الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالقُ الأرض والسماوات، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بيّن لأمته طريق النجاة، وحذر من طريق الغي بما جاء به من البينات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد / ها نحن وَدّعْنا رمضان شهرَ الصيام والقيام، شهرَ الخير والبركة، وهَلّ علينا بعده يومُ العيد الذي يحرم الصيام فيه، ويجب الفِطر فيه لأنه ضيافة من الرحمان للمسلمين، فيُفطرون ويفرحون، ويتسلمون الجائزة والتي بها يسعدون، إنها جائزة العتق من النار لمن أحسن الصيام والقيام.
أيها الكرام، اعلموا – رحمكم الله – أن العيد في الإسلام هو مظهر الاعتزاز بقيم المجتمع الإسلامي، التي هي من شعائر الله، حيث إنَّ تعظيمَها مطلوب من كل مسلم ومسلمة، قال تعالى:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)) { الحج 32}
إن الاحتفال بالعيد هو تعبيرٌ عن السّمُوّ الأخلاقي، وفيه مظهرُ وحدةِ المسلمين، وتعاونهم، وشفقتهم على الفقراء والمساكين بزكاة الفطر وفيه الجهر بتكبير الله إعلانا لشعائر الدين، وإظهارا لتماسك المسلمين، وشكرًا لله على إكمال العِدّة من شهر رمضان المحبوب من الصالحين، قال تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)) { البقرة 185}.
في العيد الفرح والسرور بتوفيق الله تعالى المسلم لطاعة الله تعالى، والعيدُ أيضا محطَة أيضا للراحة المشروعة، والاستمتاع بما أحلّه الله تعالى من المطاعم والمشارب ومن اللهو المباح دون إسراف ولا مَخيلة، ثم يواصل المسلم مسيرتَه في الحياة على نهج شريعة الله الغرّاء، وهذا هو المنهج الوسط الذي يعتني بمطالب الروح ومطالب الجسد، ويوفّق بين الدين والدنيا، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) { البقرة 143}
أيها الكرام / لئن انقضى شهر رمضان، فإن زمن العمل الصالح لا ينقضي، ولئن رحلتْ أيام رمضان، فإن الصيام مازال مشروعا ولله الحمد – في كل وقت فقد سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعا من الصيام، فقال صلى الله عليه وسلم:" من صام رمضان ثم اتبعهُ ستًا من شوال كان كصيام الدهر" المصدر: صحيح مسلم – لصفحة أو الرقم: 1164
صحيح ومعناه صيام سنة، وذلك أنّ صيامَ رمضان يقابل عشر أشهر 30×10= 300 يوما، وصيامَ ستٍ من شوال يقابل شهرين 6×10= 60 يوما، فذلك تَمَامُ العام. كما سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلم صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع، وصيامَ ثلاثة أيام من كل شهر، وصيامَ عرفة، وصيامَ عاشوراء. كما سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامَ الليل بالصلاة في ليالي السّنة كلِّها، وقيامُ الليل يبدأ من بعد صلاة العشاء وينتهي بطلوع الفجر، فأيُّ صلاةٍ نافلةٍ صلاها المسلم في ذلك الوقت فهو من قيام الليل ولو ركعتين فقط. كما يجب على المسلم أن يحافظ على الواجبات كالصلوات الخمس، والجمعة وغير ذلك مما أوجبه الله عليه في هذه الحياة.يا مَنِ اكتسبتم الحسناتِ في رمضان، ويا من أكثرتم من الطاعات في شهر الخيرات، استمروا بعده على فعل الحسنات، واحذروا الرجوع إلى المعاصي والسيئات، لا تهدِموا ما بنيتم من الصالحات، بل واصلوا تلك الخُطُوات المباركات، ونَمُّوها واجعلوها لكم عاداتٍ نافعات
بعد الفاصل
