الصبر أنواع وآدابه
ينقسم الصبر إلى: واجب, ومندوب, ومحظور, ومكروه, ومباح.
فالصبر الواجب ثلاثة أنواع:
أحدها: الصبر عن المحرمات.
والثاني: الصبر على أداء الواجبات,
والثالث: الصبر على المصائب التي لا صنع للعبد فيها, كالأمراض والفقر وغيرها.
أما الصبر المندوب: فهو الصبر عن المكروهات والصبر على المستحبات والصبر على مقابلة الجاني بمثل فعله.
والصبر المحمود: أنواع: منه صبر على طاعة الله -عزّ وجل- ومنه صبر عن معاصي الله -عزّ وجل- ومنه صبر على أقدار الله -عزّ وجل-.
قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} الرعد : 24
قال: صبروا على ما أمروا به, وصبروا عما نهوا عنه.
ويذكر عن علي -رضي الله عنه- أنه قال:
الصبر ثلاثة: فصبرٌ على المصيبة, وصبرٌ على الطاعة, وصبر عن المعصية, فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة, ومن صبر على الطاعة حتى يؤديها كما أمر الله كتب الله له ستمائة درجة.
ومن صبر عن المعصية خوفاً من الله ورجاء ما عنده كتب الله له تسعمائة درجة
.
وقال ميمون بن مهران: الصبر صبران: فالصبر على المصيبة حسن, وأفضل منه الصبر عن المعصية.
واحتمال الأذى فهو الصبر ولكنه أشق, وهو بضاعة الصديقين, وشعار الصالحين وحقيقته أن يؤذى المسلم في ذات الله -تعالى- فيصبر ويتحمل, فلا يرد السيئة بغير الحسنة, ولا ينتقم لذاته.
والله -جل وعلا- يجازيه على صبره: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.الزمر : 10
أختي المسلمة :
إن الشخص البالغ العاقل ما دام في دار التكليف والأقلام جارية عليه, لا يستغني عن الصبر في حالة من الأحوال, فإنه بين أمرٍ يجب عليه امتثاله, والصبر لا بد منه قولاً وفعلاً, وبين نهي يجب عليه اجتنابه وتركه, والصبر لا بد له منه, وبين قضاء وقدر يجب عليه الصبر فيهما, وبين نعمة عليه شكر المنعم عليها والصبر عليه, وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه, فالصبر لازم له إلى الممات.
ولما كان الصبر مأموراً به, جعل الله -سبحانه- له أسباباً تعين عليه وتوصل إليه فمما يسلي المصاب: أن يوطن نفسه على أن كل مصيبةً تأتيه هي من عند الله وأنها بقضائه وقدره, وأنه -سبحانه وتعالى- لم يقدرها عليه ليهلكه بها, ولا ليعذبه, وإنما ابتلاه ليمتحن صبره ورضاه, وشكواه إليه وابتهاله ودعاءه, فإن وفق لذلك كان أمر الله قدراً مقدوراً, وإن حرم ذلك كان ذلك خسراناً مبيناً.
ومن آداب الصبر استعماله في أول الصدمة وحين وقوع الفاجعة لقوله صلى الله عليه وسلم : "إنما الصبر عند الصدمة الأولى" متفق عليه.
ومن الآداب سكون الجوارح واللسان, فأما البكاء فجائز.
قال بعض الحكماء: الجزع لا يرد الفائت ولكن يسر الشامت.
ومن حسن الصبر أن لا يظهر أثر المصيبة على المصاب.
وأما البكاء والحزن من غير صوتٍ ولا كلامٍ محرمٍ, فهو لا ينافي الصبر والرضا.
قال تعالى حكايةً عن يعقوب -عليه السلام-: { وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} يوسف 84.
قال قتادة: كظيم على الحزن, قلم يقل إلا خيراً, مع قوله تعالى: { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} يوسف 86. وقوله تعالى عنه في أول السورة:{ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}.
لكن يعقوب -عليه السلام- ابيضت عيناه من البكاء ولم يناف حُزنه وبكاؤه وصبره, فإنه – عليه السلام- ما شكا بثه وحزنه إلى مخلوق, وإنما شكاه إلى الله .
وحُكي عن شريح أنه قال: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات وأشكره, إذ لم تكن أعظم مما هي, وإذ رزقني الصبر عليها, وإذ وفقني الاسترجاع لما أرجوه فيه من الثواب, وإذ لم يجعلها في ديني .
ومما ينافي الصبر شق الثياب عند المصيبة, ولطم الوجه, والضرب بإحدى اليدين على الأخرى, وحلق الشعر, والدعاء بالويل .
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة -رضى الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمر الله: إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها, إلا أخلف الله له خيراً منها". [الحديث].
وقد جعل الله كلمات الاسترجاع وهى قول المصاب "إنا لله وإنا إليه راجعون" ملجأً وملاذاً لذوي المصائب, وعصمة للممتحنين من الشيطان لئلا يتسلط على المصاب فيوسوس له بالأفكار الرديئة, فيهيج ما سكن, ويظهر ما كمن .
وليعلم المصاب أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها, وهو في الحقيقة يزيد في مصيبته, بل يعلم المصاب أن الجزع يشمت عدوه, ويسوء صديقه, ويغضب ربه, ويسر شيطانه, ويحبط أجره, ويضعف نفسه, وإذا صبر واحتسب أخزى شيطانه, وأرضى ربه, وسر صديقه, وساء عدوه, وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه, فهذا هو الثبات في الأمر الديني قال النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم إنا نسألك الثبت في الأمر"
الراوي: شداد بن أوس المحدث: ابن حجر العسقلاني – المصدر: نتائج الأفكار – الصفحة أو الرقم: 3/74
خلاصة حكم المحدث: حسن
فهذا هو الكمال الأعظم, لا لطم الخدود وشق الجيوب, والدعاء بالويل والثبور, والتسخط على المقدور.
قال بعض الحكماء: العاقل يفعل في أول يومٍ من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام, ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم .
مما قرأت
غير منقول