رمضان والتوبة
رمضان والتوبة
الحمد لله، نحمد ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد:
ففضل الله تعالى على عبادة المؤمنين ليس يحصيه العد، ولا يحده الحد بل هو عام شامل مطلق. خلقهم فأحسن خلقهم، وصورهم فأحسن صورهم، ورزقهم وأعطاهم، ثم وفقهم للحسنى فهداهم وفتح لهم باب الرجعة إن ضلوا الطريق أو أزغهم الشيطان. ولا يزال الباب مفتوحاً ما دامت الشمس تطلع من مشرقها، ما لم يغرغر العبد بالموت.
والعبد يحتاج التوبة في كل وقت، لأنه يخطئ في كل وقت، وقد يشعر بخطئه وقد لا يشعر، فكان لابد أن يلازم التوبة في ساعاته وأيامه.
التوبة عبادة
قال بعض العلماء: " دعوت الله سبحانه وتعالى ثلاثين سنة أن يرزقني توبة نصوحاً، ثم تعجبت من نفسي وقلت: سبحان الله حاجة دعوت الله فيها ثلاثين سنة فما قضيت إلى الآن، فرأيت فيما يرى النائم قائلاً يقول لي: أتعجب من ذلك؟ أتدري ماذا تسأل الله تعالى؟ إنّما تسأله سبحانه أن يحبك، أما سمعت قول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222 ] ". [ غذاء الألباب للسفاريني 2 / 590 ].
تعريف التوبة النصوح
من آثار التوبة
2 – أنّ الفلاح معلق بالتوبة: كما في قول الله تعالى: فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ [القصص:67].
3 – قلب السيئات إلى حسنات: من أعظم أثر التوبة تبديل السيئات إلى حسنات، فتنقلب سيئات العاصي بعد التوبة النصوح إلى حسنات وتبيض صحائفه بعد أن كانت سوداء كما في قول الله تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الفرقان:70 ]، وعن أبي الطويل شطب الممدود رصي الله عنه: أنه أتى إلى النبي فقال: أرأيت من عمل الذنوب كلها، ولم يترك منها شيئاً وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا أتاها، فهل لذلك من توبة؟ قال : «فهل أسلمت؟» قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال صلى الله عليه سلم: «تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك خيرات كلهن» قال: وغدراتي وفجراتي؟ قال : «نعم»، قال الله أكبر، فما زال يكبر حتى توارى. [ أخرجه البزار والطبراني بإسناد جيد ].
العلاقة بين التوبة والإسلام
قبول التوبة في أي وقت
رأفة النبي بقومه
ظن خاطئ !!
لماذا يؤخر الناس التوبة؟ !!
استقبال رمضان بالتوبة
وإذا كان العبد مطلوباً منه أن يتوب في كل وقت وحين، فالتوبة في رمضان تتأكد، لأنه شهر عظيم، تتنزل فيه رحمات رب العالمين، لكنه يحتاج من العباد إلى إقبال على الله تعالى، فأين هم الذين أسرفوا على أنفسهم؟ وقضوا الأيام والليالي في العصيان؟ وقابلوا نعم المولى بالكفران؟ وحاربوا الله في أرضه؟ ونابذوه في ملكه؟ أين هم فليتوبوا وهل منا من يسلم من الخطأ؟ ويبرأ من المعصية؟ !! كلا بل نحن الخطاؤون العاصون، لكن نرجوا أن نكون من التوابين، ف«خير الخطائين التوابون» كما أخبر بذلك رسول الله [ رواه أحمد 3 / 198 وابن ماجه / 4251 ].
إن باب التوبة مفتوح فأين التوابون؟
يحكم بقبول التوبة عندهم عبيد مثلهم لا يملكون ضراً ولا نفعاً، يأكلون أموال الناس بالباطل، ويقودونهم إلى دار السعير.
أما التوبة في الإسلام فهي بالمجان، لا يمن عليك راهب أو حبر أن هداك، فالفضل للهادي سبحانه وتعالى. في الإسلام كل عبد يجد ما عمل، ولا يحمل أحد إلا وزره ولا يتحمل العباد خطيئة أبيهم آدم ولا غيره كما هو الحال في ديانات أخرى، لفت انتباه بعض أفرادها قول الله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [ فاطر: 18 ] فقادت هذه الآية بعضهم في الإسلام، لأنه كان ثابتاً في دينهم أنهم مهما عملوا صالحاً فعليهم وزر الخطيئة الأولى، لكن رسول الله ألغى تلك الخرافات وجاء بالدين الصحيح من عند الله تعالى.
لا يأس في الإسلام
واليأس والقنوط سلاح لإبليس يمضيه في المعاصي حتي يستمر عصيانه، لكن الله تعالى رحيم رؤوف بعباده يناديهم دائماً مهما أسرفوا على أنفسهم قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53 ]، واليأس من صفات الكافرين إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].
