الكافرون بالإسلام لا تفتأ قرائحهم تأتي بكل خبيث وبائس ومتهافت، ونتوقف في هذه السطور أمام شبهة متهافتة لهم مفادها أنه كيف يكون الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أميًا ثم يقوم بتعليم غيره وهو غير متعلم؟
ورغم أنها شبهة متهافتة إلا أنه من الضروري الرد عليها لتحصين المسلمين ضد أقوال وشبهات الكفرة والملحدين، وما أكثرهم في عالم اليوم.
وبداية فإن الأمي إما أن يكون المراد به من لا يعرف القراءة والكتابة أخذًا من «الأمية»، وإما أن يكون المراد به من ليس من اليهود أخذًا من «الأُممية» حسب المصطلح اليهودي الذي يطلقونه على من ليس من جنسهم.
إذا تعاملنا مع هذه المقولة علمنا أن المراد بها من لا يعرف القراءة والكتابة، فليس هذا مما يعاب به الرسول، بل لعله أن يكون تأكيدًا ودليلاً قويًّا على أن ما نزل عليه من القرآن إنما هو وحي أُوحي إليه من اللَّـه لم يقرأه في كتاب، ولم ينقله عن أحد، ولا تعلمه من غيره. بهذا يكون الاتهام شهادة له لا عليه صلى الله عليه وسلم.
وقد ردَّ القرآن على هذه المقولة ردًّا صريحًا في قوله: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) ، الفرقان: 5-6.
وحسب النبي الأمي الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة أني يكون الكتاب الذي أنزل عليه مُعجِزًا لمشركي العرب، وهم أهل الفصاحة والبلاغة، بل ومتحدِّيًا أن يأتوا بمثله أو حتى بسورة من مثله.
كفاه بهذا دليلاً على صدق رسالته، وأن ما جاء به – كما قال بعض كبارهم – «ليس من سجع الكُهّان ولا من الشعر ولا من قول البشر».
أما إذا تعاملنا مع مقولتهم عن محمد صلى الله عليه وسلم أنه «أُمِّيّ» على معنى أنه من الأمميين – أي من غير اليهود – فما هذا مما يعيبه، بل إنه لشرف له أنه من الأمميين أي أنه من غير اليهود؛ ذلك لأن اعتداد اليهود بالتعالي على من عداهم من «الأمميين» واعتبار أنفسهم وحدهم هم الأرقى والأعظم وأنهم هم شعب اللَّـه المختار – كما يزعمون – كل هذا مما يتنافى تمامًا مع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من المساواة الكاملة بين بني البشر، رغم اختلاف شعوبهم وألوانهم وألسنتهم على نحو ما ذكره القرآن، الذي اعتبر اختلاف الأجناس والألوان والألسنة هو لمجرد التعارف والتمايز؛ لكنه – أبدًا – لا يعطي تميزًا لجنس على جنس، فليس في الإسلام – كما يزعم اليهود – أنهم شعب اللَّـه المختار.
ولكن التمايز والتكريم في منظور الإسلام إنما هو بالتقوى والصلاح، كما في الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ، الحجرات: 13.
إن أكبر دليل على أن محمد صلى الله عليه وسلم نبي مرسل من عند الله تعالى هو أنه أمي، لأنه لو كان يقرأ ويكتب لقال الكافرون والحاقدون إنه هو الذي ألف هذا القران، ومع هذا فهم دائما ما يرددون هذا القول، وهو منتهى الغباء والجهل منهم، فكيف وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ ويقوم بتأليف القرآن؟
لقد تحدث القرآن الكريم في أمور علمية غيبية لم يعرفها محمد صلى الله عليه وسلم ولا أهل زمانه جميعا، فتحدث عن أصل نشأة الكون وأصل خلقه فقال: ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) الأنبياء30، فكيف يتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أصل خلق الكون في ذلك الوقت؟ هل كان يمتلك أقمارًا صناعية أو مركبات فضاء أو صواريخ صعد بها إلى الفضاء وقام بدراسة الكون حتى يضع هذا في كتابه ثم يأتي العلم الحديث ويثبت صحته؟
وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمتلك غواصات تحت المحيطات وتحت البحار حتى يخبرنا أن أسفل مياه البحار والمحيطات نار وهو الذي لم يركب البحر في حياته؟ (وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ) الطور: 1- 8 .
وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم عالمًا في علم الأجنة حتى يخبرنا بمراحل تطور الجنين في بطن أمه؟ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) الحج: 5 . ثم يأتي أكبر علماء الأجنة في العالم ويؤكد صدق القرآن الكريم.
وهل من المعقول والمنطقي أن يغامر الرسول صلى الله عليه وسلم ويقوم بالحديث عن موضوعات علمية غيبية لا يعلم عنها شيئا، وماذا يحدث لو أثبت العلم تصادمًا بين القرآن الكريم وبين إحدى الآيات الكونية في هذا الكون الفسيح؟.
الدرجات العالية في جنة الفردوس
ورفقة النبي صلوات الله وسلامه عليه
وأن تكوني من زمرة الداخلين أولاً إلى الجنة
جزاكِ الله خيراً