أسباب صلاح البال – الشيخ محمد صالح المنجد
عباد الله: يقول ربنا -سبحانه وتعالى- في سورة محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) [محمد:2]؛ وتكفير السيئات ثواب أخرويٌّ عظيم، ينبني عليه دخول الجنة والوقاية من النار.
وهذا نتيجة الإيمان والعمل الصالح، فما معنى قوله (وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)؟
ما هو البال؟
وما معنى صالح البال؟
وما قيمة هذه القضية حتى جعلها مكافأة ونعيماً لمن آمن وعمل صالحاً: (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)؟
هل سألت نفسك يا مسلم، يا عبد الله، مرة وأنت تمر بهذه الآية في الختمة (وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ): ما هو صلاح البال؟.
البال -يا عباد الله- قال العلماء هو الأمر، وقالوا هو الحال، وقالوا هو الشأن، وقالوا هو القلب، وقالوا هو النية؛ أصلح شأنهم.. أصلح حالهم.. أصلح نيتهم.. أصلح قلوبهم.. أصلح عقولهم ونفوسهم.
البال في اللغة هو الحال والشأن، فماذا يترتب على صلاح الحال والشأن (وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)؟
إذا فحالك -يا أخي المسلم، ويا أيتها الأخت المسلمة- إذا صلح الحال صلحت الحياة والأمور حصل الفوز والفلاح، حصلت الراحة والطمأنينة، حصلت النعمة والنعيم النفسي، استقام الأمر، ورضي القلب، واستمتع الإنسان بالحياة.
(سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) [محمد:5-6]، نلاحظ أن صلاح البال في الآية الأخرى معطوف على الهدى، وصلاح البال إذاً يحتاج إلى سلوك سبيل الله -سبحانه وتعالى-.
هل هناك ناس بالهم مشتت؟ بالهم مُعسر؟ بالهم معكر؟ نعم، كيف ينتقل الإنسان من تعكير البال وتعسير الحال إلى صلاح البال وتيسير الحال؟ الجواب مذكور في قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الأنفال:53]؛
فإذا نفسك أو مزاجك معكر، إذا حالك مُعسر، فلابد من إجراء تغيير، ما هو التغيير؟ حسب الآية الأولى: الإيمان، العمل الصالح؛ الهداية في الآية الأخرى، إذاً فلابد من البحث في أسباب صلاح الحال؛ لذلك -يا عباد الله- تحسين العلاقة مع الله، وما تقرب إلي عبد بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، فإذن فالفرائض أولا.
الطريق واضح، والمعالم نيِّرة، ماذا بعد الفرائض؟ وما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذن النوافل بعد الفرائض؛ ماذا أيضا؟ تقوى الله: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ…) [يونس:62-64].
إذاً، فالمؤمن أطيب الناس عيشاً، وأنعمهم بالا، وأشرحهم صدراً، وأسَرّهم قلباً، يدخل جنة الدنيا قبل أن يدخل جنة الآخرة؛ وفي الدنيا جنة، من لم يدخلها لم يدخل الجنة الآخرة.
لأن الإيمان والعمل الصالح والاستقامة والذكر وحفظ العلاقة مع الله تعالى لابد أن تنتج نعيما، لا تظنن يامسلم أن قول الله (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) [الانفطار:13، المطففين:22] تعني نعيم الآخرة فقط، بل هنالك نعيم في الدنيا، وهو راحة البال، وصلاح الحال.
(إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ): نعيم في الدنيا قبل أن يدخلوا نعيم الآخرة، نعيم الدنيا هو انشراح الصدر، اللذة النفسية؛ ليس نعيم الدنيا دائما في القصور والمراكب والمآكل اللذيذة، وهذا يحصل لكثير من الناس ثم ينتحرون! فلماذا ينتحر بعض أصحاب الثروات؟
لأنهم لم يذوقوا نعيم الدنيا الذي هو راحة البال، وصلاح الحال، وطمأنينة النفس، وانشراح الصدر، ونور القلب؛ هذه معانٍ لا يعرفها غير المسلم؛ كيف سيعرفها وهو لا يركع لله ولا يسجد له ولا يذكره ولا يمس له كتابا ولا يعرف له حلالا من حرام؟!.
