العمل بالقرآن الكريم بين الترغيب والترهيب (2)
وجوب العمل بالقرآن الكريم
إن الهدف الأسمى ، والغاية العظمى ،
من إنزال القرآن الكريم هو العمل به ، واتباع أوامره ،
ولذا فقد ورد الأمر في كتاب الله بوجوب العمل به في مواضع عدة من كتاب الله – جل وعلا – منها.
الدليل الأول:
قال تعالى : {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (106) سورة الأنعام
قال ابن كثير – رحمه الله – : ( يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم ولمن اتبع طريقته : {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} أي: اقتد به، واقتف أثره، واعمل به، فإن ما أوحي إليك من هو الحق الذي لا مرية فيه، لأنه لا إله إلا هو) ([1]).
قال الإمام القرطبي – رحمه الله – : (قوله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}يعني القرآن ، أي : لا تشغل قلبك وخاطرك بهم ، بل اشتغل بعبادة الله) ([2]) .
الدليل الثاني: قال تعالى في سورة الأعراف : {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} (3) سورة الأعراف.
قال القرطبي – رحمه الله – : (قولـه تعالى : {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} يعني الكتاب والسنة . قال الله تعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } (7) سورة الحشر.
وقالت فرقة : هذا أمر يعم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته. والظاهر أنه أمر لجميع الناس دونه. أي: اتبعوا ملة الإسلام والقرآن، وأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه. ودلت الآية على ترك اتباع الآراء مع وجود النص ) ([3]).
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – : ( أي : اقتفوا آثار النبي صلى الله عليه وسلم الأمي الذي جاءكم بكتاب أنزل إليكم من رب كل شيء ومليكه ،{وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ} أي : لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى غيره ، فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره)([4]).
الدليل الثالث: وقال تعالى : {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} (109) سورة يونس
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – :
(وقولـه: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ} أي: تمسك بما أنزل الله عليك وأوحاه إليك، واصبر على مخالفة من خالفك من الناس. {حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ} أي: يفتح بينك وبينهم. {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} أي: خير الفاتحين بعدله ،وحكمته) ([5]).
الدليل الرابع:
قال تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (55) سورة الزمر .
قال الإمام القرطبي – رحمه الله –
(… { أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ}هو القرآن وكله حسن، والمعنى ما قال الحسن: التزموا طاعته، واجتنبوا معصيته. وقال السدي: الحسن ما أمر الله به في كتابه. وقال ابن زيد: يعني المحكمات ، وكلوا علم المتشابه إلى عالمه)([6]).
الخلاصة:
مما سبق من الآيات وغيرها كثير ، يدل دلالة واضحة على وجوب اتباع القرآن والعمل به، وهي إما آيات صريحة جاءت بفعل الأمر (اتبعوا) وهو دال على الوجوب بلفظه، وإما بأمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، باتباع ما أوحي إليه وهو القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكما هو معلوم أن الأمر للنبي أمر لأمته مالم يأت تخصيص له صلى الله عليه وسلم .
فتأملي – أختي الحبيبة – أين نحن من العمل بالقرآن في حياتنا وواقعنا؟
فهل من توبة صادقة وعودة محققة إلى مصدر العز والشرف؟
حتى نفوز بالسعادة في الدارين، قال تعالى: { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}
(123) سورة طـه.