فرح الله تعالى بتوبة عباده
سبحان الله !! يفرح الله بتوبة عباده وهو غني عنهم وهم فقراء إليه وهو قادر فوقهم وهم عاجزون تحته، يناديهم بالتوبة ويعلق فلاحهم عليها، فهل يأبي ذلك إلا الخاسرون وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
ومهما كرر العبد الذنوب، فإن عليه أن يتوب، ويصدق في توبته مع الله تعالى حتى لا يكون كذاباً. عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: «أذنب عبد ذنباً قال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً، علم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك» [ رواه البخاري / 7507 ومسلم / 2785 ].
قال المنذري: " معناه والله أعلم: أنه ما دام كلما أذنب ذنباً استغفر وتاب منه ولم يعد إليه بدليل قوله ثم أصاب ذنباً آخر فليفعل إذا كان هذا دأبه ما شاء، لأنه كلما أذنب كانت توبته واستغفاره كفارة لذنبه فلا يضره، لأنه يذنب الذنب فيستغفر منه بلسانه من غير إقلاع ثم يعاوده فإذا هو توبة الكذابين ". ا هـ. [ الترغيب 4 / 91 ].
كيف نتوب؟ !
وعلامة العزم على عدم مقارفة الذنوب: الندم على ما سلف منها يبكي على ذنوبه، ويندم على ما اقترفت يداه. يندم على مسارعته في المعصية، وتقصيره في الطاعة. قال عمر بن ذر: " كل حزن يبلى إلا حزن التائب على ذنوبه ". [ نزهة العقلاء / 548 ]. وما ذاك إلا لأنه يتخيل قبح ذنوبه، ويتأمل عظمة الله تعالى في خلقه، فيطير قلبه من هول ذلك، ويتساءل: كيف ارتكب القبائح في حق من اتصف بهذه العظمة والجبروت، فيقطعه الندم على ما سلف، ويقوده ذلك إلى المسارعة في الخيرات، واكتساب الحسنات.
وهذا أنس بن النضر يفوته القتال في بدر مع أن النبي لم يخرج للقتال، ولكن القتال حدث بعد ذلك إرادة من الله تعالى، كما قال تعالى: وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً [الأنفال: 42].
وبعض الصحابة كانوا في المدينة لا يعلمون أن ثمة قتال، ومنهم أنس بن النضر، فيظهر عليه التأثير والندم على عدم حضوره بدراً، فيقول للنبي : " يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت فيه المشركين، والله لئن أشهدني قتالهم ليرين ما أفعل ". [ رواه البخاري / 4048 ومسلم / 1903 ]. و هكذا قال، وسجل ندمه على ما فات، فكانت نتيجة هذا الندم: عزم على قتال المشركين بشدة، وتأتي أحد، فتصدق ندمه حيث كانت النتيجة أن وجد في جسمه بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية، وما عرفته أخته إلا ببنانه وذلك بسبب إقدامه وتفانيه في حرب المشركين، وفيه وفي أمثاله نزل قول الله تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:23].
نعم صدقوا والله في توبتهم وفي ندمهم، لم يتكلموا كثيرا، لكنهم صدقوا مقالهم بأفعالهم. ونحن قد نتكلم ونعزم على التوبة، ويظهر منا ندم ما على الذنوب، لكننا قد نضعف أمام إغراءات الشيطان في هذا الشهر المعظم وربما أعجبنا السهر إلى السحر في مجالس اللهو والغفلة والحرام، ونقول: أننا نتوب، فهل هذه توبة.
قال شقيق البلخي: " علامة التوبة: البكاء على ما سلف، والخوف من الوقوع في الذنب، وهجران إخوان السوء، وملازمة الأخيار ". [ نزهة الفضلاء / 711 ].
فهل توجد هذه العلامات في توبتنا؟، أم مازلنا لا نخاف من الذنب، ولا نهجر إخوان السوء، بل نهجر الأخيار، ثم نقول بعد ذلك: إننا نتوب !! أي كذب هذا؟ أنكذب على الله تعالى وهو يرانا؟، سبحان الله ما أعظم ذنبنا ! وما أقل شكرنا، فنسألك اللّهم أن تعفو عنا، وأن تردنا إليك رداً جميلاً، وأن تصلح ما فسد من قلوبنا إنك سميع مجيب،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
رمضان والتوبة
رمضان والتوبة
رمضان والتوبة
امين يارب العالمين
وجزاك الله خير
وجعل عملك هذا بميزان حسناتك
هذا حال الكثير يؤجل التوبه وكانه يعلم متا يأتيه الاجل
بارك الله فيك وسدد خطاك وجعلك مباركه اينما كنتِ
هذا ما تعودناه في مواضيعك كل جديد ومفيد
حين نستشعر عظمة التوبة وجمال لحظاتها
نشعر بأن أرواحنا المختبئة في كهوف الذنوب والمعاصي قد خرجت
وأشرقت بنور ربهــا
بِــ عظيم فرحته سبحانه بهذه التوبة
بِــ جمال العودة إليه والإقبال عليه
فــ مالنا غيره تعالى
نلوذ إليه في جميع أحوالنا
ونهرب منه إليه
ما أعظمك ربنا
وما أجمل الحديث عن التوبة
جوزيتِ خيرا ياغالية
فقد نثرتِ في عالمي جمالا بروعة كلماتكِ وزهوهـــا