(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة:45]، الصلاة هذه من جنة الدنيا فعلاً، وذكر الله من نعيم الدنيا حقيقة، (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].
كان لأحد الصحابة وِردٌ فيه أدعية وأذكار له، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- مرة يذكر فضل الصلاة عليه، فقال: أبي يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟
(من الورد هذا، عنده ورد يجلس يذكره حتى ينقضي)، قال: "ما شئت"، قلت: الربع؟ قال: "ما شئت، وما زدت فهو خير لك"، قلت: النصف، قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير لك"، قلت: الثلثين؟
قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير لك"، قلت: أجعل لك صلاتي كلها (كل الورد أجعله صلاتي عليك)، قال: "إذن (يعني في هذه الحالة) تُكْفَى همّك، ويغفر لك ذنبك" رواه الترمذي وهو حديث حسن وصحيح.
من أسباب صلاح الحال -يا عباد الله- القناعة بالرزق، صلاح البال هذا والهدوء والطمأنينة لا يتأتي إلا بأن يقنع الإنسان بما قسم الله له، "مَن أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا"، آمِنَاً، معافىً في البدن، عنده طعام اليوم، هذا كل ما يحتاجه الآن لهذا النعيم الدنيوي؛ ولذلك قال: فكأنما حيزت له الدنيا، وبعض الناس لا يقنعون بما قسم الله لهم، لماذا ليس عندي ما عند فلان؟ "اشمعنى" فلان؟
هذا إذا لم أستطع الحصول عليه فهل يمكن نزعه من فلان حتى أرتاح!
هكذا يفكرون في سلوك سبيل الراحة، نزع النعمة من فلان وفلانة ليرتاح هو، لماذا؟ لأن النفس قلقة؛ لماذا؟ لأن النفس لم ترضَ بما قسم الله.
هل كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يدعو بشيء فيه من هذا القبيل في قضية صلاح البال؟ نعم: "يا حي يا قيوم! برحمتك أستغيث! أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين". قوله: أَصْلِحْ لي شأني كله هو موضوعنا؛ البال هو الشأن والحال، أصلِح لي شأني كله. وكذلك قال: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي".
فمرة للدين، ومرة للدنيا، والثالثة للآخرة؛ ركز على الآخرة وعلى الدين والدنيا ستأتي تبعاً، واعمل للدنيا بالأسباب، نعم! لكن لا تجعل جُل الوقت للدنيا، ولا أكثر العمل للدنيا، ولا غالب سعيك للدنيا، وإنما الغالب والأكثر والنسبة الأكثر للدين والآخرة، ألا تراه قال: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي".
صلاح البال مذكور في الأذكار المتبادلة بين المسلم وإخوانه، أين يا ترى مذكور هذا؟ شيء يحصل من كل واحد منا ولابد، فيدعو لهم أخوه بهذا: "صلاح البال"، إذا عطس أحدكم يقول: الحمد لله. ولْيَقُلْ له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، وإذا قال له يرحمك الله يقول: يهديكم اللهُ ويُصْلِحُ بالَكُم.
كأننا أحيانا ننتبه لمعاني الأذكار لأول مرة، هذه هناك في العطاس، متى؟ كيف؟ لأننا أحيانا لا نتدبر في الأذكار فيأتينا المعنى كأننا نسمعه لأول مرة، عجباً! الموضوع مذكور في أذكار العطاس: يهديكم الله ويصلح بالكم.
اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ليقول الواحد منهم: يرحمكم الله؛ ليقول: يهديكم الله ويصلح بالكم؛ ولكن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يفوِّت عليهم هذا، فلا يقول لليهودي يرحمك الله. يتعاطسون عنده يرجو أحدهم أن يقول له النبي -عليه الصلاة والسلام-: يهديكم الله ويصلح بالكم. لكن الهداية عندنا وصلاح البال عندنا وليست عند اليهود!.
عباد الله: صلاح البال يمكن الحصول عليه عند صلاة الاستخارة عند الحيرة لمن كان يريد أن يتخذ قرارات في هذه الحياة، خطبة امرأة، إقبال على وظيفة، تسجيل في جامعة، انتقال من بلد إلى بلد… قرارات كثيرة؛ قال: "إذا هَمَّ أحدُكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة -يعني يمكن تكون سنة راتبة-، ثم يقول دعاء الاستخارة قبل السلام أو بعد السلام.
دعاء صلاة الاستخارة هذا من أسباب راحة البال، أيما كانت النتيجة تقول أنا استخرت ودعوت ربي، ولو جاء الأمر في بادئه وفي ظاهره على خلاف ما تشتهيه فلا ضير، (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].
وكذلك فإن راحة البال مجموعة في حديث: "من كانت الآخرة همَّه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة؛ ومَن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له".
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا في راحة بال، وأحسن حال، إنه هو الرحيم المتعال.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، انه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله مالك الملك ذي الجلال والإكرام، الحي القيوم الرحيم الرحمن، العزيز الديَّان، مالك الملك رب السموات والأرض؛ أشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أمينه على وحيه، ومصطفاه من خلقه، الشافع المشفع، وحامل لواء الحمد يوم الدين، إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وأزواجه وذريته وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
ياعبد الله: "رَيِّحْ بالك" بأن يكون حبك لله، وخوفك لله، ورجاؤك لله، وتوكلك على الله، واستعانتك بالله والتجاؤك إلى الله؛ إذا أعطيتَ أعطِ لله، وإذا منعت امنع لله، أخلِصْ لله، واتَّبِعْ أمر الله، فكن لله وبالله وعلى الله؛ لله في العمل والاخلاص، بالله في الاستعانة، وعلى الله في التوكل.
ولذلك بعض الناس يقول: أنا أثق بنفسي؟!
لا، الثقة بالله، فأنت تعمل بالأسباب، ما عندك التردد، ما عندك التواكل، ما عندك الآفات النفسية؛ لكن الثقة بالله وليست بالنفس،كن واثقاً بربك، لا بنفسك ولا بغيرك.
الأشخاص الذين يعملون الصالحات من العبادات، يقول عنهم الأطباء النفسيون الذين أجروا التجارب بأنهم في حالة نفسية أحسن وأفضل، لماذا؟
بعدما قاموا بالعينات والتجارب قالوا: هذه المجموعة التي تقوم الليل، وتتهجد، وتذكر، وتدعو، وتتلو الكتاب العزيز، هذه بالاستقراء الطبي والتحليل النفسي في الوضع الأحسن.
إن هذه القضية لا تحتاج إلى استقراء طبي وتحليل نفسي؛ لأنه قد جاء في الحديث: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبياً ".
لأنك لمـــَّــا تثق بالله -يا عبد الله- أنت مطمئن أن تدبير الله خير لك من تدبيرك لنفسك، واختيار الله لك خير من اختيارك لنفسك، ورضاك لما قدر الله لك -سبحانه وتعالى- هو مُبتغاك لا تريد غير ذلك أبدا؛ ولأجل هذا كي ينشرح صدرك وتعرف معنى عبارة السلف: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها.
