تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الصيام و مراقبة المولى تبارك وتعالى في السر والعلانية

الصيام و مراقبة المولى تبارك وتعالى في السر والعلانية 2024.

دار دار

دار

دار

الصيام و مراقبة المولى تبارك وتعالى في السر والعلانية

دار

إن الصيام عبادة وثيقة الصلة بما يرمي إليه الإسلام
من النواحي الاجتماعية البعيدة المدى،
وعظم تدبير الحياة، يقول المولى تبارك وتعالى:

} وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ { ( البقرة: 184 ).

داردارداردار


إن في الصيام تدريب على مراقبة المولى تبارك وتعالى، في السر وفي العلانية وهذا التدريب
للإنسان يكون أكثر وضوحاً في الصيام منه في سائر العبادات،
فهو يغرس في نفس الصائم الصبر على طاعة الله جل شأنه، ويتعلم
قوة الإرادة، وضبط وحكم النفس التي تسرف في شهواتها طوال العام،
ففي كثير من الأحيان يكون الطعام والشراب في متناول الصائم،
وبين يديه بعيداً عن أنظار الناس، ومع ذلك يكف عن تناولهما.



دار

وما يفعل الصائم ذلك إلا خشية من الله عز وجل، وعلمه بأنه يراه
ويسمعه ومطلع على أفعاله، وعلى سره وجهره، فيزداد إيمانه
وخوفه، فلا يخاف غير الله جل شأنه، فينال رحمته ورضاه، بفضل
تأثير هذه العبادة في نفسه، وهذا ما يفسر قول المولى تبارك
وتعالى في الحديث القدسي: " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم
فإنه لي وأنا أجزى به، يترك طعامه وشرابه من أجلي ".


دار


وقد ذكر الإمام الغزالي في حكمة نسبة الصيام لله عز وجل معنيين:
أحدهما: أن الصوم كف وترك، وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد،
وجميع الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى من أعينهم، والصوم
لا يراه إلا الله عز وجل فإنه في الباطن بالصبر المجرد.


دار

والآخر: أنه قهر لعدو الله عز وجل، فإن وسيلة الشيطان – لعنة الله – للشهوات.

وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب، ولذلك قال
: " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع
" فإذا كان الصوم على الخصوص قمعاً للشيطان، وسد مسالكه،
وتضييقاً لمجاريه استحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل.

دار
دار

فمن هذه الجوانب وغيرها من مزايا الصيام كانت صلته بأهداف الإسلام
العليا في تدبير الحياة، وأن المتأمل في هذه المزايا ليلمح فيها ناحيتين متضادتين:

الأولــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى
وتتخذ طابعاً مادياً، فنرى أن مشتهيات النفس التي يمتنع الصائم
عنها هي من أهم ما تفضل المولى تبارك وتعالى به علينا من الآلاء
والنعم، وما أجدر الإنسان أن يدرك قيمتها، ويقوم بحق شكرها
للخالق المنعم جل وعلا، لأن النعم لا تدرك قيمتها إلا بفقدها،
فالأعمى هو الذي يحس بجلال نعمة البصر، المريض هو الذي
يدرك عظمة الصحة، والإنسان لا يشعر بلذة الرخاء والرفاهية
إلا إذا ذاق مرارة الحرمان والشدة، ولا يتذوق حلاوة النصر
إلا من صدم بقسوة الهزيمة.


دار


وهذه هي سنة الحياة وطبيعتها، فالأشياء لا تتميز إلا بأضدادها،
والصائم لا يعرف قيمة الطعام والشراب إلا عندما يذوق مرارة الجوع،
وحرارة العطش، فيدرك نعم الله عز وجل فيجيء شكره على
هذه النعم صادقاً خالصاً من القلب، ولعل ذلك هو الذي جعل رسول الله
يرفض أن تصير بطحاء " مكة " له ذهباً ويقول: " لا يا رب،ولكن أشبع يوماً،
وأجوع يوماً، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك ".


