(8)"
البسملة تقدم الكلام عليها.
(إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا) المراد بذلك ما ذكره الله تعالى في قوله:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: 1، 2].
ولهذا يقول الله عز وجل:(تَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى)
يعني من شدة ذهولهم وما أصابهم تجدهم كأنهم سكارى، وما هم بسكارى بل هم صحاة، لكن لشدة الهول صار الإنسان كأنه سكران لا يدري كيف يتصرف، ولا كيف يفعل.
كما قال الله تبارك وتعالى:(يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين: 6].
ولأنه يخرج وكأنه كما قال الله تعالى: (سُكَارَى) [الحج: 2].
(يَوْمَئِذٍ) أي في ذلك اليوم إذا زلزلت (تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)
أي تخبر عما فعل الناس عليها من خير أو شر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن المؤذن إذا أذن فإنه لا يسمع صوته شجر، ولا مدر، ولا حجر، ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة
(194)، فتشهد الأرض بما صنع عليها من خير أو شر، وهذه الشهادة من أجل بيان عدل الله عز وجل، وأنه سبحانه وتعالى لا يؤاخذ الناس إلا بما عملوه، وإلا فإن الله تعالى بكل شيء محيط، ويكفي أن يقول لعباده جل وعلا عملتم كذا وعملتم كذا..
لكن من باب إقامة العدل وعدم إنكار المجرم؛ لأن المجرمين ينكرون أن يكونوا مشركين،
قال الله تعالى: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام: 23].
(إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الإنْسَانُ مَا لَهَا (3).
كما قال الله تعالى🙁 ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)
[فصلت: 11].
وقال الله تعالى:(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[يس: 65].
ولهذا قال:(يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها)
قوله: (يومئذ) يعني يومئذ تزلزل الأرض زلزالها.
(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا)[مريم: 85 ـ 87].
كما قال الله تعالى:(انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) [الإسراء: 21].
قال الله عز وجل: «إني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم»(196)،
(هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود: 18].
كما قال الله تعالى (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114].
ويقال: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء: 64].
شرطية تفيد العموم، يعني: أي إنسان يعمل مثقال ذرة فإنه سيراه، سواء من الخير، أو من الشر
(مثقال ذرة) يعني وزن ذرة،
وليس المراد بالذرة: الذرة المتعارف عليها اليوم كما ادعاه بعضهم، لأن هذه الذرة المتعارف عليها اليوم ليست معروفة في ذلك الوقت، والله عز وجل لا يخاطب الناس إلا بما يفهمون، وإنما ذكر الذرة لأنها مضرب المثل في القلة،
كما قال الله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا)
[النساء: 40].
(فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره).
ولكل دليل، أما من قال: إن الذي يوزن هو العمل
فاستدل بهذه الآية (فمن يعمل مثقال ذرة) لأن تقدير الآية فمن يعمل عملاً مثقال ذرة.
«كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» (197).
لكن يشكل على هذا أن العمل ليس جسماً يمكن أن يوضع في الميزان بل العمل عمل انتهى وانقضى.
ويجاب عن هذا بأن يقال:
فعليه التصديق لأن قدرة الله تعالى فوق ما نتصور، فالواجب على المسلم أن يسلم ويستسلم ولا يقول كيف؟ لأن أمور الغيب فوق ما يتصور.
فيقال: يا أهل الجنة فيشرئبون ويطلعون
ويقال: يا أهل النار فيشرئبون ويطلعون فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟
فيقولون: نعم، هذا الموت، مع أنه في صورة كبش والموت (معنى) ليس جسماً ولكن الله تعالى يجعله جسماً يوم القيامة ، فيقولون : هذا الموت فيذبح أمامهم
ويقال : يا أهل الجنة خلود ولا موت ، ويا أهل النار خلود ولا موت،(198) وبهذا يزول الإشكال الوارد على هذا القول.
أما من قال: إن الذي يوزن هو صحائف الأعمال فاستدلوا بحديث صاحب البطاقة الذي يؤتى يوم القيامة به،
ويقال: انظر إلى عملك فتمد له سجلات مكتوب فيها العمل السيئ، سجلات عظيمة،
فإذا رأى أنه قد هلك أتي ببطاقة صغيرة فيها لا إله إلا الله
فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟
فيقال له: إنك لا تظلم شيئاً، ثم توزن البطاقة في كفة، والسجلات في كفة، فترجح بهن البطاقة وهي لا إله إلا الله قالوا(199)
فهذا دليل على أن الذي يوزن هو صحائف الأعمال.
فقام عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فجعلت الريح تكفئه؛ لأنه نحيف القدمين والساقين، فجعل الناس يضحكون، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «مما تضحكون؟ أو مما تعجبون؟
والذي نفسي بيده إن ساقيه في الميزان أثقل من أحد»(200) وهذا يدل على أن الذي يوزن هو العامل.
فإن قال قائل: على هذا القول أن الذي يوزن هو العامل هل ينبني هذا على أجسام الناس في الدنيا وأن صاحب الجسم الكبير العظيم يثقل ميزانه يوم القيامة؟
قال: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة» (201)،
[الكهف: 105].
فالعبرة بثقل الجسم وثقله يوم القيامة بما كان معه من أعمال صالحة.
قل، حتى لو كان مثقال ذرة، أو أقل فإنه لابد أن يراه الإنسان ويطلع عليه يوم القيامة.
والترمذي أبواب القدر باب إعظام أمر الإيمان بالقدر (2155) وقال حديث غريب.
وقال حديث حسن غريب.
(200) أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/450).
ومسلم كتاب صفات المنافقين باب صفة القيامة والجنة والنار ( 2785).
سلمت يداكِ
جزااااااااااك الله كل خير
🙂