ما هو أطيب ما فيها؟
إنه طمأنينة القلب، انشراح الصدر، لذة النفس بالقرب من الله وبمناجاته -سبحانه وتعالى-، وأن الله يجمع لهم شأنهم، ويرضيهم بما آتاهم، ويفرغ عليهم صبراً، وينزل عليهم السكينة، ويغشاهم بالرحمة، وينزل الملائكة لتحفهم، ويكون معهم بمعيته، وأن الله مع المؤمنين، وأن الله يدافع عن اللذين أمنوا، إذ يغشيكم النعاس أمَنَةً منه؛ قالها الله للمؤمنين في بدر، هذه الأشياء مَن الذي يذوقها؟.
الذي يتصدر قائمة أثرى أثرياء العالم ليسو من المسلمين! الذين يتصدرون القائمة الأوائل ليسوا من المسلمين! وسيموتون ويخرجون من الدنيا ولا يذوقون أطيب ما فيها! قطعاً يا عباد الله قطعاً: (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) [النور:55]؛ هذه محرومون منها، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل:97] هذه محرومون منها؛ (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) [الانفطار:13، المطففين:22] هذه محرومون منها. هكذا إذاً يذهبون ويخرجون من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها!.
كان بعض السلف إذا سئل: لماذا أنت في نعيم وفي هدوء بال؟
قال: كنت لا أتكلم في ما لا يعنيني، وكان قلبي سليما للمسلمين. كان الفقيه أبو إسحاق الشيرازي نزع عمامة له بعشرين دينارا ونزل يتوضأ في نهر دجلة، فجاء لص فأخذها وترك عمامة رديئة بدلها، فطلع الشيخ فلبس العمامة، وما شعر حتى سألوه في الدرس، فقالوا له: يا شيخ! أُخِذَت عمامتك وسُرِقت، وهذه باليه، فانتبه! قال: لعلَّ الذي أخذها محتاج.
وهكذا -يا إخواني- يكون حال المؤمن: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) [الأعراف:43]، مبني على أنهم في الدنيا كان يبيت أحدهم على سريره وما في صدره غل لأحد؛ ومشكلة كثير من الناس أن عندهم حسداً أو غلاً أو بغضاء أو حقدا أو غيرةً؛ فلذلك لا يرتاحون نتيجة أحد هذه العوامل.
واذكروا -يا عباد الله- هذا الكلام: أكثر أسباب المشكلات العائلية، هذه قضية، ليه فلان عنده وليس عندي؟
حقد، بغضاء، كره، وهكذا… هذا شيء طبيعي لمن لا يعمل بأمر الله -سبحانه وتعالى-: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء:54]، هذه آية واحدة تحل القضية.
إذاً -يا عباد الله- ينبغي علينا أن نبتعد عن هذا الحسد وهذا الحقد، والغضب جمرة من جمرات الشيطان، وأيضا الظلم؛ لأن الظالم لا يمكن أن يرتاح في النوم أبداً، كيف يرتاح في نومه وسهام الليل صاعدة؟ كيف؟.
فمرت المرأة به فرأته فشكرته على وصيته وقالت:
إذَا جَــــــارَ الوَزِيــــــــــرُ وَكَـاتِـــــبَـــــــــــاهُ *** وَقاضِي الأرضِ أَجْحَفَ فِي القَضَاءِ
فَوَيْــــــــلٌ ثُــــــمَّ وَيْــــــــــــلٌ ثُــــمَّ وَيْـــــلٌ *** لِقاضِي الأرضِ مِنْ قَاضِي السَّمَـاءِ
لا يمكن للظالم أن ينعم براحة بال، والمظلوم يدعو عليه، وعين الله لم تنم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله.
عباد الله: يقول ربنا -سبحانه وتعالى- في سورة محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) [محمد:2]؛ وتكفير السيئات ثواب أخرويٌّ عظيم، ينبني عليه دخول الجنة والوقاية من النار.
وهذا نتيجة الإيمان والعمل الصالح، فما معنى قوله (وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)؟
ما هو البال؟
وما معنى صالح البال؟
وما قيمة هذه القضية حتى جعلها مكافأة ونعيماً لمن آمن وعمل صالحاً: (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)؟
هل سألت نفسك يا مسلم، يا عبد الله، مرة وأنت تمر بهذه الآية في الختمة (وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ): ما هو صلاح البال؟.