دار


الثانيـــــــــــــــــــــــــــــــة
وتتخذ جانباً روحياً معنوياً، ويتضح هذا الجانب في تشبيه الصائم بالملائكة،
لأن الإنسان مكون من روح وجسد، فإذا استجاب الإنسان لغرائزه، وانغمس
في شهواته مهملاً الجانب الروحي، كان إلى الحيوان الأعجم أقرب،
أما إذا ارتقت نفسه وعلت روحه، وسما بتصرفاته إلى كل ما يحقق غذاء
روحه، بتحكمه في عواطفه وقهر غرائزه أمام سلطان عقله وروحه،
كان إلى الملائكة أقرب.



ونجد أيضاً الجانب الروحي في تأدب الصائم بصفة الصمدية،
بالإضافة إلى تربية النفس، وكسر شهواتها بالجوع والحرمان.

دار

إن الصيام عبادة تلتقي في هدفها مع أهداف القرآن الكريم،
في تربية العقول والأرواح وتنظيم الحياة، ويوحد بين المسلمين
في أوقات الفراغ والعمل، وأوقات الطعام والشراب، ويصبغهم
جميعاً بصبغة الإنابة والرجوع إلى المولى تبارك وتعالى، ويرطب
ألسنتهم بالتسبيح والتقديس، ويعفها عن الإيذاء وعن التجريح،
ويسد على الناس باب الشر، ويغلق عليهم منافذ التفكير فيه،
ويملأ قلوبهم بمحبة الخير والبر لعبادة الله عز وجل، وينشئ
في قلوبهم خلق الصبر الذي هو عدة الحياة،
وهكذا يريد الله جل شأنه أن يكون الإنسان.

الصيام من عناصر تكفير الذنوب:

لقد جعل المولى – تبارك وتعالى – الصيام عنصرًا مهمًّا من عناصر
تكفير الذنوب، وذلك لما له من أثر كبير في تهذيب النفوس،
وردعها، وكبح جماحها، فهو كفارة في القتل الخطأ يقول الله
عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا
وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ
إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92].

وهو كفارة في الظِّهَار، يقول المولى – تبارك وتعالى -:
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3 – 4].

دار
دار
وهو كفارة في خطايا الحج،يقول المولى – تبارك وتعالى
-: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ
فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ
تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ
الحَرَامِ} [البقرة : 196]. أو صيد المُحرِم وقت إحرامه،
يقول الله – عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا
الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ
مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ
أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ
عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ
ذُو انتِقَامٍ} [المائدة : 95].

وهو كفارة في اليمين، يقول المولى – تبارك وتعالى -:
{لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا
عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ
مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن
لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ
وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة : 89].

ثمرة العمل وجزاء الجهد:

ولما كانت النفس البشرية من طبيعتها التلهف على معرفة ثمرة
عملها، وجزاء جهدها وكفاحها؛ فقد أوضح رسول الله –
صلى الله عليه وسلم – الجزاءَ الذي أعده المولى
تبارك وتعالى للصائمين، الذين جاهدوا أنفسهم،
وحاربوا شهواتهم، وألجموا أطماعهم، وخاضوا أشرس معركة
أمام أهوائهم ونزعاتهم، فقال – صلوات الله وسلامه عليه -:
((إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ .. يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ،
فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ .
. فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ
أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ)).

إن الصيام يربي النفس على مراقبة الله –
عز وجل -، فالصائم حقًّا إنما يصوم مراقبًا لله –
جل شأنه -، الذي لا يخفى عليه خافية في الأرض
ولا في السماء، يقول سبحانه وعز وجل:
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ}
[آل عمران: 5].

دار
دار
والخير كله في مراقبة المولى – تبارك وتعالى -،
ومن ذلك الخير العدلُ في الحكم، والإنصاف من
النفس، وصون العرض والأمانة، وجميع شعب
الإيمان التي يحرص كل الحرص مَن راقب ربه –
عز وجل – على كسبها؛ فيغتنم ويسلم ويكون
محسنًا، فقد قال المصطفى – صلوات الله وسلامه عليه -:
((الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)).

اللهم وفقنا في هذا الشهر الكريم إلى ما تحبه
وترضاه، وطهر قلوبنا، وأرشدنا إلى الخير،
واهدنا سواء السبيل، وحقق لنا الأمن
والأمان، إنك نعم المولى ونعم النصير.

دار
دار

دار

رمضانكم مبارك يا صبايا رجيم

دار


جنه الفردوس

دار دار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.