تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » حول الوحدة والتنوع في تاريخنا

حول الوحدة والتنوع في تاريخنا 2024.

دار

عندما تطرح قضية التعددية في واقعنا المعاصر على بساط البحث، فإنها ستثير العديد من الأسئلة، قد يأخذ بعضها طابع التحدّي الذي يتطلب استجابة ما وينتظر جوابًا مقنعًا، وقد يبرز من بين هذه سؤالان أساسيان، يمضي أحدهما صوب المستقبل لكي يتابع طبيعة المتغيّرات التي يمكن أن تتمخض عن أية محاولة جادة تدخل في حوار فعّال مع ظاهرة التنوّع أو التعددية في الحياة العربية الإسلامية، ويمضي ثانيهما عائدًا باتجاه الماضي موغلاً فيه حتى الجذور، لكي يتفحص حجم المحاولة على مستوى التاريخ، ولكي يضع يديه على مصداقيتها المتحققة في الزمان والمكان، ويؤثر بالتالي على فاعلية وخصوصيات التعامل الإسلامي مع الظاهرة على مستوييّ النوع والعدد.

وبالتأكيد، فإن القضية لا تتخلّق في الفراغ، كما أنها إذا استندت فحسب إلى أصولها العقدية التصوّرية بعيدًا عن تماسّها مع الواقع، وقدرتها على إعادة تشكيله، فإنها قد لا تمنح بالنسبة لفئة من الناس القناعات المتوخاة.

بعبارة أخرى، إننا إذا قدرنا على وضع أيدينا على مجموع الوقائع التي شهدها التاريخ في هذا السياق، بعد إضافة المؤثرات الإسلامية على الظاهرة.. إذا قدرنا على تحديد النتائج المتميزة التي تمخضت عن هذا التعامل بين العقيدة والتاريخ، فإننا سنعطي القضية المزيد من المسوّغات، وسنمنحها عمقًا تاريخيًّا واقعيًّا يعدّ واحدة من الفرص الأساسية في اختبار الأفكار والعقائد والتصوّرات، وفي امتحان المحاولات التي تسعى إلى تشكيل المستقبل المنظور على هدْيها.

إن البُعد التاريخي لأية دعوى سيظل مطلبًا لاختبار مصداقيّتها جنبًا إلى جنب مع البعد التصوّري، ومدى ما يملكه من شمولية وتماسك وقدرة على الاستمرار بموازاة المطالب الإنسانية وتحديات التاريخ.

ولطالما دَرَسْنا التاريخ الإسلامي أو دُرِّسناه وفق منطلقات خاطئة متعمدة حينًا، وغير متعمدة أحيانًا، ولكن النتيجة كانت في معظم الأحيان تعميق الخندق بين طرفيْ القضية، وكأن ليس هناك تأثير ذو فاعلية عالية يلتقي فيه التصوّر مع الواقع لكي يعيد بناءه أو تشكيله، أو لكي يجري في تركيبه على الأقل تغييرًا من نوع ما يعبّر في نهاية الأمر، ليس فقط عن رغبة هذا الدين في إعادة صياغة العالم وفق منظوره ومقولاته، ولكن أيضًا عن قدرته على تحقيق هذا الهدف العزيز>

ومنذ بداية تشكلّه الأولى وحتى العصر الحديث، تضمّن مجرى التاريخ الإسلامي خبرات وحدوية غنية متواصلة تجعل المرء يميل إلى الاعتقاد بأن التوجّه الوحدوي للأمة الإسلامية، على مستوييْ القواعد والقيادات، ليس مجرد خصيصة من خصائصها، بل هو محرك أساسي لمساحات واسعة من تحققها التاريخي.

لكن هذا ليس سوى أحد وجهيْ الظاهرة أو الحالة التاريخية، وإن كان هو الوجه الأكثر ثقلاً وامتدادًا، فهناك بموازاته -بل في نسيجه- تعدّدية من نوع ما.. تنوّع هنا وهناك، في السياسة، وفي الاجتماع، وفي الثقافة، وفي الفكر والمذهب، بل حتى في الدين. (لنتذكر أيضًا أحادية الماركسية ومصادرتها لفكر الآخر وعقيدته ودينه، لنتذكر أيضًا محاولة الكاثوليكية الإسبانية المسيّسة على يد فرديناند وإيزابيلا ورجال الدين، تلك التي ألغت أمة كاملة من الحساب، لنتذكر هذا قبالة تنوّع النسيج الديني في معظم مساحات التاريخ الإسلامي، حيث أتيح للنصراني واليهودي والمجوسي والصابئي والبوذي والهندوسي… إلى آخره.. أن يعبّر عن نفسه وأن يقول كل ما يريد أن يقوله، وأن يمتلك مقوّمات الديمومة والبقاء والامتداد في بيئة إسلامية لم تمارس في الأعم الأغلب، أية مصادرة أو قسر أو نفي لعقائد الآخرين).