البال -يا عباد الله- قال العلماء هو الأمر، وقالوا هو الحال، وقالوا هو الشأن، وقالوا هو القلب، وقالوا هو النية؛ أصلح شأنهم.. أصلح حالهم.. أصلح نيتهم.. أصلح قلوبهم.. أصلح عقولهم ونفوسهم.
البال في اللغة هو الحال والشأن، فماذا يترتب على صلاح الحال والشأن (وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)؟
إذا فحالك -يا أخي المسلم، ويا أيتها الأخت المسلمة- إذا صلح الحال صلحت الحياة والأمور حصل الفوز والفلاح، حصلت الراحة والطمأنينة، حصلت النعمة والنعيم النفسي، استقام الأمر، ورضي القلب، واستمتع الإنسان بالحياة.
(سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) [محمد:5-6]، نلاحظ أن صلاح البال في الآية الأخرى معطوف على الهدى، وصلاح البال إذاً يحتاج إلى سلوك سبيل الله -سبحانه وتعالى-.
هل هناك ناس بالهم مشتت؟ بالهم مُعسر؟ بالهم معكر؟ نعم، كيف ينتقل الإنسان من تعكير البال وتعسير الحال إلى صلاح البال وتيسير الحال؟ الجواب مذكور في قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الأنفال:53]؛
فإذا نفسك أو مزاجك معكر، إذا حالك مُعسر، فلابد من إجراء تغيير، ما هو التغيير؟ حسب الآية الأولى: الإيمان، العمل الصالح؛ الهداية في الآية الأخرى، إذاً فلابد من البحث في أسباب صلاح الحال؛ لذلك -يا عباد الله- تحسين العلاقة مع الله، وما تقرب إلي عبد بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، فإذن فالفرائض أولا.
الطريق واضح، والمعالم نيِّرة، ماذا بعد الفرائض؟ وما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذن النوافل بعد الفرائض؛ ماذا أيضا؟ تقوى الله: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ…) [يونس:62-64].
إذاً، فالمؤمن أطيب الناس عيشاً، وأنعمهم بالا، وأشرحهم صدراً، وأسَرّهم قلباً، يدخل جنة الدنيا قبل أن يدخل جنة الآخرة؛ وفي الدنيا جنة، من لم يدخلها لم يدخل الجنة الآخرة.
لأن الإيمان والعمل الصالح والاستقامة والذكر وحفظ العلاقة مع الله تعالى لابد أن تنتج نعيما، لا تظنن يامسلم أن قول الله (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) [الانفطار:13، المطففين:22] تعني نعيم الآخرة فقط، بل هنالك نعيم في الدنيا، وهو راحة البال، وصلاح الحال.
(إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ): نعيم في الدنيا قبل أن يدخلوا نعيم الآخرة، نعيم الدنيا هو انشراح الصدر، اللذة النفسية؛ ليس نعيم الدنيا دائما في القصور والمراكب والمآكل اللذيذة، وهذا يحصل لكثير من الناس ثم ينتحرون! فلماذا ينتحر بعض أصحاب الثروات؟
لأنهم لم يذوقوا نعيم الدنيا الذي هو راحة البال، وصلاح الحال، وطمأنينة النفس، وانشراح الصدر، ونور القلب؛ هذه معانٍ لا يعرفها غير المسلم؛ كيف سيعرفها وهو لا يركع لله ولا يسجد له ولا يذكره ولا يمس له كتابا ولا يعرف له حلالا من حرام؟!.
(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة:45]، الصلاة هذه من جنة الدنيا فعلاً، وذكر الله من نعيم الدنيا حقيقة، (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].
