بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
حديث: ذهب أهل الدثور بالأجور
وعن أبي ذر -رضي الله عنه –
أن ناسا من أصحاب رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-
قالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم.
قال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-
أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون:
إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة
وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة
وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة
وفي بضع أحدكم صدقة
فقالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟!
قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟
كذلك لو وضعها في الحلال كان له أجر
رواه مسلم.
شرح الحديث .. .
-صلى الله عليه وسلم-
قالوا للنبي -عليه الصلاة والسلام-:
يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور
ذهب أهل الدثور
يعني: أن أهل الغنى ذهبوا بالأجر عند الله
-جل وعلا-؛ لأن لهم أموالا يتصدقون بها
، والصدقة أمرها عظيم.
قالوا ذهب أهل الدثور بالأجور:
يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم
يعني: أن الله -جل وعلا- ميزهم بأنهم يتصدقون، فيصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، لكن تميزوا عنا بالصدقة
فذهب أهل الدثور بأجور الصدقة.
بين لهم أن معنى الصدقة
: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به وهذا فيه الحث على سماع ما جعل الله
-جل وعلا- للفقراء، بل ولعامة المسلمين الأغنياء والفقراء جميعا من أنواع الصدقات التي لا تدخل في الصدقات المالية.
فإن الصدقة في الشريعة ليست هي الصدقة بالمال، والصدقة بالمال نوع
من أنواع الصدقة
فالصدقة إيصال الخير
تعريف الصدقة: إيصال الخير والنفع للغير؛ ولهذا يوصف الله -جل وعلا-
بأنه متصدق على عباده.
لما سألوه عن مسألة القصر في السفر قال: صدقة من الله
قالوا: يا رسول الله، هانحن قد أمنا، والله
-جل وعلا-
يقول في سورة النساء:
( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وقد أمنا).
فقال -عليه الصلاة والسلام-
صدقة من الله عليكم، فاقبلوا صدقته .
فالله -جل وعلا- يتصدق على عباده،
بمعنى:
يوصل الخير وما ينفعهم لهم، فالصدقة: إيصال الخير للغير، وقد يكون هذا الإيصال متعديا، وقد يكون لازما،
يعني: قد يكون العبد يوصل الخير لنفسه فيكون متصدقا، ويوصل الخير لغيره
فيكون متصدقا على غيره.
فإنها إيصال الخير والنفع للغير
قال -عليه الصلاة والسلام-:
أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون
لأن معنى الصدقة عام:
إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة .
بهذه الأربع لأمرين:
فمثل بها على أنواع الذكر الأخرى
لأن هذه أفضل الذكر
كما ثبت في الصحيح أنه
-عليه الصلاة والسلام-
قال:
أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر .
فهي أعظم ما تتقرب به إلى الله
-جل وعلا-
من الذكر، وتتصدق به على نفسك
فقال:
إن بكل تسبيحة صدقة لأن فيها الأجر العظيم، فتصل بالتسبيحة نفسك بأنواع الخير والأجر.
إلى نوع من الصدقة متعد
فقال: وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة هذا تمثيل لأنواع الصدقات التي فيها التعدي النفع، فذكر الأمر بالمعروف،
والمعروف: هو ما علم حسنه، والأمر به في الشريعة، فما عرف في الشريعة حسنه، فهو معروف.
-وهو ما أنكر في الشريعة-
وأعلاه الشرك بالله -جل وعلا-
فقد نهى عن المنكر
فإذن كل أمر بمعروف صدقة لك
وكل نهي عن المنكر صدقة.
فمن لازم العلم تعلما وتعليما فإنه يتصدق في كل لحظة تمر عليه على نفسه
وكذلك على غيره؛ ولهذا أهل العلم أعظم الناس أجورا إن صلحت نياتهم.
لأن البضع والبعض فيها قلب
"ب ض ع" و"ب ع ض"
يعني: البعض، والبضع مقلوبة هذه عن الأخرى، فمعنى البضع البعض، ولكنهم كنوا به عن بعض ابن آدم، وهو فرجه
وهذا من شريف الكلام؛ حيث يذكر ما يستحيا عن ذكره ولا يحسن ذكره في كلمات تدل عليه، ولا يكون لها وقع ينافي الأدب
في السمع.
يعني: فيما يأتيه المرء بفرجه
-وهو ذكر الرجل-
صدقة، فاستغربوا
قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟! .
يعني: ماء الرجل الذي ينزله،
يعني: المراد تمام الشهوة، ويكون له فيها أجر؟!
يعني: المرء يأتي شهوته، وينزل ماءه، ويكون له بذلك أجر؟!
فقال -عليه الصلاة والسلام-
أرأيتم لو وضعها
-يعني: لو وضع الشهوة- في حرام .
قال: أرأيتم لو وضعها في حرام وهذا يسمى استدلال العكس، أو قياس العكس.
قالوا:
فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر وهذا
-يعني: أن ما يفعله المرء من هذه الأفعال التي هي من قبيل الشهوات
– إذا أتى بها الحلال، وابتلى الله -جل وعلا- العبد بهذه الشهوة، فجعلها في الحلال، وباعد نفسه عن وضعها في الحرام –
أنه يؤجر على ذلك، وهذا هو الظاهر.
فقالت طائفة: هذه الشهوات التي ابتلى الله بها العبد إذا جعلها في الحلال فإنه يؤجر عليها بلا نية، على ظاهر هذا الحديث،
وتنفعه النية العامة، وهي نية الطاعة نية الإسلام، فإنه بالإسلام يحصل له نية الطاعة لله -جل وعلا- فيما يأتي
وفيما يذر النية العامة
وهذا قول طائفة من أهل العلم.
فإذا صرف نفسه عن مواقعة الزنا إلى مواقعة الحلال بنية
-فإنه يؤجر على ذلك؛ لأن الأحاديث الأخر،
والقواعد العامة، وكذلك بعض الأيات -تدل على أنه إنما يؤجر على ما يبتغى به
وجه الله -جل وعلا-.
إنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله
إلا أجرت عليها
وأيضا في أية النساء
قال -جل وعلا-:
(لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )
ودل في الحديث أيضا على أن النفقة
إذا ابتغي بها وجه الله –
فإنه يؤجر عليها في العبد.
فحمل أكثر أهل العلم هذا الظاهر من الحديث على غيره
من النصوص مما يكون العبد به منصرفا
عن الحرام إلى الحلال بنية
فإذا قام في قلبه أنه لن يأتي الحرام
بأن الله أباح له الحلال ليقتصر على الحلال دون الحرام
فإنه يؤجر على ما يأتي من الحلال
ويؤجر علي شهوته في هذه النية
وإنما الأعمال بالنيات.
من شرح الشيخ صالح عبدالعزيز ال الشيخ
ودعاء منك اسعدني ربي لا يحرمك الجنة