكثير منكم يجد نفسه أنه نام ساعة ثم يستيقظ ويشعر أنه اكتفى، والبعض قد ينام عشر ساعات ويشعر رغم ذلك أن جسده لا يزال متعبا ومنهكا، صحيح ذلك أم لا ؟ ربما لن تجد لذلك تفسيرا، لكن بعد أن نفهم نواميس النوم.. ربما نعي شيئا من ذلك.
من وظائف النوم الهادئ:
يصحح ويرمم ويساعد على الشفاء، ويؤدي إلى تركيب المواد الغذائية في المخ، ويريح الجسم من التعب، ويبعث على الشعور بالراحة، ويزداد فيه إفراز هرمونات النمو، ويزداد إنتاج البروتين.
وهو يشكل 80% من مجمل النوم، كما أن له أثرا على حيوية ونضارة الوجه والجمال..
ونمر بمرحلة منه تسمى النوم العميق وهي تشكل 15% فقط من النوم الهادئ، (هذه ربما التي نسميها بالعامية.. سابع نومة)، في الحقيقة.. يكون المرء خلالها وكأنه مفصول تماما عن الحياة، ولله الحمد أنها فقط 15%، وإلا فإذا حدثت كوارث من حريق أو ما شابهه..
فهنا تكون مصيبة فلن يستيقظ المرء بسهولة. وعندما توقظ أي شخص من نومه العميق..
فإنه لن يكون لديه أي تحديد للزمان والمكان..
(هل أنا نائم في هذه الجهة أم تلك.. الآن صباح أم مساء)
هذا الشعور يسمى بالنوم العميق.
لكن هذا النوم العميق هو سر النوم، نعم هذه ال15% هي سر النوم !!
ماذا لو حرمنا شخصا من النوم الهادئ ؟
إنه سيصاب بأمراض جسمية (مفاصل)، أضف إليه تباطؤاً في حركة الجسم بشكل عام.
أما عن وظائف وفوائد النوم الحالم:
فهو يعطي القدرات العقلية للمبدعين، يعطيك القوة في التركيز، ينسي الدماغ بعض الأفكار المتطفلة التي لا داعي لها، حل الكثير من المشكلات والمعضلات.. هنا نذكر أحلام المبدعين والمفكرين، فهناك الكثير.. مثل قانون مالديف في الرموز الكيميائية..
اكتشفه هذا العالم أثناء النوم، أيضا العديد من قصائد أحمد شوقي رآها في النوم، ينقل ذلك عن أديسون أيضا.. فهذه هي الأحلام الإبداعية.
بالتأكيد تكون هذه الفكرة مسيطرة على ذهن المفكر أو العالم وتؤرقه، لكن عقله الواعي لا يجد لها حلا، أما عندما ينام المرء، فأحد وظائف هذا النوم أنه يرتب الأفكار ويصنفها، ويلقي بالأفكار التي ليس لها دور يلقي بها جانبا..
ففي حالة الصحو واليقظة لم يكن له قدرة على تصنيفها بشكلها السليم، لكن عقلك اللاواعي هو عقل ذكي جدا أذكى بكثير من عقلك الواعي والآن جاء دوره وهو الذي يستطيع أن يصل بهذه المعلومات إلى نتيجة سليمة.
الآن.. ماذا لو حرمنا إنساناً من نومه الحالم ؟ ماذا سيحدث له ؟
إن الحرمان من النوم الحالم يؤدي إلى تهيـّج، سرعة في الانفعال، ضيق خُلق، هلوسات هذيان، قلة تركيز…
النوم الحالم نوم مهم.. أيضا يمكن أن يكون فيه تحقيق لكثير من الرغبات التي لم نستطع تحقيقها في اليقظة ففيه تنفيس لما لم نستطع إنفاذه في اليقظة..
أيضا ممكن أن يكون مساعدا في دورات التفوق الدراسي، فيكون البرنامج مليئا بعدد ساعات نوم كثيرة.
* ثمة كتاب اسمه (نجاح بلا توتر)
ترجمة موسى يونس، يذكر فيه صاحبه أن 90% من أمراضنا الجسدية والنفسية.. ناتجة عن سبب واحد ووحيد ألا وهو
التوتر والضغط !!
يا ترى هل منا من أحد تخلو حياته من التوتر أو الضغط.. نشرة أخبار واحدة كفيلة بأن تفعل ما تفعل بأجسامنا، هناك الكثير من جرعات التوتر التي نرتشفها في حياتنا اليومية..
على صعيد العمل، على صعيد العلاقات.. كل ذلك لكفيل بإحداث توتر سواء شعرنا أم لم نشعر.. فإن الضغوط تحاصرنا من كل مكان وهي السبب الرئيسي في أمراضنا سواء الروحية (بعد عن الله), أو ذهنية (قلة تركيز), أو نفسية (تعكير)
وإن ذلك لا شك من رحمات الله تعالى لمن وعيه وفهمه عن الله تعالى، أن يذيقنا بعضا من ذلك في الحياة الدنيا، إذ لولا الألم لما اندفع أحد نحو العمل ولركنا.. فالألم دافع نحو العمل.
وإن المنفذ من هذا التوتر الذي نحمله هو أمران:
– فن الاسترخاء وإتقانه.
_ النوم.. ذلك الإجراء الفطري الرباني.
لولا النوم، ولو استجبنا لهذه الضغوط واستمرينا يوما أو اثنين بلا نوم، لننظر ماذا ستكون النتيجة، جرب ألا تنام حتى ولو كانت استعدادا لفرح (عرس)..
سيكون التركيز غير تركيز وسيكون المرء كالمخبول، وبالتالي نعمة كبيرة جدا موضوع منامكم بالليل..
(ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) -سورة الروم-
(وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا)-الفرقان-
الآن.. لماذا الليل؟! وليس النهار..
ملاحظة: يبدأ اليوم الكامل لدينا من الليل ثم يأتي النهار، والكثير منا يظن عكس ذلك ولكن هذا غير صحيح، إن اليوم الحقيقي يبدأ من المغرب وليس من الثانية عشر ليلا.. فالليل دائما يسبق النهار..
تأمّـل في الليل..
كم نشأت نبوات وأفكار في ليل، وآخرها وأجلها ليلة القدر.. أي أن بداية كل هذا الخير الذي تعيشه وأعيشه ونعيشه الآن.. كان في الليل، وهذه الليلة تساوي عند الله ألف شهر، سيدنا يونس عليه السلام
(إذ نادى ربه في الظلمات..)
سيدنا يوسف عليه السلام (في غيابة الجب).
لماذا يبدأ اليوم بالنوم قبل الاستيقاظ ؟
ففي الواقع.. نحن ننام (نتزود) ثم نستيقظ لننطلق نحو العمل والكسب، وليس العكس
بمعنى آخر..
إذا نحن نمنا شكل صحيح وأتقنا فن النوم بشكل صحيح.. ضمنـّا أربعا وعشرين ساعة ممتازة، وإن كان نومك غير سوي وتجاوز حدود النوم الصحيح..
إذاً فأنت حكمت على الأربع وعشرين ساعة أنها سيئة وستعيشها بشكل مزعج، لماذا ؟
لأن الإنسان فعلا يتزود قبل أن ينطلق وليس ينطلق وليس معه زوادة. بالتالي..
إذا وعي أحدنا هذه النقطة، أدرك كيف أن عليه الاهتمام البالغ بشأن النوم الذي هو زوادة الانطلاق
وقبل ذلك هو أحد قسمين اثنين من حياتنا لا ثالث لهما، فحياتنا إما يقظة أو نوم.
|