كان لأحد الصحابة وِردٌ فيه أدعية وأذكار له، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- مرة يذكر فضل الصلاة عليه، فقال: أبي يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟
(من الورد هذا، عنده ورد يجلس يذكره حتى ينقضي)، قال: "ما شئت"، قلت: الربع؟ قال: "ما شئت، وما زدت فهو خير لك"، قلت: النصف، قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير لك"، قلت: الثلثين؟
قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير لك"، قلت: أجعل لك صلاتي كلها (كل الورد أجعله صلاتي عليك)، قال: "إذن (يعني في هذه الحالة) تُكْفَى همّك، ويغفر لك ذنبك" رواه الترمذي وهو حديث حسن وصحيح.
من أسباب صلاح الحال -يا عباد الله- القناعة بالرزق، صلاح البال هذا والهدوء والطمأنينة لا يتأتي إلا بأن يقنع الإنسان بما قسم الله له، "مَن أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا"، آمِنَاً، معافىً في البدن، عنده طعام اليوم، هذا كل ما يحتاجه الآن لهذا النعيم الدنيوي؛ ولذلك قال: فكأنما حيزت له الدنيا، وبعض الناس لا يقنعون بما قسم الله لهم، لماذا ليس عندي ما عند فلان؟ "اشمعنى" فلان؟
هذا إذا لم أستطع الحصول عليه فهل يمكن نزعه من فلان حتى أرتاح!
هكذا يفكرون في سلوك سبيل الراحة، نزع النعمة من فلان وفلانة ليرتاح هو، لماذا؟ لأن النفس قلقة؛ لماذا؟ لأن النفس لم ترضَ بما قسم الله.
هل كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يدعو بشيء فيه من هذا القبيل في قضية صلاح البال؟ نعم: "يا حي يا قيوم! برحمتك أستغيث! أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين". قوله: أَصْلِحْ لي شأني كله هو موضوعنا؛ البال هو الشأن والحال، أصلِح لي شأني كله. وكذلك قال: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي".
فمرة للدين، ومرة للدنيا، والثالثة للآخرة؛ ركز على الآخرة وعلى الدين والدنيا ستأتي تبعاً، واعمل للدنيا بالأسباب، نعم! لكن لا تجعل جُل الوقت للدنيا، ولا أكثر العمل للدنيا، ولا غالب سعيك للدنيا، وإنما الغالب والأكثر والنسبة الأكثر للدين والآخرة، ألا تراه قال: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي".
صلاح البال مذكور في الأذكار المتبادلة بين المسلم وإخوانه، أين يا ترى مذكور هذا؟ شيء يحصل من كل واحد منا ولابد، فيدعو لهم أخوه بهذا: "صلاح البال"، إذا عطس أحدكم يقول: الحمد لله. ولْيَقُلْ له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، وإذا قال له يرحمك الله يقول: يهديكم اللهُ ويُصْلِحُ بالَكُم.
كأننا أحيانا ننتبه لمعاني الأذكار لأول مرة، هذه هناك في العطاس، متى؟ كيف؟ لأننا أحيانا لا نتدبر في الأذكار فيأتينا المعنى كأننا نسمعه لأول مرة، عجباً! الموضوع مذكور في أذكار العطاس: يهديكم الله ويصلح بالكم.
اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ليقول الواحد منهم: يرحمكم الله؛ ليقول: يهديكم الله ويصلح بالكم؛ ولكن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يفوِّت عليهم هذا، فلا يقول لليهودي يرحمك الله. يتعاطسون عنده يرجو أحدهم أن يقول له النبي -عليه الصلاة والسلام-: يهديكم الله ويصلح بالكم. لكن الهداية عندنا وصلاح البال عندنا وليست عند اليهود!.
