الترغيب في العمل بالقرآن الكريم
لقد ورد في فضل العاملين بالقرآن الكريم ، المتبعين له ، المتمسكين بهديه ،
كثير من الفضائل بعضها في الدنيا ، وبعضها في الآخرة ومن ذلك :
1- العمل بالقرآن الكريم سبب للهداية في الدنيا والآخرة .
قال تعالى : {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) سورة الزمر.
قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه – رحمهم الله – {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا …} (17) سورة الزمر
نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل ، وأبي ذر ، وسلمان الفارسي – رضي الله عنهم – والصحيح أنها شاملة لهم ولغيرهم ممن اجتنب عبادة الأوثان ، وأناب إلى عبادة الرحمن فهؤلاء لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
ثم قال عز وجل : {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ…} أي : يفهمونه ويعملون بما فيه { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ }
أي : المتصفون بهذه الصفة هم الذين هداهم الله في الدنيا والاخرة .([1])
قال ابن عباس : ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة .
وقال: من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة، ووقاه الله يوم القيامة سوء الحساب .
2- العمل بالقرآن سبب للفلاح في الدنيا والآخرة .
قال تعالى : {…فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (157) سورة الأعراف.
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – : وقوله : {وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ}
أي القرآن والوحي الذي جاء به مبلغاً إلى الناس {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي في الدنيا والآخرة .
روى الدارمي بسنده عن أبي موسى – رضي الله عنه – :
( إن هذا القرآن كائن عليكم وزرا ، اتبعوا هذا القرآن ، ولا يتبعنكم القرآن ، فإن من تبع القرآن يهبط به في رياض الجنة ) ([2]).
3- العمل بالقرآن سبب للرحمة في الدنيا والآخرة :
قال الله تعالى : {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (155) سورة الأنعام.
قال الإمام الطبري – رحمه الله – :
(يعني جل ثناؤه بقولـه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} وهذا القرآن الذي أنزلناه إلى نبينا محمد – {فَاتَّبِعُوهُ} يقول: فاجعلوه إماماً تتبعونه وتعملون بما فيه أيها الناس قال تعالى:{وَاتَّقُواْ} يقول: واحذروا الله في أنفسكم أن تضيعوا العمل بما فيه وتتعدوا حدوده وتستحلوا محارمه … وقولـه: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} يقول: لترحموا فتنجوا من عذاب الله وأليم عقابه).([3])
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله – :
(يرغب سبحانه عباده في كتابه ويأمرهم بتدبره ، والعمل به ، والدعوة إليه ، ووصفه بالبركة لمن اتبعه وعمل به في الدنيا والآخرة لأنه حبل الله المتين ) .([4])
قلنا: لا يخفى أن ( لعل ) محققة الوقوع لأنها من الله ، فالرحمة في الدنيا والآخرة لمن اتبع القرآن وعمل به.
4- العمل بالقرآن سبب للشفاعة في الآخرة :
عن النواس بن سمعان الكلبي قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به ، تقدمه سورة البقرة وآل عمران " وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال : " كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق . أو كأنهما حزقان ([5]) من طير صواف تحاجان عن صاحبهما " ([6]). فهذا الحديث يبين أن العاملين بالقرآن في الدنيا يشفع لهم القرآن يوم القيامة .
5- العمل بالقرآن سبب لتكفير الذنوب وإصلاح البال :
قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} (2) سورة محمد .
قال الإمام القرطبي – رحمه الله – : { وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} لم يخالفوه في شيء ، قال سفيان الثوري : {وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ}يريد أن إيمانهم هو الحق من ربهم ، وقيل : أي أن القرآن هو الحق من ربهم ، نسخ به ما قبله .
{كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي : ما مضى من سيئاتهم قبل الإيمان. {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي : شأنهم، عن مجاهد وغيره. وقال قتادة: حالهم. وابن عباس : أمورهم. والثلاثة متقاربة وهي متأولة على إصلاح ما تعلق بدنياهم . وحكى النقاش أن المعنى أصلح نياتهم … وهو على هذا التأويل محمول على صلاح دينهم ) .([7])
قال الإمام الشنقيطي – رحمه الله – : (أي غفر لهم ذنوبهم ، وتجاوز لهم عن أعمالهم السيئة {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي: أصلح لهم شأنهم وحالهم إصلاحاً لا فساد معه)([8])
قال الإمام الطبري – رحمه الله – : {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} : وأصلح شأنهم وحالهم في الدنيا عند أوليائه ، وفي الآخرة أن أورثهم نعيم الأبد والخلود الدائم في جنانه .([9])
هذه هي الثمرات الزكية والفضائل المرضية ،
وحسن الجزاء في الدنيا والآخرة للعاملين بالقرآن الكريم ،
المتمسكين بأوامره ،
فهل من مشمر عن ساعد الجد لنيل تلك الدرجات ،
والفوز برضا رب البريات .