الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له،
ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كتب الرحمة والسعادة لمن أطاعه واتقاه، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره وعصاه،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه، واستقام على شريعته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين.
أما بعــد:
أيها المسلمون!
اتقوا الله -تعالى- ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعلموا -رحمكم الله- أن الله تبارك وتعالى أوجب طاعته
وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على كل إنسان، وفي كل زمانٍ ومكان، ونهى عن معصيته ومعصية رسوله عليه الصلاة والسلام،
قال الله عز وجل🙁 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ )
[الأنفال:20-21].
ولقد رتب الله على الطاعة السعادة والفلاح والفوز في الدارين (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:71]
كما رتب على المعصية، من العقوبات الدنيوية والأخروية، ما لا يُعد ولا يحصى، ولا يحد ولا يستقصى،
يقول سبحانه: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً )
[الأحزاب:36]
ويقول عز من قائل🙁 فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [النور:63].
أي: فليحذر وليخشى من خالف شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً أن تصيبهم فتنةٌ في قلوبهم، من كفرٍ أو فسقٍ أو نفاق أو بدعة،
أو يصيبهم عذابٌ أليم في الدنيا وفي الآخرة،
قال الإمام أحمد رحمه الله، في تفسير هذه الآية: "أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك"، لعله إذا رد بعض قوله، أن يقع في قلبه شيءٌ من الزيغ فيهلك.
وأعظم عقوبةً تصيب من خالف أمر الله وأمر رسوله، وأصر على المعاصي والمنكرات، أن يحال بينه وبين الإيمان الصحيح،
وبينه وبين العقيدة السليمة، والطريق المستقيم، ويبتلى بزيغ القلب، وتلبيس الشيطان وأعوانه، فيرى سوء عمله حسناً وقبيحه صحيحاً،
ولا يزال على ذلك مستمرئاً إياه، متعصباً له، مجادلاً فيه، مدافعاً عنه، حتى يموت عليه، ويبتلى بسوء الخاتمة -عياذاَ بالله من شديد غضبه،
وأليم عقابه –
قال تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [الصف:5]،
وقال🙁 وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) [الأنعام:110].
أما العقوبات المالية والبدنية لمن خالف شرعية الله، وسنة رسوله، وقد أخبر الله عنها في كتابه، مما جرى للأمم المكذبة لرسله،
قال تعالى🙁 فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت:40].
عباد الله!
اتقوا الله وبادروا بامتثال أوامر الله ورسوله، أسوةً بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
الذين كانوا يسارعون إلى امتثال الأوامر حينما يسمعونها ولا يؤخرون ذلك.
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [[ إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا، فأصغِ لها سمعك، فإنه خير تأمر به، أو شرٌ تنهى عنه ]]
ولما نزل قوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) [البقرة:144]
امتثل الصحابة للأمر، فتوجهوا قبل الكعبة وهم في الصلاة، ولما نزلت آية الحجاب:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) [الأحزاب:59]
بادر نساء الأنصار فشققن مروطهن، فاعتجرن بها امتثالاً لأمر الله ورسوله.
ولما نزلت آية تحريم الخمر، التي ختمها الله عز وجل بقوله🙁 فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) [المائدة:91]
قال الصحابة رضي الله عنهم: انتهينا.. انتهينا..
حتى رمى الإناء من رفعه إلى فيه، وأهرقها الصحابة حتى قيل: إنها جرت في سكك المدينة والحوادث والوقائع في الامتثال والمبادرة
من هذا الجيل المثالي كثيرةٌ جداً.
فأين نحن أيها المسلمون؟! أين نحن من أوامر الله ورسوله؟!
لقد وصل الأمر بكثيرٍ من الناس، أن اتخذ أوامر الله ورسوله وراءه ظهرياً، فكثيراً ما تبلغنا أوامر الله ورسوله بطرقٍ متعددة، ووسائل متنوعة،
ولكن أين الامتثال وأين أثرها فينا؟!
هل غيّرنا من واقعنا؟!
هل عدّلنا من سلوكنا؟!
وهل اتجهنا إلى العمل الصالح وتزودنا من الطاعات؟!
إن الكثير منا بعكس ذلك، باقٍ على غيه، منساقٌ مع شهواته، مطاوعٌ لنفسه وهواه، تمر عليه الأوامر الإلهية، والسنن النبوية، فلا يرفع بها رأساً،
ولا يحرك حولها ساكناً، وكأنها لا تعنيه، هذا هو واقع الكثير منا، رجالاً ونساءً، شباباً وشيباً – إلا من رحم الله-
حتى جرَّ هذا الواقع المؤلم، تفشي الجهل بدين الله بين المسلمين أنفسهم، وفقدان الغيرة على دين الله،
وانتشار العقائد والأعمال المخالفة لشرع الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى عمَّ التهاون بالصلاة،
وألفه كثيرٌ من مرضى القلوب، وانتشر الكسب الحرام، كأنما هو من الطيبات، وأصبح الفساد والمنكر على اختلاف وسائله،
وتعدد طرقه، أمراً مباحاً، مستساغاً عند كثيرٍ من الناس،
ولا حول ولا قوة إلا بالله!
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين، وتاب عليّ وعليكم إنه هو التواب الرحيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه يغفر لكم، وتوبوا إليه يتب عليكم؛ إنه هو التواب الرحيم.
الحمد الله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعــد:
أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واتبعوا شرعه ولا تعصوه.
عباد الله! إن الواجب على المسلم عندما يسمع أمر الله وأمر رسوله، عليه أن يبادر بالامتثال،
قال تعالى:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب:36].
أي: لا يحل لمن يؤمن بالله أن يختار من أمر نفسه ما شاء، بل يجب عليه أن ينقاد لقضاء الله وأمره، وإن كان مخالفاً لهواه،
كما لا يجوز له إذا استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعها أو يخالفها ولو كان هواه على خلافها،
لأن في قضاء الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الخير العاجل والآجل، ومخالفة أمر الله ورسوله توجب الفتنة والعذاب الأليم في الدنيا والآخرة
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق:37].
واعلموا -عباد الله- أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة،
وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على من بعثه الله رحمةً للعالمين، وشرَّفه على الأولين والآخرين محمد بن عبد الله،
كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه
بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) [الأحزاب:56] .
اللهم صلِّ وسلم على إمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه.
اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين.
اللهم انصر المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك الذين يجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى،
اللهم انصرهم ووفقهم وأعنهم وسددهم يا رب العالمين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم وأظهر الهدى ودين الحق الذي بعثت به نبيك صلى الله عليه وسلم على الدين كله ولو كره المشركون.
اللهم وفق إمامنا إمام المسلمين، اللهم انصره وأعزه بالإسلام، يا رب العالمين! اللهم اجعله خير ناصرٍ لهذا الدين
اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير يا أرحم الراحمين.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) .
عباد الله!
( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ،)
اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
إمام وخطيب الحرم المكي الشريف
حفظه الله تعالى
نقل هادف
جزاكِ الله خيرا وبارك الله لك
اثابك الله
لحضوركِ العذب وتعليقك
بارك المولى فيكِ
وجعلكِ الله من أهل التقوى والإيمان
وذخراً للإسلام والمسلمين
لحضوركِ العذب وتعليقك
بارك المولى فيكِ