عباد الله: صلاح البال يمكن الحصول عليه عند صلاة الاستخارة عند الحيرة لمن كان يريد أن يتخذ قرارات في هذه الحياة، خطبة امرأة، إقبال على وظيفة، تسجيل في جامعة، انتقال من بلد إلى بلد… قرارات كثيرة؛ قال: "إذا هَمَّ أحدُكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة -يعني يمكن تكون سنة راتبة-، ثم يقول دعاء الاستخارة قبل السلام أو بعد السلام.
دعاء صلاة الاستخارة هذا من أسباب راحة البال، أيما كانت النتيجة تقول أنا استخرت ودعوت ربي، ولو جاء الأمر في بادئه وفي ظاهره على خلاف ما تشتهيه فلا ضير، (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].
وكذلك فإن راحة البال مجموعة في حديث: "من كانت الآخرة همَّه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة؛ ومَن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له".
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا في راحة بال، وأحسن حال، إنه هو الرحيم المتعال.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، انه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله مالك الملك ذي الجلال والإكرام، الحي القيوم الرحيم الرحمن، العزيز الديَّان، مالك الملك رب السموات والأرض؛ أشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أمينه على وحيه، ومصطفاه من خلقه، الشافع المشفع، وحامل لواء الحمد يوم الدين، إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وأزواجه وذريته وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
ياعبد الله: "رَيِّحْ بالك" بأن يكون حبك لله، وخوفك لله، ورجاؤك لله، وتوكلك على الله، واستعانتك بالله والتجاؤك إلى الله؛ إذا أعطيتَ أعطِ لله، وإذا منعت امنع لله، أخلِصْ لله، واتَّبِعْ أمر الله، فكن لله وبالله وعلى الله؛ لله في العمل والاخلاص، بالله في الاستعانة، وعلى الله في التوكل.
ولذلك بعض الناس يقول: أنا أثق بنفسي؟!
لا، الثقة بالله، فأنت تعمل بالأسباب، ما عندك التردد، ما عندك التواكل، ما عندك الآفات النفسية؛ لكن الثقة بالله وليست بالنفس،كن واثقاً بربك، لا بنفسك ولا بغيرك.
الأشخاص الذين يعملون الصالحات من العبادات، يقول عنهم الأطباء النفسيون الذين أجروا التجارب بأنهم في حالة نفسية أحسن وأفضل، لماذا؟
بعدما قاموا بالعينات والتجارب قالوا: هذه المجموعة التي تقوم الليل، وتتهجد، وتذكر، وتدعو، وتتلو الكتاب العزيز، هذه بالاستقراء الطبي والتحليل النفسي في الوضع الأحسن.
إن هذه القضية لا تحتاج إلى استقراء طبي وتحليل نفسي؛ لأنه قد جاء في الحديث: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبياً ".
لأنك لمـــَّــا تثق بالله -يا عبد الله- أنت مطمئن أن تدبير الله خير لك من تدبيرك لنفسك، واختيار الله لك خير من اختيارك لنفسك، ورضاك لما قدر الله لك -سبحانه وتعالى- هو مُبتغاك لا تريد غير ذلك أبدا؛ ولأجل هذا كي ينشرح صدرك وتعرف معنى عبارة السلف: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها.
ما هو أطيب ما فيها؟
إنه طمأنينة القلب، انشراح الصدر، لذة النفس بالقرب من الله وبمناجاته -سبحانه وتعالى-، وأن الله يجمع لهم شأنهم، ويرضيهم بما آتاهم، ويفرغ عليهم صبراً، وينزل عليهم السكينة، ويغشاهم بالرحمة، وينزل الملائكة لتحفهم، ويكون معهم بمعيته، وأن الله مع المؤمنين، وأن الله يدافع عن اللذين أمنوا، إذ يغشيكم النعاس أمَنَةً منه؛ قالها الله للمؤمنين في بدر، هذه الأشياء مَن الذي يذوقها؟.