يا من كنتم تطيعون الله في رمضان، لا ترجعوا بعدَه إلى المعاصي، فإن ربّ الشهور واحد، وهو دائما على أعمالكم شاهد، فلا تهدِموا ما بنيتم في رمضان من صالح الأعمال. سئل الحسن البصري، رحمه الله عن أقوام يُقْبِلون في رمضان على الطاعة، فإذا انسلخ تغيرت أحوالهم فقال: بئسَ القومُ لا يعرفون الله إلا في رمضان. قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، ولا تبطلوا أعمالكم){ محمد 33}
أيها المستمعون الكرام / إن المؤمن الصادق هو من يكون عملُه بالطاعات واجتنابُه للمعاصي والسيئات عادةً له ومنهاجا إلى أن يتوفاه الله (قال تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)) {النحل} ومعنى اليقين: الموت، أي اعبد ربك إلى أن تموت. ، فلا تزيده مواسمُ الخير إلا اجتهادا في العبادة، وحرصًا على الطاعة، فإذا انقضت تلك المواسمُ بقيتْ آثارها في حياته صورًا حيّة، وأعمالا صالحة مُشَاهَدَةً ومحسوسة. والمؤمن الحيّ هو الذي تتغير حياتُه بعد رمضان إلى الأحسن وهذا علامةٌ على قَبوله قال تعالى: (إنما يتقبل الله من المتقين) { المائدة }، أما من كان حالُه بعد رمضان كحاله قَبْلَه، يَهْجُر الطاعات، ويقتحم السيئات، ويُضيّع الصلواتِ، ويتبع الشهواتِ، فهذا لا يزداد من الله إلا بُعداً، والعِيَاذُ بالله
إنه أمرٌ غريب حقّا ، هذا الفهم المغلوط لشعائر الإسلام من بعض أبناء الإسلام، فلا يعملون بالطاعات إلا في مواسمَ معيّنة فإذا انتهت رجعوا القهقرى، فأين آثار الصيام التي تركها في نفوس الصائمين؟ أين التقوى، والتضحيةُ والصبرُ والمودّةُ والعطفُ والتعاونُ، أين النظامُ والمحافظةُ على الوقت؟.
أيها الكرام، هذا نداء مِلْؤُه العطف والحنان، إلى الذين عزموا على العودة إلى المعاصي بعد رمضان أن يتقوا الله تعالى، فالعمرُ قصير، والآجال محدودة، وليعلموا أنّ العيش في الطاعة هو العيش الرغيد، وهو البرنامج السعيد، وأن الله تعالى لا يُوجِبُ علينا أمرًا إلا لما فيه من السعادة والاطمئنان، ولا يحرّم علينا شيئا إلا لما فيه من المفاسد والخُسران.
فاتقوا الله، وحافظوا على مكتسبات الخير التي اكتسبتموها في رمضان، وزيدوا في أعمال الخير، وعيشوا في بيئة صالحة، ومع رُفقة صالحة، واطلبوا العلم الشرعي، وحسّنوا مستواكم العلمي في الدين، ولا تكتفوا بالمعلومات القليلة التي تعلمتُمُوها في الماضي، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فضل العلم أحَبُّ إِلَيَّ من فضل العبادة" (ك) (صحيح)مسلم وصححه الاباني . ومعنى الفضل: الزيادة
أيها الطائعون الثابتون على الطاعة بعد رمضان، عالجوا الظاهرة السابقة بالتناصح والقيامِ بواجب الدعوةِ إلى الله، بالحكمة والأسلوبِ الأمثل، كلٌ على قدر استطاعته، فزوروا الذين تركوا الطاعةَ بعد رمضان، وانصحوهم بالكلمة الطيبة، والإرشادات النافعة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فوالله لأن يهدي الله بك رجُلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمْر النَّعَم" متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم:" من دلّ على خير فلهُ مثلُ أجر فاعله" رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم:" لا تكونوا عونَ الشيطان على أخيكم" رواه البخاري.
وفقنا الله لطاعتهِ واجتنابِ معصيته حتى نلقاه وهو راض عنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اختيار جميل
سلمت يداكِ
وكل عام وانتِ بالف خير
نفع الله بك وجعلك ذخرا للمسلمين والمسلمات