ولكن أيضًا وبمتابعة متأنية للتعددية أو التنوع في خبرتنا التاريخية، فإننا سنجد كيف أنها تتناغم أحيانًا مع التوجّه الوحدوي، بل قد ترفده وتدعمه وتغذَّيه، جنبًا إلى جنب مع حالات الانشقاق والتضاد والتنافر التي شكلتها بعض صيغ التعددية المتطرفة في موقفها إلى حدّ الخصومة والعزلة والانغلاق، بل ربما الإفساد والتخريب.

(2)
لنتابع بالإيجاز المطلوب الذي يتيحه مقال كهذا ثنائية العام والخاص، أو الوحدة والتنوع في تاريخنا، في محاولة للإمساك ببعض خيوطها على الأقل.

فمنذ لحظات الرسالة بدا بوضوح ذلك التدّرج المرسوم من الخاص إلى العام: الإنسان والدولة والأمة، حيث يغدو التوحّد هدفًا عقديًّا وسياسيًّا وتشريعيًّا.

أما في العصر الراشدي فقد شهد التوجُّه الوحدوي للأمة الناشئة تحركًا على مستويين: تمثل أوَّلهما في التصدّي الحاسم للردّة والتمزق، والتفوّق عليهما، رغم ضراوتهما، إزاء انحسار القدرات السياسية والعسكرية للدولة الإسلامية. وتمثل ثانيهما في حركة الفتوحات الشاملة التي استهدفت تكوين الوحدة الإسلامية العالمية وتمكنت بالفعل من تحقيقها، فيما لم يشهد التاريخ مثيلاً له في كثافة معطياته واختزاله الزمني.

وكما كانت حركة الردة حالة عارضة طارئة باتجاه التمزّق، ما لبثت القيادة الراشدة أن طوتها لكي تواصل الطريق صوب العالمية، فإن الفتنة التي شهدتها دولة الإسلام في أواخر خلافة عثمان t قدمت نموذجًا لحالة اعتراضية أخرى، مارست فيها (القبلية) تأثيرًا ملحوظًا، وكادت أن تلحق بوحدة المسلمين أذى كبيرًا، ثم ما لبثت أن طويت فيما سمِّي بعام الجماعة (41هـ)، وهي تسمية تحمل دلالتها ولا ريب، حيث أتيح للقيادة الأموية بغض النظر عن الجدل حول مسألة الحكم أو الشرعية أن توحّد الأمة، وأن تمضي خطوات أخرى باتجاه توحيد العالم تحت ظلال الإسلام.

ثم جاءت العصور التالية لكي تشهد صيغًا متنوعة للممارسة الوحدوية، يمكن تصنيفها وفق السياقات الأساسية الآتية:

أولاً: مجابهة محاولات الانشقاق والتفكك (التحدّيات الداخلية).

ثانيًا: الدفاع عن وحدة الأرض الإسلامية (التحديات الخارجية).

ثالثًا: ظهور التنوع في القيادات السياسية والإقليمية وتأكدّه، مع الحفاظ على الوحدة في الأسس والأهداف والملامح العامة.

منقول..

دار
دار
موضوع في غاية الأهمية
بصراحة موضوع يستحق القراة
فلله دركِ على طرحكِ بارك الله فيكِ

{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ. وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون}.
اللهم انصر أمتي على أعدائها ، وردها إلى الإسلام رداً جميلاً
اللهم آمين
.

ما شاء الله عليك ابدعتي وفعلا نظرتي فيكي بمحلهاااا

موضوع جداااا جميل ما شاء الله

ن حضارة الإسلام وتاريخه عموما كما يذكر المؤرخون والمستشرقون هي حضارة الوحدة والتنوع، ولقد انعكس ذلك على ظاهرة نشوء الدويلات والكيانات الإقليمية في عالم الإسلام، فصرنا نجد تنوعا في التشكيلات السياسية التي انشقت عن جسد الدولة،
فعلا الموضوع مميز وجميل
ويحتاج الي مورخين وقراء
بارك الله فيك حبيبه
وجعلك مميزه في اختياراتك وقراءاتك
شكرا اختي
دار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.