الذي يتصدر قائمة أثرى أثرياء العالم ليسو من المسلمين! الذين يتصدرون القائمة الأوائل ليسوا من المسلمين! وسيموتون ويخرجون من الدنيا ولا يذوقون أطيب ما فيها! قطعاً يا عباد الله قطعاً: (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) [النور:55]؛ هذه محرومون منها، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل:97] هذه محرومون منها؛ (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) [الانفطار:13، المطففين:22] هذه محرومون منها. هكذا إذاً يذهبون ويخرجون من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها!.
كان بعض السلف إذا سئل: لماذا أنت في نعيم وفي هدوء بال؟
قال: كنت لا أتكلم في ما لا يعنيني، وكان قلبي سليما للمسلمين. كان الفقيه أبو إسحاق الشيرازي نزع عمامة له بعشرين دينارا ونزل يتوضأ في نهر دجلة، فجاء لص فأخذها وترك عمامة رديئة بدلها، فطلع الشيخ فلبس العمامة، وما شعر حتى سألوه في الدرس، فقالوا له: يا شيخ! أُخِذَت عمامتك وسُرِقت، وهذه باليه، فانتبه! قال: لعلَّ الذي أخذها محتاج.
وهكذا -يا إخواني- يكون حال المؤمن: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) [الأعراف:43]، مبني على أنهم في الدنيا كان يبيت أحدهم على سريره وما في صدره غل لأحد؛ ومشكلة كثير من الناس أن عندهم حسداً أو غلاً أو بغضاء أو حقدا أو غيرةً؛ فلذلك لا يرتاحون نتيجة أحد هذه العوامل.
واذكروا -يا عباد الله- هذا الكلام: أكثر أسباب المشكلات العائلية، هذه قضية، ليه فلان عنده وليس عندي؟
حقد، بغضاء، كره، وهكذا… هذا شيء طبيعي لمن لا يعمل بأمر الله -سبحانه وتعالى-: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء:54]، هذه آية واحدة تحل القضية.
إذاً -يا عباد الله- ينبغي علينا أن نبتعد عن هذا الحسد وهذا الحقد، والغضب جمرة من جمرات الشيطان، وأيضا الظلم؛ لأن الظالم لا يمكن أن يرتاح في النوم أبداً، كيف يرتاح في نومه وسهام الليل صاعدة؟ كيف؟.
ظلم وزير امرأة فأخذ بيتها ومزرعتها -كما تقول كتب التاريخ الإسلامي-، فهددته أن تشكوه إلى الله، فقال مستهزئاً: لا تنسَيْ الثلث الأخير من الليل، كثِّري من الثلث الأخير من الليل، فقامت تدعو عليه شهرا، فابتلاه الله بحاكم فوقه فأخذه وقطع يده وسجنه، وكان يضربه كل يوم، كل يوم يخرجه ويعاقبه بالجلد.
فمرت المرأة به فرأته فشكرته على وصيته وقالت:
إذَا جَــــــارَ الوَزِيــــــــــرُ وَكَـاتِـــــبَـــــــــــاهُ *** وَقاضِي الأرضِ أَجْحَفَ فِي القَضَاءِ
فَوَيْــــــــلٌ ثُــــــمَّ وَيْــــــــــــلٌ ثُــــمَّ وَيْـــــلٌ *** لِقاضِي الأرضِ مِنْ قَاضِي السَّمَـاءِ
لا يمكن للظالم أن ينعم براحة بال، والمظلوم يدعو عليه، وعين الله لم تنم.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا في نعيم في الدنيا والآخرة يا رب العالمين.
جزآك الله جنه عرضهآ السموآت والآض
وبآرك الله فيك على الطرح القيم
آسآل الله آن يزين حيآتك بـ الفعل الرشيد
ويجعل الفردوس مقرك بعد عمر مديد
دمتِي بـ طآعة الله
مجتمع رجيم عالم من الصحة و الرشاقة والجمال، مجتمع يأخذك لعالم صحي لك ولكل أفراد عائلتك.
https://www.facebook.com/forum.rjeem