سورة المائدة تدعو إلي الوسطية وقبول الآخر 2024.

والكتاب الذي بين أيدينا عنوانه سورة المائدة والنداءات الإلهية للرسول عليه السلام وللمؤمنين وأهل الكتاب وهو كتاب قديم حديث حيث ألفه العلامة المرحوم فضيلة الشيخ محمد محمد المدني.

ورغم أن الكتاب كان قديما في إعداده إلا أنه لم ير النور إلا أخيرا, حيث اعتبر الأستاذ الكبير هذه النداءات الإلهية للمؤمنين قانونا منظما لشأن من الشئون حيث تحدثت السورة عن ذلك كله ونادي الله عباده المؤمنين بما شرع لهم من أحكام وأرشد إليه من أخلاق في مواضع لم نر عددها في أطول سورة وهي البقرة, ستة عشر نداء وجهت إلي المؤمنين خاصة, ويعتبر كل نداء منها قانونا ينظم ناحية من نواحي الحياة عند المسلمين فيما يختص بأنفسهم وفيما يختص بعلاقتهم بأهل الكتاب, ونداءان من الله لرسوله صلي الله عليه وسلم بصفة الرسالة, ونداءات لأهل الكتاب, وأمرت الرسول ثلاث مرات أن يوجه إليهم النداء في موضوعات ثلاثة في شأن مايثيرون به الخلاف بينه وبينهم.

كل هذه النداءات التي جمعها وأعدها وقدمها الشيخ أحمد مصطفي فضيلة من علماء الأزهر الشريف قد وجهت إلي الرسول وإلي المسلمين وإلي أهل الكتاب, أوامر النبي بتوجيهها إليهم في هذه السورة, وأبانها العالم الجليل المرحوم الشيخ محمد المدني بقلمه السيال وأسلوبه الأدبي الجذاب.


وقد سميت سورة المائدة بسورة العقود حيث هي السورة الوحيدة التي اختتمت بطلب الايفاء بالعقود من المؤمنين قال تعالي: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود وتضمنت السورة من أولها إلي آخرها علي هدفين واضحين هما حث المؤمنين علي التزام المواثيق والعهود وتحذيرهم عاقبة اهمالها والاخلال بشيء منها, والثاني النعي علي أهل الكتاب نقضهم مواثيق الله والنداءات التي حملتها السورة كما قلت16 نداء أولها مسئولية الالتزام التعاقدي وميثاق الإيمان بين الخالق والمخلوقين باعتبار أن التعاقد لابد أن يكون محترما إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا ومنها العهد بين الحاكم والمحكوم, والنداء الثاني المحافظة علي الشخصية الدينية للمسلمين بإيجاب التمسك بالشعائر, وذلك بتقديس ما قدسه الله يا أيها الذين آمنوا لاتحلوا شعائر الله.

وقد بين النداء الثالث ماتتوقف عليه صحة الصلاة من جهة الطهارة وتأكيد مكانة الصلاة من الدين وكونها عنصرا من العناصر المكونة لشخصية المؤمن وأثرها في تهذيب النفوس, باعتبارها رحلات الهيئة أوجبها الله عل عباده في أوقات متفرقة من اليوم والليلة يخلص فيها المؤمن من دنياه ويفرغ لربه بالتكبير والمناجاة وطلب المعونة والهداية.

وقد أشارت باقي النداءات إلي أن التذكير بالنعم مما يوجب الشكر, والشكر والوفاء طريقهما القيام بأحكام الله, وأن المحبة في الله هي أقوي الروابط خاصة وأن المجتمع أحوج إلي علاقة المحبة منه إلي أي علاقة سواها, وأن عمارة الكون اقتضت خلق الانسان روحيا وماديا معا.

ومن أبرز النداءات الإلهية في السورة التأكيد علي وسطية الإسلام حيث الفطرة والتوسط ورفض التشدد والعنف وضرورة قبول الآخر والالتجاء إلي الحوار وإلي الحكمة في ايصال وحدة الإسلام إلي الغير ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن, والإسلام لايرضي أن يكون أمر الانسان معلقا بهذا الجانب أو ذاك ولايرضي بأن يتركه في ظلمة المادية خارقا في شهواته غير مستمسك بما يرتفع به.

كما أكد أن اعطاء النفس حقها المشروع لاينافي لقول الله, وأن حرمان النفس من الطيبات بقصد تهذيبها هو تزيد علي الله وخروج علي سنة المشرع وكأنه يقول لربه: لقد شرعت إلي التمتع بالحلال ولكني لا أري ذلك كافيا ياربي!! ولاشك أن هذا اعتداء وخروج علي سنة الشريعة وصدق الله حيث قال وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا وهذا للوجوب وليس للاباحة.